ارتفعت معدلات الإقبال على المطالبة بالحصول على إعانات البطالة بعد أسابيع من تفشي جائحة فيروس كورونا لتتجاوز 30 مليون طلب في الولايات المتحدة، وينصب التركيز بطبيعة الحال على أولئك الذين أصبحوا عاطلين عن العمل وفجأة بات مستقبلهم المهني محاطاً بالغموض وغدا أمنهم الوظيفي على المدى الطويل غير واضح المعالم، إلا أن الحسابات الاقتصادية كثيراً ما تغفل الموظفين الذين استطاعوا النجاة بوظائفهم، فكيف يمكن دعم الموظفين بعد التسريح تحديداّ؟
ففي ظل شعور البعض بأنهم محظوظون لاستمرارهم في عملهم، ما زال هناك آخرون يعانون مشاعر مختلطة، فربما يشعرون بالارتياح لأنهم ما زالوا محتفظين بوظائفهم لكنهم في الوقت ذاته يشعرون بالذنب تجاه معاناة زملائهم السابقين الذين تخلت عنهم جهات عملهم، وعادة ما يرتبط هذا النوع من شعور الناجين بالذنب أو ما يُعرف بـ "عقدة الناجي" بالحالة النفسية التي يمر بها الأفراد بعد مرورهم بحادث أليم أو حادثة تسببت في إلحاق الضرر بحياة الآخرين، ولكن قد يحدث ذلك أيضاً بعد تسريح الشركات للعمالة، فمن الشائع أن يطرح الموظفون المستمرون بعملهم أسئلة مثل: لماذا نجوت أنا، ولم ينجوا هم؟ أو كيف سأواجه أصدقائي الذين تعرضوا للفصل وأنا على علم بوضعهم المالي المتعثر بينما لا أزال أنا محتفظاً بعملي؟ قد تتفاقم عقدة الناجين بإدراكهم أن الشركة أخفقت في تقدير قيمة الزملاء والأصدقاء الموثوق بهم أو مكافأتهم وأنها استغنت عنهم بدلاً من ذلك.
كيفية دعم الموظفين بعد التسريح
وتشير الدراسات إلى انخفاض إنتاجية ما يقرب من ثلاثة أرباع الموظفين (74%) ممن احتفظت بهم جهات عملهم، كما أعلن 69% من المشاركين بالدراسة عن تراجع جودة منتجات الشركة وخدماتها، وعندما سُئل هؤلاء المشاركين عن سبب هذا الشعور، أعربوا عن شعورهم بالذنب والقلق والغضب، ولكن يظل هناك خبر سار، فقد تبين أن الموظفين الذين شعروا بأن مدراءهم يواسونهم ويتعاملون معهم بود وشفافية، كانت فرص انخفاض الإنتاجية لديهم أقل بنسبة 70%، بينما انخفضت احتمالات تراجع جودة منتجات مؤسساتهم بنسبة 65%، وتثبت هذه الأرقام أن بمقدور القادة إحداث فارق كبير في مساعدة الموظفين المستمرين بالعمل على التعامل مع عقدة الناجي، وإليك الطريقة.
اقرأ أيضاً: دليلك لتكون متعاطفاً أثناء تسريح العمال
تذكر أن الحياتين العملية والشخصية لا تنفصلان
تقول جينيفر موس، مؤلفة كتاب "كشف أسرار السعادة في العمل" (Unlocking Happiness at Work): "قد يصبح زملاء العمل أقرب أصدقائنا، ما يجعل العمل سبباً للألم". وتوضح موس قائلة: "قد يتولّد لدينا الشعور بالأسى عند خسارة أحد زملاء العمل بسبب تسريح العمالة، "ولكنه لا يقتصر على مشاعر الحزن والخسارة فقط، فالشعور بالأسى قد يأتي مصحوباً بالشعور بالذنب والغضب وعدم اليقين والإنكار والندم والكثير من المشاعر الأخرى". فإذا لاحظ الموظفون في أثناء مكالمة الفيديو غياب أفراد فريق العمل السابقين، فربما ينصرف انتباههم عن النقاش الدائر وينشغل بالهم بالتفكير في سبب تسريح زملائهم، لذا فإن أول ما يجب فعله هو الإقرار بما يشعر به هؤلاء "الناجون"، وإظهار الاحترام للإسهامات التي قدمها زملاؤهم السابقون، وعليك تشجيع الموظفين على التواصل مع زملاء العمل السابقين واحرص على ممارسة السلوك ذاته بصفتك مديراً لهم، فيمكنك على سبيل المثال تقديم الدعم النفسي الحقيقي لهم ومساندتهم في البحث عن عمل، مثل مراجعة السير الذاتية وتقديمهم إلى دائرة معارفك وتوفير رسائل التوصية.
اقرأ أيضاً: دليل تسريح الموظفين خطوة بخطوة
عليك بالصراحة
لمساعدة الموظفين على تجنب الانغماس في عقدة الناجي وما ينتج عنه من تشتت الانتباه، يجب على المدراء مساعدتهم على معرفة الأسباب التي دفعت الشركة لاتخاذ قرارات تقليص حجم العمالة وشرح الخيارات الأخرى التي طُرحت آنذاك، فإذا كانت الشركة تسهم في تيسير انتقال أولئك الذين فقدوا وظائفهم، من خلال تقديم خدمات الفصل والانتقال الوظيفي، فيمكنك حينئذ مشاركة هذه التفاصيل، وإذا جرى تسريح بعض العمالة مؤقتاً بدلاً من الاستغناء عنهم تماماً وكانت هناك خطط لإعادة توظيفهم بعد تحسن الظروف الاقتصادية، فعليك أيضاً توضيح ذلك، فإذا أدرك الموظفون أن الإدارة تعيد هيكلة الشركة للحفاظ على الاستقرار والنمو المستقبلي في ظل حرصها على معاملة أفرادها باحترام وأنها تحرص على إتاحة الفرص متى كان ذلك ممكناً، ستزداد فرص بذلهم لأقصى ما بوسعهم.
تواصل باستمرار وشفافية من أجل دعم الموظفين بعد التسريح
ربما تميل إلى تجنب الحديث حول هذه الأمور القاسية، إلا أن القيام بذلك قد يؤدي إلى تراجع ثقة الأفراد بالإدارة والشركة، ومن هنا كان التواصل المفتوح والمتكرر أمراً بالغ الأهمية لطمأنة الموظفين في الأزمات وقد يفيد في تخفيف الشعور بعقدة الناجي، ويجب على القادة التواصل مع مرؤوسيهم كثيراً وبانتظام على كافة مستويات المؤسسة، ويجب أن تفكر الشركات في تخصيص يوم أو يومين لإجراء جلسات التدريب والمناقشة لمساعدة المدراء على بناء جسور الثقة بينهم وبين موظفيهم من خلال تقديم رسائل تنم عن التعاطف وتتصف بالاتساق فيما يتعلق بتسريح العمال، وتُعد اللقاءات العامة الافتراضية والاجتماعات غير الرسمية التي تسمح للموظفين بتناول غدائهم وقت الاجتماع، وغيرها من المنتديات المفتوحة، وسائل مفيدة لإبقاء الحوار مفتوحاً وتمنح الموظفين فرصة لطرح الأسئلة، ويمكن لقادة الفرق، في نهاية اجتماعاتهم القليلة المقبلة بموظفيهم، البدء بإضافة 15 دقيقة لتسهيل التواصل المتبادل وتوفير مساحة آمنة للموظفين والتعامل مع ما يشعرون به تجاه الاستغناء عن زملائهم بالعمل، فاحرص على بذل الجهد لتكون ودوداً وواضحاً وصريحاً، وتعامل مع شعور الموظفين بعقدة الناجي بدلاً من تجاهلها.
اربط بين العمل والغرض
ثمة استراتيجية أخرى لمساعدة موظفيك الذين لا يزالون مستمرين بوظائفهم، وذلك بإعادة توجيه تركيزهم إلى عملهم بدلاً من انشغالهم بالشعور بالذنب، من خلال إعادة توجيههم نحو أغراض فردية وجماعية، فالإنسان يجد المغزى عندما يرى علاقة واضحة بين الأمور التي يهتم بها وبين ما يؤديه في يومه، ولكن يصعب إدراك هذه الصلة ولا تتضح دائماً حتى في أفضل الأوقات، لاسيما في ظل جائحة عالمية عندما يشعر أولئك البعيدون عن الخطوط الأمامية بأن عملهم أقل أهمية.
اقرأ أيضاً: دراسة حالة: هل يجب طرده من الشركة بسبب ما نشره على فيسبوك؟
وبمجرد أن تتاح للموظفين فرصة مداواة مشاعرهم حول تسريح العمالة، وبفهمهم للقرارات المتخذة فهماً أدق، تكون تلك هي الفرصة المثالية للمدراء للإفصاح عن غرض المؤسسة وقيمها وربط عمل الجميع بتلك القيم والأغراض، وتعتبر مشاركة القصص عن كيفية قيامكم بشكل جماعي بإحداث فرق إيجابي في حياة الآخرين على أرض الواقع، بمن في ذلك العملاء والموظفون والمجتمعات، هي الطريقة المثلى للقيام بذلك، كما يمكنك تذكير موظفيك بأنهم يؤدون عملهم خدمة لأولئك الذين يهتمون بهم في حياتهم الشخصية.
في ظل تسريح العمالة بسبب جائحة "كوفيد-19"، من الضروري استيعاب مشاعر الموظفين الذين لا يزالون ضمن قوة العمل وفهم احتياجاتهم من أجل دعم الموظفين بعد التسريح تحديداً، إذ لا تقتصر معاناتهم على رؤيتهم لزملائهم وهم يخسرون وظائفهم، بل قد تمتد لتشمل التحديات الشخصية التي غالباً ما تكون خفية وغير محددة المعالم وعلى درجة عالية من التعقيد، وبالتالي يجب على القادة إظهار اهتمامهم بالتواصل بشفافية حول الوضع الحالي والإنصات إلى الأفراد الناجين وهم يعبرون عن عقدة الناجي وإحساسهم بالذنب، كما يجب عليهم أن يكونوا مستعدين للتكيف وإعادة ضبط وجهتهم لإعطاء الأولوية للأفراد وليس الأرباح.
اقرأ أيضاً: