ملخص: ماذا عليك أن تفعل إذا لم يرغب بعض أعضاء فريقك في العودة للعمل في مكاتبهم بعد أن ألزمتهم شركتك بذلك؟ وكيف تحقق التوازن الصحيح بين تنفيذ سياسات الشركة والاستجابة لاحتياجات موظفيك؟ تقدم المؤلفة في هذا المقال رؤى من خبيرتين في التعامل مع هذا الموقف المعقد.
منذ أن ظهر أول أوامر العودة إلى المقار المكتبية في عام 2021، واجه المدراء صعوبة في التعامل مع مهمة حساسة تتمثل في تحقيق التوازن بين السياسات التنظيمية وتفضيلات موظفيهم. تتزايد الضغوط التي يمارسها المسؤولون الكبار في الشركات لإعادة الموظفين إلى المقار المكتبية في السنوات الأخيرة، وبصفتك مديراً عليك الالتزام بسياسات شركتك.
كيف تتصرف مع أعضاء الفريق الذين ما يزالون يتلكؤون في العودة؟ كيف يمكنك الحفاظ على بيئة عمل إيجابية دون خلق توتر غير ضروري؟ وكيف يمكنك تلبية احتياجات موظفيك واتباع سياسة الشركة في آن واحد؟
ما الذي يقوله الخبراء؟
توصلت دراسة استقصائية أجراها موقع ريزمي بيلدر (ResumeBuilder.com)، إلى أن 90% من الشركات التي لديها مقار مكتبية ستضع سياسات خاصة بعودة الموظفين إلى العمل في مكاتبهم وستراقب غالبيتها حضورهم فيها بحلول نهاية هذا العام؛ وضعت هذه القرارات المدراء في خضم معركة العودة إلى المقار المكتبية الطويلة الأمد، وكلفتهم بتنفيذ سياسات لم يكن لهم يد في وضعها وقد لا يؤيدونها بالكامل.
عليك أن تبذل جهداً حثيثاً لتبنّي سياسات شركتك، حتى لو كانت لديك تحفظات عليها وتتعاطف بشدة مع الموظفين الذين يعانون بسببها، يرى أستاذ علم النفس في جامعة تكساس في مدينة أوستن، آرت ماركمان، مؤلف كتاب "وظّف دماغك في العمل: استخدام العلوم المعرفية للحصول على وظيفة وإتقانها والتقدم في مسارك المهني" (Bring Your Brain to Work: Using Cognitive Science to Get a Job, Do it Well, and Advance Your Career)، أن مهمتك هي مساعدة الشركة على النجاح: "يمكنك أن تحارب السياسة حتى يُتخذ قرار نهائي بتبنيها، وبعد ذلك إما أن تطبقها وإما أن تستقيل". لكنك لست مجرد حارس آلي لتطبيق السياسات، ويتمثل دورك بصفتك قائداً في "تطبيق السياسة بطريقة لا تفشلها، وفي الوقت نفسه إظهار التعاطف مع الموظفين الذين يتعين عليهم الالتزام بها".
تنصح الأستاذة في جامعة جنوب أستراليا ومؤلفة كتاب "إدارة الموارد البشرية للمدير غير المتخصص في الموارد البشرية" (Human Resources for the Non-HR Manager) كارول كوليك، بالعمل مع أعضاء فريقك "للمشاركة في تصميم طريقة العودة، وهذا يعني الاهتمام بمخاوفهم والدفاع عنهم حيثما أمكن وضمان استفادتهم من زيادة عدد ساعات عملهم في مكاتبهم". إليك بعض الخطوات التي يمكنك تجربتها إذا أصرّت شركتك على عودة الموظفين للعمل في المقار المكتبية وقاوم بعضهم القدوم.
أظهر التعاطف
تقول كوليك: "قد يبدو التوتر بشأن العودة إلى المكتب متعلقاً بموقع العمل، لكنه في الواقع متعلق بالاستقلالية. إذ أتاحت الجائحة للعمال الفرصة لوضع روتين عملهم بأنفسهم للمرة الأولى فذاقوا طعم الاستقلالية، وإحجام موظفيك عن التخلي عنها له مبرراته، وهم لن يعودوا طواعية إلى القفص".
اسأل أعضاء فريقك المعارضين عن مخاوفهم والصعوبات التي يواجهونها عند العمل في المقار المكتبية، واستمع بانتباه وتعاطف وقدّم الدعم لهم. يحذّر ماركمان من التسبب عن غير قصد في زيادة شكاوى أعضاء الفريق أو تعزيز السلبية، لأن ذلك قد يُفشل السياسة ويزيد من الاستياء، يقول: "يمكنك إظهار التعاطف مع موقفهم مع التركيز في الوقت نفسه على مزايا السياسة لكل من الشركة والموظفين".
كن متعاوناً وابحث عن حلول مبتكرة
يقول ماركمان إن من أقوى الخطوات التي يمكن للمدير اتخاذها في خضم هذه المرحلة الانتقالية هي أن يسأل الموظفين عما يحتاجون إليه وأن يستجيب لهم كما يلي: "قُل: أعلم أن التغيير صعب، ما الذي يساعدكم على تجاوزه؟".
تشمل بعض أكبر التحديات المرتبطة بعودة الموظفين للعمل في المقار المكتبية الجانب المالي وعدم الارتياح. من الشكاوى الشائعة استخدام وسائل النقل من أماكن بعيدة في ساعات الذروة وعدم قدرة الموظفين على اصطحاب أطفالهم إلى المدرسة ومنها؛ ابحث في هذه الحالة عن الخيارات الممكنة مثل تعديل أوقات بداية دوام أفراد فريقك ونهايته لمنحهم القدرة على تبادل الأوقات فيما بينهم. يرى ماركمان أن بعض أعضاء الفريق يمكن أن يأتوا في وقت مبكر ويتغلبوا على مشكلة الازدحام، في المقابل يمكن أن يأتي آخرون في وقت لاحق بعد بدء الدوام المدرسي، إذ يقول: "فكّر فيما يسهّل حياة الموظفين ويجعلها أفضل ويتوافق مع سياسة الشركة في الوقت نفسه".
على الرغم من أن إلزامية العمل في المكاتب قد تحدُّ أحد جوانب المرونة الجذابة للموظفين، فبإمكان المدراء توفيرها لأعضاء فِرقهم بطرق مفيدة. يقول ماركمان: "إذا كان لدى أحد أعضاء فريقك طفل مريض ويحتاج إلى البقاء في المنزل ثلاثة أيام، فكن مرناً ومتعاوناً". تقول كوليك إنه على الرغم من أن إلغاء الإلزام بالعودة خارج نطاق سلطتك، فقد تكون قادراً على تحديد الأوقات التي يمكن فيها السماح بزيادة أوقات العمل من المنزل، يمكنك اقتراح العمل عن بُعد خلال الفترات التي تتطلب تفكيراً عميقاً أو تخصيص "أسبوع حر" كل شهر حيث يمكن للموظفين اختيار موقع عملهم بناءً على مهامهم. تقول كوليك إن هذه التنازلات الصغيرة تثبت لكبار المدراء أننا جميعاً منسجمون ونتشارك الرغبة في تحقيق الأهداف المشتركة.
من الأسباب الأخرى التي كثيراً ما يذكرها الموظفون لعدم رغبتهم في العمل في المقار المكتبية هو أنه من المستحيل عملياً إنجاز مهامهم، إذ تحتاج الأعمال المعرفية إلى العزلة، والمكاتب صاخبة في معظم الأحيان. تقول كوليك إن ذلك يمثل فرصة لتقييم بيئتك المكتبية: لست مضطراً إلى هدم المبنى أو اتخاذ إجراءات ضخمة، فمن الممكن أن تكون التعديلات البسيطة فعالة، مثل نقل الفِرق التي يحتاج أفرادها إلى التحدث والتواصل فيما بينهم بدرجة كبيرة أو تخصيص ممر هادئ.
منح الأولوية للشمول
لفهم احتياجات فريقك واهتماماته بصورة أفضل، توصي كوليك بالاطلاع على بيانات الموظفين لتحديد الفئات الأشد مقاومة للعودة إلى المقار المكتبية، وتقول إن هذه المعلومات تساعدك في "تشخيص مشكلة تتعلق بالثقافة". على سبيل المثال، إذا كان الموظفون الجدد أكثر من يبدي المقاومة، فقد يكون السبب عدم حصولهم على التأهيل المناسب والشعور بانعدام التواصل، وإن كانت الموظفات أكثر من يعبّر عن مخاوفه، فقد يشير ذلك إلى الحاجة إلى بيئة عمل أكثر شمولاً.
تقترح كوليك معالجة هذه القضايا من خلال إنشاء أنشطة ومبادرات يمكن أن تساعد على تعزيز المشاركة، وقد يشمل ذلك تعريف الموظفين بزملاء لهم اهتمامات مماثلة أو توفير فرص تدريبية توجيهية؛ "عندما يشعر الموظفون بأنهم مستبعدون، عليك أن تبذل جهداً أكبر لإدماجهم".
اجعل الحضور إلى المقر المكتبي يستحق العناء
يقول ماركمان: "لا شيء يغضب الموظف أكثر من القدوم إلى المكتب والبقاء على تطبيق زووم طوال اليوم". ويرى أنه من الأهمية بمكان خلق بيئة عمل تفاعلية من خلال تزويد أعضاء الفريق بفرص للتعلم من الزملاء أو المشاركة في اجتماعات رفيعة المستوى أو التعاون مع فرق مختلفة، ويقول إن العاملين في بداية حياتهم المهنية يستفيدون كثيراً من إشراف زملائهم أصحاب الخبرة: "من الصعب استيعاب أهداف المهام القادمة إذا لم تكن قادراً على فهم طرق عمل زملائك".
تقترح كوليك تحفيز أعضاء الفريق المترددين من خلال التركيز على بناء علاقات فردية قوية وتقديم ملاحظات مصممة تصميماً خاصاً لهم، ومنحهم فرصة التعرف على العملاء وتكليفهم بمشاريع صعبة وعالية المستوى تساعدهم على رؤية أثر عملهم، وتقول إن الهدف من ذلك هو مساعدة الموظفين على إدراك أن الفوائد التي يحصلون عليها في المكتب لا يحصلون عليها في المنزل، وتنصحك بالتحدث إلى مدرائك حول استخدام الميزانية التقديرية لإطلاق فعاليات ومبادرات لجعل العودة إلى المقر المكتبي أكثر جاذبية، بما فيها الفعاليات الاجتماعية التي تعزز الشعور بالانتماء إلى الجماعة.
يقترح ماركمان أيضاً أن تؤكد لمدرائك وللقيادة العليا أهمية حضورهم بين الموظفين العاديين: "قبل الجائحة، ابتعد الكثير من كبار المسؤولين الإداريين في الطوابق العليا، لكن عليهم السير في القاعات وإثبات وجودهم والتفاعل مع بقية الموظفين".
احتفل بالانتصارات
لا يمكن تجنب سلبيات العودة إلى المقار المكتبية، ولهذا السبب، يقول ماركمان إن عليك الحرص بشدة على الاحتفال بأفضل لحظات اجتماع الفريق بأكمله في الشركة مجدداً؛ يمكن أن تتمثل في اجتماع مفعم بالحيوية والإنتاجية لفريق العمل أو فكرة عفوية أثارتها محادثات جانبية في أثناء تناول الحلوى في الاستراحة.
لا حاجة إلى الإفراط في التفاؤل، ولكن اعترافاً بسيطاً مثل: "أليس ذلك أفضل من اجتماع زووم؟" يُذكّر بالمزايا الخاصة للعمل جنباً إلى جنب شخصياً، حتى بالنسبة لمن لم يكونوا متحمسين لفكرة العودة. يقول ماركمان: "إنه اعتراف بأننا قضينا وقتاً ممتعاً في العمل معاً بصورة شخصية لحل المشكلات، على عكس النوافذ المربعة في الاجتماعات الافتراضية، نحن نقضي نسبة كبيرة من ساعات يومنا في العمل، ويجب أن يكون الأمر ممتعاً بدرجة ما".
قِسْ النتائج
أخيراً، ستحتاج إلى التأكد من أن إلزام الموظفين بالعودة إلى المقر المكتبي يؤدي الغرض منه. يقول ماركمان: "إن الاستمرار في مراجعة السياسات يُظهر رغبتك في استخدام البيانات للتزود بالمعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات"، ويوصي بالتحدث إلى الإدارة العليا قبل الإلزام لتحديد معايير نجاح واضحة له.
وبمجرد إلزام الموظفين بالعودة إلى المقار المكتبية فعلاً، راقب المقاييس مثل الإنتاجية والتغيب عن العمل بالإضافة إلى معدل استبقاء الموظفين. توصلت الأبحاث التي أجرتها شركة غارتنر (Gartner) إلى أن نية البقاء بين موظفي المعرفة كانت أقل بنسبة 8% في الشركات التي ألزمت موظفيها بالعمل في مكاتبها، وبالنسبة للموظفين أصحاب الأداء العالي كانت النسبة أقل بنسبة 16%. كما عليك الانتباه إلى المدة التي يستغرقها فريقك لإنجاز المهام، وإذا كان من الصعب التوظيف مع فرض العمل من المقر المكتبي.
ثم راجع البيانات بدقة، تقول كوليك: "يمكن أن تُظهر البيانات أن استراتيجياتك ناجحة وأن الجميع ما زالوا متحمسين ومتفاعلين، وقد تكشف أن الموظفين كانوا أكثر إنتاجية في العمل من المنزل". يضيف ماركمان أن الهدف هو تحقيق التوازن بين سياسات الشركة واحتياجات موظفيك، وينصحك بأن تتأكد من أن إلزام فريقك بالعمل في المقر المكتبي منطقي له. وإن لم يكن كذلك، فعليك تعديله أو إعادة النظر فيه.
مبادئ يجب تذكرها
ما يجب عليك فعله
- اسأل الموظفين عما يمنعهم من القدوم إلى العمل وكن متجاوباً معهم من خلال تقديم حلول مبتكرة تلبي احتياجاتهم الخاصة.
- شجّع الفعاليات والأنشطة التي تضيف قيمة شخصية لتجربة العمل في المكاتب.
- احرص على تهيئة بيئة عمل صحية وشمولية داخل الشركة.
ما عليك تجنبه
- إفشال سياسة الشركة وإثارة الاستياء بسبب ترك شكاوى أعضاء فريقك من السياسة تزداد دون حل؛ وبدلاً من ذلك، استمع إليهم وتعاطف معهم وقدّم لهم الدعم.
- الصرامة المفرطة. حتى لو لم تمتلك الصلاحيات اللازمة لتغيير سياسة إلزام الموظفين بالعمل في المقر المكتبي، استخدم ما لديك من مساحة للمناورة لتوفير المرونة لفريقك بطرق مجدية.
- التقليل من أهمية المرح؛ بل احتفل باللحظات الإيجابية للعمل التعاوني للموظفين في مكاتب الشركة.