دشن "مركز البحوث المشتركة" (JRC) التابع للمفوضية الأوروبية مشروعاً بحثياً عام 2018 باسم "الحكومة الإلكترونية" (DigiGov) بغرض استكشاف قدرة الابتكار في القطاع العام مدعوماً بالتقنيات الرقمية على الإسهام في تحويل أنظمة الحوكمة بالتوازي مع تمكين الحكومات من معالجة المشكلات النظامية بصورة أكثر فاعلية. تتلخص الفكرة في استخدام نتائج البحث لتقديم توصيات بالسياسات الموجهة لجهود التحول الرقمي للحكومة الإلكترونية للاتحاد الأوروبي بعد عام 2030.
تطرق البحث إلى عدد من الجوانب مثل محددات التحول الرقمي للحكومات وتصنيفاته المختلفة والدوافع الداخلية والخارجية للابتكار والتغيير في القطاع العام والأثر المحتمل للتقنيات والتحول.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: ما المقصود بالتحول الرقمي؟
تدعم الرسالة الأساسية التي انبثقت عن هذا البحث المعمّق وجهة نظري حول الحاجة إلى "إعادة نظر الحكومات للعصر الرقمي" الذي كنت أتحدث وأكتب عنه منذ فترة من الزمن.
إعادة نظر الحكومات للعصر الرقمي
يشير البحث في جوهره إلى الحاجة إلى سياسات مستقبلية تتخطى التقنيات من أجل تحول رقمي شامل، ووفقاً لناتاليا أرستيمونيو بيريز، رئيسة "وحدة قابلية التشغيل البيني" (Interoperability Unit) في "الإدارة العامة للمعلوماتية" (DIGIT) في الاتحاد الأوروبي، فإن التحول الرقمي أكثر من مجرد تقنية، فهو يرتبط أيضاً بنماذج الحوكمة والهياكل التنظيمية والعمليات والجوانب القانونية التي تسمح للتقنيات بإنشاء قيمة عامة.
يدعم هذا أيضاً منظوراً آخر كنت أدعو له منذ فترة حول ضرورة أن تتخذ الحكومات نهجاً محدد الغرض للاستثمار في التحول الرقمي، وأن تسلك نهجاً يتمحور حول الإنسان في تصميم خريطة التحول بدلاً من اتباع نهج يتمحور حول التقنية نفسها.
وعلى الرغم من أن نتائج البحث لم تُنشَر بعد، فقد أدلى ميسوراكا كبير العلماء وقائد مشروع "الحكومة الإلكترونية" بتصريحات لـ "مركز البحوث المشتركة" تحدث فيها عن بعض الاتجاهات الرئيسية للسياسة المستقاة من البحث، وذلك خلال حلقة دراسية عبر الإنترنت (ويبينار) حول "استكشاف التحول الرقمي للحكومات في الاتحاد الأوروبي - الحكومة الإلكترونية".
الاتجاهات الرئيسية التي تتخذها الحكومات بغرض الاستثمار في التحول الرقمي
لقد حرصت على استكشاف اتجاهات السياسة هذه من خلال صهر آراء لجنة الخبراء التي شاركت في الحلقة الدراسية عبر الإنترنت (ويبينار) المنعقدة لمشاركة هذه الاتجاهات ومناقشتها، وأيضاً من خلال تضمين الرؤى والأفكار التي اكتسبتها من عملي في الحكومة بنفسي لأكثر من عقد من الزمان والعمل عن كثب مع صنّاع القرار في الحكومة ومؤسسات القطاع العام في مختلف البلدان على مدار السنوات العديدة الماضية.
1- التحكم في التوتر بين صناعة المنصات والشبكات الموزعة
في حين أن المنصات مطلوبة بشدة لتحقيق الكفاءة من خلال التنسيق على مستوى أفضل وكسر الصوامع الحكومية المنعزلة، فإن الشبكات الموزعة لها مؤيدوها الخاصون بسبب أسلوبها الديموقراطي في العمل، لذا يجب على مطوري السياسات مراعاة المبادئ التوجيهية المحددة للأنشطة الأنسب لهذين النهجين. ومع نضوج التقنيات الموزعة للسجلات مثل تقنية البلوك تشين، يتعين على الحكومات تحقيق التوازن بين كلا النهجين.
2- فرض "أنماط جديدة من التشريعات القانونية" لتمكين "الجيل الرابع من الحكومة الإلكترونية"
يدرك القائمون على بحث مشروع "الحكومة الإلكترونية" (DigiGov) أن "الجيل الرابع من الحكومة الإلكترونية"، أي الحكومة المتحولة نحو التقنيات الرقمية والمتمحورة حول المواطن والتي تستخدم الأنظمة المعرفية والتحليلات المحوسبة المتقدمة، ستشهد تغييراً في النمط التشريعي. ويشير البحث إلى أن مستقبل الحكومة الإلكترونية سيعتمد على محورين رئيسيين:
* الدولة مقابل السوق: الجهة المسؤولة.
* مستوى حماية البيانات الشخصية.
يدور هذا النقاش حول القوة المتزايدة للشركات الرقمية العالمية التي تتحكم في كم كبير من البيانات بالإضافة إلى أنها تشكل جهات رائدة في تطبيق التقنيات الناشئة كالذكاء الاصطناعي. من ناحية أخرى، ماذا لو استغلت الحكومات السلطة التشريعية لإحكام الرقابة والسيطرة؟
لا بد بالتالي من وضع آلية متقنة للحوكمة ودعمها بالتشريعات المناسبة التي تعزز الابتكار في المجتمع من خلال منحه المرونة الكافية للعمل وفقاً لقوى السوق، ولكنها تمنح الحكومة في الوقت نفسه الحق في التصرف نيابة عن المواطنين إذا لزم الأمر.
وقد يؤدي غياب مثل هذه الآليات إلى تفاقم عدة مشاكل، مثل فقدان الخصوصية والجرائم الإلكترونية، وهو ما يؤدي بدوره إلى انعدام الثقة.
يُعرّف "الجيل الرابع من الحكومة الإلكترونية" بأنه "كل حكومة متحولة نحو التقنيات الرقمية وتتمحور حول المواطن وتستخدم الأنظمة المعرفية والتحليلات المحوسبة المتقدمة"، واستكشاف التحول الرقمي للحكومة الإلكترونية في الاتحاد الأوروبي.
أياً كان الاتجاه المستقبلي للجهة المسؤولة عن سن القوانين، فثمة شيء واحد واضح وضوح الشمس، وهو أن البيئة التشريعية الحالية تحتاج إلى تغييرات جذرية لتوائم المشهد التكنولوجي الديناميكي الذي غيّر أساليب تصميم المؤسسات وطرق عملها في مختلف أنحاء العالم، فعلى سبيل المثال، لا تزال الصورة مشوشة حتى اليوم أمام السلطات في بقاع كثيرة من العالم بشأن كيفية التعامل مع تطبيقات النقل حسب الطلب.
يتعين على السلطات أيضاً دراسة أثر التقنيات الحديثة على سوق العمل وأثرها على رفاهة الموظفين، حيث ترتبط الحماية الاجتماعية، وفي مكان العمل حالياً، ارتباطاً وثيقاً بالتوظيف والبطالة للفرد في معظم أنحاء العالم، ويجب استكشاف سيناريوهات جديدة مثل ما الذي يحدث لحماية الموظفين من تأمينات وإجازات مدفوعة وغيرها من الحقوق المتاحة للعاملين في حال عدم الاعتراف بهم كموظفين بالمؤسسات (كما هو الحال مع نمو اقتصاد العمل الحر).
ومن هذا المنطلق، لا بد من إعادة النظر في القوانين المنظمة للمعاملات في العصر الرقمي. ويتعين على الحكومات التفكير ملياً في كيفية تمكين الأسواق والمؤسسات والنسيج الاجتماعي للمجتمع وتنظيمها في سياق الحقائق الجديدة للعصر الذي نعيش فيه اليوم.
3- وضع إطار أخلاقي للحد من مخاطر التقنيات الحديثة
يرتبط النقاش التشريعي أيضاً بتطوير الأطر الأخلاقية لاستخدام التقنيات الحديثة بالإضافة إلى استخدام البيانات من قبل المؤسسات في القطاعين العام والخاص. وعلى الرغم من الجدل الدائر حولها، فإن عملية صناعة القرار باستخدام الخوارزميات في سبيلها إلى اقتحام القطاع العام في مختلف أنحاء العالم، إذ تستخدم مدينة نيويورك، على سبيل المثال، الخوارزميات على نطاق واسع عبر مجموعة من الأنشطة بما في ذلك اتخاذ القرارات بشأن مَن يبقى في السجن ومَن يخرج منه وتقييمات المعلمين ومكافحة الحرائق وتحديد مضاعفات الحمل الخطيرة، وغير ذلك.
لا يُتوقَّع أن يكتسب هذا الاتجاه زخماً إلا مع اكتشاف المزيد والمزيد من فوائد الذكاء الاصطناعي، لكن من ناحية أخرى قد يؤدي الاستخدام المكثف للذكاء الاصطناعي أيضاً إلى بعض العواقب البغيضة إذا ظل دون حسيب أو رقيب.
ومن هذا المنطلق، لا بد من توافر إطار عمل أخلاقي ليكون بمثابة رقيب على استخدام الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يفاقم مشاكل التمييز نتيجة لعدد من العوامل، مثل تحيز المبرمجين. ونظراً لحرص القطاع الخاص على الربح في المقام الأول، فمن غير المرجح أن نشهد تنظيماً ذاتياً موثوقاً لهذا القطاع.
ويتعين على الحكومات اتباع نهج استباقي في مواجهة هذا التحدي.
4- إتاحة الوصول إلى البيانات، مع حماية الخصوصية وتعزيز قابلية التشغيل البيني
ترى باربارا أوبالدي، القائمة بأعمال رئيس قسم إصلاح القطاع العام بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن النضج الرقمي للحكومات يرتبط بإنشاء بيئة عمل وبيئة عامة تساعدان على استخدام البيانات بشكل أكثر فاعلية من التكنولوجيا نفسها.
أتفق تماماً مع هذا الطرح الذي يقول إن دور البيانات أساسي لا غنى عنه سواء كان الأمر يتعلق بتنشيط الابتكار أو اتخاذ قرارات مستندة إلى البيانات أو تصميم الخدمات الاستباقية والتنبؤية أو تقديم تجارب أفضل لأفراد المجتمع.
وقد شددت المبادرات الحالية على إنشاء منصات بيانات مفتوحة، ونتيجة لذلك زاد عدد الدول التي أقدمت على إنشاء بوابات بيانات حكومية مفتوحة زيادة ملحوظة، حيث ارتفع عددها من 46 دولة عام 2014 إلى 153 دولة عام 2020. بيد أنه ذلك سلط الضوء أيضاً على التحديات التي تقف في وجه الحكومات من حيث الافتقار إلى قوانين وأطر عمل تحمي خصوصية البيانات، إضافة إلى عدم توافر التوحيد القياسي لتصنيفاتها وأشكالها.
علاوة على ذلك، فإن المعلومات أو البيانات التي لولاها ما كنا لنفهم الفجوات ولعجزنا عن إجراء التغييرات الصحيحة عادة ما تكون محتجزة في أنظمة معزولة ومجزأة، حيث تمتلك الوحدات الصغيرة والمتباينة في الحكومة أنظمة تعزز عقلية الصومعة وتصعّب تدفق المعلومات، وهذه ضربة مزدوجة لأنها تؤدي إلى ارتفاع التكاليف وانحسار قابلية التعاون مع الآخرين. إذ تشير التقديرات إلى أن 80% من ميزانيات تكنولوجيا المعلومات في القطاع العام مخصصة للحفاظ على الأنظمة الموجودة بالفعل.
أما المحور الآخر الذي يتعين على الحكومات استكشافه فهو إمكانية تحقيق الكسب من البيانات العامة.
يُفترَض أن يتم توفير البيانات المفتوحة مجاناً بحسب تعريفها، لكن هل ينطبق هذا على المؤسسات التي تحقق أرباحاً منه؟
يعتبر الوصول إلى البيانات أحد أهم الأسلحة الاستراتيجية في أيدي المؤسسات الحديثة ويتردد الكثير منها في مشاركة بياناتها مع السلطات المدنية، فكيف تتعامل، إذاً، السلطات الحكومية مع البيانات العامة في المستقبل؟
يتمثل أحد الأساليب المحتملة في معرفة ما إذا كانت البيانات تخلق قيمة عامة مقابل الربح، لذلك يجب أن تراعي السياسات أطر العمل والتوجيهات للتمييز بين استخدام البيانات المفتوحة عن غيرها.
5- بناء القدرات لاستغلال التحليلات التنبؤية والتقنيات المعرفية
يدعو البحث إلى الاستثمار في بناء القدرات للاستفادة من التحليلات التنبؤية والتقنيات المعرفية.
يجب أن تنص السياسات المستقبلية على بناء بيئة العمل اللازمة لجمع البيانات وتخزينها وحمايتها وتطويرها وإدارتها من أجل تطبيق فاعل وسلس، فقد أوضح أندريا هالموس بمشروع "كونكت" (CONNECT)، على سبيل المثال، كيف يساعد "المدير العام لمشروع كونكت" (DG CONNECT) المدن في المنطقة في بناء "مساحات بيانات أوروبية"، أي البيئة القانونية اللازمة لتبادل البيانات بما يدعم قابلية التشغيل البيني للمعلومات.
علاوة على ذلك، يجب تدعيمها بالمواهب المناسبة، فليس من المستغرب أن تشكل القدرات والمهارات الرقمية عناصر أساسية للتنفيذ الناجح للتحول الرقمي للحكومات، فضلاً عن أنشطة بناء القدرات في الإدارة العامة بواسطة مشروع "الحكومة الإلكترونية"، لذا يجب أن تكون السياسات المتعلقة بالقدرات والمهارات البشرية شاملة بما يكفي لتغطية المهارات الشخصية مثل التواصل الشفهي والقيادة وإدارة الوقت وحل المشكلات والتفكير التحليلي، ويجب توجيه الاهتمام إلى كلٍّ من صقل مهارات قوة العمل الحالية وتغيير نموذج التعلم في البلاد، ويجب أن يوفر نظام التعليم فرص التعلم مدى الحياة للمواطنين وفقاً لمتطلبات المهارات المتغيرة باستمرار".
6- خلق ثقافة التحول الرقمي داخل الإدارة العامة
إن أردت التأكد من أن الإجراء ليس مجرد حادثة تقع مرة واحدة وانتهى الأمر، فيجب نسجه في بنية المؤسسة. وإذا نظرنا إلى المسألة من زاوية السياسة، فبوسع الحكومات أن تنظر في إنشاء أنظمة لتحفيز:
* السلوك المبتكر.
* مشاركة المواطنين والتنمية المشتركة.
* الحوكمة المفتوحة.
من المهم أيضاً أن تجري المؤسسات الحكومية التغييرات المؤسسية الضرورية التي يمكن أن تعتمد طرقاً جديدة للعمل والتفاعل مع الأفراد بصورة أفضل. يمكن أن يتمثل هذا في تعيين الرئيس التنفيذي للمعلومات أو الرئيس التنفيذي للبيانات، بالإضافة إلى استحداث مناصب جديدة في المؤسسات مثل مدراء المنتجات والخدمات، والفرق متعددة التخصصات، بمن في ذلك مسؤولو "منهجية سكرم التعاونية" (Scrum Masters)، و"منشئو المحتوى الرقمي"، و"المصممون"، وغيرهم. علاوة على ذلك، يجب تشجيع أنشطة مثل التدقيق الثقافي وتحديد التوقعات والمسؤوليات جديدة.
7- إعطاء الأولوية للقيمة العامة ومواءمة أنظمة الحوكمة مع أهداف التطوير المستدام
أبرزت الحلقة الدراسية عبر الإنترنت (ويبينار) أيضاً أن القائمين على الأمر قد وجهوا قدراً كبيراً من التركيز على قياس مكاسب الكفاءة والإنتاجية الناجمة عن التحول الرقمي،
لكن يجب أن تتضمن الحلقة أهمية القيمة العامة.
* هل يسهم التحول الرقمي في جعل الجهات العامة أكثر تمحوراً حول المواطن؟
* هل يوفر حياة أفضل للناس؟
* كيف يدعم التحول الرقمي تحقيق أهداف التطوير المستدام التي أقرتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة؟
نرى كل يوم أمثلة جديدة لحكومات في شتى أنحاء العالم تضخ استثمارات مهولة في برامج التحول الرقمي التي تركز على جوانب مختلفة من سلسلة القيمة في القطاع العام، لكن يبدو أن التغيرات المتلاحقة في المشهد الرقمي، إضافة إلى أثر المشاهدة، كل ذلك أدى إلى افتقار قرارات الاستثمار إلى صرامة وضوح الغرض منها والفوائد التي يرمي الاستثمار إلى تحقيقها.
لا بد أن تضمن الحكومات تحقيق أفضل قيمة من أي استثمار، ويجب أن تتحاشى الوقوع في المزلق الذي يقع فيه الكثيرون بتنفيذ أي مبادرة كانت لمجرد أنها تمثل اتجاهاً شائعاً في الوقت الحاضر، فلكل دولة احتياجاتها الفريدة ولكل مجتمع احتياجاته الخاصة، ويجب على الحكومات بالتالي أن تؤسس سياساتها على غرض محدد يعمل كمنارة إرشادية لقيادة البلاد نحو تحقيق نتائج هادفة وملموسة للأمة.
اتجاه السياسة نحو الاتحاد الأوروبي أم نحو جمهور أكبر بكثير؟
أكد فينتشينزو أكوارو، رئيس الحكومة الرقمية بإدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، خلال الحلقة الدراسية التي عقدت عبر الإنترنت أن أوروبا تحتل مكانة رائدة عالمياً في كل من مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية ودراسة المشاركة الإلكترونية.
وبالتالي، فمن المرجح أن يصبح ما يحد-ث في أوروبا مقياساً معيارياً للعديد من البلدان الأخرى التي تمر برحلة التحول الرقمي الخاصة بها. علاوة على ذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي كوحدة كبيرة إنشاء بيئة عمل تضم عدداً من أصحاب المصلحة لدعم التعاون وتطوير الممارسات الموحدة والمنصات الدولية.
ومع ذلك، يجب على الحكومات خارج نطاق أبحاث "مركز البحوث المشتركة" التي تتطلع إلى الاستفادة من إطار سياسة الاتحاد الأوروبي أن تضعه في سياق مستوى النضج والاحتياجات المحلية.
هل حان الوقت لإعادة النظر في نموذج التشغيل الحكومي؟
قال أليساندرو أنوني، رئيس وحدة الاقتصاد الرقمي التابعة لـ "مركز البحوث المشتركة"، خلال إحدى ورشات العمل التي أُجريت كجزء من النشاط البحثي، إنه يتعين على الحكومات الاستفادة من التقنيات الجديدة لتعزيز الثقة في الحكومة والاندماج والمشاركة، وبالتالي الإسهام في تعزيز الديموقراطية في هذه اللحظة الحرجة للغاية.
أود أن أتناول هذا الأمر بمزيد من التفصيل لأن النموذج الأساسي لإدارة الحكومات ظل على حاله في معظم الأحيان لعصور طوال، بينما يجري نشر النظام الرقمي من ناحية أخرى في معظم الحالات لرفع كفاءة وظيفة نموذج التشغيل الحالي وفاعليته.
أعتقد أننا يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً مهماً:
هل يمكن لقوة التقنيات الرقمية التي نمتلكها اليوم أن توفر لنا الفرصة للتوصل إلى نموذج تشغيل جديد للحكومة يمكّنها من تحقيق النتائج والمحصّلات التي تمثل موظفيها أفضل تمثيل وأكثره صدقاً؟
أرى من وجهة نظري أن الحكومات تتمتع في هذا العصر الرقمي بميزة غير مسبوقة مقارنة بالحكومات التي جاءت في الماضي، فهي تتمتع بإمكانية الوصول إلى المعرفة والتقنيات وقوة الحوسبة وأدوات البنية التحتية للتواصل والمبتكرات الحديثة، وغير ذلك، بصورة لم يكن يتصورها عقل من قبل. إذ يمتلك أي هاتف ذكي متوسط الإمكانيات اليوم قوة حوسبية تفوق أجهزة الكمبيوتر المملوكة لوكالة ناسا التي كانت تستخدم لوصول البشر إلى سطح القمر.
تتمثل رؤيتي لنموذج الحكومة المستقبلية الملائم لهذا العصر الرقمي في حكومة "تمكينية" أكثر منها "فاعلة"، وأكثر تركيزاً وتوافقاً مع هدفها الأساسي المتمثل في خدمة المواطنين.
وأرى أن هذا النموذج الحكومي الجديد يجب أن يكون في أضيق الحدود وأكثر تشاركية واستجابة، وينبني على خمسة مبادئ أساسية:
* التركيز على التجارب الماسة بحياة المواطن.
* التمحور حول البيانات والتحليلات المحوسبة.
* نموذج يتمحور حول بيئة عمل.
* التأكيد على المنظومة الرقمية بشكل افتراضي.
* الانشغال بالنتائج القائمة على المخرجات.
وإذا طُبقت على أعلى المستويات، فسوف تستفيد هذه الحكومة الجديدة بذكاء من جميع الموارد الحالية والقدرات التكنولوجية لتطوير نظام يتمحور حول المواطن ويستند إلى البيانات ويتميز بالقدرة على استباق الأحداث وتوقعها، علاوة على الربط بين مختلف جهات الاتصال.
نظام حكومي يمكنه تحديد احتياجات أصحاب المصلحة وتوقعها وفهمها باستمرار حتى قبل أن يكتشفوها بأنفسهم.
يمكنه استخلاص رؤى ثاقبة بسرعة من البيانات الضخمة وتحويلها إلى إجراءات، لكن إذا كانت الحكومات تريد حقاً تحويل نفسها إلى آلة مناسبة للعصر الرقمي، فيجب أن ترجع خطوة إلى الوراء وتطرح بعض الأسئلة الأساسية مثل:
* لماذا نفعل ما نفعله اليوم؟
* هل هناك حاجة إلى هذه الأشياء، أم أن بعضها أصبح زائداً على الحاجة أو لا يحدث الأثر الذي اعتقدنا أنه سيحدثه؟
* إذا كانت لا تزال هناك حاجة إليها، فهل نحن كحكومة الأشخاص المناسبون للقيام بها، أم يجب أن يقوم بها أشخاص آخرون؟
والأهم من ذلك كله أنهم بحاجة إلى دراسة "ما لا نفعله اليوم ولكن يجب أن نفعله" بمزيد من العمق حتى ترتقي الحكومة إلى مستوى ديناميكيات المواطنين الجديدة.