أفضل القادة مستعدون للاقتناع بآراء غيرهم

3 دقائق
القائد الناجح

عندما نفكر في القائد الناجح والقادة العظماء تتبادر إلى أذهانا بعض الخصائص، مثل أنهم يؤمنون بقدراتهم، ومقتنعون بقناعاتهم، و"يثقون بحدسهم"، و"يواصلون المسيرة"، و"يُرشدون الآخرين لأخطائهم بالإثباتات والقرائن"، كما أنهم ليسوا "لقمة سائغة"، وبالتأكيد هم "ثابتون" في مواقفهم. ولكن، هذا الطراز التقليدي من القادة أصبح من الماضي، فبعد أن قضيتُ ثلاثة أعوام في دراسة عدد من أنجح قادة العالم، من كتابي الذي يحمل عنوان "سهل الإقناع" (Persuadable)، تعلمت أمراً مفاجئاً يشتركون فيه، وهو: الاستعداد للاقتناع بآراء الغير وأفكارهم.

على سبيل المثال، الرئيس التنفيذي لشركة "فورد" للسيارات ومنقذها، آلان مولالي، يُشكك كثيراً في آرائه الشخصية. وراي داليو، أحد أكثر مدراء صناديق التحوّط نجاحاً في العالم، يؤكّد أن فريقه يُشكّك في آرائه بلا رحمة. وكريستين لاغارد، المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي، تبحث عن معلومات قد تدحض معتقداتها بشأن العالم وحتى بشأن نفسها. ويعود ذلك لأن هؤلاء القادة أدركوا، في عالمنا الذي يزداد تعقيداً، أن قدرتهم على النظر في الأدلة المستجدة، وتكييف آرائهم وفقاً لذلك توفر مزايا غير عادية.

تتمثّل إحدى مزايا سهولة الاقتناع في تحسين دقّة التنبؤ بالمستقبل. عمِل الأستاذ في "جامعة بنسلفانيا" (University of Pennsylvania)، فيليب تيتلوك، على إجراء دراسة شاملة حول هذه المسألة، فرَصد 82,361 توقّعاً من أكثر من 284 خبيراً، ليجد أن دقة التوقعات ترتبط بطريقة تفكير المتنبئين أكثر مما ترتبط بما يعرفونه. الفائزون في هذه الدراسة لم يلتزموا بالنظريات الكبرى المنتشرة في العالم، لذا كانوا أكثر استعداداً للاستماع إلى معلومات جديدة وتكييف توقعاتهم وفقاً لها.

تكمن ميزة أخرى في النمو المتسارع، فعندما درس عالِم النفس السويدي، أندرز إريكسون، ما يميز المتمرسين عن متوسطي الأداء في مجموعة واسعة من المهارات المعقدة إدراكياً (مثل الشطرنج والكمان)، وجد أن جودة الممارسة تحدد الأداء. بدا أن المتمرسين مهووسون بتحديد نقاط ضعفهم وتحسينها، ما يعني أنهم كانوا قادرين على التغلب على التحيز البشري الطبيعي نحو وهم التفوق (أي الميل إلى المبالغة في تقدير نقاط قوتنا والتغاضي عن أخطائنا) عن طريق الانفتاح على التعليقات النقدية التي يطلقها الآخرون. وكما يقول عالم النفس في "جامعة كورنيل" (Cornell University)، ديفيد دونينغ، فإنّ "الطريق إلى معرفة الذات يمر بالآخرين".

عقلية القائد الناجح

لا ينبغي، بالطبع، أن يكون القائد سهل الاقتناع في المسائل كلها، ففي بعض الأحيان يجب أن تضع في الاعتبار معلومات وآراء جديدة وتأخذ قرارك وتمضي قدُماً. عندما لا يكون لديك متسع من الوقت، أو عندما تكون المسألة المطروحة غير ذات أهمية قصوى، لا بأس في أن تثق في حدسك وتختار مسلكاً بناء على قناعات سابقة. ولكن بالنسبة للقرارات الأكثر أهمية، من المهم أن تتبنى عقلية تقوم على سهولة الاقتناع أكثر. كيف يُمكنك فعل ذلك، خصوصاً مع قضايا تكون فيها بعيداً عن الموضوعية؟

اذكر لحظة الضبابية. الجميع يعرف ما هي لحظة الوضوح التي تعني محاولة فهم الموقف أخيراً ومعرفة ما ينبغي فعله، أما لحظة الضبابية فتعني عكس ذلك، أي عندما لا تستطيع رؤية الموقف بوضوح، أو عندما يتبين خطأ شيء كنت واثقاً من أنه الصواب. هل تستطيع أن تتذكر وقتاً مشابهاً؟ القادة الذين يسهل اقتناعهم يحرصون على تذكر ذلك دائماً، فسواء شعروا بانعدام الثقة أو بثقة مفرطة يذكرون أنفسهم باللحظات الضبابية الماضية، ما يدفعهم إلى البحث عن وجهات نظر أخرى من أشخاص آخرين، حتى عندما لا يشعرون بحاجة إلى فعل ذلك.

أبق يدك على قرص الهاتف، وليس على زناد البندقية. لا توجد طريقة أفضل للوصول إلى الحقيقة بقدر ما يمكن أكثر من مناقشة الأشخاص الذين يختلفون معك. ولكننا في العادة عندما نفعل ذلك نركز على الدفاع عن مواقفنا، بما يبدو كما لو أننا نتبارى على إطلاق النار على آراء بعضنا البعض. نفعل هذا لأنّنا نميل للتفكير القطبي (إما أبيض أو أسود)، ونرى أن المواقف والقرارات تكون إما صحيحة بنسبة 100% أو خاطئة بنسبة 100%، وإذا لم يستطع أحد الدفاع عن أفكاره تماماً فسيكون خاطئاً بالكامل. ولكن الحجج والبراهين يجب ألا تقوم على أن الفائز يربح كل شيء، بل إن أفضلها ينتهي في الواقع إلى حل وسط. لذلك، بدلاً من أن تضع يدك على الزناد، تصور أنك تُدير بها قرص هاتف يمثل ثقتك في رأيك: تشير حركته نحو اليمين إلى اليقين المطلق، وحركته نحو اليسار لا تعني شيئاً. عندما يتطرق محاورك إلى نقطة جيدة في المناقشة أدر القرص إلى اليسار قليلاً، وعندما يظهر دليل يدعم رأيك أدر القرص نحو اليمين.

تخل عما تحب. بعد أن تفتح الباب لتلقي الملاحظات والخوض في المناقشات قد تجد أن الأدلة تتراكم ضد وجهة نظرك السابقة، لذا، توقع أن تكون خطوتك التالية هي أن تغير رأيك. قد يكون ذلك صعباً، خصوصاً فيما يتعلّق بالمعتقدات التي نعتنقها، سواء كانت فكرة جديدة لمشروع ما، أو رأياً في بائع يعمل معك منذ فترة طويلة، أو افتراضاً بأنك متحدث بليغ. يعرف الكتاب الكثير عن كيفية التخلص من هذا الخوف، فنحن نمتلك عادة رهيبة تتمثل في عشق أعمالنا ومقارعة المحررين الذين يحاولون تغيير كتاباتنا، ولهذا يُنصح الكتاب "بالتخلي عما يحبون" قبل أن ينتهز الفرصة أي شخص آخر. الأمر نفسه ينطبق على القادة، فكلما أسرعت في إدراك أن الفكرة (حتى تلك التي تُحبّ) غير قابلة للتطبيق، واعترفت بذلك، كان انتقالك إلى المسار الصحيح للعمل أسرع حتى تتميز بصفات القائد الناجح تحديداً.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي