ملخص: أدت الجائحة إلى تسريع جهود التحول الرقمي في كثير من الشركات، لكن ماذا عن جاهزية الفريق التنفيذي لقيادة التحول الرقمي؟ وهل المسؤولون التنفيذيون في الشركات مستعدون لقيادة هذا النوع من التحول بشكل جيد؟ للإجابة عن هذا السؤال، أجرى المؤلفون تحليلات لما يزيد عن 100 من مواصفات البحث عن مرشحين للمناصب التنفيذية العليا في شركات مجموعة "فورتشن 1000" في مجموعة واسعة من القطاعات. وحددوا كيفية تغير الأدوار في المناصب التنفيذية العليا، وما يمكن للشركات فعله من أجل سدّ فجوة المهارات الرقمية، وكيف يمكن للموظفين، ومنهم الرؤساء التنفيذيون وأعضاء مجالس الإدارة والمهنيون الصاعدون، الاستعداد للنجاح في المستقبل.
أدت جائحة "كوفيد-19" إلى تسريع تبني التكنولوجيا في جميع القطاعات بدرجة كبيرة. وفقاً لإحدى الدراسات الاستقصائية، أفاد 77% من الرؤساء التنفيذيين المشاركين أن الجائحة سرّعت خطط التحول الرقمي في شركاتهم، إذ قال الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت"، ساتيا ناديلا، في الأيام الأولى من الأزمة: "لقد شهدنا في غضون شهرين ما يعادل عامين من التحول الرقمي". وتوصلت دراسة أجرتها شركة "تويليو" (Twilio) إلى أن جائحة "كوفيد-19" سرّعت استراتيجيات التواصل الرقمي في الشركات بمعدل 6 أعوام.
لطالما كانت معدلات نجاح جهود التحول الرقمي منخفضة للغاية، وتسارع شركات كثيرة لزيادة عدد الموظفين وتعزيز الميزانيات عن طريق تعيين فرق من المهندسين الموهوبين وعلماء البيانات وخبراء الأمن السيبراني.
لكن كي تنجح عملية التحول حقاً، يجب أن تجرى على مستوى أعلى المناصب في الشركة، أي على مستوى المسؤولين عن وضع الاستراتيجيات وتوزيع الموارد. خذ شركة "دومينوز" على سبيل المثال، فقد تمكنت من رفع سعر سهمها من 3 دولارات في عام 2008 إلى 433 دولار في عام 2020 في قطاع ناضج ويتمتع بمستوى عال من التنافسية، وذلك بفضل فريق القيادة العليا المتكامل الذي يتمتع بخبرة في التكنولوجيا الرقمية، إذ أنشأ استراتيجية استفادت من إجراء التجارب وصناعة القرارات استناداً إلى البيانات من أجل إعادة تصميم أنظمة تحديد مسارات التسليم ودمج أنظمة الطلب في مجموعة منصات تشمل منصات التلفزيون النصية والذكية، وتحديث جوانب الشركة بأكملها.
من واقع خبرتنا، تشتهر العمليات والمعايير المتبعة منذ زمن طويل في اختيار كبار المدراء التنفيذيين ببطء تغيرها. فالمعرفة المالية هي المؤهل الأساسي المطلوب توفره لدى أي مسؤول في المناصب التنفيذية العليا، لكن أصبح ضرورياً أن نفكر في المعرفة التكنولوجية والرقمية بنفس الطريقة. إذ إن هذه الإمكانات التي كانت تعتبر إضافة جيدة على المؤهلات فيما مضى أصبحت الآن أساسية وضرورية، ولن تستطيع الشركات تحمّل تكلفة مسؤول تنفيذي قد يخلط بين النقاشات المهمة حول السحابة الإلكترونية واللغو في الحديث عن الطقس.
هل تتمتع فرق القيادة العليا اليوم بالمهارات اللازمة لإجراء تحول رقمي حقيقي؟ للإجابة عن هذا السؤال، حلل المؤلفون ما يزيد عن 100 من مواصفات البحث عن مرشحين للمناصب التنفيذية العليا في شركات مجموعة "فورتشن 1000" في مجموعة واسعة من القطاعات. (تم نشر هذه القوائم ما بين شهر يناير/كانون الثاني من عام 2016 وشهر يونيو/حزيران من عام 2020. سنوضح طريقة العمل فيما يلي).
طريقة العمل
جمعنا قائمة تضم جميع مهام البحث في شركات مجموعة "فورتشن 1000" في جميع القطاعات، والتي أجريت في شركة "سبنسر ستيوارت"، ثم حددنا مهام البحث بأدوار وظيفية معينة تتطلب مواصفات وظيفية معينة. حللنا المواصفات في آخر 10 عمليات توظيف لكل منصب والتي حدثت ما بين يناير/كانون الثاني من عام 2016 وحتى يونيو/حزيران من عام 2020. وبحثنا في جميع المواصفات، على صعيد التوصيف الوظيفي والخبرة المثالية والمسؤوليات الرئيسية، عن ذكر أي مصطلح متعلق بالمهارات التكنولوجية أو الرقمية في خبرة المرشح المثالي. تنوعت طبيعة استخدام هذه المصطلحات، وتراوحت ما بين المهارات الشاملة مثل "خبرة العمل في مؤسسات التكنولوجيا" والقدرات المحددة مثل "قيادة عملية التحول الرقمي في المؤسسات غير الرقمية".
وجدنا أن عمليات البحث شملت الخبرة التكنولوجية أو الرقمية، حيث شملت نسبة 59% من عمليات البحث هذه الخبرة التكنولوجية أو الرقمية. (التكنولوجيا مصطلح واسع يشمل عادة التقنيات والمهارات والأنظمة والعمليات والأجهزة والبرمجيات. ويمكن النظر إلى التكنولوجيا الرقمية على أنها مجموعة فرعية من التكنولوجيا، وقد تشير إلى الأصول غير الملموسة، بعيداً عن الأصول المادية).
سعت الشركات لتوفير هذه المهارات في مجموعة واسعة متنوعة من الأدوار، ما يشير إلى أن كثيراً منها تمكّن من تعيين الأشخاص المناسبين في الأدوار القيادية الرئيسة قبل الجائحة، لكن تم إهمال البحث عن الخبرات التكنولوجية والرقمية في بعض الأدوار الوظيفية. ومن غير المفاجئ، كانت نسبة 100% من المواصفات التي حللناها لمناصب الرئيس التنفيذي للمعلومات والرئيس التنفيذي للتسويق والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا تذكر مهارات تكنولوجية أو رقمية. لكن ذُكرت هذه المواصفات في أقل من ثلث مواصفات المرشحين لمنصب الرئيس التنفيذي للموارد البشرية والرئيس التنفيذي لشؤون المحاسبة. وفي الوسط، ذُكرت هذه المواصفات في نسبة تتراوح بين 40 و60% من عمليات البحث عن مرشحين لمناصب مثل الرئيس التنفيذي ومدير في مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشؤون المالية.
تطور الأدوار
بناء على دراستنا لمواصفات البحث، لاحظنا أن غالبية الشركات ركزت على مجموعة فرعية فقط من الأدوار الوظيفية في جهود التحول الرقمي، ما يشير إلى أن نسبة كبيرة منها لم تتبنّ نهجاً شاملاً بما يكفي في تجديد استراتيجيتها لإدارة المواهب. يتطلب النجاح في خوض عملية التسريع الرقمي تغيير المسؤوليات وتوسيعها في جميع الأدوار في المؤسسة بأسرها.
الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا
في الماضي، كان الرؤساء التنفيذيون للتكنولوجيا هم الخبراء الذين يتعاملون مع الفرص والقيود التي تولدها التكنولوجيا الجديدة. أما اليوم، فقد أصبح الرؤساء التنفيذيون للتكنولوجيا مطالبين بقيادة عمليات التحول الرقمي في الشركة بأكملها. وليس عليهم صياغة استراتيجيات رقمية جديدة فحسب، أي تحديد المجالات التي يمكن إنشاء القيمة فيها عن طريق ربط ابتكارات التكنولوجيا الجديدة ببقية الشركة، بل ويمارسون دوراً مركزياً في تحفيز زملائهم الموظفين وحشدهم لتبنّي هذه المبادرات والابتكارات التكنولوجية الجديدة أيضاً. كما يلعبون دوراً كبيراً في بناء ثقافة تدعم الأولويات الاستراتيجية المستندة إلى التكنولوجيا.
الرئيس التنفيذي للتسويق
عادة، يركز الرئيس التنفيذي للتسويق على تطوير استراتيجية التسويق الكلية وتنفيذها. وهذا يشمل أبحاث السوق وقرارات التسعير واستراتيجية الإعلان والعلاقات العامة. أما اليوم، على الرئيس التنفيذي للتسويق توقع التطورات المستقبلية وتكييف استراتيجيته لإبعاد التطور الجاري عن التسويق واسع النطاق وتوجيهه بصورة متزايدة نحو التسويق الموجه والمستند إلى البيانات. وداخلياً، يجب على الرئيس التنفيذي للتسويق تطبيق الأنظمة التكنولوجية من أجل تتبع مؤشرات الأداء الرئيسة في الوقت الحقيقي وأتمتة التقارير وتسريع عملية صنع القرار. أما خارجياً، يزيد الانتشار السريع لمنصات التواصل وقنوات التوزيع المباشر على الإنترنت من ضرورة أن يحرص الرئيس التنفيذي للتسويق على الاتساق في الرسائل المرسلة عبر قنوات التسويق المختلفة، والتصدي لوضع التقييمات الفورية المستمرة تحت عدسة "مجهر وسائل التواصل الاجتماعي".
الرئيس التنفيذي
لطالما كان الرئيس التنفيذي مسؤولاً عن إعداد استراتيجية الشركة وتوجيهها، وصنع أهم القرارات في الشركة وقيادة رؤيتها وثقافتها وتمثيلها أمام الجمهور. أما اليوم، يجب على الرئيس التنفيذي إدارة مجموعة ضخمة من المسؤوليات ضمن سياق المشهد سريع التغير. إذ يجب عليه تطوير أهداف وغايات جديدة للشركة والحرص على اتساق المجالات الوظيفية والمساهمين المعنيين بها. وعند الحاجة إلى إجراء عملية تحول رقمي واسعة النطاق، سيكون نجاحها معتمداً على قدرة الرئيس التنفيذي على تحديد أسباب التغيير وتوضيح استراتيجية استشرافية لمكونات الشركة الداخلية والخارجية، وأن يكون نموذجاً يحتذى به لثقافة تحفز عملية التحول.
مجلس الإدارة
تشمل مسؤوليات مجلس الإدارة التقليدية قضايا الرقابة التنظيمية والامتثال، ومراقبة البيانات المالية وتقديم المشورة فيما يتعلق باستراتيجية الشركة وتحديد تعويضات الرئيس التنفيذي وتعيينه وإقالته وترشيح مدراء الإدارة الجدد. واليوم، توسعت مسؤوليات مجلس الإدارة لتشمل مساءلة إدارة الشركة فيما يخص مجموعة أوسع من الأهداف التي لا تقتصر على الأداء المالي قصير الأمد، بل وتتضمن الابتكار والاستثمار على المدى الطويل أيضاً. في عالم اليوم، لا تتعلق الحاجة إلى خبراء في التكنولوجيا الرقمية في مجلس الإدارة بالاستفادة من الفرص المستقبلية فحسب، بل وبتقييد مصادر الخطورة الجديدة أيضاً. فمجلس الإدارة الذي يضم أعضاء يتمتعون بثقافة تكنولوجية كبيرة سيتمكن من إعداد الشركة على نحو أفضل لنجاح طويل الأجل، لأن أعضاءه قادرين على تقديم نصائح فاعلة حول الاستثمارات في التكنولوجيا واختيار الرئيس التنفيذي المناسب للاحتياجات المستقبلية، إلى جانب قدرتهم على إدارة جهودهم الذاتية للتعلم والتنشيط عن طريق تعيين مدراء إداريين جدد وعقد جلسات التدريب حسب الحاجة.
الرئيس التنفيذي للشؤون المالية
تشمل المسؤوليات المعتادة التي يحملها الرئيس التنفيذي للشؤون المالية وضع التوقعات المالية ووضع الميزانية وإعداد التقارير وبيان خطط الاستثمار في ضوء الربح والخسارة وإدارة نشاط المساهمين والعلاقات مع المستثمرين. أما اليوم، فيجب أن يستفيد الرئيس التنفيذي للشؤون المالية من ابتكارات التكنولوجيا الجديدة من أجل أتمتة عمليات إعداد التقارير المالية وتحليلها وتبسيطها. ويجب أن يمتلك نظرة استشرافية تقدمية عند وضع التوقعات في بيئة يخضع فيها تدفق الإيرادات وهيكل التكاليف لتغييرات جوهرية. وعلى اعتبار الرئيس التنفيذي للشؤون المالية حارس معظم البيانات الضرورية في عمليتي التخطيط والتحليل الاستراتيجيتين، فبإمكانه ممارسة دور مركزي في تقييم تكاليف الاستثمارات في التكنولوجيا وفوائدها، والتعرف على مجالات النمو الجديدة وغيرها من الفرص المتاحة للشركة بأسرها.
الرئيس التنفيذي للموارد البشرية
على مدى أعوام، كان المدير التنفيذي لشؤون الموارد البشرية المتميز قادراً على تحديد جدول أعمال الموارد البشرية وتنفيذه بما يتوافق مع استراتيجية الشركة وتنفيذها. وهو اليوم يمارس دوراً أساسياً في مستقبل العمل واستراتيجيات إدارة المواهب المستقبلية. على الرغم من أن الخبرات التكنولوجية والرقمية ليست محطّ التركيز الأساسي في كثير من عمليات البحث عن الرؤساء التنفيذيين لشؤون الموارد البشرية، فأصحاب التفكير الاستشرافي منهم اليوم ينقلون مزيداً من أنظمة الموارد البشرية إلى العالم الافتراضي ويسعون لتيسير قدرات الخدمة الذاتية للموظفين، ويستخدمون أنظمة تحليلات بيانات الموارد البشرية ويتوصلون إلى طرق للاستفادة من البيانات في استراتيجياتهم التي يتبعونها في إدارة المواهب. وسيتمثل أحد أهم التحديات التي ستواجهها الشركات في توظيف أشخاص يتمتعون بالمهارات التكنولوجية والرقمية الأساسية واستبقائهم، وإدارة مسارات اﺳﺘﻘﻄﺎب أصحاب المواهب الداخلية في ضوء التطور التكنولوجي. وفي أفضل الأحوال، يعمل الرؤساء التنفيذيون لشؤون الموارد البشرية كشركاء في مبادرات التغيير والتحويل الثقافي من أجل تبني الابتكار والمرونة.
سد الفجوة في المهارات
تسبب هذه التغييرات الجذرية في المسؤوليات الوظيفية فجوة في المواهب ضمن مسارات اﺳﺘﻘﻄﺎب اﻟﻜﻮادر اﻟﻘﻴﺎدﻳﺔ وتطويرها في كثير من الشركات، الأمر الذي يزيد ضرورة إجراء تغييرات كبيرة في استراتيجيات إدارة المواهب. ومن أجل العثور على المرشحين المناسبين، قد تحتاج الشركات إلى إعادة النظر في مسارات الترقية المتبعة تقليدياً. مثلاً، بدلاً من ترقية الرئيس أو رئيس العمليات عند اختيار الرئيس التنفيذي الجديد، قد يؤدي البحث عن رئيس تنفيذي يتمتع بخبرة رقمية إلى تعيين مرشح من مرتبة وظيفية أدنى في التسلسل الهرمي (وهي ظاهرة تسمى "قفزة الرئيس التنفيذي"). وقد رأينا هذا الأمر يحدث مع ساتيا ناديلا في شركة "مايكروسوفت" وتشاك روبنز في شركة "سيسكو"، إذ تمثل أحد أسباب اختيارهما في رؤيتهما لطرق استخدام التكنولوجيا في المستقبل. ارتقى ناديلا عن طريق مجموعة السحابة الإلكترونية وخدمات المؤسسات في شركة "مايكروسوفت"، إذ ساعدته على وضع خطة لتطور الشركة بعيداً عن منتجاتها التجارية التقليدية وتحريكها باتجاه الخدمات. أما روبنز فقد ارتقى من منصب مدير قسم المبيعات ليصبح رئيساً تنفيذياً. على الرغم من أن المبيعات عادة لا تعتبر مجالاً للتدريب على المهارات التكنولوجية والرقمية، فقد استفاد روبنز من هذا المنصب في متابعة التوجهات الجديدة من خلال علاقاته الوثيقة مع العملاء.
كما أن تناوب الموظفين على مناصب العمل يتمتع بدور مهم في بناء مسارات قوية ومعدة للمستقبل لاستقطاب الكوادر القيادية وتطويرها. وعلى الرغم من أن الأدوار التشغيلية تعتبر عادة وسيلة عبور إلى أعلى المناصب في الشركة، فمن الممكن أن يستفيد أصحاب الإمكانات العالية اليوم من التناوب على الأدوار التي تضم مسؤوليات بيانات الربح والخسارة، والوظائف المتعلقة بالتكنولوجيا أيضاً. في الماضي، كان المسؤول التنفيذي يعتبر الوظيفة التكنولوجية، التي يستلمها نتيجة للتناوب على الوظائف، عقوبة. لكن العمل في تكنولوجيا المعلومات ليس مجرد دور داعم، بل أصبح بإمكانه اليوم تزويد الموظف بالمهارات والخبرات الأساسية اللازمة لقيادة الشركة نحو المستقبل.
عندما لا يتوفر المرشحون المناسبون ضمن الشركة، فستضطر للبحث عنهم في سوق العمل الخارجي. لكن عليها أن تكون مستعدة لدفع مبالغ إضافية، فالموظفون الذين يتمتعون بالمهارات التكنولوجية والرقمية مطلوبون بشدة في كثير من الشركات. كما يلقي هذا التوجه تبعاته على الشركات التي طالما تمتعت بالقوة في التكنولوجيا، إذ ستسعى الشركات الأخرى للاستيلاء على أصحاب المواهب الذين يعملون لديها، وستضطر لاتخاذ إجراءات استباقية للاحتفاظ بأفضل موظفيها.
نرى فجوة مماثلة في المواهب ضمن مجالس الإدارة. في دراسة استقصائية عالمية أجريناها على أعضاء مجالس الإدارة، أشار أكثر من ثلثي المشاركين إلى أنهم يعانون بصورة شخصية من صعوبة في متابعة قضايا المخاطر والأمن والتكنولوجيا الجديدة. كما أن 13% فقط من مجالس الإدارة اهتمت بالخبرات التكنولوجية في عمليات البحث الأخيرة عن مدراء إداريين جدد. وبحسب ما قاله أحد المشاركين في الاستقصاء، فقد أدى ذلك إلى "تركيز مبالغ فيه على المدراء الذين يتمتعون بمهارات الإدارة المالية والإدارة العامة وغزارة مفرطة في أعدادهم". يكون الدوران الوظيفي في مجلس الإدارة متدنياً عادة، كما تعني شروط التغيير التدريجي لأعضائه أن تغيير بنيته سيستغرق وقتاً طويلاً. لذا، يجب على مجالس الإدارة إعادة النظر في القواعد الراسخة فيما يخص مدة العضوية فيها، وتخصيص بعض الوقت لفرص التعليم والتدريب للأعضاء الحاليين الذين يحاولون التكيف مع بيئة الأعمال.
الاستعداد للنجاح في المستقبل
نعتقد أن الأعوام القليلة المقبلة ستشهد ثورة في كثير من مناصب الإدارة العليا. فقد أدت الجائحة إلى كشف التنفيذيين غير القادرين على مواجهة تحدي التغييرات السريعة في التكنولوجيا. في بعض الحالات، بدا جلياً أن بعض الأشخاص غير مناسبين للأدوار القيادية التي يشغلونها، والعائق الوحيد الذي يمنع استبدالهم هو عدم توفر البديل المناسب. ما أن تملك مجالس الإدارة وفرق القيادة العليا الوقت اللازم للبحث عن مرشحين جدد، وما أن يتوفر عدد أكبر من المرشحين في السوق الخارجية بعد دفع العلاوات الإضافية السنوية، فعلى الأرجح أننا سنشهد دوراناً وظيفياً هائلاً وبيئة شديدة الاضطراب، ما سيسلط الضوء على الفجوة الكبيرة بين القادة الذين يتمتعون بالخبرة الرقمية العالية والقادة التقليديين الذين يفتقرون إليها.
مع تنامي الحاجة الملحة إلى المهارات التكنولوجية، ما الذي يمكنك فعله كي تبقى مواكباً للتطور؟ إليك بعض النصائح:
بالنسبة للرؤساء التنفيذيين
ليس عليك أن تكون خبيراً مواكباً لآخر التطورات، فامتلاك القدرات القيادية الضرورية وامتلاك الكفاءة التكنولوجية العالية في نفس الوقت هو أمر نادر جداً. بل عليك السعي لاكتساب المعارف التكنولوجية اللازمة من أجل قيادة التغيير المؤسسي، وحشد أفراد فريق القيادة العليا حول استراتيجية واضحة، والحرص على اتساق المجالات الوظيفية مع مجموعات العمل.
ثقافة المؤسسة هي جانب مهم في أي مبادرة تغيير، ويجب عدم إهمالها. وأنت تلعب دوراً مهماً في قيادة ثقافة ابتكارية خلاقة قادرة على تعزيز التغييرات الاستراتيجية القائمة على التكنولوجيا.
اجمع الفريق المناسب حولك، حدد الموظفين الذين يملكون الخبرات الحيوية وأدخلهم إليه، واحرص على أن تكون أصواتهم مسموعة. قد تحتاج إلى تغيير البنية التنظيمية في مؤسستك كي تتمكن من تنفيذ التحول الرقمي بصورة كاملة.
ومن الجهة الأخرى، قد تحتاج أيضاً إلى اتخاذ قرارات مؤلمة فيما يتعلق بتغيير المسؤولين التنفيذيين والمدراء في أدوار أخرى إذا كانوا غير مهيأين للمستقبل. توصلت إحدى الدراسات إلى أن 70% من جهود التحول الرقمي لا تحقق أهدافها، والمقاومة الإدارية هي أحد أهم الأسباب في ذلك. إذا لم يكن بإمكان القادة الانضمام إلى الركب، فلربما حان الوقت للتخلي عنهم.
بالنسبة لكبار القادة وأعضاء مجلس الإدارة
اسع دوماً لمواكبة التطورات والتعلم منها والتكيف معها، فالاستمرار بتطوير المهارات ضروري لتفادي تخلفك عن الركب.
فكر بالطريقة التي ستمكّنك من تبني نهج مستند إلى البيانات في جميع أعمالك. وقد تكون الأساليب التي ساعدت على نجاحك في الماضي قد فقدت جدواها اليوم، لذا، حاول أن تتبنى عقلية منفتحة في العمل. فمقاومة الأساليب الجديدة في العمل هي عائق أساسي يمنع الشركات من تحقيق كامل إمكاناتها الرقمية.
تعلم ممن سبقوك ومن تأخروا عنك ("الإرشاد العكسي"). فبإمكانك تعلم كثير من الأشياء من الموظفين الأقرب من ابتكارات التكنولوجيا الجديدة والعملاء.
متابعة آخر التوجهات التكنولوجية هو أمر حيوي لتعزيز ثقة فريقك بك واحترامهم لك. لأنك إذا خسرت ثقتهم بقدراتك فسيختارون الابتعاد عنك، أو حتى استبدالك.
بالنسبة للمهنيين الصاعدين
ابحث عن فرص التطوير والتناوب على الوظائف كي تتمكن من تنمية قدراتك الرقمية والقيادية، وكن عازماً على القيام بخطوات جانبية لتطوير قدرات جديدة. حتى وإن لم تؤد هذه التغييرات إلى ترقية فورية، فهي ستكسبك خبرة ثمينة تكمّل مؤهلاتك. (معظم المرشحين المقنعين يملكون خبرة في عدة اختصاصات ومساراً مهنياً غير متسلسل يضم انتقالات ومهام في قطاعات ووظائف مختلفة).
فكر ملياً بأنواع الشركات التي تعمل لديها، فالشركة التي تنتسب إليها تحدد علامتك التجارية. وسيستدل الآخرون على خبرتك التكنولوجية بناء على الشركة التي تعمل فيها، حتى قبل أن ينظروا إلى مؤهلاتك. (مثلاً، كانت شركة برمجيات تبحث عن رئيس تنفيذي جديد للعمليات يملك خبرة في البرمجيات، فركزت في بحثها على التنفيذيين الذين يعملون في شركات برمجيات أخرى، واستبعدت كثيراً من المرشحين الذين يعملون في شركات الأجهزة قبل أن تنظر إلى مؤهلاتهم).
يجب أن تصمم مجموعة خبراتك بنفسك، سواء اكتسبتها من العمل في شركة واحدة أو في عدة شركات. انتبه إلى أن الخطوات المهنية التي اتبعها المرشدون وغيرهم من كبار المسؤولين التنفيذيين قد تفقد جدواها في رفعك على السلم الوظيفي في عالمنا سريع التطور.
تسببت جائحة "كوفيد-19" في نقل التكنولوجيا من الهامش ووضعها في المركز، حيث ستبقى بصورة دائمة. على الرغم من أن تأثير التوجهات التكنولوجية والرقمية اليوم يختلف باختلاف الوظائف، فإننا نرى أنه بمرور الوقت ستصبح هذه المهارات هي المؤهلات الأساسية المطلوبة في جميع المجالات من أجل التأكد من جاهزية الفريق التنفيذي لقيادة التحول الرقمي. والاستثمار في هذه المهارات الآن سيعزز صلاحيتك للتسويق ويهيئك لواقع عالم الأعمال الحالي الآخذ بالتطور.