لماذا آمن ستيف جوبز بقدرات موظفيه أكثر من التكنولوجيا؟

5 دقائق
نهج ستيف جوبز
shutterstock.com/Brad de Souza
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أثبت ستيف جوبز أن الإيمان بقدرات فريقه سيحقق المعجزات. فما الذي قصده نهج ستيف جوبز بالإيمان بالناس وليس بالتكنولوجيا، وكيف وضع ثقته بالناس موضع التنفيذ؟

عندما سُئل ستيف جوبز في مقابلة مع مجلة رولينغ ستون (Rolling Stone) عام 1994 السؤال الآتي: “كثيراً ما تحدّثتَ عن قدرة التكنولوجيا على تمكين الناس وتغيير حياتهم. هل ما زلت تؤمن بالتكنولوجيا اليوم مثلما كنت قبل 20 عاماً؟”، أجاب: “بالطبع. ليس إيماناً بالتكنولوجيا؛ بل إيمان بالناس”. وأردف: “التكنولوجيا لا تعني شيئاً، المهم أن تثق بالناس، أنهم جيدون وأذكياء، وإذا وهبتهم الأدوات، فمذهلٌ ما سيفعلون بها. ليست الأدوات ما يجب الإيمان بها؛ فالأدوات تبقى أدوات، إما أن تعمل وإما لا. الناس هم الأجدر بالثقة”.

في الواقع، وعلى لسان جوبز نفسه وفقاً لما ورد في سيرته الذاتية، فإن السبب الذي جعل آبل تحظى بهذه الشعبية هو هذا القدر الكبير والعميق من الإنسانية بابتكاراتها، وليس لأنها مكان مليء بالمبتكرين فقط. آمَن جوبز بأن المهندسين العظماء يشبهون الفنانين العظماء؛ تتأرجح في داخل كل واحد منهم رغبة في التعبير عن نفسه. “فالفرق بين الشركات التي تعطي الأولوية لكسب الأرباح والشركات التي تصنع منتجات عظيمة، هو فرق طفيف، لكنه يعني كل شيء: الأشخاص الذين تستعين بهم، والموظفون الذين يترقّون، والموضوعات المحور النقاش في الاجتماعات”. شُغِف جوبز ببناء شركة يكدح موظفوها لبناء منتجات عظيمة، واستطاع فعل ذلك. وإليك كيف وضع “إيمانه بالناس” موضع التنفيذ بين موظفيه ليستطيع تحقيق ما يصبو إليه.

كيف وضع ستيف جوبز إيمانه بقدرات موظفيه موضع التنفيذ؟ 

آمَن ستيف جوبز بأن فريقه وموظفيه قادرون على تحقيق أكثر بكثير مما يعتقدون؛ إذ وضع لتوقعاته منهم سقفاً عالياً إلى حدٍّ يشبه المستحيل وتحداهم للوصول إلى هذا المستوى، ما جعلهم فعلاً يحققون إنجازات غير عادية. كان يدفعهم إلى ما وراء حدودهم التي يتصورونها. تقول مدربة ومستشارة الصحة والرئيسة التنفيذية لشركة براناناز (Prananaz)، ناز بهشتي، التي عملت بصفة مساعدة تنفيذية لجوبز خلال فترة من الفترات، إن جوبز طالبها وطالَب كل من عمِل معه بالتميّز والإبداع، وعلى الرغم من أن توقعاته بدت في بعض الأحيان غير واقعية، فإن التحدي الذي فرضه عليهم، الذي بدا مستحيلاً في كثير من الأوقات، كان يمثل فرصة لجعل المستحيل ممكناً.

يقول كاتب سيرة جوبز الذاتية، والتر آيزكسون، إن الزملاء أطلقوا على قدرة جوبز الفريدة على دفع الناس على فعل المستحيل اسم “مجال تحريف الواقع” (Reality Distortion Field)، وذلك بناءً على حلقة من مسلسل الخيال العلمي “ستار تريك” (Star Trek)؛ تلك الحلقة التي خلق فيها الفضائيون واقعاً بديلاً مُقنِعاً باستخدام القوى الذهنية المطلقة.

لم يكن جوبز كائناً فضائياً؛ لكنه اتّبع مع موظفيه نهجاً أشبه ما يكون بـ “تأثير بيغميليون” (Pygmalion effect)؛ وهو ظاهرة نفسية تأخذ شكلاً من أشكال النبوءة التي تحقق ذاتها؛ إذ تؤدي التوقعات الإيجابية للقائد أو الشخصية ذات السلطة المتعلقة بأداء المرؤوسين إلى دفعهم لتعديل سلوكهم، وإطلاق العنان لإمكاناتهم الخفية، والعمل بجد لتلبية هذه التوقعات.

من أوائل العلماء الذي درسوا هذه الظاهرة، عالم النفس السلوكي في جامعة هارفارد، روبرت روزنثال، بالتعاون مع زميلته لينور جاكوبسن، ونشرا بحثهما في مجلة المراجعة الحضرية (Urban Review) في عام 1968 تحت عنوان “بيغميليون في الصف” (Pygmalion in the Classroom)؛ إذ افترض الباحثان أن أداء الطلاب سيكون أفضل أو أسوأ بناءً على توقعات المعلم لأداء طلابه. ولاختبار هذه الفرضية، أخبر الباحثان معلم الصف أن ثمة مجموعة فرعية من طلابه موهوبة بشكل استثنائي، وعلى الرغم من أن هؤلاء الطلاب لم يكونوا في الحقيقة مختلفين عن أقرانهم، لكن توقعات المعلم العالية بشأنهم دفعته إلى تغيير الطريقة التي عاملهم بها، ما دفع الطلاب بدورهم إلى تغيير سلوكهم. والنتيجة؛ تفوّق هؤلاء الطلاب على بقية الفصل.

أتت تسمية “بيغميليون” تيمّناً بنحّات يوناني صنع تمثالاً من الرخام وتمنى متوقعاً أن تُبثّ فيه الروح، فنال ما أراد. لا يقتصر تأثير بيغميليون على الأساطير الإغريقية والأوساط الأكاديمية؛ بل يمكن ملاحظته في العديد من الأوساط الإدارية والاجتماعية والمهنية أيضاً. على سبيل المثال: إذا كان المدير يؤمن بقدرات فريقه ويخبره بذلك باستمرار، فغالباً ما يتفوق هذا الفريق على فريق آخر يعتقد مديره أنه لا يتمتع بالقدرات المطلوبة، على الرغم من أن كلا الفريقين يمتلك المهارات والكفاءات نفسها.

ومرة أُخرى، ما مِن مثال أفضل من ستيف جوبز عندما يتعلق الأمر بدفع فريقه إلى حافة المستحيل. فمِن القصص العديدة التي يمكن استحضارها هنا، على سبيل الذكر وليس الحصر، تلك التي وردت في سيرته الذاتية، عندما حاول إقناع الرئيس التنفيذي لشركة كورنينغ (Corning)، وندل ويكس، بأنه قادر على إنتاج شحنة كبيرة من الزجاج الصلب المقاوم للخدش لاستخدامها في تصنيع واجهات هواتف آيفون خلال 6 أشهر. إذ وعلى الرغم من إصرار ويكس في البداية على أن شركته لا تصنّع الزجاج وليست قادرة على تصنيع مثل هذه الكمية المطلوبة وأن الشعور الزائف بالثقة لن يتغلب على التحديات الهندسية، فما بدر من جوبز إلا أن قال له بكل ثقة: “نعم، أنت تستطيع فعل ذلك. حاول استيعاب الأمر، تستطيع إنجازه”. وبالفعل، اقتنع ويكس، وأنجز المطلوب في أقل من 6 أشهر.

كيف يمكنك تحفيز موظفيك لتحقيق المستحيل على نهج ستيف جوبز؟

الإيمان بأعضاء الفريق من أقوى الأدوات في يد قائد الأعمال الناجح. تقول ناز بهشتي أن جوبز وعلى الرغم من أنه قائد متطلب وصارم، فإن طريقته في إظهار الثقة في فريقه قد ألهمتها ومنحتها الشجاعة لمتابعة شغفها وهدفها وتأسيس شركتها الخاصة، لقد زوّدها بالدافع والحافز للتفوق. وإليك النصائح التي قدمتها لبناء الثقة في أعضاء الفريق بناءً على تجربتها مع جوبز:

  • ركّز على نقاط القوة: حدِّد الصفات الإيجابية والمهارات وفرص النمو الموجودة عند أعضاء فريقك بدلاً من التركيز على نقاط ضعفهم.
  • فوِّض: أخبر موظفيك بأنك تثق بقدراتهم واشرح لهم فرص النمو والتقدم عند تفويض كل مهمة أو مشروع.
  • قدِّم ملاحظات بنّاءة: عزِّز نقاط القوة عند أعضاء الفريق مع تحديد مجالات التحسين، واستخدم أمثلة محددة مفيدة لإثبات صحة ملاحظاتك.
  • تحدَّ قدراتهم: أخبرهم بأنك تثق بهم وتتوقع منهم أكثر بكثير مما يتوقعونه من أنفسهم. أثنِ عليهم وشجعهم على التقدم التدريجي الذي يحققونه على طول الطريق.
  • امنحهم مساحة لارتكاب الأخطاء: يجب ألا يشعر الموظفون أنه ليس لديهم هامش لارتكاب الأخطاء، لأن الخوف من الفشل يعيق النمو ويمنع الموظفين من المخاطرة وتقديم أفضل ما لديهم.

تقول بهشتي: “إن التوازن بين دفع الموظفين نحو تقديم أفضل ما لديهم ودفعهم نحو الاحتراق والإرهاق هو توازن دقيق جداً. لقد اختبرت هذه الديناميكية عند العمل مع ستيف جوبز. كان من المفهوم أنك إذا لم تفِ بتوقعاته العالية، فإن وظيفتك تغدو على المحك. ومع ذلك، كان صحيحاً أيضاً أنه بالنسبة للأشخاص الذين يتعاملون مع ضغوطاتهم على نحو استباقي ويبدون الشغف فيما يفعلون، فإن شعور الضغط يغدو إجهاداً إيجابياً يحفِّز أداءهم بدلاً من أن يكون إجهاداً مزمناً”.

من المعلوم أن ستيف جوبز لم يكن قائداً صبوراً؛ بل كان قليل الصبر، حادّ الطباع، صارماً في التعامل مع المحيطين به، ولكن أسلوبه هذا كما يقول آيزوكسون كان نابعاً من شغفه بالكمال ورغبته في العمل مع أفضل الأشخاص. فمع كلّ ما اُشتهر به من الفظاظة والصرامة، كان قادراً على إلهام الآخرين وإقناعهم بأنهم قادرون كلّ القدرة على تحقيق المستحيل.

يقول جوبز: “لا أعتقد أنني أقسو على الناس، ولكن إن رأيت شيئاً خطأ، أقول لهم مباشرة. فمهمتي أن أكون صادقاً، فأنا أعرف ما الذي أتحدث عنه وعادة ما أكون محقاً. تلك هي الثقافة التي حاولت ترسيخها. نحن صادقون معاً إلى درجة صارمة، ويمكن لأي أحد أن يخبرني بأنني أحمق، وأستطيع أنا أن أقول الشيء نفسه للآخرين، وقد خضنا بعض الجدالات المتفجرة إذ كان بعضنا يصيح في بعض، وكانت تلك بعض أفضل الأوقات في حياتي”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .