إنها المواجهة إذاً بين الأكاديميين الكبيرين آدم غرانت ودانيال كولمان حول موضوع يهتم به كل طالب يدرس القيادة والموارد البشرية، أو على الأقل هو واحد من المواضيع التي يسمع عنها هؤلاء الطلاب دائماً: وهنا أقصد ثمن تجاهل الذكاء العاطفي. بدأت المواجهة مع ما كتبه آدم غرانت من "كلية وارتون" (The Wharton School)، على موقع "لينكد إن": "الذكاء العاطفي هو أمر يبالغ الناس في أخذه بعين الاعتبار"، محاججاً بأن "من الخطأ الارتكاز إليه في قرارات التوظيف أو الترقية" وبأنه "حتى في الأعمال المتطلّبة عاطفياً، عندما يتعلق الأمر بالأداء الوظيفي، فإن القدرات الذهنية لا تزال تثبت بأنها ذات شأن أكبر من شأن الذكاء العاطفي". أما عالم النفس دانيال كولمان، والذي اشتهر بأنه من أوجد مصطلح الذكاء العاطفي، فقد رد على الأمر بقوله: "دعونا لا نقلل من شأن الذكاء العاطفي،" مشككاً في التقييم المحدد الذي استعمله غرانت لقياس الذكاء العاطفي، ومشيراً إلى مختلف الدراسات التي أجراها الفريق الاستشاري الخاص بأبحاث الذكاء العاطفي. وبعدها انتشرت تعليقات هذين العالمين كالنار في الهشيم.
الآراء المختلفة حول الذكاء العاطفي
أنا شخصياً أكنّ احتراماً كبيراً لكلا الرجلين، ولست أكاديمياً. ولكن بصفتي ممارساً ساعد الشركات في انحاء العالم في اتخاذ القرارات الخاصة بالتوظيف والترقية خلال العقود الثلاثة الماضية، رأيت بأنني قادر على الإدلاء بدلوي في هذا النقاش. وبما أنني المسؤول في شركتنا عن تقييم الإدارة للأداء والتطوير المهني وتكوين رأس المال الفكري، فقد درست بعناية أيضاً مختلف مقاربات التقويم المتبعة وتأثيرها على الأداء.
إذاً ما هو استنتاجك حول الذكاء العاطفي بناء على تجربتي تلك؟ بصراحة، مهما قلت، فلن أتمكن من التأكيد بما يكفي على الأهمية الكبرى للكفاءات المستندة إلى الذكاء العاطفي للنجاح في الأدوار القيادية.
في أواخر التسعينيات أجريت تحليلي الكمّي الأول في هذا الموضوع، مستخدماً المعلومات الخاصة بـ 250 مديراً كنت شخصياً إما قد وظفتهم أو زكيتهم للترقية لصالح زبائني، وكان معظم ذلك الأمر قد جرى في أميركا اللاتينية. وقد حللت الارتباط ما بين ثلاثة من المتغيرات الموجودة لدى المرشّح (الخبرة، وحاصل الذكاء، والذكاء العاطفي) وأداء الشخص، وتوصلت إلى نتائج أذهلتني. عندما أظهر المعيّنون تفوقهم في مجال الخبرة وحاصل الذكاء، ولكن كان لديهم ذكاء عاطفي منخفض، فإن معدل الفشل لديهم كان يصل إلى 25%. أما الأشخاص الذين كانوا يتمتعون بذكاء عاطفي مرتفع مصحوب بواحد على الأقل من العاملين الآخرين (الخبرة أو حاصل الذكاء)، فإن معدل الفشل لديهم كان في 3%-4% من الحالات فقط. بعبارة أخرى، هذا يعني بأن الذكاء العاطفي عندما يجتمع مع حاصل ذكاء مرتفع أو خبرة ذات صلة كبير بالعمل، فإن ذلك سيكون مؤشراً قوياً على أن الشخص سينجح مستقبلاً. في حين أن المرشحين ذوي الذكاء العالي أو الخبرة الكبيرة والذين ينتقصون إلى الذكاء العاطفي، فقد كانوا أكثر ميلاً إلى أن تخبو شعلتهم.
وسرعان ما حذا زملائي حذوي بتكرار ذلك التحليل وتطبيقه ضمن مناطق جغرافية عديدة وفي بيئات شديدة التنوع، بما في ذلك اليابان وألمانيا، وكانت النتائج متشابهة للغاية في كل الأماكن. الناس يُوَظّفون لامتلاكهم حاصل الذكاء والخبرة، ويُطرَدون لإخفاقهم في إدارة أنفسهم وإدارة الآخرين بالطريقة الصحيحة.
أتفق مع غرانت في أن الذكاء العاطفي ليس الدواء الشافي لكل الأمراض. والأمر ذاته ينطبق على حاصل الذكاء أو أي متغير آخر. يجب أن يكون المرشحون الصحيحون أذكياء بالمعنى التقليدي لحاصل الذكاء، ولكن يجب أن يتمتعوا أيضاً بالقيم الصحيحة وبالظروف المناسبة التي تسمح لهم بالتنقل وبالكفاءة المناسبة لأداء الوظيفة.
إن القدرة الكامنة على النمو هي أيضاً صفة أساسية. لكن اللافت في الأمر هو أن الصفات المميزة للقدرة الكامنة –أي امتلاك الحافز الصحيح، والفضول، والبصيرة، والتفاعل، والعزم– تستند بقوة أيضاً إلى الذكاء العاطفي. حتى تتأقلم مع الظروف المتغيرة، فإنك بحاجة إلى أكثر من مجرد حاصل ذكاء.
وخلاصة القول عن ثمن تجاهل الذكاء العاطفي هي التالي: بوسعك اختيار تجاهل الذكاء العاطفي – ولكن تأكد من فهمك لمخاطر تلك الخطوة وتبعاتها.
اقرأ أيضاً: