الذكاء الاصطناعي يستطيع التفوق على الأطباء، فلماذا لا يثق به المرضى؟

6 دقائق
تفوق الذكاء الاصطناعي على الأطباء

هل بالفعل تفوق الذكاء الاصطناعي على الأطباء في العالم؟ يشير بحثنا الأخير إلى أنّ المرضى يميلون بشكل أكبر إلى استخدام الرعاية الصحية التي يقدمها الذكاء الاصطناعي الطبي عندما يتفوق على الأطباء البشر. فما هو السبب؟ لأنّ المرضى يعتقدون أنّ احتياجاتهم الطبية فريدة ولا يمكن للخوارزميات التعامل معها بطريقة مناسبة. ولتحقيق الفوائد الكثيرة والوفورات في التكاليف التي يعد بها الذكاء الاصطناعي الطبي، يجب على مقدّمي الرعاية إيجاد طرق للتغلب على هذه الشكوك.

يمكن للذكاء الاصطناعي الطبي العمل بدقة بالغة وتقديم رعاية فعالة من حيث التكلفة على نطاق واسع. وفي هذا السياق، يقوم نظام حاسوب "واتسون" (Watson) التابع لشركة "آي بي إم" بتشخيص مرض القلب بشكل أفضل مما يفعله أطباء القلب. كما تقدّم روبوتات الدردشة استشارات طبية لخدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة بدلاً من الممرضين والممرضات. وتقوم تطبيقات الهواتف الذكية الآن بالكشف عن سرطان الجلد بدقة بالغة. وتتعرف الخوارزميات على أمراض العيون، بنفس الدقة التي يتقنها الأطباء المتخصصون. ويتوقع البعض أن ينتشر استخدام الذكاء الاصطناعي بنسبة 90% من المستشفيات وأن يستبدل ما يعادل 80% مما يفعله الأطباء حالياً. لكن إلى ذلك الحين، سيكون على نظام الرعاية الصحية التغلب على عدم ثقة المرضى بالذكاء الاصطناعي.

قمنا بدراسة تقبّل المرضى للذكاء الاصطناعي الطبي في إطار سلسلة من التجارب التي أجريناها بالتعاون مع زميلنا أندريا بونيزي من جامعة نيويورك (إن واي يو). وبيّنت النتائج، المذكورة في ورقة ستصدر لاحقاً في "مجلة أبحاث المستهلكين" (Journal of Consumer Research)، عزوفاً كبيراً في عمليات تتراوح بين عملية الكشف عن سرطان الجلد وعملية غرس جهاز تنظيم ضربات القلب. وجدنا أنه عندما قام الذكاء الاصطناعي بتوفير الرعاية الصحية بدلاً من مقدّم الرعاية الصحية البشري، كان المرضى أقل ميلاً للاستفادة من الخدمة وأرادوا أن يدفعوا أقل مقابلها. كما أنهم فضلوا أن يقوم مقدّم رعاية بشري بتنفيذ الخدمة حتى لو عنى ذلك خطراً أكبر يتمثل في التشخيص غير الدقيق أو تعقيدات في العملية الجراحية.

ووجدنا أنّ ذلك يُعزى إلى أنّ الذكاء الاصطناعي يقدم مستوى متدنّ من الرعاية. كما أنّ المرضى لا يعتقدون أنّ الذكاء الاصطناعي أكثر تكلفة أو أقل راحة أو أقل تزويداً بالمعلومات. وبدلاً من ذلك، يبدو أنّ مقاومة الذكاء الاصطناعي تنبع من الاعتقاد أنّ الذكاء الاصطناعي لا يأخذ بعين الاعتبار الخصائص والظروف الفردية. يرى الناس أنفسهم على أنهم فريدون، ونجد أنّ هذه الاعتقاد يشمل صحتهم. يُصاب أشخاص آخرون ببرد من نوع ما، البرد "الخاص بي" مرض فريد "يصيبني" بطريقة مميزة. وفي المقابل، ينظر الناس إلى الرعاية الطبية التي يوفرها مقدّمو الرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي على أنها عادية وتفتقر إلى المرونة، ومصممة لتعالج المرضى العاديين لكنها غير كافية لمراعاة الظروف الفريدة التي تنطبق على الفرد.

تفوق الذكاء الاصطناعي على الأطباء

تأمّل في نتائج إحدى الدارسات التي أجريناها. قدّمنا لأكثر من 200 طالب وطالبة في كلية الأعمال بجامعة بوسطن وجامعة نيويورك فرصة أخذ تقييم مجاني من شأنه أن يزودهم بتشخيص لمستوى التوتر لديهم وتوصيات بإجراءات يمكنهم اتباعها للمساعدة في إدارة التوتر. والنتيجة: سجّل 40% عندنا أُخبروا أنّ طبيباً كان سيجري التشخيص، في مقابل 26% فقط عندما كان الكمبيوتر هو الذي سيجري التشخيص. (وفي هذه الظروف التجريبية، أُخبر المشاركون أنّ الخدمة مجانية وأنّ مقدّم الخدمة أجرى تشخيصاً صحيحاً وقدّم توصية في 82% إلى 85% من الحالات السابقة.

وفي دراسة أخرى، استطلعنا آراء أكثر من 700 أميركي في حلقة نقاش على الإنترنت لاختبار فيما إذا سيختار المرضى مقدمي الرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي عندما كان أداء الذكاء الاصطناعي متفوقاً بشكل واضح على مقدمي الرعاية البشر. وطلبنا من المشاركين في البحث مراجعة المعلومات حول أداء مقدّمي رعاية اثنين (أُطلق عليها المقدّم "س" والمقدِّم "ص") من ناحية دقة تشخيص سرطان الجلد أو اتخاذ قرارات الفرز لحالات الطوارئ الطبية، أو معدل التعقيدات المرتبطة بجراحة زرع أجهزة تنظيم ضربات القلب التي أجراها مقدِّمو الرعاية هؤلاء في السابق.

ثم طلبنا من المشاركين توضيح من يفضلونه من بين مقدّمي الرعاية على مقياس من 7 نقاط مزود بنقاط طرفية: 1 (يفضل مقدّم الرعاية "س")، 4 (لا يوجد تفضيل)، 7 (يفضل مقدّم الرعاية "ص"). عندما اختار المشاركون بين طبيبين بشريين متباينين في أدائهما، فضّل جميع المشاركين الطبيب البشري ذي الأداء الأعلى. لكن عند الاختيار بين طبيب بشري ومقدِّم رعاية قائمة على الذكاء الاصطناعي (مثل خوارزمية أو روبوت دردشة أو ذراع روبوتية مُدارة عند بعد باستخدام برنامج حاسوب)، كان تفضيل المرضى لمقدِّم الرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي عالي الأداء أضعف بشكل كبير. وبعبارة أخرى، كان المشاركون مستعدين للتنازل عن رعاية صحية أفضل ليحظوا برعاية بشري، بدلاً من مقدِّم رعاية قائمة على الذكاء الاصطناعي.

كما ظهرت مقاومة الذكاء الاصطناعي الطبي في الاستعداد للدفع مقابل نفس الإجراءات التشخيصية. أعطينا 103 أميركيين من حلقة نقاش على الإنترنت سعراً مرجعياً يبلغ 50 دولار أميركي لاختبار توتر تشخيصي يمكن إجراؤه عبر مقدّم رعاية بشري أو قائم على الذكاء الاصطناعي، وكان لكليهما معدل دقة يساوي 89%. وأُخبر المشاركون في الوضع الافتراضي للذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، أنّ تكلفة التشخيص هي 50 دولاراً عند إدارته بالذكاء الاصطناعي. بعدئذ أشاروا إلى أنهم على استعداد للدفع لاستبدال الذكاء الاصطناعي بشخص يقوم بذلك. كان المشاركون مستعدين للدفع أكثر للتحويل إلى مقدِّم رعاية بشري عندما كان مقدّم الرعاية الافتراضي هو الذكاء الاصطناعي مقارنة باستعدادهم للدفع للتحويل إلى مقدّم الرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي عندما كان المقدّم الافتراضي بشراً.

مع إبراز أهمية الاعتقاد أنّ ظروف المشاركين فريدة، كلما نظر المشاركون إلى أنفسهم على أنهم مميزين ومختلفين عن الأفراد الآخرين، زاد وضوح مقاومتهم لمقدّم الذكاء الاصطناعي. طلبنا من 243 أميركياً في حلقة نقاش على الإنترنت تحديد تفضيلاتهم بين مقدّمي رعاية للكشف عن سرطان الجلد. كان الاثنان يتمتعان بدقة بنسبة 90% في تشخيصهم. تنبأت درجة التميز التي نظر بها المشاركون إلى أنفسهم بتفضيلهم الكبير للبشر مقارنة بمقدّم الرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي (الذي يتمتع بنفس القدر من الدقة)، ولم يكن لذلك تأثير على تفضيلهم بين مقدّمَي الرعاية البشريين.

يوجد عدد من الخطوات التي يمكن لمقدِّمي الرعاية اتخاذها للتغلب على مقاومة المرضى للذكاء الاصطناعي الطبي. فمثلاً، يستطيع مقدِّمو الرعاية تبديد المخاوف بشأن معاملتهم كعاديين أو إحصائيين من خلال اتخاذ إجراءات تزيد من الطابع الشخصي المتصوّر للرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي. عندما وصفنا مقدِم الرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي بوضوح على أنه قادر على تصميم توصياته فيما يتعلق بقرار جراحة تحويل مسار الشريان التاجي لكل خصائص المميزة للمرضى وتاريخهم الطبي، أشار المشاركون في الدراسة إلى أنهم يميلون إلى اتباع توصيات العلاج من مقدم الرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي كما سيتبعون توصيات العلاج المقدّمة من طبيب بشري.

وتحقيقاً لتلك الغاية، بالنسبة لخدمات الرعاية الصحية القائمة على الذكاء الاصطناعي (مثل التشخيص بروبوتات الدردشة، والنمذجة التنبؤية المستندة للخوارزميات، والعلاجات المعتمدة على التطبيقات، والملاحظات من خدمات القابلة للارتداء)، يمكن لمقدّمي الرعاية التأكيد على المعلومات التي تجمعها حول المرضى لتوليد ملفاتهم المميزة، بما فيها نمط حياتهم وتاريخ عائلاتهم وملفاتهم الوراثية وتفاصيل حول بيئتهم. عندها قد يشعر المرضى أنّ مقدّم الرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي سيأخذ بعين الاعتبار نوع المعلومات التي سيراعيها المقدّم البشري مثل الممارس العام الذي يمتلك صلاحية الوصول إلى تاريخهم المرضي. ويمكن استخدام هذه المعلومات ليحصل المرضى على توضيح أفضل بشأن كيفية تصميم الرعاية بما يتناسب مع ملفهم الشخصي.

يمكن أن تحتوي الخدمات الخاصة القائمة على الذكاء الاصطناعي على أدلة تشير إلى التخصيص، مثل "حسب ملفك المميز". وعلاوة على ذلك، يمكن لمؤسسات الرعاية الصحية بذل جهد خاص في نشر خبر أنّ مقدِّمي الرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي يقدِّمون رعاية صحية شخصية وفردية، مثلاً من خلال مشاركة أدلة مع وسائل الإعلام توضح كيفية عمل الخوارزميات ونشر تقييمات المرضى للخدمة.

ويتعين أن يجعل تأكيد طبيب ما لتوصية من مقدِّم الرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي الناس أكثر تقبلاً للرعاية القائمة على الذكاء الاصطناعي. وجدنا أنّ الناس يشعرون بارتياح إزاء الاستفادة من الذكاء الاصطناعي الطبي إذا بقي أحد الأطباء مسؤولاً عن القرار النهائي. في إحدى الدراسات التي ناقشناها في ورقتنا البحثية، أشار المشاركون إلى أنهم يميلون إلى استخدام عملية قامت فيها إحدى الخوارزميات بتحليل فحوص لجسمهم للكشف عن سرطان الجلد وقدّمت توصيات للطبيب الذي اتخذ القرار النهائي تماماً كما يستفيدون من رعاية يقدّمها الطبيب من البداية وحتى النهاية.

يجري تطوير تكنولوجيات الرعاية الصحية القائمة على الذكاء الاصطناعي ونشرها بوتيرة مذهلة. يمكن للجراحة بمساعدة الذكاء الاصطناعي أن ترشد أداة الطبيب الجرّاح أثناء عملية ما وأن تستخدم بيانات من عمليات سابقة للاسترشاد بها في أساليب جراحية جديدة. وتستطيع الطبابة عن بُعد القائمة على الذكاء الاصطناعي تقديم رعاية أولية لدعم المناطق النائية التي يتعذر عليها الوصول بسهولة إلى خدمات الرعاية الصحية. كما تستطيع مساعدات التمريض الافتراضية التفاعل مع المرضى طوال الوقت، ومتابعتهم على مدار الساعة، والإجابة على الأسئلة التي يطرحونها. لكن استغلال الإمكانات الكاملة لهذه المساعدات وغيرها من أجهزة الذكاء الاصطناعي الطبي التي تتفاعل مع الزبائن يتطلب أن نقوم أولاً بالتغلب على شكوك المرضى إزاء اتخاذ الخوارزميات للقرارات بشأن رعايتهم، بدلاً من الأشخاص العاديين وهو ما يجعلنا نبحث عن إمكانية تفوق الذكاء الاصطناعي على الأطباء تحديداً.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي