كيف تجعل مؤسستك جاذبة للمواهب باستخدام علامتها التجارية؟

6 دقائق
العلامة التجارية للمؤسسة
هنريك سورنسن/ غيتي إميدجيز

ملخص: في زمن تتنافس فيه الشركات على استقطاب أصحاب أهم المواهب في خضم موجة الاستقالة الكبرى، يمكن أن يكون لتطوير العلامة التجارية للمؤسسة (Employer Brand) للشركة أثر هائل في اعتبارات المرشح الذي يفكر في العمل فيها. يحدد المؤلف 3 أركان أساسية في تطوير العلامة التجارية للمؤسسة؛ سمعة صاحب العمل وعرض قيمة صاحب العمل وتجربة الموظف، ويقترح طرقاً لتحسين كل منها.

 

تزداد الأهمية التي يحظى بها تطوير العلامة التجارية للمؤسسة(Employer Brand) في نقاشات الإدارة التنفيذية العليا، ولكنه لا يزال مفهوماً جديداً نسبياً. قبل عدة أعوام كان قادة الشركات يشيرون إلى آلات الألعاب الترفيهية المتوفرة في غرفة الألعاب ضمن الشركة أو تقديم وجبات الغداء المجانية على أنها تمثل العلامة التجارية للمؤسسة، أما في عام 2022 فأغلب القادة يدركون أن هذا النوع من الامتيازات لا يشكل استراتيجية شاملة لاستبقاء الموظفين وليس لها أي دور يذكر في معركة اجتذاب أصحاب المواهب.

لا شك في أن جائحة "كوفيد-19" قد سرّعت هذا التطور في تفكير القادة بدرجة كبيرة، إذ وضعتهم تحت ضغط كبير لا ينحصر في ضرورة توضيح قيمهم إنما يشمل إثباتها أيضاً. في مواجهة القرارات الصعبة، اضطرت الشركات فجأة إلى الحكم على مثالياتها ومبادئها التوجيهية الثابتة المزعومة؛ إما أنها حقيقية وواقعية وإما أنها مجرد شعارات كلامية، فاكتسبت وعياً متزايداً بأهمية غاية المؤسسة وتماسك الفريق وتجربة الموظف.

واليوم أصبحت أهمية هذه الخصائص أكبر من أي وقت مضى في دفع المرشحين للتفكير في اتخاذ خطوات مهنية في خضم موجة الاستقالة الكبرى، وبالنتيجة أصبحت على رأس أولويات المسؤولين التنفيذيين الذين يبحثون عن طرق لتمييز أنفسهم عن المنافسين الذين يبحثون عن أصحاب المواهب في نفس المجموعة التي يتضاءل حجمها يوماً بعد يوم؛ هذه الخصائص هي نفسها عناصر تطوير العلامة التجارية للمؤسسة، وهذه ليست مجرد صدفة.

على الرغم من التقاء التوجهات التي تخلق وعياً أكبر بالحاجة إلى العلامة التجارية للمؤسسة فكثير من القادة لم يحسموا أمرهم بعد فيما يتعلق بأركانها. المفاهيم الخاطئة منتشرة بغزارة؛ يعتقد البعض أن بناء العلامة التجارية للمؤسسة ذات المصداقية مستحيل لأنه من النادر أن يعكس الواقع بيان الرؤية الطموحة المعلقة على جدران المقر المكتبي أو المنشورة في صفحات المواقع الإلكترونية، ويفترض البعض الآخر أن العلامة التجارية لصاحب العمل لا تنطبق إلا على بيئات العمل ضمن المقر المكتبي لأن نموذجي العمل الهجين والعمل عن بُعد لم يتبلورا بعد بدرجة تتيح ترسيخ هوية الشركة، وثمة من يقول إنه بالإمكان وضع العلامة التجارية للمؤسسة ضمن إطار رسالة الشركة الشاملة (مثل "نريد أن نكون الأفضل") أو في كلمة واحدة ("النزاهة").

أي منهم على صواب؟ مم تتكون العلامة التجارية للمؤسسة؟

فيما يلي المكونات الثلاثة الرئيسة للعلامة التجارية للمؤسسة مع الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتأسيس كل منها.

1. السمعة

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي تنتشر الأخبار بسرعة وتتمتع تصورات الآخرين عنا بأهمية كبيرة. يولي الباحثون عن الوظائف الحديثة أهمية كبيرة لسمعة صاحب العمل المحتمل في قرار التقدم للوظائف أو قبول عروض العمل لأنهم يدركون تماماً أثرها على سمعتهم ونظرة الآخرين إليهم.

يمكن تقييم السمعة في سياق اجتذاب المواهب واستبقائهم وفقاً لثلاثة عناصر؛ العنصر الأول هو الحافز المهني، وهو يشير إلى أحد الأسئلة الأولى التي يطرحها الباحث عن الوظيفة على نفسه حين يتعرف على الشركة: هل سأحقق تقدماً مهنياً بعملي هنا؟ يتدافع أصحاب المواهب إلى الشركات التي تتيح فرص التطوير المستمر ضمن مقارها المكتبية وخارجها، العنصر الثاني هو الثقافة التي تتولّد بصورة مباشرة عن الموظفين الذين يتم تعيينهم والاحتفاظ بهم في الشركة وبيئة العمل التي تجذب نوعاً معيناً من الأشخاص فقط، والعنصر الأخير هو المواطَنة التي تشمل التأثير على المنظومة والمجتمع ككل.

في عملنا مع شركات مثل "ماس ميوتشوال" (MassMutual) و"إنتين" (Entain)، جعلنا هذه العناصر الثلاثة محوراً للعلامة التجارية للمؤسسة.

في شركة "ماس ميوتشوال" يرتبط التركيز على التنوع بالتركيز على المواطنة ارتباطاً مباشراً، إذ اتخذت موقفاً علنياً بشأن أهمية التنوع في المؤسسة والخطوات الملموسة التي تتبعها لإنشاء مكان عمل منصف بحق، مثل إنفاق مزيد من الأموال في العمل مع مجموعة متنوعة من الموردين وتدريب الموظفين على مكافحة العنصرية وزيادة التنوع في المناصب القيادية لتشمل أفراد مجتمعات أصحاب الهمم من ذوي الاحتياجات الخاصة والمحاربين القدماء. ومن خلال إجراء بحث داخلي ومحادثات شاملة تمكنت الشركة من فهم المواضع التي نجح فيها تركيزها على التنوع والتي لم ينجح فيها وهي توضح كل ذلك بشفافية، واستخدمت المعلومات التي جمعتها ووضحت للعالم الخارجي ما يعنيه التنوع ضمن منظومتها وما سيعنيه لمن يرغبون في الانضمام إليها.

أما شركة "إنتين" فقد وجهت تركيزها على دور الثقافة في بناء العلامة التجارية للمؤسسة وغرست إيمانها بتنوع الخبرات والأفكار والتجارب في جميع قيمها ومبادئها، وهي تركز بشدة على ضمان إدراك أصحاب المواهب لذلك والتزامهم به من أجل تعزيز ثقافة قوية متسقة.

حين تفكر الشركة في سمعتها يجب أن تحرص على تقييم كل واحد من هذه المجالات على حدة علماً أن قيمها تتفاوت لدى المرشحين، ويجب أن تحدد نوع الموظفين الذين تحتاج إليهم لتنفيذ استراتيجية الأعمال التي تتبعها وتدرس دوافعهم وحوافزهم مثلما تدرس دوافع العملاء وحوافزهم، حتى إنه بالإمكان رسم عدة شخصيات مرشحة وتصنيفها وفقاً لدرجة ملاءمتها للشركة. ثم يبدأ العمل على بناء سمعة الشركة في سوق المواهب بالاستثمار في المبادرات التي تتماشى مع أفضل المرشحين بالنسبة لها.

2. عرض القيمة

يوضح عرض القيمة المقدم من صاحب العمل مبدأ "اعمل واحصل على مستحقاتك" الذي يحدد شكل العلاقة بين الموظف وصاحب العمل في أي مؤسسة؛ إذ يؤسس توقعات الشركة فيما يتعلق بأداء الموظفين وسلوكاتهم وما ستقدمه لهم مقابل تلبيتها من مكافآت مثل التعويضات المالية أو فرص التطوير المهني أو توازن الحياة والعمل أو الإحساس بالانتماء أو الغاية أو أي شيء آخر يمكن أن يكتسبه الموظفون فيها.

يوثّق مبدأ "اعمل واجنِ" هذا سمعة الشركة في السوق، ويجب أن تتوافق الفوائد التي تقدمها الشركة للموظفين مع توقعاتها منهم كي تضمن أن يكون عرض القيمة عادلاً، ويجب أن تكون التوقعات والفوائد متوافقة مع العلامة التجارية للمؤسسة التي ترغب الشركة في بنائها وأهدافها الاستراتيجية. ربما كان الأهم هو أن تكون الشركة صادقة بشأن هذه العلاقة وأن تلتزم بواجباتها فيها، وإذا كانت المطالب التي توجهها للموظف أكبر مما بينت له من قبل أو إذا عجزت عن تقديم الفوائد التي وعدت بها، فستخسر الموظفين وتتسبب بضرر دائم للعلامة التجارية للمؤسسة.

خذ شركة "تيسلا" مثلاً، فهي تملك كل مقومات عرض قيمة علاقة "اعمل واجنِ" ولكنها لا تقدمه، وعلى الرغم من أنها تقدم لموظفيها عملاً نابعاً من غايتها السامية الاستثنائية وجاذبية العلامة التجارية الشخصية لإيلون ماسك والفرص الجلية لتسريع مساراتهم المهنية، فهي تفوّت فرصة وضع هذه الميزات في سياق مبدأ "اعمل واجنِ". ولذلك تعاني العلامة التجارية للمؤسسة الخاصة بها من سمعة سلبية جداً بين موظفيها السابقين تتمثل في انعدام توازن موثق جيداً بين الحياة والعمل وإهمال القيام بما يلزم لبناء ثقافة قوية وحمايتها. صحيح أن عرض القيمة القوي لعلاقة "اعمل واجنِ" لن يعالج هذه المشكلات، إلا أنه سيتيح للشركة تسليط الضوء على مكامن قوتها ونقاط ضعفها بطريقة تتسم بالشفافية تساعد أصحاب المواهب على اتخاذ قرار مستنير للعمل لديها بناء على موازنة المكاسب والتكاليف.

عند تقييم الوظيفة أو المؤسسة يطرح الباحثون عن الوظائف والموظفون على أنفسهم سؤالاً لا مفر منه: "هل هذا العمل جدير بالجهد الذي سأبذله؟" إذا كان الجواب "نعم"، فهذا يعني على الأرجح أن الشركة تقدم عرض قيمة صاحب العمل الذي يتلاءم مع العلامة التجارية للمؤسسة القوية. يمكن أن يطالب صاحب العمل موظفيه بالعمل الجاد لساعات طويلة والابتكار وتقديم أداء ممتاز إذا كان ذلك ما يلزم للتقدم نحو تحقيق الأهداف المؤسسية، لكن عليه أن يقدم للموظفين الذين يلبون هذه المطالب مكافآت ملائمة تتماشى مع أهدافهم الشخصية والمهنية. وعندما يحدث ذلك ستتمكن المؤسسة وقوتها العاملة من النمو معاً.

3. التجربة

تتمتع تجربة الموظف بقيمة هائلة ولها دور مهم في بناء سمعة الشركة وترسيخها بوصفها صاحب عمل. إذا كانت سمعة الشركة قوية بما يكفي فقد يرغب أصحاب أهم المواهب في التغاضي عن تجربتهم الشاقة في العمل فيها، ولكن إذا كانت العلامة التجارية للمؤسسة ضعيفة فحتى أفضل تجارب الموظفين لن تتمكن من وصل الشركة بالباحثين عن الوظائف الذين يرتفع الطلب عليهم بدرجة كبيرة.

تعتمد طبيعة تجربة الموظف بصورة مباشرة على قدرة الشركة على الالتزام بعرض قيمة صاحب العمل، وعندما يفهم الموظفون توقعات صاحب العمل ويلبونها ويُكافؤون بما يتناسب مع ذلك فعلى الأرجح أنهم سيعتبرون تجربتهم في العمل إيجابية، وتترجم تجربة الموظف الإيجابية إلى أداء أفضل على مستوى الموظف وعلى مستوى المؤسسة بأكملها.

يجب أن تعكس تجربة الموظف مقياس تقييم السمعة الذي اختارت الشركة منحه الأولوية. خذ مثلاً شركة "ماكنزي أند كو" التي بنت سمعتها على أنها شركة تحفيز مهني، وهي تعزز العلامة التجارية للمؤسسة هذه بطرق ملموسة تتمثل في حرصها الدائم على تزويد موظفيها بالخبرات والتجارب اللازمة للحصول على المناصب التي يرغبون فيها ضمن شركات مثل "جوجل" و"أمازون" أو إنشاء مشاريعهم الخاصة.

وأخيراً، لا يمكن شراء ما يكافئ العلاقات العامة التي تتضمنها شبكة معارف الموظف السابق الكثير الكلام الذي يؤيد الشركة بحماس بوصفها صاحب عمل (ولهذا السبب تعمل بعض الشركات الآن على منح الأولوية لتجربة الموظفين السابقين في استراتيجياتها المتبعة لتطوير العلامة التجارية للمؤسسة). ومثلما يصنع العملاء السعداء أفضل مندوبي المبيعات، يمكن أن يكون الموظفون الحاليون والسابقون مصدراً لا يقدّر بثمن للإحالات المقدمة عن المرشحين للوظائف، ما يعزز قدرة الشركة على اجتذاب أصحاب أهم المواهب.

يقع الكثير من العناصر التي يبني عليها الموظفون قراراتهم المهنية خارج نطاق سيطرتك، ولكن بناء العلامة التجارية للمؤسسة ليس كذلك، بل هو الميزة الملموسة الوحيدة التي تملكها في بيئة اليوم التنافسية ويجب أن توليها التركيز الكامل. سياسات تقديم وجبات الغداء المجانية في أحد أيام الأسبوع وأنشطة ساعة المرح في المقر المكتبي لا تكفي لجذب أصحاب أفضل المواهب، لذلك استثمر فيما يجذبهم بالفعل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي