منذ فترة قريبة، طلب مني مدير أن أذكر له أهم ميزة تُقدّم للموظفين من أجل الموازنة بين العمل والحياة الشخصية، فأجبته أن أهم ميزة ليست ميزة على الإطلاق. لا شك أن سياسات رعاية الطفل ومرونة مواعيد العمل والإجازات الأسرية كلها من الأمور المهمة، لكن من واقع تجربتي أرى أن أفضل ما يمكننا فعله لدعم الآباء العاملين (وجميع الموظفين) هو أن نتحسن في واحدة من أبسط وظائف المدراء التي يُساء تنفيذها وهي تقييم الأداء.
علاقة تقييم الأداء وتقديم المرونة في العمل للموظفين
أجابني المدير في أسف مصرحاً أنه يفزع من تقييمات الأداء وأن موظفيه يكرهونها أيضاً. كان يبحث في تقييمه عن الشكاوى المعتادة مثل الوقت الذي يستغرقونه لإنجاز المهام وطبيعتهم الشخصية وعدم الالتزام بالمواعيد وما إلى ذلك.
أخبرني كذلك أنه فيما يتعلق بالعمل المعرفي الذي يؤديه موظفوه، فمن الصعب نسبياً معرفة جودة أداء الموظفين، ولكن من السهل مراقبة كمية العمل وساعات العمل في المكتب. ونتيجة لهذا، صارت "مدة البقاء في مكان العمل" و"مدة التفاعل مع الآخرين" من العناصر الاعتبارية، على الرغم من علمه بعدم وجوب التعامل معها كعناصر أساسية. لقد لجأ إلى الطريقة الأسهل لافتقاره إلى الثقة في قدرته على تقييم الأداء.
أحييه على صدقه، فكثير من المدراء يلجؤون إلى قياس مدة التفاعل مع الآخرين بدلاً من الأداء الفعلي للمهام، لكنهم لا يُقرّون بذلك.
لهذا أرى أن أفضل شيء بإمكان المدراء فعله لجميع موظفيهم -خاصة من يواجهون تعارضاً بين حياتهم العملية والأسرية- هو بذل الجهد الشاق لتقييم الأداء فعلياً، لا بناء على مدة البقاء في مكان العمل أو مدة التفاعل مع الآخرين.
بذلك، يمنح المدراء الموظفين حرية ترتيب حياتهم العملية ليكونوا أكثر فاعلية. والمفاجأة هي أنه عندما تُركّز على قياس مدة التفاعل مع الآخرين، تحصل على مدة تفاعل مع الآخرين فحسب. ولكن عندما تركز فعلياً على الأداء، تحصل على أداء مرتفع.
على سبيل المثال، يشيد الجميع في كل مكان بشركة "ريان إل.إل.سي" (Ryan, LLC) (وهي جديرة بالإشادة) لتحويلها مكان العمل الناجح وكثيف التركيز على المواعيد إلى شركة أكثر نجاحاً تضاعف الآن مرونة المواعيد ضمن ثقافتها الساعية إلى تحقيق أداء مرتفع.
حققت شركة "ريان إل.إل.سي" هذا التحول من خلال مجموعة من التغييرات على مدار عقد من الزمن، إلا أن التدخل الأساسي تمثّل في نظام تقييم الأداء الجديد. فبدلاً من التقييمات الشخصية غير المنتظمة التي تعتمد بدرجة كبيرة على "الوقت المستغرق في أداء مهمة"، صار المدراء والموظفون والفِرق في شركة "ريان" يطورون مجموعة من مقاييس الأداء المتفق عليها والتي اتباعها باستمرار. وطالما استوفيت هذه المقاييس وشعر العملاء والزملاء بالرضا عن تعاملهم مع الموظفين، لا يتتبع المدراء في "ريان" ساعات العمل بشكل عام. عندما طبقت "ريان" هذا التغيير، تبيّن أن بعض الموظفين ممن كانوا يحصلون على تقييمات عالية لعملهم 70 ساعة في الأسبوع أقل إنتاجية من الكثيرين ممن يعملون لساعات أقل ولكن بكفاءة أكبر. وبانخفاض معدل الدوران الوظيفي، ارتفعت معدلات الرضا والمشاركة والأداء المالي.
عندما ذكرت هذا كله لصديقي المدير، أثار الأمر اهتمامه لكنه شعر برهبة، وكان محقاً إذ ليس بإمكان كل شركة أن تتحول بالطريقة التي اتبعتها شركة "ريان"، ولن يحدث هذا بالتأكيد على المدى القصير. إلا أن بعض التغييرات المطلوبة لا تتطلب تعديلاً شاملاً لنظام إدارة الأداء في شركتك، وتكون تغييرات بسيطة نسبياً بإمكان الكثيرين من المدراء تنفيذها بمفردهم.
زيادة تنافسية الشركة
ويعود تغيير الطريقة التي نقيم بها إلى أساس الإدارة الجيدة. فكّر كيف ستزداد تنافسية مؤسستك بأكملها لو قام المدراء بما يلي:
تحديد الأداء فيما يتعلق برضا العملاء أو الأنشطة الرئيسية أو إتمام المشاريع.
عقد جلسات دورية مع الموظفين لوضع الأهداف والتقييم، واعتبار تحقيق الهدف أساس تقييم الأداء.
فهم أي الجوانب في وظائف الموظفين يمكن أن تتم بمرونة في الوقت وأيها يجب أداؤها في أوقات محددة في مقر العمل.
السماح بمزيد من المرونة في كيفية أداء العمل وموعده ومكانه مع التحقق من قضاء وقت كاف في مقر العمل لتعزيز التواصل والتعاون والابتكار.
السماح تدريجياً بمزيد من الحرية والمرونة للموظفين الذين يقدمون أداءً جيداً ويكسبون الثقة.
إدراك أن بإمكاننا الحفاظ على مستويات الأداء في بيئات العمل بل وزيادتها دون اشتراط طريقة محددة لأداء العمل.
بإمكان سوار اليد الرياضي تتبع المدة التي تقضيها على كرسيّ المكتب، لكن لفهم كيفية أداء العمل فعلاً ومن يقوم به، فإننا بحاجة إلى قائد. وبتنفيذ بعض من هذه التغييرات، سنسمح لجميع الموظفين بعمل الجداول التي تناسبهم بصورة أفضل لتحقيق النجاح في العمل وفي المنزل. وهذا سيفيد الآباء العاملين بالتأكيد، لكن جميع الموظفين سيستفيدون أيضاً وكذلك شركاتهم فيما يتعلق بالمشاركة والأداء.
اقرأ أيضاً: كيف تطلب طلب من مديرك