اعتمدت دول كثيرة حول العالم، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، على الصادرات النفطية لدفع عجلة نموها الاقتصادي على مدار عقود طويلة. إلا أن المملكة العربية السعودية ركزت جهودها على التنويع الاقتصادي وإيجاد اقتصاد بديل للنفط، وتعزيز آفاق النمو المستدام من خلال الاستثمار الأخضر، بسبب الاهتمام المتزايد حيال التأثيرات البيئية السلبية للاستهلاك النفطي.
الاستثمار الأخضر
قد يتخذ الاستثمار الأخضر تعريفات مختلفة تبعاً للسياق الذي يستخدم فيه ويشار إليه عادة بالاستثمارات منخفضة الكربون؛ حيث يتم الاستثمار في الشركات التي تدعم منتجات وممارسات صديقة للبيئة أو توفرها باستخدام تقنيات تدعم الانتقال من الاعتماد على الكربون إلى بدائل أكثر استدامة وهي ما تسمى بالتقنيات النظيفة. يعكس هذا التعريف كيفية استخدام الاستثمار الأخضر بما يتماشى مع أهداف المملكة العربية السعودية كوسيلة للتركيز على الاستدامة البيئية. ومنذ إطلاق رؤية المملكة 2030، ضاعفت المملكة جهودها إلى الاستثمار في تنمية مواردها المتجددة، خاصة الاستثمار في الطاقة الشمسية الذي يعد إحدى مبادرات المملكة الهادفة إلى الحد من الاستهلاك المحلي للنفط والغاز.
وبناءً على أهميته، أقر وزراء الطاقة في "مجموعة العشرين 2020" بالاتفاق على وجوب إدراك أهمية تسريع الجهود الرامية إلى تطوير ونشر تقنيات مبتكرة، وقابلة للتوسع، وذات كفاءة، بهدف توفير الطاقة للجميع، ويتمثل ذلك بالبرنامج الطوعي المسرّع لنهج الاقتصاد الدائري للكربون وذلك بالتقليل، وإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير، وإزالة الكربون. وهذه المبادرات ليست مجرد خطوات طموحة فحسب، بل تعتبر خطوة مهمة في مسيرة البلد التاريخية. بيد أن التقدم المحدود لهذه المشاريع يعني أن الاستثمار الأخضر لا يزال عملاً في طور الإعداد وقد لا يفضي إلى حلول مجدية للقضايا البيئية وقضايا الاستدامة في المنظور القريب.
اقرأ أيضاً: دور الحوكمة في جذب المستثمرين.
مساهمات الاستثمار الأخضر
يشارك الاستثمار الأخضر في تمكين النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وتعزيز الناتج المحلي للفرد؛ حيث يسهم في توفير فرص عمل للعمالة المؤقتة، ورواد الأعمال، والمستشارين وغيرهم. كما أن للاستثمار الأخضر مجموعة فوائد واسعة النطاق لكل من المستثمرين والمساهمين؛ إذ يسهّل الاستثمار الأخضر الطلب المتزايد على فرص النمو المستدام في المنطقة على اعتباره يشكل مناخاً ملائماً لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. إن الاستثمار الأخضر مربح للشركات والحكومة، فهو يوسع سبل الوصول إلى الأسواق الخضراء العالمية ويمكّن الشركات من تحقيق التمايز بناء على سمعتها البيئية.
وتأكيداً على أهمية الاستثمار الأخضر للبيئة والمجتمع، أعلنت المملكة العربية السعودية عن عدة مبادرات في هذا المجال من ضمنها مبادرة "السعودية الخضراء"، ومبادرة "الشرق الأوسط الأخضر"، وتبين هذه المبادرات حرص المملكة على مكافحة التغيّر المناخي والتصحر وحماية البيئة عبر خفض الانبعاثات الكربونية من خلال مشاريع الطاقة المتجددة التي ستوفر 50% من إنتاج الكهرباء داخل المملكة بحلول عام 2030، ومن خلال مشاريع عدة في مجال التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستزيل أكثر من 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى رفع نسبة تحويل النفايات عن المرادم إلى 94% كما تشمل تبنيها للخُطط الزراعية التي ستسهم في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ. وتؤمن المملكة العربية السعودية أن الاستثمار الأخضر سيعود بالنفع على الاقتصاد من خلال الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة ومساعدة الاقتصاد السعودي على تجنب التكاليف الرئيسية من أجل مجابهة التأثيرات المستقبلية المحتملة للتغير المناخي والاحتباس الحراري العالمي وخطر النضوب المحتمل للاحتياطيات النفطية في البلاد.
مشاريع حيوية
وقد تبنت المملكة بالفعل أول مشروع للطاقة الشمسية على نطاق المرافق في البلاد، والمعروف باسم محطة "سكاكا" بقدرة 300 ميغاواط، التي تم تطويرها من قبل شركتي "أكوا باور" و"الجهاز" في أبريل/نيسان 2021، بالإضافة إلى أول مزرعة لطاقة الرياح بقدرة 400 ميغاواط، وهو مشروع "دومة الجندل" الذي طوره مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة في يناير/كانون الثاني 2019. كما أن المملكة في طور بناء منشأة عملاقة للهيدروجين الأخضر في مدينة نيوم (مشروع "هيليوس" البالغ قيمته 5 مليارات دولار أميركي)، وذلك لتمتعها بميزة طبيعية في تكلفة الغاز واحتجاز الكربون للهيدروجين التقليدي والهيدروجين الأخضر.
وتُظهر هذه المشاريع مدى دراية المملكة العربية السعودية بمزايا الاستثمار الأخضر في بلوغ أهدافها ذات الصلة بإنتاج الطاقة المتجددة وإحقاقاً لطموحها لتصبح مورداً موثوقاً به لجميع أشكال الهيدروجين النظيف في العالم وإيمانها بأن الهيدروجين الأخضر يشكل التطور الرئيسي المقبل في عالم الطاقة في ظل ما يزخر به من مزايا جذرية باستخدامه وقوداً لوسائل النقل والمواصلات المستدامة ذات الأثر البيئي النظيف وغير المؤثر في مجال التغير المناخي. وبناءً عليه، فقد تشاركت كل من شركة "شنايدر إلكتريك السعودية" وشركة "جرينر" مؤخراً لإضافة محطات شحن المركبات الكهربائية في مختلف أنحاء البلاد وستسهم هذه المبادرة في تدشين مصانع المركبات الكهربائية لاحقاً في الدولة وتعزيز استخدام المركبات الكهربائية بين السعوديين.
كما تشمل أهداف المملكة تنمية الناتج المحلي الإجمالي من خلال تحسين قطاع السياحة. ومن المتوقع أن تستعد المملكة العربية السعودية لوضع معايير جديدة للسياحة المتجددة من خلال شركة "البحر الأحمر للتطوير"؛ حيث سينصب اهتمام مشروع الشركة على استخدام أساليب مستدامة للبناء والتقنيات الخضراء من أجل تدشين 4 فنادق ومطارات دولية تستهدف تعزيز البنية السياحية في البلاد. وستسهم المبادرة بلا شك في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد في المملكة وتنويعه.
وأخيراً، لا يمكن نجاح هذه المشاريع الحيوية من دون الأدوار المهمة التي تؤديها البنوك في تمويل هذه المبادرات؛ حيث تعتبر البنوك هي أكبر الجهات المقرضة والممولة لكل من المشاريع المهمة والمطورين في المملكة العربية السعودية على حد سواء. ومع تطور نطاق الاستثمار الأخضر، ستصبح إيرادات البنوك من الاستثمار الأخضر أكثر أهمية، وسيكون للبنوك والمستثمرين والمطورين علاقات مثمرة ذات فائدة مشتركة للطرفين طويلة المدى.