البلوك تشين: تطبيقات ستتجاوز حدود عالم المال

5 دقائق
تطبيقات البلوك تشين

إذا أردنا فهم التحول الذي تحدثه تطبيقات البلوك تشين تحديداً، ينبغي علينا أولاً الحديث عن أكبر تطبيقاتها حتى اليوم: "عملة البيتكوين".

أتذكر تجربة واسعة النطاق، أجريتها مع زميلتي كاثرين تاكر، في خريف عام 2014، في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)" (MIT)، التي أُتيح خلالها لـ 4,494 طالباً جامعياً التعامل بالبيتكوين. في الواقع، وجدنا أن الغالبية العظمى من الطلاب قد ادخروا العملة المشفرة حينما سمعوا توقعات بارتفاع قيمتها. ففي بداية توزيعها عليهم كانت قيمتها 350 دولاراً لكل بيتكوين، لتبلغ الآن أكثر من 1,100 دولار لكل بيتكوين، ما يشير إلى أن العديد من الطلاب أدركوا أن المضاربة هي أحد أول استخدامات البيتكوين.

اقرأ أيضاً: البلوك تشين يمكن أن تساعدنا في استعادة التحكم في بياناتنا الشخصية

ومع نضوج العملة المشفرة، وُجهت لها الانتقادات بعدم قدرتها على موازاة أداء شبكات الدفع الحالية وتلبية متطلبات الأنظمة المالية والحكومات. ولكن، البيتكوين نجحت، على نحو كبير، في حل المشكلة التي صُممت لأجلها، وهي السماح للشبكة العالمية بإجراء المعاملات وتبادل القيم بأمان دون الحاجة إلى وسيط مُكلف. ومن خلال مزيج ذكي من نظرية الألعاب والتشفير، استطاعت البيتكوين تكرار قدرة الأنظمة المالية على تحويل القيم، ولكن دون أي جهد يلزم لإجراء المعاملات وتأمينها. علاوة على ذلك، فهي تقوم بهذا دون الحاجة إلى درجة كبيرة من الثقة التي يحتاجها الأطراف في أثناء إجراء المعاملات بالطرق التقليدية. فبشكل أساسي، تشترك هذه العملة، رقمياً، في العديد من صفات العملة النقدية، بما فيها صفة الخصوصية.

ومع استمرار نضج العملات المشفرة مثل بيتكوين والدفاتر الموزعة، يبرز السؤال التالي: تُرى أين يمكن تطبيق هذه العملات لاحقاً؟

كيف تعمل تقنية البلوك تشين؟ وما هي تطبيقات البلوك تشين التي يجب علينا معرفتها؟

إليك خمسة مبادئ أساسية تتضمنها هذه التقنية:

1- قاعدة بيانات موزعة

يمتلك كل طرف في البلوك تشين إمكانية الوصول إلى كامل قاعدة البيانات وتاريخها بأكمله، وهو أمر غير موجود بالبنوك. إذ لا يمكن لأي طرف وحده التحكم بالبيانات أو المعلومات. وإنما يمكن لكل طرف أن يتحقق من سجلات معاملات شركائه مباشرة دون الحاجة إلى وسيط.

2- التحويل من النظير لنظيره

يحدث التواصل مباشرة بين النظراء (Peer-to-Peer) بدلاً من أن يتم عبر عقدة مركزية. إذ تخزن كل عقدة المعلومات، وتعيد توجيهها إلى كل العقد الأخرى.

3- الشفافية والتسمية المستعارة

تكون كل المعاملات والقيم المرتبطة بها مرئيةً لأي شخص لديه إمكانية الوصول إلى النظام. وتتميز كل عقدة أو مستخدم في تقنية البلوك تشين بعنوان فريد مؤلف من أكثر من 30 حرفاً. ويمكن للمستخدم أن يختار إما البقاء مجهولاً للآخرين أو الكشف عن هويته. وتجري المعاملات في البلوك تشين بين هذه العناوين.

4-عدم قابلية التغيير في السجلات: أحد تطبيقات البلوك تشين

بمجرد إدخال الصفقة إلى قاعدة البيانات وتحديث الحسابات، يصبح من غير الممكن تغيير السجلات، لأن كل سجل منها مربوط بكل سجلات العمليات السابقة (ومن هنا أتت التسمية بالسلسلة "chain"). وتُنشر خوارزميات ومناهج حسابية مختلفة لضمان أن التسجيل على قاعدة البيانات دائمٌ ومرتب زمنياً ومتوفر للجميع على الشبكة.

اقرأ أيضاً: البلوك تشين تؤثر في المنظومة المالية كما أثرت الإنترنت في وسائل الإعلام

5- المنطق الحسابي

تعني الطبيعة الرقمية لدفتر الحسابات؛ أن المعاملات في البلوك تشين يمكن ربطها بالمنطق الحسابي، وأنها أساساً مبرمجة، وبالتالي، يستطيع المستخدمون إعداد الخوارزميات والقواعد التي تؤدي، تلقائياً، المعاملات بين العقد.

وبالطبع، ليس مفاجئاً أن بعض أكثر التطبيقات طلباً في السوق لهذه التقنية تلك التي تتعلق بالقطاع المالي. وفي الوقت الذي كانت فيه التجارة والمضاربة تعد الاستخدامات الأولى لعملة البيتكوين، ظهرت تقنيات جديدة على الساحة، مثل "إيثروم" (Ethereum)، وهي منصة تعتمد البلوك تشين، و"زد كاش" (Zcash)، وهي عملة مشفرة أخرى. وفي حين توفر "زد كاش" درجة عالية من الخصوصية مقارنة بالبيتكوين، تقدم "الإيثروم" منصة تطوير فعالة للعقود الذكية والتطبيقات اللامركزية، مع القدرة على تحويل كل شيء بداية من التطبيقات التنبؤية إلى أسواق العمل وأسواق الطاقة إلى صناديق تحوّط وخدمات سحابية لا مركزية. ومع نضوج منظومة العمل المتكاملة للعملات المشفرة، أصبحت تغييرات المحافظ ومزوداتها أكثر احترافية وأمناً.

ومن ناحية المستهلك، تستفيد شركات مثل "سيركل" (Circle) و"أبرا" (Abra) من التكلفة المنخفضة التي تقدمها تقنية البلوك تشين في مجال الدفع عبر الدول المختلفة، متجاوزة بذلك اللاعبين الأساسيين في هذا المجال مثل "فينمو" (Venmo)، وهي خدمة دفع عبر الهاتف أصبحت الآن جزءاً من "باي بال"، و"ترانسفيروايز" (TransferWise)، وهي خدمة تحويل أموال عبر الإنترنت أيضاً، إضافة إلى مقدمي خدمة الحوالات المالية التقليدية. كما تدرس شركتا "فيزا" و"ماستركارد" استخدام تقنية مشابهة لتحسين طريقتهما في عملية الدفع، في حين تخفض شركة "ريبل" (Ripple) تكلفة المعاملات بين المصارف والمؤسسات المالية الأخرى عبر تطبيق شبكة التسديد العالمية الخاص بها. في كل هذه الحالات، تُعتمد تقنية البلوك تشين داخلياً، ويمكن للمستهلكين والشركات جني الفوائد دون أن يعرفوا مطلقاً أن الدفاتر الموزعة كانت منخرطة في ذلك.

كما تدرس البنوك المركزية، من ناحيتها، الفرص والتحديات المرتبطة بالعملة الرقمية القانونية المعتمدة من الحكومات من أجل وضع السياسات النقدية والضرائب والقروض.

لكن التطبيقات العملية لتقنية البلوك تشين تذهب إلى ما هو أبعد من حدود الأصول المالية. فعلى نحو أساسي، يمكن تتبع أي نوع من الأصول الرقمية وتداولها عبر البلوك تشين. كما يمكن تخزين معلومات حول مصدر البضائع والهوية وأوراق الاعتماد والحقوق الرقمية بأمان عبر الدفاتر الموزعة. وفي الواقع، لا تزال التجارب في هذا المجال في مراحلها الأولى، إذ تتنوع بين السجلات الطبية مثل "ميد ريك" (MedRec) و"بوكيت دوك" (Pokitdok)، إلى الحقوق الرقمية والدفعات الصغيرة (micropayments) مثل "ذا بريف براوسر" (the Brave browser)، و"أسكرايب" (Ascribe)، و"مبادرة أوبين ميوزيك" (Open Music Initiative)، إلى الهوية مثل "يوبورت" (Uport)، وحتى سلاسل التوريد "إيفيرليدجر" (Everledger)، و"هايبرليدجر" (Everledger).

اقرأ أيضاً: كيف تساعد تقنية البلوك تشين المسوقين على بناء علاقات أفضل مع عملائهم؟

يكمن التحدي للعديد من هذه التطبيقات في عملية التسجيل الآمن والموثوق لخصائص الأصول المادية وللأفراد (الاعتمادات)، واستخدام الموارد (الطاقة وعرض النطاق الترددي عبر أجهزة إنترنت الأشياء)، وأحداث أخرى ذات صلة تحدث عبر سلاسل التوريد في البلوك تشين. وتعتبر سمة الثبات التي توفرها تقنية البلوك تشين مفيدة فقط في حال كانت المعلومات المدخلة في الأصل دقيقة.

ورغم أن البلوك تشين يسمح بالتحقق من سماته دون تكلفة، فإن تسجيل هذه السمات في المرحلة الأولى قد يتطلب مهمات مكثفة يقوم بها مجموعة من الأفراد ووسطاء، بما فيهم الحكومة، لمنع حدوث أي احتيال. وهنا يأتي دور أجهزة إنترنت الأشياء وأجهزة الاستشعار التي تستطيع أن توسع جذرياً ما يمكن أن يُبنى في قاعدة البلوك تشين.

وعلى المدى الطويل، سيكون للعملات المشفرة إمكانية تغيير الطريقة التي تستخدم بها خدمات الإنترنت مثل "بلوك ستاكس" (Blockstack)، و"آي بي إف إس" (IPFS)، وسيكون لها تأثير على كيفية تمويل المجتمعات مفتوحة المصادر لدفع تطورها، وكيفية توزيع العمل على المجموعة وطريقة دفعنا للمحتوى والوسائط مثل "بريف" (Brave)، وكيف سنستغل المواهب لتحسين التنبؤات "نيوميراي" (Numerai).

وفي سعيهم الحثيث لتطوير نظرية الشركات حول تطبيقات البلوك تشين تحديداً، عرّف كل من مايكل جنسن وويليام مكلينغ الشركة بأنها عبارة عن سلسلة مترابطة من العقود. بمعنى أن الشركات ليست سوى مجموعة من العقود بين أطراف مختلفة كالموظفين والزبائن والمساهمين. وفي هذا الصدد، قد تتيح العملات المشفرة يوماً ما تمكين نمط جديد كلياً من المؤسسات، من خلال السماح لنا بالنقل الآمن للقيم وتوزيع الثروات والموارد عبر العقود الذكية. وحيث أن هذا النمط الجديد من المؤسسات قد يحقق سرعة وكفاءة عالية في الأسواق النقدية، فسيكون أيضاً قادراً على تقديم صيغ بديلة عن تلك الصيغ المعقدة التي تطلبها الحكومات لتنفيذ المهمات المعقدة التي تجري حالياً ضمن الشركة. ومع التطور في التعلم الآلي ستحدد هذه التقنية الخارقة الشكل الذي ستجري وفقه عمليات تدفق الاستثمارات وأساليب العمل والأفكار في العقود القادمة.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد "بلوك تشين" الأسواق الناشئة في تحقيق قفزة نوعية مستقبلية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي