كيف تتوقف عن القلق من فقدان أهميتك في عملك؟

4 دقائق
قلق فقدان الأهمية والتخلف عن الركب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بات مصطلح “الخوف أن يفوتنا شيء” (FOMO) مصطلحاً رسمياً في اللغة الإنجليزية، فضلاً عن أنه مذكور الآن ضمن قاموس “أوكسفورد” (Oxford Dictionary) والذي عرّفه بأنه “القلق من تفويت حدث مثير أو مهم يحدث في مكان آخر، وغالباً ما يظهر لدى متابعة المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت” بمعنى أنه القلق من فقدان الأهمية في مكان ما.

وربما أصبح “الخوف من أن يفوتنا شيء” مشكلة معاصرة، لأن الأمور تتحرك الآن بشكل أسرع بكثير، لكنني أعتقد أن الخوف النابع من هذا أعمق ويتمثل في القلق من فقدان الأهمية لدى مَن حولنا، نحن خائفون من أن نُستبعد وخائفون من أن نتخلف عن الركب.

كما أننا نخاف أيضاً، كأفراد، من أن نتخلف عن الركب في مهننا، إذ وجد مسح أجرته مؤسسة “أوكسفورد إيكونوميكس” (Oxford Economics) مؤخراً أن أكثر ما يثير قلق الموظفين هو أن يتغير منصبهم الوظيفي أو تقلَّ الحاجة إليهم، مع إيمان نصفهم بأنه لن تكون ثمة حاجة لمهاراتهم الحالية خلال ثلاث سنوات. وانتشر الخوف حتى إلى ذوي المناصب الإدارية الأعلى، إذ وجدت دراسة أجرتها “أدوبي” (Adobe) أن 40% من المسؤولين التنفيذيين في مجال التسويق يشعرون بالحاجة إلى إعادة ابتكار أنفسهم، ولكن 14% فقط يشعرون أنهم يعرفون كيفية القيام بهذا.

القلق من فقدان الأهمية لدى المؤسسات

أما باعتبارنا مؤسسات، فنحن نخشى من أن تتم زعزعة صناعاتنا أو أن تفقد شركاتنا قدرتها التنافسية. ويعتقد قادة الأعمال الذين شملهم استطلاع “آي إم دي” (IMD) أنه سيتم إزاحة 40% من الشركات عن عرشها في كل صناعة على مدار السنوات الخمس المقبلة، بسبب التطورات في المجال الرقمي.

وربما يتعين علينا استخدام صيغة مُحرّفة من “الخوف من أن يفوتنا شيء” عندما يتعلق الأمر بشركاتنا ومهننا وهي “الخوف من فقدان الاتصال بالإنترنت” (FOBO). أما التعريف المقترح لهذا فهو “القلق من أن العالم يتغير بسرعة كبيرة لدرجة تخلفك أنت ومهنتك عن الركب”.

اقرأ أيضاً: كيف تتوقف عن القلق بشأن آراء الآخرين عنك؟

وهناك أسباب وجيهة للقلق، منها انخفاض متوسط عمر الشركات المدرجة في قائمة “فورتشن 500” من 61 عاماً في عام 1958 إلى 18 عاماً اليوم، وتتوقع “غارتنر” (Gartner) أن تستبدل البرمجيات والروبوتات والأجهزة الذكية ثُلث الوظائف بحلول عام 2025، وبينما الإنتاجية آخذة في الارتفاع، إلا أنه لم تواكبها في الوقت نفسه الوظائف والدخل.

لقد مررنا بتغيير تحولي من قبل، لكن معدل التغيير كان أطول نسبياً، إذ استغرق الأمر، منذ قرن مضى، أجيالاً حتى تحول الاقتصاد من الزراعة إلى الصناعة. لكن في هذه الأيام، يمكن أن تتحول مهنة أو استراتيجية إلى أمر عفا عليه الزمن في غضون سنوات.

فما الذي يمكنك فعله لتجنب التخلف عن الركب؟ هذا السؤال صعب. الإجابة ليست سهلة، إذ لا تستطيع منع ذلك عبر تحديث ما تفعله. عليك في البداية تحديث الطريقة التي تفكر بها، لأنه إذا غيرت ما تفعله دون أن تغيّر طريقة تفكيرك نفسها، سوف تحصل على النتيجة نفسها. لكن، غيّر طريقة تفكيرك وسوف يتغيّر ما تفعله بشكل طبيعي. بالتالي، فإن السؤال الحقيقي هو كيف ينبغي أن تفكر في منع نفسك من التخلف عن الركب.

تطوير نماذجنا الذهنية للتخلص من المشكلات

في أوقات التغيير الجذري، تصبح مهاراتنا وأدواتنا وممارساتنا قديمة من ناحية، ومن ناحية أخرى تغدو نماذجنا العقلية قديمة، ما يجعلها غير فاعلة أو مضللة أو خطرة تماماً.

والنماذج الذهنية هي الطرق (اللاشعورية إلى حد كبير) التي نفهم بها العالم من حولنا، وهي تحدد ما نراه أو لا نراه، وتربطه بالنتيجة. على سبيل المثال، دفعنا النموذج العقلي النموذجي حول كيفية حل مشكلة إلى البحث عما يجب فعله بدلاً من معرفة كيفية التفكير.

وتشبه النماذج الذهنية تلك الخرائط الموجودة في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والتي تساعدنا إلى الوصول إلى وجهتنا المطلوبة، فعندما تكون الأمور على ما يرام، فإننا نضع إحداثيات جديدة للوصول إلى وجهتنا، ولكن عندما تتغير الظروف، وتصبح خرائطنا الذهنية قديمة، سنجد أنفسنا نقوم بانعطافات خاطئة، ونضيع على الطريق، أو نصاب بالحيرة.

ولسوء الحظ، لا يمكننا تحديث الخرائط الموجودة في رؤوسنا بسهولة تحديث الخرائط الموجودة على هواتفنا، فهذه “الخرائط” هي عادات عقلية، والعادات لا تتغير بين عشية وضحاها، فيتطلب التغيير أن نتعلم ونستبدل ما تم تعلمه سابقاً. وتشبه العملية إلى حد ما تعلم مراهق للقيادة، وتشبه أيضاً محاولة سائح في لندن لأن يقود على الجانب الآخر من الطريق.

وتخبرنا الأبحاث حول تصميم العادة أن المفتاح لتعلم أي سلوك جديد يتمثل في تحديد العوامل المناسبة واتخاذ خطوات صغيرة. المبادئ نفسها تنطبق على العادات العقلية، وإليك بعض الأمثلة للبدء بها.

1- عندما يثير شخص ما مشكلة، لاحظ الميل إلى طرح السؤال: ماذا يجب أن نفعل؟ وبدلاً من طرح ذلك السؤال، حاول أن تسأل: كيف نفكر؟ هل تحاول حل المشكلة بطريقة التفكير نفسها التي سببَتها؟ هل يصف شخص ما سيارة وتفكر بدورك “أوه، تبدو وكأنها عربة خيل”.

اقرا أيضاً: أسئلة القراء: كيف أتأقلم مع متغيرات العمل المستمرة التي تشعرني بالقلق؟

2- عندما تنظم نشاطاً ما، تحقق من أن الجميع متسقين في تفكيرهم قبل الحصول على اتساق العمل من الجميع، إذ لا يعني استخدامهم الكلمات نفسها أنهم يستخدمون نماذج ذهنية واحدة، فعندما يقول شخص ما “العلامة التجارية”، فهل يعني شعارك أم سمعتك أم خبرتك؟

3- وعندما تقرأ عن إحدى الشركات الناجحة، حاول منع نفسك من محاولة تقليد ما تقوم به، وقم بدلاً من ذلك بالنظر بشكل أعمق إلى طريقة تفكيرها. ولا يتمثل مفتاح أن تصبح مثل “أوبر” Uber في نطاق جديد القيام بإنشاء خدمة توصيل أخرى قائمة على تطبيق، بل القيام بدلاً من ذلك بتطبيق التفكير القائم وراء تلك الفكرة.

4- وعندما تتخذ القرارات، احذر الاعتماد على “أفضل الممارسات”، والتي تكون، بحكم تعريفها، أداة أو نهج مشتق من نموذج عقلي قديم. حاول، بدلاً من ذلك، البحث عن “الممارسات الناجحة التالية”. قم بتجزئة التفكير وراء نجاحها إلى مكوناتها الأساسية، وطبق تلك المكونات على الموقف لديك.

إن القلق من فقدان الأهمية والخوف من التخلّف عن الركب خوف حقيقي وله مبرراته، لكن – لحسن الحظ – مصيرنا ليس الانقراض مثل طائر الدودو، لسنا نحن من عفا عليه الزمن، بل نماذجنا العقلية، ولا يمكن أن يتعلم طائر الدودو الطيران، لكن يمكننا تعلم تغيير تفكيرنا وخلق عادات عقلية جديدة، فيمكننا أن نكون أكثر مرونة، وأكثر استرخاءً، وأكثر صلة من خلال تحديث نماذجنا العقلية. ذلك كله يمنحنا مزيداً من الوقت لفحص وسائل التواصل الاجتماعي والتأكد من أنه لا يفوتنا أي شيء، وهذا سيساعدنا على التخلص من قلق فقدان الأهمية الذي كان يراودنا باستمرار.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .