أدلى الخبراء بآرائهم فيما يتعلق بالأسباب الكامنة وراء معدلات الفشل الهائلة في تنفيذ الاستراتيجية على مدار عقود من الزمن. وقدّروا في عام 2016 أن 67% من الاستراتيجيات جيدة الإعداد فشلت بسبب سوء التنفيذ. ويوجد العديد من التفسيرات لمعدل الفشل بالغ السوء هذا، إلا أنّ دراسة طولية امتدت 10 أعوام حول القيادة التنفيذية أجرتها شركتي أظهرت أحد الأسباب الواضحة، فقد أفاد 61% من المسؤولين التنفيذيين بعدم استعدادهم للتحديات الاستراتيجية التي واجهتهم عند تعيينهم في مناصب ضمن القيادة العليا. وليس من المستغرب أن تفشل نسبة تتراوح بين 50% و60% من المسؤولين التنفيذيين خلال الثمانية عشر شهراً الأولى من ترقيتهم أو توظيفهم. تعرف على اسباب فشل المسؤول التنفيذي والاستراتيجية من خلال هذا المقال.
أربع علامات تشير إلى فشل المسؤول التنفيذي والاستراتيجية
فتعيين العديد من القادة غير المستعدين لمناصب مسؤولة عن صياغة الاستراتيجية وتنفيذها بشكل مباشر يؤجّج خطر الفشل التنفيذي. وفيما يلي أربع من العلامات الأكثر شيوعاً التي تشير إلى احتمال فشل أحد المسؤولين التنفيذيين عند محاولة تنفيذ استراتيجية المؤسسة.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: أهم مشاكل المقايضة
الافتقار إلى الرؤية الثاقبة في السياق التنافسي
يُفضي تولي مناصب قيادية أوسع عادة إلى تزايد شعور القادة بالانعزالية، فينصب تركيزهم على القضايا الداخلية المتمثّلة في حل النزاعات ومواءمة الميزانيات وإدارة الأداء، وهو ما يجعلهم يُولون اهتماماً أقل بالقضايا الاستراتيجية الخارجية، مثل تحركات المنافسين واحتياجات الزبائن وتوجهات التكنولوجيا. وتشير إحدى الدراسات إلى أن 70% من القادة يقضون يوماً واحداً شهرياً في المتوسط في مراجعة الاستراتيجية، وأن 85% من فرق القيادة تقضي أقل من ساعة شهرياً في مناقشة الاستراتيجية. وعندما يفشل القادة في فَهم السياق التنافسي لمؤسساتهم، نجدهم يتذرّعون بأهداف غير واقعية رغبة منهم في تعويض فشلهم. وعندما أطلب من المسؤولين التنفيذيين أن يُظهروا لي استراتيجية مؤسساتهم، يقدمون لي خطة استراتيجية تشتمل على حصص المنتجات وأهداف تنمية الحصة السوقية، أو يعرضون عليّ رسالة الشركة وقيمها مع بعض العبارات السامية في صفحة واحدة، لكنهم نادراً ما يُظهرون ليّ هوية سوق واضحة توضح الشريحة المستهدفة والشريحة غير المستهدفة والقدرات التي تُميّزهم عن منافسيهم، وسبب اختيار زبائنهم المستهدفين لشراء منتجاتهم بدلاً من منتجات منافسيهم.
على سبيل المثال، أعلنت الرئيسة الجديدة للتسويق في شركة أغذية عالمية عملتُ معها أن 40% من إيرادات العام المقبل سيجري توليدها من طرح منتجات جديدة. لم يأخذ موظفو المؤسسة كلامها على محمل الجد، لأن جهود طرح منتجات المؤسسة كانت فاشلة على مدار السنوات القليلة السابقة. وما أراده المستهلكون حقاً هو منتجات ذات جودة أعلى تحتوي على مكونات صحية في عبوات أكثر ملاءمة. إلا أن الرئيسة فشلتْ في إدراك العوامل التنافسية الأساسية لهذا القسم من قطاع الأغذية، وهو ما دفعها إلى اللجوء إلى مبادئ مستقاة من تجربتها في سوق مختلفة تماماً. ويفشل الكثير من المسؤولين التنفيذيين في معرفة السياق التنافسي والمالي الأساسي لمؤسساتهم قبل تولي مناصب قيادية عليا. وقد اعترف أحد المسؤولين التنفيذيين في دراستنا عند إجراء مقابلة معه قائلاً: جميعنا نتصنّع إلى أن نُصنع.
عدم النزاهة أو قلة الخبرة بشأن المقايضات
تُعتبر الاستراتيجية في أبسط مستوياتها مجموعة من الخيارات والمقايضات حول المكان الذي تجري فيه المؤسسة استثماراتها وكيفية التنافس وتحقيق الأرباح. وبالنسبة إلى المؤسسات الأكثر تعقيداً، يتطلب "قبول" كل فكرة أو مبادرة "رفض" العديد من المبادرات الأخرى لضمان نجاح المبادرة الأولى. كما يتطلب الحد من عدد الالتزامات تركيز جميع الموارد على مجموعة صغيرة من الأولويات، وهو ما يُسفر نزع الأولوية عن الجهود الأخرى عن عمد. ورغم ذلك، يجد معظم المسؤولين التنفيذيين صعوبة في فهم الآثار المترتبة على عدم إجراء مقايضات فاعلة. وفي الشركات التي تفشل في تنفيذ استراتيجياتها، تلجأ نسبة هائلة تبلغ 60% منها إلى عدم ربط هذه الاستراتيجيات بالميزانيات، وهو ما يُسفر عن الفصل بين الالتزامات والموارد. وعلى النقيض من ذلك، نجد أن 76% من الشركات التي تنجح في تنفيذ استراتيجياتها تحد من عدد المبادرات الاستراتيجية التي تركز عليها، في حين تستند ميزانيات ما نسبته 64% من هذه الشركات إلى الاستراتيجية.
اقرأ أيضاً: 5 خرافات حول الاستراتيجية
وبالتالي، نجد أن حصر تركيز المؤسسة على تخصيص الموارد يُسفر عن ضعف الجودة وعدم اليقين، ويُعدّ الأفراد للفشل. ويُعتبر الرفض إحدى أعظم الهدايا التي يمكن أن يقدمها المسؤول التنفيذي لمؤسسته. ويبالغ الكثير من القادة في تقدير قدرة مؤسساتهم متذرّعين "بالأهداف الممتدة" أو "مهام التحدي" لتبرير إنكارهم للقيود الحقيقية التي تعترض سبيل مؤسساتهم. وفي واحدة من أكبر شركات البيع بالتجزئة العالمية التي عملتُ معها، كانت قدرة الشركة التنفيذية مقيدة بشكل غير عادي بالنسبة إلى مؤسسة بحجمها وهوامش أرباحها. وعندما طلبتُ من الرئيس التنفيذي تقدير عدد المبادرات العالمية النشطة على مستوى المؤسسة والتي تبلغ قيمتها أكثر من مليون دولار في النطاق والميزانية، خمّن وجود 20 إلى 25 مبادرة. إلا أننا أجرينا جرداً شاملاً للشركة ووجدنا ما يزيد على 147 مبادرة. وبالتالي، قد يُسفر الفشل في إجراء مقايضات متعمدة وصعبة عند تنفيذ الاستراتيجية عن جعل جميع الجهود أقل من النتائج المتوقعة.
عدم تغيير التصاميم التنظيمية القديمة دليل على فشل المسؤول التنفيذي والاستراتيجية
يُعتبر التصميم التنظيمي بمثابة التجسيد الحي لاستراتيجية الشركة، إذ يجب أن تكون قادراً على إدراك الروابط في المؤسسة وعلى تحديد هدفها على الفور. وتتمثّل المهمة التنظيمية الوحيدة التي يُتقنها العديد من القادة جيداً في تغيير الهيكل التنظيمي، وذلك من خلال تحويل بعض أقسام مؤسساتهم القائمة على التراتبية ظناً منهم أن هذا الإجراء يُحسّن الأداء. في حين نجد أن المسؤولين التنفيذيين العظماء أصبحوا خبراء في التصميم التنظيمي بعد أن ألقوا نظرة شاملة على القدرات والعمليات والحوكمة والثقافة والكفاءات والتقنيات، وعملوا على مواءمتها مع الجهاز التنظيمي المصمم لتنفيذ استراتيجية معينة، وتؤكد البحوث أهمية ذلك، فنجد في الشركات التي تنفّذ استراتيجياتها بنجاح، تحويل 77% منها الاستراتيجية إلى آليات تشغيلية ومراقبة تقدمها اليومي.
اقرأ أيضاً: الأنشطة الجانبية الاستراتيجية
فعلى سبيل المثال، شغل الرئيس التنفيذي لشركة طاقة بديلة سريعة النمو منصب إدارة مؤسسة صُممت لتكون شركة قابضة تدير خمس عمليات استحواذ متباينة في قطاعات مختلفة من سوق الطاقة، وتمثّل دور المؤسسة الاستراتيجي في أن تكون مزوداً لحلول الطاقة من البداية إلى النهاية للزبائن من القطاع الخاص وقطاع المرافق، وانطوى السبيل الوحيد لتحقيق ذلك الهدف على دمج الشركات الخمس بشكل كامل في مؤسسة واحدة مصممة لتقديم حلول متكاملة. فقد تبنى الرئيس التنفيذي بذكاء وشجاعة الثقافات الريادية للشركات الصغيرة، وعيّن فريق تصميم يضم قادة من جميع الشركات الخمسة، وأعدّ تصميماً تنظيمياً متكاملاً يدمج أفضل قدرات هذه الشركات. في حين قد يلجأ رئيس تنفيذي أقل خبرة إلى فرض عمليات أساسية موحدة أو أنظمة قائمة على الحوافز، على تصميم الشركة القابضة كوسيلة لتحقيق التماسك، وهو نهج مآله الفشل. إلا أن الرئيس التنفيذي للشركة أدرك أن الطريقة الوحيدة لتنفيذ الاستراتيجية الجريئة بنجاح تتمثّل في إصلاح التصميم التنظيمي ومواءمته.
عدم القدرة على التعامل مع الآثار العاطفية
تُعتبر الطبيعة المتطلّبة للقيادة على مستوى المؤسسات هائلة للغاية بالنسبة إلى العديد من القادة. ويتطلب الإلمام بالسياق بشكل كاف التحلي بقدر من التسامح إزاء الغموض وقبول منحنى التعلم الدائم. كما أن إجراء مقايضات صعبة يعني رفض طلبات بعض الأفراد، ومواجهة الاختلال الوظيفي الناجم عن شعور الموظفين بخيبة الأمل من قادتهم. فضلاً عن أن تغيير التصاميم التنظيمية يعني الاضطرار إلى معالجة الوقائع القاسية عند التحريض على إجراء التغيير الكبير، بما في ذلك الشعور بالقلق على مستوى المؤسسة، والعوامل السياسية المتفاقمة، والاضطرار في بعض الأحيان إلى وقف التعامل مع الموظفين غير المستعدين لمواجهة العالم الجديد الذي تصنعه. وليس من المستغرب أن نجد ارتفاعاً في معدل الأمراض المرتبطة بالتوتر النفسي والجسدي بين المسؤولين التنفيذيين. وفي حين يبرع بعض المسؤولين التنفيذيين في مواجهة التحديات الكامنة في العمل الريادي المرتبط بالاستراتيجية، ينهار الكثير منهم تحت وطأة الآثار العاطفية. وقد أفاد 38% من المسؤولين التنفيذيين في بحثنا أنهم لم يتوقعوا أن يتملّكهم الإحساس بالوحدة والشعور بالعزلة أثناء أداء وظائفهم، وصرّح 54% منهم أنهم شعروا بتعرّضهم للمساءلة بشأن مشكلات خارجة عن إرادتهم. وبالنظر إلى الطبيعة التي لا ترحم للوظائف التنفيذية، أشجع جميع عملائي على تشكيل فريق من المهنيين من حولهم، يضم مدرباً تنفيذياً، ومعالجاً نفسياً مرخَّصاً، ومدرباً شخصياً، وخبير تغذية، لأن هذا النوع من "الدعائم" يساعد القادة في تحمل الحقائق القاسية للقيادة الاستراتيجية بطرق أكثر صحة.
إن العمل المطلوب لصياغة استراتيجية الشركة وتنفيذها بفاعلية هو عمل صعب للغاية، وليس من المستغرب أن يبالغ الكثيرون في تبسيط هذا العمل أو تكييفه ليتواءم مع مستوى كفاءتهم. ولكن إذا استثمرتْ المؤسسات فعلياً في إعداد المسؤول التنفيذي والاستراتيجية للمتطلبات الحقيقية لهذا المنصب، سنشهد انخفاضاً في معدلات الفشل، كما سوف نشهد ازدهار الشركات وتكيفها بصورة دائمة.
اقرأ أيضاً: التوازن الدقيق في إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية المتكاملة