ملخص: يفترض الكثير من الناس أن الذكاء العاطفي يعني أن تكون "لطيفاً". لكن هذا التصور يحول دون الاستفادة من بعض الفوائد الأساسية لتطوير الذكاء العاطفي للشخص ويحل دون التعرف على المكونات الأربعة للذكاء العاطفي. على سبيل المثال، مجرد قول أن شخصاً ما لطيف يمكن أن يناقض حقيقة أنه لطيف مع بعض الناس فقط دون غيرهم. وإذا كنت تعتقد أن التصرف بلطف يعني ببساطة أن تكون ضعيف الشخصية، فقد لا تستفيد من قدرات إطار الذكاء العاطفي في تعليمك كيفية إدارة الصراعات والنزاعات بشكل مثمر. وقد تعجز عن إدراك أو التحقق من وجود الجانب المظلم لذكائك العاطفي، ما يعني القدرة على التأثير على شخص ما أو التلاعب به دون مراعاة اهتماماته. ومن خلال فهم كيفية عمل الذكاء العاطفي، ستتمكن من إجراء محادثات قوية ومثمرة تعزز قدرتك على التأثير والقيادة في جميع علاقاتك.
منذ 25 عاماً عندما صدر كتابي الذي يحمل عنوان "الذكاء العاطفي" (Emotional Intelligence)، أجد أن أكثر الأشياء التي دائماً ما يسيء الأشخاص فهمها حول هذا المفهوم هو أنهم يربطون الذكاء العاطفي بإمكانية أن يكون الشخص "لطيفاً". ولكنه لا يعني ذلك، وهذا الفهم الخاطئ يمكن أن يعرض الأشخاص لمشكلات ومتاعب.
في الغالب أول ما يتبادر إلى الذهن عندما يقول شخص ما عن زميل أنه "لطيف" هو أنه من الرائع العمل معه. لكن هذا السلوك يمكن أن يخفي تحديات من الصعب ملاحظتها بسهولة. على سبيل المثال، مَن هم الأشخاص الذين يتعامل معهم هذا الشخص بلطف تحديداً؟ كنت أعرف مديرة رائعة ومهذبة وتعمل بجد لإرضاء عملائها ومديرها. فقد كانت لطيفة معهم بشكل لا يمكن إنكاره. ولكن عندما تحدثت مع مرؤوسيها، وجدت أنها خلقت بيئة عمل سامة لهم. فقد كانت شديدة الانتقاد ولا تبالي بهم وفظة. ولذلك فإن هذه العلاقات جميعها مهمة عند تطوير ذكائك العاطفي.
وعلى الجانب الآخر، خاصة في بعض سياقات الأعمال التنافسية، أجد أن الأشخاص ينظرون إلى الشخص اللطيف على أنه الشخص الذي يحاول أن يتجنب المواجهات وبالتالي يسهل التلاعب به. فلماذا إذاً قد ترغب في تطوير ذكائك العاطفي إذا كان ذلك يعني فقط أن الأشخاص سوف يسيئون معاملتك؟ وإذا كنت مسؤولاً عن تطوير موظفيك، لماذا تسعى إلى بناء شركة مكونة من موظفين لطفاء، ألا ترغب في أن يكونوا "أقوياء"؟
المكونات الأربعة للذكاء العاطفي
في الواقع، عندما تكون ماهراً في كل من المكونات الأربعة للذكاء العاطفي، فهذا سيسمح لك بالمواجهة عندما تحتاج إلى ذلك، بل وأيضاً أن تقوم بذلك بشكل استراتيجي ومثمر. وهذه المكونات، التي تحدثت عنها في مقالة أخرى، هي: الوعي الذاتي وإدارة الذات والوعي الاجتماعي وإدارة العلاقات. (ستلاحظ أنها جميعاً لا تتواءم مع "اللطف").
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: ما هو الذكاء العاطفي؟
ما علاقة هذه المفاهيم بالدفاع عن نفسك في أثناء المواجهات؟ إذا كنت قلقاً من أن يسيء الأشخاص معاملتك، فقد تكون معرضاً لارتكاب الأخطاء بشكل أكبر، ما يجعلك تنفّس عن غضبك في الشخص الآخر، وهو ما يؤدي إلى مفاقمة الوضع. وإذا كنت تكره النزاعات، فقد تتجنب المواجهة تماماً. وهنا يوفر الذكاء العاطفي حلاً وسطاً بين هذين النقيضين. إذ سيسمح لك القدر الكبير من الوعي الذاتي وإدارة الذات بالتحكم في اندفاعاتك المبدئية أو أي قلق قد تشعر به إزاء المحادثة. وسيسمح لك الشعور بالتعاطف الذي نميته، وهو جزء من الوعي الاجتماعي، برؤية الموقف من وجهة نظر الشخص الآخر، حتى تتمكن من تقديم حججك بطريقة تجعله يشعر أن صوته مسموع أو بطريقة تعبر عن اهتماماته. كما أن التعامل مع الصراعات والنزاعات جزء مهم من إدارة العلاقات. إذ يمكنك أن تقول ما تود قوله بوضوح وقوة وبطريقة يمكن أن يفهمها الشخص الآخر.
لنأخذ على سبيل المثال المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أعرفها. كان يتجنب الصراعات دائماً، وقد أصبح ذلك يمثل مشكلة لشركته لأنه كان يتهرب من إخبار موظفيه أنهم بحاجة إلى العمل بجدية أكبر. وقد ساء الوضع للغاية لدرجة أن الموظفين الآخرين كانوا يتصلون به لإخباره أن زملاءهم متقاعسون عن أداء مهامهم بشكل كبير، ما يؤثر عليهم ويجعلهم غير قادرين على القيام بوظائفهم. لذلك بدأ الرئيس التنفيذي العمل مع مدرب إرشادي ساعده في التحدث إلى المتقاعسين ضعيفي الأداء، وأخبرهم بوضوح بما يتوقعه منهم، دون تهديد أو لوم، ولكن أيضاً دون التصرف بسلبية. وما أدهشه هو أن المحادثات جرت بسلاسة وبدأ المتقاعسون السابقون في العمل بجد مثل زملائهم المجتهدين. ومنذ ذلك الحين أصبح أكثر حزماً تجاه مواجهة موظفيه المتقاعسين.
هذه القصة شائعة؛ فقد رأيت العديد من الأشخاص يطورون قدرتهم على إدارة المواجهات بشكل استراتيجي بهذه الطريقة. وهذا هو الذكاء العاطفي في أبهى صوره، وأنا لا أريد أن يضيع الأشخاص على أنفسهم فرصة الاستفادة من فوائده لأنهم يرفضونه وينظرون إليه بسلبية.
الذكاء العاطفي ليس فقط التعامل بلطف
ولكن يمكن أيضاً للأشخاص الذين يُظهرون أنواعاً محددة من الذكاء العاطفي أن يكونوا استراتيجيين أكثر مما ينبغي. (ويصبح هذا العيب غير واضح إذا كنت تعتقد أن الذكاء العاطفي هو مجرد التعامل "بلطف"). ويرجع ذلك إلى أن الذكاء العاطفي القوي يعني أن لديك القدرة على إدارة مشاعرك ومشاعر من حولك بدرجة معينة. وهذا سرعان ما يصبح مصدراً للمشكلات.
لنأخذ التعاطف مثالاً على ذلك. هناك 3 أنواع مختلفة من التعاطف موجودة في أجزاء مختلفة من الدماغ:
- المعرفي: أن تعرف طريقة تفكير الشخص الآخر.
- العاطفي: أن تعرف ما يشعر به الشخص الآخر.
- الاهتمام التعاطفي: أن تهتم لأمر الشخص الآخر.
لنفترض أنك بارع جداً في أول نوعين ولكنك لست كذلك في النوع الثالث. إذا كان النوعان بمفردهما دون النوع الثالث يمكن بسهولة استخدامهما للتلاعب بالأشخاص. ونرى هذا في العديد من المدراء ذوي الإنجازات الكبيرة في الثقافات التي تتبع نهج التحكم والسيطرة؛ إذ إنهم يميلون إلى تحديد وتيرة العمل ويحصلون على ترقيات لأن لديهم معايير شخصية عالية للغاية للتميز. فهم رائعون في دفع الأشخاص إلى تحقيق الأهداف قصيرة الأجل، لأنهم يتواصلون بشكل جيد بسبب تعاطفهم المعرفي ويعرفون أن لكلماتهم ثقلاً وقيمة مع موظفيهم بسبب تعاطفهم العاطفي، ولكن بسبب افتقارهم إلى الاهتمام التعاطفي فإنهم لا يبالون بالتكلفة التي يتكبدها الشخص. وإلى جانب خطأ ذلك من الناحية الأخلاقية، فإنه يسبب أيضاً إرهاقاً عاطفياً للموظفين ويصيبهم بالاحتراق الوظيفي.
على سبيل المثال، كان الرئيس التنفيذي للشؤون المالية لأحد نُظم الرعاية الصحية يركز اهتمامه على تحقيق النتائج المالية المنشودة للمؤسسة. وقد استغل ما يعرفه عن فريق الإدارة العليا لإقناعهم بزيادة عدد المرضى الذين يتعين على كل طبيب الكشف عليهم في فترة معينة لزيادة الأرباح. ولم يهتم بالتكلفة العاطفية والأضرار الجسدية التي لحقت بأطبائه. وفي نهاية المطاف، أوضح له مدرب تنفيذي مدى حاجته الماسة إلى زيادة الاهتمام التعاطفي، معللاً ذلك بعلامات الاكتئاب والقلق التي ظهرت على الطاقم الطبي بالإضافة إلى معدل الدوران الوظيفي المرتفع. فقد اتضح أن الرئيس التنفيذي للشؤون المالية كان بارعاً في إظهار الاهتمام التعاطفي لأفراد العائلة والأصدقاء، ولكنه لم يُظهره في العمل. وبتوجيه من المدرب، تمكّن من تكييف هذه المهارة مع مكان العمل ذي المهام والأنشطة المكثفة. وبدأ في الاستماع إلى شكاوى طاقمه الطبي وتعاون معهم لتحديد مستوى أكثر إنسانية للطلب.
القادة الذين يطورون ذكاءهم العاطفي عن عمد سيكونون أكثر تفهماً ووعياً ليس فقط بجميع جوانب التعاطف ولكن أيضاً بالمكونات الأربعة للذكاء العاطفي في جميع علاقاتهم. والاعتقاد بأن الذكاء العاطفي يعني ببساطة أن تكون "لطيفاً" يحول دون الاستفادة من فوائد هذا الإطار ويمنع القادة من إجراء محادثات قوية ومثمرة تعزز قدرتهم على التأثير والقيادة في جميع علاقاتهم.