ملخص: اليوم، أكثر من ربع الموظفين "الجدد" هم في الواقع موظفون عائدون؛ أي: الذين عادوا إلى مؤسسة سابقة بعد العمل لفترة في مكان آخر. يمكن أن تمثل هذه الظاهرة تهديداً للجهود التي يبذلها أصحاب العمل لاستبقاء الموظفين؛ إذ قد يكون الموظفون الجدد عرضة بشكل متزايد للعودة إلى المؤسسات السابقة، ولكنها تمثل أيضاً فرصة؛ إذ قد يكوّن الموظفون السابقون قاعدة مواهب قوية ومعروفة لمسؤولي التوظيف. لفهم أفضل للموظفين الذين من المرجح أن يعودوا إلى مؤسسة عملوا فيها سابقاً ومتى يمكن أن يعودوا والعوامل التي تحفزهم على اتخاذ هذه الخطوة، حلل المؤلفون 3 ملايين سجل لموظفين في أكثر من 120 شركة من عام 2019 إلى عام 2022. وبناءً على النتائج التي توصلوا إليها، يقدمون في هذه المقالة مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات الدفاعية والهجومية لمساعدة أصحاب المؤسسات على الاستفادة من فرصة عودة الموظفين مع تخفيف المخاطر.
أظهرت دراسة استقصائية دولية حديثة أن ما يقرب من 20% من الموظفين الذين تركوا وظائفهم في أثناء الجائحة عادوا إلى أصحاب عملهم السابقين. يمثل انتشار هؤلاء الموظفين العائدين فرصة كبيرة للشركات، التي أصبح العديد منها يتعمد بشكل متزايد إعادة تعيين الموظفين السابقين، ولكنه يمثل أيضاً خطراً كبيراً فيما يتعلق باستبقاء الموظفين، فهناك احتمال كبير أن يعود الموظفون الجدد إلى شركاتهم السابقة.
من الواضح أن ظاهرة الموظفين العائدين هي سلاح ذو حدين. فكيف يمكن لأصحاب العمل الاستفادة من فرص التوظيف مع التخفيف من المخاطر التي يواجهها استبقاء الموظفين؟ من خلال تحليل 3 ملايين سجل لموظفين من أكثر من 120 مؤسسة كبيرة بين عامي 2019 و2022، حددنا العديد من التوجهات الشائعة فيما يتعلق بالآتي: مَن هم الموظفون الذين يُحتمَل أن يعودوا، ومتى من المحتمل أن يحدث ذلك، ولماذا من المحتمل أن يفعلوا ذلك. ويمكن لأصحاب المصلحة في كلا الجانبين الاسترشاد بهذه التوجهات لوضع الاستراتيجيات.
ظاهرة الموظفين العائدين أكثر شيوعاً مما تعتقد
بينما أشارت الدراسات السابقة القائمة على دراسات استقصائية إلى أنه من النادر نسبياً عودة الموظفين إلى شركاتهم السابقة، فإن تحليلنا الواسع النطاق لسجلات التوظيف الفعلية للموظفين أتاح لنا تكوين صورة أكثر دقة؛ فقد وجدنا أنه في مؤسسات تعمل في مجموعة واسعة من القطاعات، كان 28% من "الموظفين الجدد" في الواقع من الموظفين العائدين الذين استقالوا خلال الأشهر الـ 36 الماضية.
إذاً، "مَن" هؤلاء الموظفون؟ كشفت تحليلاتنا عن بعض الفروق بين القطاعات، إذ يمثل الموظفون الذي أُعيد تعيينهم 33% في المتوسط من الموظفين الجدد في قطاع البيع بالتجزئة، مقارنة بـ 25% في قطاع التصنيع و14% فقط في قطاع التكنولوجيا. ووجدنا أيضاً أنه من المرجح أن يصبح الموظفون العائدون مدراء، ربما لأن المؤسسات تحاول غالباً إقناع الموظفين السابقين بالعودة من خلال منحهم أدواراً ذات رواتب أعلى مع مسؤوليات إدارية.
بعد ذلك، وجّهنا انتباهنا إلى "متى" يعود هؤلاء الموظفون عادة. ومرة أخرى، أُجري التحليل على مجموعة من القطاعات، لكن أغلب الموظفين العائدين عادوا إلى أصحاب عملهم الأصليين في غضون 13 شهراً من مغادرتهم، وعاد 26% فقط في غضون 7 أشهر، وعاد أكثر من ثلاثة أرباع هؤلاء الموظفين بحلول الشهر السادس عشر، ما يشير إلى أنه من الشائع عودة الموظفين خلال عام.
وأخيراً، "لماذا" اختار هؤلاء الموظفون العودة؟ سلّط تحليلنا الكمي وكذلك المقابلات التي أجريناها مع نحو 6 موظفين عائدين يقيمون في الولايات المتحدة الضوء على بعض العوامل المهمة. أولاً، في معظم الحالات، شعر الموظفون أن مؤسستهم الجديدة لم تفِ بالوعود التي قطعتها أو التوقعات التي وضعتها عندما عيّنتهم. وسواء لم يتم الوفاء بشروط التوظيف الصريحة أو تم انتهاك العقد النفسي للموظفين (أي: الاتفاقيات المفترضة غير المعلنة بين الموظف وصاحب العمل)، فإن الموظفين الذين شعروا أنهم تعرضوا للخيانة من مؤسستهم الجديدة كانوا أكثر ميلاً إلى العودة إلى مؤسستهم السابقة. على سبيل المثال، وصف بعض الموظفين الذين أجرينا مقابلات معهم كيف أن فرص الترقية والنمو المتاحة في أدوارهم الجديدة لم تكن متطابقة مع الوعود التي قُطعت لهم في أثناء عملية المقابلة، ما أدى إلى اتخاذهم قرار العودة.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت نتائجنا أنه كلما زادت قوة الروابط الاجتماعية التي حافظوا عليها مع زملائهم السابقين، زادت احتمالية عودتهم. وأخيراً، وما أثار دهشتنا هو أننا وجدنا أن العديد من الموظفين العائدين كانت لديهم دوافع مالية (على الأقل جزئياً)، فقد حصلوا على زيادة كبيرة في رواتبهم تصل إلى 25% مقارنة برواتبهم وقت استقالتهم. في المقابل، حصل أولئك الذين بقوا مع صاحب عمل واحد على زيادات في الراتب بنسبة 4% فقط في المتوسط في الفترة الزمنية نفسها.
في ضوء هذه النتائج، حددنا خطوات عديدة يمكن لأصحاب العمل اتخاذها لإعادة تعيين موظفيهم العائدين، وتشجيع الموظفين الذي يُحتمَل أن يعودوا إلى أصحاب عملهم السابقين على البقاء:
الاستراتيجيات الدفاعية
فيما يتعلق باستبقاء الموظفين، يشير بحثنا إلى استراتيجيتين مهمتين لمساعدة أصحاب العمل على حماية أنفسهم من تهديد الموظفين العائدين، من خلال الاحتفاظ بالموظفين الجدد ومنعهم من العودة إلى أصحاب عملهم السابقين.
احرص على سد الفجوة بين وعود التوظيف وتجربة الموظف
في كثير من الحالات، تنجم مشكلات الاستبقاء من حقيقة أن الأشخاص الذين يوظفون موظفين جدداً ليسوا الأشخاص أنفسهم الذين سيعملون مع الموظف فعلياً أو يديرونه بمجرد تعيينه. يؤدي هذا الانفصال إلى احتمالية حدوث انتهاكات للعقد النفسي (سواء بسبب سوء الفهم أو انتهاكات واقعية للعقد)، ويحدث ذلك عندما تختلف تجارب الموظفين الجدد عما قيل لهم أن يتوقعوه في أثناء عملية التعيين.
لسد هذه الفجوة، يجب على المؤسسات المواءمة بين أولئك الذين يقومون بالتوظيف والتعيين والمدراء وزملاء العمل الأكثر دراية بما تستلزمه الوظيفة فعلياً. لطالما كان تزويد المرشحين بصورة واقعية للوظيفة تشمل محاسنها ومساوئها طريقة فعالة لتقليل معدل دوران الموظفين، وتشير نتائجنا إلى أنه قد يكون مهماً بوجه خاص في الدفاع ضد جهود أصحاب العمل السابقين لإعادة الموظفين الجدد. بالإضافة إلى ذلك، فإن إجراء "مقابلات البقاء على رأس العمل" خلال الأشهر القليلة الأولى للموظف يمكن أن يساعد في إظهار أي فجوات بين التوقعات والواقع، ما يساعد المدراء على معالجة أي اختلالات قبل أن يشعر الموظف أن هناك انتهاكاً شديداً للعقد النفسي.
احذر فترة الخطر التي تلي إعداد الموظفين الجدد
على الرغم من أن إعداد الموظفين الجدد بفعالية يمكن أن يؤدي دوراً رئيسياً في رفع معدل استبقاء الموظفين، فإن حتى المؤسسات التي تستثمر في إعداد الموظفين الجدد لمدة عام كامل قد لا تزال تكافح للاحتفاظ بالموظفين الذين من المحتمل أن يعودوا إلى أصحاب عملهم السابقين. إذ يُظهر بحثنا أن هؤلاء الموظفين يغادرون في الغالب بعد مرور عام واحد فقط. لذلك، لتجنب هذا التراجع في معدل استبقاء الموظفين، ينبغي لأصحاب العمل النظر في الاستثمار في برامج تعزيز اندماج الموظف التي تستهدف على وجه التحديد الموظفين الذين يدخلون عامهم الثاني.
والأهم من ذلك هو تقديم تعويضات منصفة لأنها من العناصر البالغة الأهمية لزيادة اندماج الموظف. بحلول نهاية العام الأول للموظف، يجب أن يكون من الواضح إذا ما كان مستوى أدائه على قدر التوقعات أو أقل منها أو فاقها. وبالنسبة لأولئك الذين يفوقون التوقعات أو هناك علامات على أن بإمكانهم القيام بذلك قريباً، ينبغي لأصحاب العمل التفكير بشكل استباقي في منحهم زيادة في الراتب أو ترقية أو أي فرصة جادة أخرى للتطور المهني. في حين أن بعض المؤسسات قد تتردد في تقديم هذه الفرص بعد عام واحد فقط من التوظيف، يبين بحثنا أن هذه فترة مهمة للموظفين، خاصة ذوي الأداء المتميز الذين من المرجح أن تكون لديهم خيارات أخرى. على هذا النحو، قد يكون من الجدير إنفاق مبلغ أكبر قليلاً مقدماً للاحتفاظ بهم، بدلاً من خسارة استثمار عام في إعداد شخص للعمل ثم يعود إلى صاحب عمله السابق.
الاستراتيجيات الهجومية
فيما يتعلق بالتوظيف، يقترح بحثنا استراتيجيتين لمساعدة أصحاب العمل على القيام بالهجوم؛ ما يعني إقناع الموظفين السابقين بشكل استباقي بالعودة.
احرص على بناء علاقات طيبة مع الموظفين المغادرين
عندما يقدّم أحد الموظفين إشعاراً بالاستقالة، يركز معظم الشركات على الحد من أي تعطيل قد يحدث للمؤسسة والموظفين الباقين. وعلى الرغم من أن هذا النهج مفهوم، فإنه غير مكتمل. فبالإضافة إلى هذه الجهود، ينبغي لأصحاب العمل اتخاذ خطوات لبناء علاقات إيجابية مع الموظفين المغادرين. إذ يُظهر بحثنا أن هؤلاء الموظفين يمثلون نسبة كبيرة من المرشحين للتوظيف في المستقبل.
إلى جانب بناء علاقات طيبة مع الموظفين المغادرين، ستستفيد المؤسسات من تنمية هذه العلاقات حتى بعد مغادرة هؤلاء الموظفين. على سبيل المثال، تتيح شركة ديلويت (Deloitte) للموظفين السابقين إمكانية الولوج إلى منصة عبر الإنترنت يمكن فيها لأكثر من 20 ألف من موظفيها السابقين على مستوى العالم التواصل معاً ومشاركة فرص العمل والبقاء على اتصال مع الزملاء الذين لا يزالون يعملون في الشركة. فمثل هذه البرامج تُظهر للموظفين السابقين أن عودتهم ستكون موضع ترحيب دائماً إذا اختاروا ذلك، وتضمن أن تظل الشركة في قمة اهتماماتهم بينما يتقدمون في حياتهم المهنية، وتتيح لفِرق التوظيف الوصول بسهولة إلى شبكة هائلة ومعروفة من المواهب المرشحة للتوظيف.
اعرض على الموظف السابق العودة بعد مرور عام على مغادرته
تُعد الذكرى السنوية الأولى لاستقالة موظف سابق مناسَبة مهمة يمكن فيها تفقُّد أحواله وإخباره أن الشركة تفتقد وجوده وتقديم عرض لإعادة تعيينه. يُظهر بحثنا أن هذا هو الوقت الذي يكونون فيه أكثر ميلاً إلى العودة، ولكن يجب ألا يكتفي أصحاب العمل بانتظار حدوث ذلك. إذ يمكن أن تكون إعادة التواصل مع الموظف في هذه اللحظة الحاسمة طريقة رائعة لتشجيع الموظف الذي يفكر في العودة.
وبالطبع من المرجح قبول العرض إذا كان يتضمن زيادة في الراتب أو ترقية. وقد يكون من المفيد أيضاً عرض الانضمام إلى منصب إداري. فقد تحدثنا مع العديد من الموظفين الذين تركوا مؤسسة ما على أمل أن يصبحوا مدراء في مؤسسة أخرى، لكنهم وجدوا الركود الوظيفي نفسه في دورهم الجديد. وقد ذكر هؤلاء الموظفون أنهم كانوا سعداء بالعودة عندما عرض عليهم صاحب العمل الأصلي مسؤوليات الإدارة التي كانوا يسعون إلى توليها. في الواقع، كان 40% من الموظفين العائدين في قاعدة بياناتنا موظفين عادوا إلى شركاتهم السابقة للعمل في مناصب إدارية، ما يشير إلى أن هذه الطريقة يمكن أن تكون فعالة للغاية لإغراء الأشخاص بالعودة.
بالطبع، يجب ألا تأتي استراتيجيات توظيف الموظفين العائدين واستبقائهم على حساب الموظفين الحاليين. فلا شيء يؤثر سلباً على الثقة والالتزام مثل رؤية موظف سابق يُعاد تعيينه براتب أعلى، في حين أنه لا يتم تعديل تعويضات الموظفين الباقين ولا يحصلون أيضاً على فرص للنمو الوظيفي. وبالمثل، إذا قام أصحاب العمل بإغراق المعينين حديثاً (الذين من المرجح أن يعودوا إليهم) بحوافز لاستبقائهم مع تجاهل الموظفين الذين يعملون منذ فترة طويلة، فمن المرجح أن يشعر حتى أكثر الموظفين ولاءً بالاستياء.
ولكن عند تنفيذ هذه الاستراتيجيات مع التركيز على الإنصاف، يمكن أن تكون مكسباً لكل من المؤسسات والموظفين. من الناحية الدفاعية، ستساعد استراتيجيات الاحتفاظ بالموظفين التي تحول دون قيام أصحاب العمل السابقين بمحاولة جذب الموظفين الجدد على ضمان ارتباط الموظفين بالعمل ونموهم مع شركتهم الجديدة. ومن الناحية الهجومية، فإن استراتيجيات التوظيف التي تستفيد من مجموعة المواهب القيّمة التي يمثلها الموظفون السابقون ستتيح للموظفين العودة إلى مكان عمل مألوف، ولكن في الغالب في دور أكثر ملاءمة لهم. في النهاية، يمكن أن يمثل انتشار ظاهرة الموظفين العائدين تهديداً كبيراً أو فرصة كبيرة. والحد من التهديد والاستفادة من الفرصة هو أمر بيد أصحاب العمل اليوم.