تقرير خاص

القيادة التحويلية في عهد الملك محمد السادس: مسار التنمية في المغرب على مدار 25 عاماً

5 دقيقة
القيادة التحويلية

يعكس مستوى تطور المغرب على مدى الـ 25 عاماً الماضية، أبعاد القيادة التحويلية ودورها في المسار التنموي الذي انتهجه البلد منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش. فقد قطع المغرب أشواطا كبيرة في العديد من مجالات التنمية الاقتصادية والبشرية و أصبح الاقتصاد المغربي أحد أسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة، وفقاً لبيانات البنك الدولي، حيث شهد الناتج المحلي الإجمالي نموا بمتوسط 4% سنوياً خلال الفترة بين عامي 1999 و2023.

وتعتمد القيادة التحويلية على أسلوب قائم على خلق الابتكار وتطويره، يحدده الباحث برنارد موريس باس، من خلال 4 أبعاد رئيسية لهذا النوع من القيادة، وهي المقاربة التي ينتهجها العاهل المغربي منذ عام 1999، فكيف حدث ذلك؟

أبعاد القيادة التحويلية في المغرب

تبدأ الأبعاد الأربعة الخاصة بالقيادة التحويلية، بالتأثير والجاذبية، والتشجيع الابتكاري، والدفع والإلهام، والاهتمام بالمشاعر الفردية، كما حددها الباحث باس.

مع بداية تولي الملك محمد السادس الحكم، كان نمو الاقتصاد عند نحو 0.5% فقط، وعلى مر السنين أظهر المغرب مرونة اقتصادية وقدرة فائقة على التصدي للأزمات، خاصة في الأعوام الأخيرة.

1. سرعة النمو الاقتصادي

يعتمد البُعد الأول للقيادة التحويلية على التأثير والجاذبية، بمعنى أن يمتلك "القائد التحويلي" رؤية وتصوراً واضحين بالنسبة للمستقبل، وقدرة على التأثير وشخصية قيادية تمكّنه من إيصال رسالته. وقد اتسمت قيادة الملك محمد السادس برؤية استشرافية والتزام بالإصلاحات الشاملة، وبرز ذلك في استقرار الاقتصاد الكلي، المدعوم بالاستثمارات الاستراتيجية والمبادرات السياسية، ما أرسى قاعدة أساسية للنمو والتنمية المستدامة.

وتبنى الملك محمد السادس إصلاحات في مجال حقوق المرأة والحكم الدستوري والرعاية الاجتماعية من خلال اعتماد مقاربة توازن بين التقاليد والحداثة؛ فأصبح العيش في المغرب فناً يجمع التراث والمدن العتيقة من ناحية، والتطور التكنولوجي من ناحية أخرى مثل استراتيجية المغرب الرقمي 2030، التي تتعلق برقمنة الخدمات العمومية و بث دينامية جديدة في الاقتصاد الرقمي.

من جانب آخر، أضحى المغرب نموذجا يحتذى به بالنسبة للدول الأخرى في المنطقة، فالعاهل المغربي يعتبر نفسه مسؤولاً عن كل مواطن مغربي داخل البلد وخارجه، كما عزز من دوره للتحفيز وغرس روح الفخر بين المواطنين، وهو ما يتجلى في المشاركة الديناميكية للشباب في تنمية المغرب، سواء في داخل البلاد أو خارجها.

هذا الاهتمام بالأفراد الملاحظ في الرؤية الاستراتيجية للملك محمد السادس، انعكس على ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 1,614 دولار في 1999، إلى أكثر من 3,888 دولار في 2023، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، الذي توقع استمرار هذا النمو حتى عام 2029، ليبلغ نحو 5,119 دولار للفرد سنوياً.

2. انخفاض معدلات الفقر

في وقت الأزمات، يجب على "القائد التحويلي" أن يوجه بالنظر إلى الصعوبات على أنها مشكلات تحتاج إلى حلول. وبالعودة للمغرب، فالوضع لم يكن سهلاً خاصة في الآونة الأخيرة، ففي الوقت الذي كان يتطلع فيه إلى التغلب على تداعيات جائحة كوفيد-19، تعرّض البلد يوم 8 سبتمبر/أيلول الماضي لآخر حدث في سلسلة من الصدمات جرّاء زلزال "الحوز" الذي يعتبر الأعنف منذ أكثر من قرن، وما له من عواقب بشرية ومادية مدمرة، هذه الحقائق كان لا بد من أخذها بعين الاعتبار جدياً، فالقائد الجيد يعلم أنه ليس بالإمكان مقاومة الواقع، بل يعمل على تقبله.

لكن مع تجلي رؤية الملك محمد السادس التنموية في العديد من القطاعات، تمكّن الاقتصاد من الحفاظ على نموه، إذ نما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنحو 3% في عام 2023 في أعقاب الزلزال، مقارنة بـ 1.3% في عام 2022، ليعوض التراجع الذي شهده في أعقاب الجائحة على الفور، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي. وأرجعت مؤسسة أفريكا لاتينا المكسيكية، هذا النمو الاقتصادي إلى جهود الملك محمد السادس، موضحة أن لديه رؤية واضحة لتعزيز هذا الزخم، فضلاً عن ترسيخ السياسة التنموية للبلاد، ودعم السوق الحرة والقطاع الخاص، والبحث العلمي والابتكار، ومجال ريادة الأعمال.

خلال هذه الفترة، بين عامي 1999 و2023، انخفض معدل البطالة من 14% إلى 9.2%، ما يدل على نجاح مبادرات خلق فرص العمل والتنويع الاقتصادي. فمثلاً، جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي انطلقت بعد خطاب ملكي في مايو/أيار عام 2005، لتعزز من الدور الفعال لتحسين الظروف المعيشية والحد من الفقر، والرهان على التنمية بما يمكن أن يقدمه المواطن المغربي.

وبالفعل، انخفض معدل الفقر في المغرب من 15.3% في عام 2001 إلى 4.8% في عام 2018، ما يدل على نجاح البرامج الاجتماعية المستهدفة. أما من ناحية التضخم، فقد حافظ المغرب على معدل عند متوسط 2%؛ ما يعكس السياسات النقدية الفعالة والانضباط المالي.

ونتيجة لذلك، فإن هذه البيئة الاقتصادية، جعلت من السهل جذب الاستثمارات إلى داخل المغرب، فقد ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. وفي عام 2022، جذب المغرب 3.6 مليارات دولار، وهو ما يُنظر إليه على أنه تقدم ملحوظ بالمقارنة مع مليار دولار في عام 1999، وفقاً للبنك الدولي.

3. اعتماد الطاقة النظيفة وتعزيز البنية التحتية

يتطلع "القائد التحويلي" إلى توقعات عالية، وبالنظر إلى هذه التطلعات بالنسبة للدول، فإن قطاع الطاقة النظيفة يحظى باهتمام بالغ؛ نظراً لقدرته على تعزيز النمو الاقتصادي، ودعم استقلال الطاقة، وتحسين الصحة والرفاهية.

وفي الوقت الذي يسعى فيه العالم إلى التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة وتتبنى الدول عدة مراحل للوصول إلى أهدافها المتعلقة بهذا القطاع، جسّد مشروع نور ورزازات للطاقة الشمسية في المغرب، تطلعات القيادة الطموحة، خاصة أنه أكبر محطة للطاقة الشمسية المركّزة في العالم بقدرة إنتاجية إجمالية تصل إلى 580 ميغاواط.

وكانت الطاقة المتجددة شكلت بالفعل 37% من إنتاج الكهرباء في المغرب، بحلول عام 2022، مع خطط لزيادة هذه الحصة إلى 52% بحلول عام 2030؛ لكن يظل المغرب بحاجة إلى 52 مليار دولار لتحقيق هذه الأهداف، علماً أن الاتحاد الأوروبي تعهد بتقديم تمويل قدره 624 مليون يورو لدعم تحوّل المغرب إلى الطاقة الخضراء.

من ناحية أخرى، جاء اهتمام الملك محمد السادس بتطوير البنية التحتية للبلاد، مع دعم الأفراد لتقديم أفضل ما لديهم في هذا القطاع. ويُقصد بالبنية التحتية عموماً الأنظمة الرئيسية التي تشكّل أساس بنية الاقتصاد وتدعمه، ويؤكد إطلاق خدمات القطار فائق السرعة البُراق عام 2018، وهي الأولى من نوعها في إفريقيا، طموح المغرب لتحديث شبكة النقل الخاصة به. بالإضافة إلى ذلك، فقد أدت الاستثمارات الكبيرة في شبكات الطرق والمطارات ووسائل النقل العام إلى تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي.

أما المطارات المغربية، فقد نجحت في استقبال أكثر من 4.5 ملايين مسافر خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من العام الجاري، بزيادة 17% مقارنة بالفترة نفسها من 2023. ووفقاً لبيانات وزارة النقل واللوجيستيك المغربية، فإن مطار محمد الخامس، استقبل نحو 747 ألف مسافر في فبراير/شباط 2024، علماً أن هذا المطار وحده يمثل 33% من إجمالي حركة النقل الجوي.

تأثر قطاع الطيران بهذه الحركة القوية، فقد شهد نمواً مثيراً للإعجاب، إذ يستضيف المغرب أكثر من 140 شركة طيران، بما في ذلك عمالقة الصناعة مثل بوينغ وإيرباص. كما سجّل نمواً بنسبة متوسطة 20% سنوياً، وأسهم في تعزيز الصادرات المغربية التي بلغت 1.7 مليار دولار في عام 2022.

على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، برز المغرب كلاعب رئيسي في قطاعي السيارات والطيران العالميين. وجذبت الاستراتيجية الصناعية التي تنتهجها البلاد، والتي يقودها الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي في عام 2009 وخطة التسريع الصناعي اللاحقة، استثمارات أجنبية كبيرة.

ففي صناعة السيارات، أصبح المغرب أكبر مصنّع للسيارات في إفريقيا، إذ تجاوز إنتاجه 700 ألف سيارة سنوياً في عام 2023. وقد أنشأت شركات السيارات العالمية الكبرى، بما في ذلك "رينو" و"ستيلانتس"، مصانع تصنيع كبيرة في طنجة والقنيطرة، ما خلق أكثر من 150 ألف فرصة عمل، وأسهم بصفة كبيرة في عائدات التصدير.

4. تحيين الآليات والتشريعات المرتبطة بالمرأة والأسرة

يتعلق البُعد الرابع للقيادة التحويلية بالاهتمام بالمشاعر الفردية، بمعنى أن "القائد التحويلي" يهتم شخصياً بالأفراد، ويدرك الفروقات بينهم، كما يتعامل مع كل واحد منهم بطريقته الخاصة. ومن منطلق الرهان على المواطن المغربي ليكون عنصراً مهماً في مسار التنمية، كان أحد أبرز الإصلاحات في عهد الملك محمد السادس هو النهوض بحقوق المرأة.

ففي عام 2004، شكّل إصلاح مدونة الأسرة محطة فاصلة في تاريخ المغرب الحديث. وهدف هذا الإصلاح إلى تحقيق التوازن بين القيم التقليدية والمبادئ الحديثة للمساواة والعدالة، ومنح المرأة حقوقاً أكبر في الزواج والطلاق وحضانة الأطفال.

رفع القانون الحد الأدنى لزواج المرأة من 15 سنة إلى 18 سنة، بما يتماشى مع المعايير الدولية بشأن زواج الأطفال. كما أعطاها الحق في طلب الخُلع، وهو تحول كبير عن الممارسات السابقة التي كانت تمنح للرجل حقوقًا أكثر من المرأة.

أما بالنسبة لحضانة الأطفال، فقد مكّن هذا القانون، الأم من تعزيز حقوقها ومكانتها ما يحمي رفاهية أطفالها، ليكفل للأمهات حصولهن على حقوق متساوية في حضانة الأطفال والوصاية.

ومن ثم، جاء دور الرعاية الصحية والتعليم، فقد أدت الاستثمارات في الرعاية الصحية والتعليم إلى تحسين إمكانية الوصول والجودة، ما أسهم في تحسين النتائج الصحية وارتفاع معدلات معرفة القراءة والكتابة. ففي عام 2017، ارتفع معدل القراءة والكتابة بين الشباب إلى 93.5%.

واستمر المغرب في تحقيق هذه الطفرة التعليمية، حتى صنفه موقع "إنسايدر مانكي" الأميركي في عام 2023، من ضمن قائمة أكثر الدول الإفريقية تعليماً، إذ حل في المركز الواحد والعشرين من أصل 25 دولة.

كل هذه الإجراءات، أسهمت في التنمية الاقتصادية للمغرب، فلم تتوقف التوقعات الإيجابية للبلد الإفريقي، إذ كشفت أيضاً وكالة "ستاندرد آند بورز" عن توقعاتها بتسارع النمو الاقتصادي في المغرب إلى متوسط ​​3.6% بحلول عام 2027، على أن ينخفض ​​التضخم تدريجياً، ما يعزز من فرصه للتنمية والرهان دائماً على المواطن المغربي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي