سؤال من قارئة: أعمل في شركة خدمات مهنية متعددة الجنسيات تشهد تغييراً كبيراً، حيث تجري رقمنة الأعمال وتنظيمها. وأدت هذه الجهود إلى إتاحة الكثير من الفرص، ولكن كما هي الحال مع أي عملية لإعادة هيكلة، فهناك تداخل في السياسات ونشوب التنازع بين مختلف الأطراف وضعف التواصل، لذا تكتنف هذه المرحلة الانتقالية صعوبات جمة تتمثل في القلق من متغيرات العمل. علاوة على ذلك ستشهد بعض الفرق، فريقي ليس من ضمنها، فصل بعض أفرادها، بينما ستشهد فرق أخرى ظهور مسارات إدارية وجهات معنية جديدة يجب التعاطي معها.
أسوأ ما في الأمر هو عدد الموظفين الذين يغادرون العمل، حتى إنه ليخيل لك أنه ما من يوم يمر إلا ويتملك أحدهم السأم من هذه العملية فيقدم استقالته، وهو ما أثر على معنويات الفريق بأكمله. وعلى المستوى الشخصي، غادر عدد من الزملاء المقربين الذين أعتبرهم أصدقاء أعزاء. هؤلاء هم الأشخاص الذين ألجأ إليهم من أجل الاستمتاع بوقتي أو طلب النصيحة أو للترويح عن النفس وتجديد النشاط، لذا يساورني القلق من الإحساس بالوحدة وتغير وجه حياتي العملية إلى الأبد.
ماذا أفعل لمعالجة هذا الأمر؟ أفكر حالياً فيما إذا كان يجب أن أغادر العمل أنا أيضاً. فبالنظر إلى ما يجري ربما كان من الأفضل أن أبدأ من جديد في مكان آخر، وأبحث عن أصدقاء جدد، وأبدأ بداية جديدة بدلاً من بناء شبكة علاقات مهنية جديدة في مؤسستي الحالية. في بعض الأحيان، أشعر بالاندماج في منصبي الوظيفي وهو منصب جيد على كل حال، لكن مع كل هذا الكم من التغيير، أتساءل عما إذا كنت بحاجة إلى مراجعة خياراتي وتجنب الوقوع في تداعيات إعادة الهيكلة هذه.
لهذا سؤالي هو:
كيف يمكنني أن أتطور في ظل كل هذه التطورات؟ فبدون وجود مسار مهني واضح للقيادة، ومع تضاؤل عدد أصدقائي وتزايد متطلبات العمل نتيجة لذلك، هناك الكثير مما يجب التفكير فيه. أحتاج للنصيحة.
يجيب عن هذا السؤال:
دان ماغين: مقدم برنامج "ديير آتش بي آر" من هارفارد بزنس ريفيو.
أليسون بيرد: مقدمة برنامج "ديير آتش بي آر" من هارفارد بزنس ريفيو.
آندي مولينسكي: الأستاذ في كلية برانديز الدولية للأعمال (Brandeis International Business School)، ومؤلف كتاب "الوصول: استراتيجية جديدة لمساعدتك على الخروج من منطقة راحتك، والارتقاء إلى مستوى التحدي وبناء الثقة" (Reach: A New Strategy to Help You Step Outside Your Comfort Zone, Rise to the Challenge, and Build Confidence).
آندي مولينسكي: إنها قلقة من تغير وجه حياتها المهنية التي اعتادت عليها، وأعتقد أنها على حق، فلن تعود الأمور كما كانت أبداً.
أليسون بيرد: أعتقد أنه من المهم فصل المشاعر التي تنجم عن مجريات الأحداث في العمل، لذا، من المحزن أنها فقدت أصدقاءها المقربين.
أليسون بيرد: لكنني أعتقد أن ما يجري في العمل الآن لا يبدو بهذا السوء بالنسبة لها، فلم يشهد فريقها حالات لفصل أيٍّ من أفراده. إنما هي قلقة بشأن التقدم الوظيفي، ولكن في الواقع، يستطيع المرء في ظل التغييرات بدء حياته المهنية، ويمكنه المضي قدماً من خلال تولي المهمات الشاقة والتصدي للتحديات الجديدة وبناء شبكات علاقات مهنية جديدة في المؤسسة بعد إعادة هيكلتها. لذلك، أعتقد أنها يجب أن تنحّي عواطفها جانباً، وترى ما إذا كانت تريد أن تؤدي دوراً في هذه الشركة الجديدة.
دان ماغين: ولكن ما أفكر فيه حقاً هو أنها إذا تجاوزت شعورها بعدم الراحة لما يحدث في الشركة، فهل ستنجح الشركة في تحقيق الأهداف المرجوة في النهاية؟ ففي كثير من الأحيان تقدم الشركات على فصل بعض موظفيها بالتوازي مع إجراء عمليات إعادة الهيكلة، ولكنها لا تجني سوى تدهور أوضاعها، ودون تحقيق منفعة تذكر. فإذا كان الأمر كذلك، وإذا رأت أن هذا هو مصير الشركة، فلتبادر بمغادرتها، أليس كذلك؟
آندي مولينسكي: أرى أنها لا تملك أي خيارات في هذا الشأن. وأعتقد أن عليها توظيف حس عالم الأنثروبولوجيا لديها. فيجب أن تراقب ما يحدث في الشركة، وكيف يعاملون الموظفين في أثناء مغادرتهم، وما الفرص المتاحة أمامها. كما يجب أن تقيم ما يجري، وفي الوقت نفسه تستخدمه كفرصة للحصول على تجربة موازية لتؤسس مستقبلاً مهنياً لنفسها.
أليسون بيرد: أعتقد أن ثمة إشارة تحذيرية في إقدام الموظفين على ترك العمل طواعية، ليس لأنهم مضطرون إلى ذلك اضطراراً. وأرى أنه عندما يرى المرء إشارات تحذيرية كتلك في أي مؤسسة، فيجب عليه البحث عن فرص أخرى في مكان آخر. فبالتأكيد سيكون من المفيد لها أن تستكشف الخيارات المتاحة أمامها، ثم تتحرك وفقاً لذلك، وألا تفكر بعاطفتها، وأن تتخذ قراراً عقلانياً بشأن أفضل خطوة ستخطوها في المرحلة التالية من حياتها المهنية.
اقرأ أيضاً: ماذا يفعل بنا القلق في العمل؟
آندي مولينسكي: التعامل مع العاطفة صعب للغاية، لأن العاطفة تمدنا بالمعلومات أيضاً. ويبدو الأمر كما لو كانت تشعر بالرضا من الطريقة التي يتعامل بها الموظفون، فهذا شعور ومعلومة مهمة. فلن أتأثر بمشاعرك دون سبب وجيه، لذلك يجب أن أراقب عواطفك وأفكر في مضامينها، لأن هذا أمر مهم، وأعتقد أن البيانات المستقاة من إحساسك تجاه هذه المؤسسة تساعدك إلى حدٍّ ما على المضي قدماً. وعند وقوع مثل هذا التغيير، فقد يكون فهمك لما يحدث في هذه المؤسسة مشوباً بعدم الوضوح. فالأمر أشبه بصورة ضبابية. ضبابية للغاية. وفي مرحلة ما، سيكون التركيز أوضح قليلاً.
وأستطيع أن أستشف من سؤالها أنها ما زالت في المرحلة الضبابية، فهي ليست متأكدة مما يحدث. فهي تعاني الخسارة، وتحس بالقلق، بكل تأكيد. يساورها القلق بشأن حياتها المهنية ووضعها المستقبلي. لكنها لا تستطيع التركيز على الوضع ككل في هذه المرحلة. وهكذا، لا أعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لاتخاذ قرارات متسرعة. ولكن من المؤكد أن هذا هو الوقت المناسب لدراسة البدائل المحتملة ومراقبة ما يحدث وكيف تتطور الأمور.
دان ماغين: إنني أتساءل عما إذا كان بإمكانها انتهاز الفرصة والتحدث مع رئيسها حول بعض هذه القضايا. أولاً، ينبغي أن تخبر رئيسها بأن الكثير من أصدقائها المقربين قد غادروا المؤسسة. وأنها تشعر بأنها تائهة نوعاً ما. يجب ألا تبلغه بهذا ليصلح الأمر، وإنما لتجعله على علم ببعض تلك المشاعر لأن هذا المسلك قد يكون مفيداً. ثانياً: فيما يخص هذه الضبابية التي تحدث عنها آندي، قد يكون بمقدور المدير توضيح بعض منها، وقد يكون بقدوره الثناء على مهاراتها ومستويات أدائها التي تجعلهم يريدونها أن تستمر في الفريق.
آندي مولينسكي: بينما نتحدث عن هذه الصورة، أتخيل قارباً يتأرجح بسبب هبوب عاصفة هوجاء، فربما يكون هذا هو ما تشعر به، وبالتالي فهي تحتاج إلى مرساة. وما كنا نتحدث عنه للتو ربما يكون هو المرساة التي تمكنها من تكوين تصور معقول لفهم الاحتمالات بطريقة أكثر عقلانية. سيكون الأمر عاطفياً، ولكن بطريقة أكثر عقلانية ستساعدها على الشعور بالراحة عند إحساسها بالانزعاج وفي أثناء المرحلة الانتقالية.
دان ماغين: نتلقى الكثير من الأسئلة التي تذكرنا بمدى صعوبة تولي منصب إداري، حتى في ظل مرور المؤسسة بأفضل فتراتها. وأحد الأشياء التي يذكرني بها هذا السؤال أن أهمية المسؤول القادر على تهدئة مرؤوسيه وطمأنتهم لا تقدر بثمن عند مرور المؤسسة بهذا النوع من التغيير. وهذه مهارة خاصة في إدارة العناصر البشرية، والتي ربما لا نولي تعليمها القدر الكافي من الاهتمام، كما تعتبر نوعاً مختلفاً من المهارات الإدارية اللازمة لإدارة مؤسسة تسرح موظفيها ويتسلل الخوف إلى كل من فيها.
دان ماغين: من الطبيعي أن تشعري بالحزن والخسارة عند مغادرة أصدقائك المؤسسة التي تعملين بها. ومن الطبيعي أن يتسلل إليك الإحساس بالقلق من متغيرات العمل المستمرة التي تجري أمام عينيك، لذا ينبغي ألا تتخذ قراراً متسرعاً. أعتقد أنها يجب أن تتمهل وتغتنم الفرصة لإجراء بحث وظيفي أوسع، وتفكر فيما إذا كانت هذه هي المؤسسة التي تريد العمل بها. وربما يجدر بها استكشاف الفرص المتاحة أمامها. يجب أن ترهف السمع إلى مشاعرها.
فإذا كانت تشعر بالحزن والاكتئاب عند الذهاب إلى العمل كل يوم، فهذه معلومة مفيدة لأنها تفكر فيما إذا كان هذا هو المكان الذي ينبغي أن تواصل العمل فيه أم لا. ويستحسن أن تنظر بتفاؤل إلى فرص التطوير الوظيفي التي تقدمها المؤسسة بصورة طبيعية. فعندما يغادر الموظفون، فستقع مسؤولياتهم على عاتق الموظفين الباقين، وقد تكون قادرة على وراثة أحد المناصب المهمة أو انتزاعها.
وأعتقد أنه ينبغي عليها أن تفتح مجالاً للتواصل بينها وبين رئيسها في العمل لمحاولة الحصول على بعض التعزيز، والوضوح، والتحدث بشكل استباقي عن الفرص التي قد تتيحها هذه التغييرات. فإذا أرادت النجاح والازدهار في هذه المؤسسة، فعليها أن تغير عقليتها وتوجِّه قدراً أكبر من التركيز إلى مستقبلها والفرص التي تنتظرها، لا إلى الماضي وما فقدته، وذلك من أجل تضبط مشاعر القلق من متغيرات العمل المستمرة.
اقرأ أيضاً: