اتصلت تارا، وهي طبيبة حائزة على درجة الدكتوراه وتعمل في إحدى الجامعات الحكومية الكبيرة، بواحدة منا (وهي سوزان) بعد أسابيع قليلة من مشاركتها في ورشة عمل عن استراتيجيات النساء في التفاوض، وقد تولت إدارتها، ورغبت في مشاركة بعض الأخبار الإيجابية حول نجاحها في التفاوض على زيادة راتبها بنسبة 11%.
علمت تارا وهي عضو في هيئة التدريس منذ ست سنوات أنها لم تكن تتلقى أجراً متدنياً فحسب، بل كانت المهام الملقاة على عاتقها أكثر من نصيب زملائها من المحاضرات وفي العيادة. فهي، مثل العديد من النساء، قبلت عرض عملها من دون أن تتفاوض عليه.
ما مدى شيوع حالة تارا؟ تشير البحوث إلى أنّ 20% من النساء لا يخضن مفاوضات على الإطلاق. والمرأة التي تتجنب التفاوض على راتبها عند التخرج ستفقد ما متوسطه 7,000 دولار في السنة الأولى، وستخسر ما بين 650,000 ومليون دولار على مدار 45 عاماً من مسيرتها المهنية. لماذا تهمل النساء المطالبة بالمال؟ هناك عدة عوامل لذلك.
عند الاستعانة باستعارات للحديث عن عملية التفاوض، يختار الرجال الحديث عن "الفوز في مباراة"، فيما تشبّه النساء الأمر "بالذهاب إلى طبيب الأسنان". والتوقعات تحدد السلوك. إذا نظرت النساء إلى التفاوض على أنه عمل روتيني، فهن إما لا يتفاوضن أو يفعلن ذلك بطرق تجعل النتيجة في غير صالحهن. هناك أيضاً الخوف (وهو أمر صحيح تماماً) الذي تدعمه البحوث، من أنّ التفاوض قد يعني تنمية مشاعر البغض نحوهن.
خمس استراتيجيات تساعد النساء على تعزيز مهارات التفاوض
إنّ الأمر الإيجابي هنا هو أنّ مهارات التفاوض قابلة للتعزيز. واستناداً إلى مجموعة متنامية من البحوث حول النوع الاجتماعي (الجندر) في المفاوضات، بالإضافة إلى البحوث المزدهرة حول الإيجابية والإدراك التام لما يدور من حولنا، نقدم خمس استراتيجيات يمكنها أن تساعد النساء على اختيار المشاركة وزيادة فعالية أدائهن في المفاوضات. تتضمن هذه الاستراتيجيات:
- الاستعداد التام.
- غرس المشاعر الإيجابية.
- تعزيز الذكاء العاطفي.
- التفاوض بروح جماعية.
- التفاوض على حزمة.
الاستعداد التام
لا يحبذ الناس بوجه عام القيام بما يعتقدون أنهم لا يجيدونه ويختارون في أكثر الأحيان عدم الانخراط في الأنشطة التي يُحتمل أن تنتهي بهم إلى الفشل. وبقدر ما يزداد خوفنا من شيء ما نبتعد عنه بعزم أكبر ولمدة أطول، إننا نجعله بالتالي يتعاظم، وهذا ما يضعنا في حلقة مفرغة. كم من الناس ترهبهم مجرد فكرة الحديث أمام جمهور من الناس ويتجنبون ذلك بأي ثمن؟ إنّ بذل جهد في الإعداد للتفاوض، أي معرفة ماذا نريد بالتحديد ولماذا، والتفكير في البدائل المقبولة، وتطوير استراتيجيات محددة للإقناع، يمكن أن تزيد بشكل كبير من ثقتنا وكفاءتنا. وعلاوة على ذلك، فإنّ التفكير في النتائج أو البدائل الأخرى المرغوبة سوف يمنحنا المرونة والراحة، مع العلم أنه ليس علينا أن نتقبل كل ما يُعرض علينا.
بمجرد أن بدأت تارا في جمع بيانات عن الرواتب من موقع "غلاسدور" (Glassdoor) (الذي يتيح جمع معلومات عن الشركات مع حماية هوية الباحث) ومن مصادر موثوقة أخرى، بدأت بفهم قيمتها المهنية والتزمت باتخاذ خطوات لتحقيق التكافؤ. إنّ النساء، بالمقارنة مع الرجال، هن أقل إدراكاً لقيمتهن المالية وأقل ارتياحاً للحديث صراحة عنها.
ساعد الإعداد للأمر تارا على التغلب على هذا الحاجز. إنّ التسلح ببيانات موثوقة وخطة جيدة للإقناع وشرح الإنجازات والقدرات التي تكفل الحصول على راتب أعلى من شأنه أن يزيد ثقة من يُقبل على مفاوضات حول الأجر وتوقعاته بشأن النتيجة المرجوة. كما أنّ تخيل مجرى المفاوضات أو التمرّن عليه مسبقاً (من خلال تبادل الأدوار، على سبيل المثال) يُعزز المهارات والاستعداد المعرفي والسلوكي للتفاوض، ما يزيد من فرص النجاح.
غرس المشاعر الإيجابية
يمكن أن تساعد المشاعر الإيجابية النساء على التفاوض بفعالية أكبر من خلال زيادة رغبتهن في البحث عن حلول تعود بالنفع على كلا الطرفين وتحسين قدرتهن على الانخراط في التفكير الإبداعي لتحديد نطاق أوسع من الخيارات. يفضل الناس في الحالة المزاجية الإيجابية التعاون بدل المنافسة. ومن خلال تشجيع المزاج الإيجابي وتنميته، من الأرجح أن تعمل النساء لتحقيق مكاسب تكاملية، كتأكيد احتياجاتهن مع تشجيع الطرف الآخر على فعل الأمر نفسه. سيزيد ذلك من احتمال التوصل إلى الاتفاق الأمثل الذي يحوز على رضا الطرفين.
توضح البحوث أنّ من يكنّون المشاعر الإيجابية يظهرون أنماط تفكير أكثر مرونة وغير اعتيادية وأكثر تكاملية وأكثر انفتاحاً من أولئك الذين يكنّون المشاعر السلبية أو المحايدة. لقد ساعد استحضار ذكريات مبهجة الطلاب على تقديم أداء أفضل في اختبار معياري، وأدى تعزيز مزاج طلاب الطب من خلال إعطائهم الحلوى إلى تحسين الدقة والإبداع لديهم.
قبل التفاوض، يمكن للنساء إعداد أنفسهن للتحلي بمزاج إيجابي (التفكير في أمر إيجابي أو الانخراط في نشاط مبهج) لزيادة المشاعر الإيجابية لديهن، وبالتالي زيادة الإبداع والانفتاح والرغبة في التعاون وكلها ضرورية للتفاوض الناجح.
تعزيز الذكاء العاطفي
ينطوي الذكاء العاطفي على إدراك مشاعر المرء ومشاعر الآخرين. إنّ زيادة وعي المرأة بمشاعرها يمكن أن يعزز ثقتها أثناء التفاوض وينقص حدة العواطف ويقلل ردود الأفعال من خلال إتاحة وقت للنظر في أفضل طرق الاستجابة. يمكن أن تساعد هذه السيطرة على العواطف النساء على التفاوض من أجل تحقيق مزيد من النجاح وتمنحهن قدراً أكبر من الاعتداد بالنفس، وخصوصاً في المواقف الصعبة.
مع زيادة الثقة، ستزداد الأرجحية لدى النساء للتأكيد على احتياجاتهن، كما يمكن للثقة أن تقلل من القلق الذي تثيره عملية التفاوض لدى النساء اللواتي يعانين منه بدرجة أكبر من الرجال. وهذا يمكن أن يزيد من احتمال أن تختار النساء الدخول في مفاوضات، كنقطة أولية. ويمكن لزيادة الوعي بعواطف الآخرين في أثناء التفاوض أن تساعد النساء على فهم احتياجاتهن ومصالحهن بشكل أفضل، ما يسهل عملية إيجاد حلول تكاملية.
يمكن تطوير الذكاء العاطفي من خلال النباهة والإدراك التام للأمور. والإدراك التام يعني إيلاء الانتباه إلى اللحظة الحالية، أي لما يحدث في العالم من حولك، والانتباه كذلك إلى أفكارك ومشاعرك. وبالتالي، فإنّ التحلي بالنباهة واليقظة يزيد الوعي العاطفي. وإحدى أفضل الطرق لكي تصبح المرأة أكثر نباهة هي ممارسة التأمل، فتركيز الانتباه على شيء مثل التنفس، وإعادة التركيز عليه في كل مرة يشرد فيها ذهنك، ولو لعدة دقائق في اليوم، يبني قدرتك على الحفاظ على تركيزك. لقد تبين أيضاً أنه يقلل من رد الفعل العاطفي في اللوزة العصبية في المخ والتي تنشط عندما نواجه حالات تُعد خطرة أو مرهقة أو تنطوي على تهديد.
التفاوض بروح جماعية
في حين أنه قد يفوز المفاوضون الرجال (أو الذكور) في المعركة إلا أنهم يخسرون الحرب بسبب ميولهم التنافسية ومقاربتهم غير المتعاطفة إزاء العلاقات مع الآخرين، قد تعاني النساء في الحالتين – الأمور الحياتية والعلاقات - لأن التركيز على احتياجاتهن يجعل الآخرين ينظرون إليهن على أنهن متسلطات وعدوانيات. إنّ إحدى طرق التغلب على هذا التحدي هي إعادة صياغة إطار التفاوض كما لو كان يجري نيابة عن مجموعة أو أفراد آخرين.
على سبيل المثال، فإنّ المرأة التي تتفاوض على زيادة الموارد لتعزيز جودة أو إنتاجية قسم يعاني من ضغوط بسبب تخفيض عدد العاملين وانخفاض الروح المعنوية سيُنظر إليها على أنها تتصرف بروح تعاونية وليست عدوانية. توضح البحوث أنّ النساء اللواتي يتبنّين استراتيجية "تكاتفية" أو يتحدثن بصيغة "أنا - نحن" والتي من خلالها يبدين اهتماماً بوجهة نظر الشخص الآخر، يمكن أن يقللن من التكلفة الاجتماعية للتفاوض.
إنّ القدرة على إعادة صياغة آلية التفاوض – حتى وإن كان الهدف منها زيادة إجمالي الأجر الفردي – ووضعها في إطار يستفيد منه الطرف الآخر كذلك هو أمر مهم بالنسبة للنساء بالتحديد. يمكن للعقلية التعاونية أو التكاتفية – المعززة بالإعداد الجيد والمزاج الإيجابي – أن تساعد المرأة على أن تجد استراتيجية "أنا - نحن" جيدة ليس فقط بالنسبة لها ولكن بالنسبة للشركة أيضاً أو لخدم قضية أكبر تؤمن هي والطرف الآخر الذي تفاوضه بها.
سيكون مفيداً أن تأخذ المرأة مصالح الطرف الآخر في الاعتبار وأن تقترح حلولاً تكاملية. على سبيل المثال، بدلاً من القول إنّ "الحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال مهم لتطوير مهاراتي كمديرة"، يمكن صياغة الطلب على أساس أنه مفيد للجميع: "بفضل المهارات المالية والإدارية الإضافية التي سأكتسبها من خلال نيل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، سأكون قادرة على المساعدة على أداء مهام أو قيادة مشاريع أكثر تعقيداً وهو ما يتيح لكم التركيز على أولويات أكثر استراتيجية وعلى مستوى عال".
التفاوض على حزمة
يتفاوض الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافات أخرى بشكل مختلف. ففي حين يفضل الأميركيون والألمان المقاربة الخطية ومناقشة المسائل بشكل منفصل واحدة بعد الأخرى، يفضل الفرنسيون اتباع نهج أشمل وينتقلون ذهاباً وإياباً بين القضايا التي يعتقد المفاوضون الآخرون أنها أنجزت منذ فترة طويلة.
وفي حين أنّ المقاربة الأخيرة قد تبدو مربكة وتتسم بالفوضى بالنسبة للبعض، فإنّ التفاوض على قضايا متعددة في الوقت نفسه أو اعتماد مقاربة التفاوض على حزمة يمكّن النساء من جعل الآخرين ينظرون إليهن على أنهن أقل ميلاً للمنافسة أو العدائية تجاه الآخرين. أما عندما يقتصر الأمر على التفاوض بشأن مسألة واحدة، فالأرجح أن يُنظر إلى عملية التفاوض على أساس أنها منافسة بين خصمين نتيجتها هي إما الفوز أو الخسارة.
ولكن، عندما يتم تناول عدة مسائل معاً، يمكن أن تكون النساء أكثر تعاوناً ويعملن على حل المشاكل: "إذا أعطيتك هذه يمكنك أن تعطيني تلك". وهذا سيساعد على تكوين نظرة إيجابية أكثر عنهن.
عند التفاوض بشأن الأجور، ستساعد النساء أنفسهن إذا أخذن في الاعتبار حزمة التعويضات الإجمالية التي قد تشمل الإجازات مدفوعة الأجر أو تعيين مساعد أو بدل المواصلات – وكلها ذات قيمة نقدية – بدلاً من تناول الراتب وحده. وفي حين توفر الحزمة فرصاً للموازنة والمقايضة بين قضايا قد تكون لها قيمة مختلفة لكل طرف، يمكن أن يؤدي التركيز على الراتب الفردي إلى طريق مسدود (حيث يصر كل طرف على موقفه)، أو إلى ثنائية الربح والخسارة (حيث يتغلب أحد الطرفين على الآخر)، أو الحل الوسط (حيث يتخلى كل طرف عن بعض ما يريد).
في بعض الحالات، يمكن تعديل درجة الراتب، في حين يكون الأمر أصعب مع علاوات الأداء وبدل السكن وغير ذلك من أشكال التعويض. بدلاً من القول خلال التفاوض: "أتوقع أن يكون الحد الأدنى للراتب 120,000 دولار في العام"، يُستحسن القول "سأكون على استعداد للنظر في راتب يقل عن الحد الأدنى الذي أتوقعه إذا كان بإمكاننا الاتفاق على إجمالي حزمة التعويضات، بالإضافة إلى أهليتي للحصول على مكافآت نهاية العام. وأود مناقشة الدعم الإداري والمساعدة على نقل مكان سكني وإمكانية الحصول على إيجار شهرين للحصول على شقة مفروشة، نظراً لأنني سأنتقل من مكان يبعد 800 ميل".
والمستحسن أن يُسند الطلب ببعض البيانات عن معدلات الأجور والمكافآت المتبعة في القطاع والمنطقة والأفضل في الشركة ذاتها.
اقرأ أيضاً: كيف تتفاوض على الراتب؟
سواء تعلق الأمر بالتفاوض على الراتب أو الموارد التي توفرها الشركة أو العقود المعقدة لعدة سنوات، تحتاج النساء إلى التغلب على التحديات فيما يتعلق بدافعهن وثقتهن وتوقعات الآخرين. ومن خلال الإعداد الفعال وتعزيز مهارات التفاوض لديهن، فإنهن سيزدن من قدرتهن على التوصل إلى حلول مبتكرة تعود بالنفع على استراتيجيات النساء في التفاوض، وعلى كل المعنيين بالأمر.
اقرأ أيضا: