نظراً للجوء العديد من الولايات إلى منح الضوء الأخضر لإعادة تشغيل الأنشطة التجارية، شرع أصحاب العمل في وضع خطط لعودة الموظفين إلى العمل بأمان، مفكّرين ملياً في جداول المواعيد وكيفية تموضع المكاتب وسياسات الزوار واستخدام المصاعد وتوصيل طلبيات الطعام وغير ذلك.
وبما أن عودة قوة العمل إلى الشركات تتضمن بالتأكيد التخطيط للعمليات اللوجستية والتشغيلية، لا يجب أن يقتصر اهتمام أصحاب العمل على تحقيق الرفاه المادي للموظفين، بل من المهم أيضاً النظر في كيفية التعامل مع قلق العودة إلى العمل، في سبيل استجابة المؤسسات لصحة الموظفين العاطفية والنفسية، وهو موضوع لا يتم التطرق إليه على نحو كاف لسوء الحظ.
تعامل المدراء مع قلق العودة إلى العمل لدى الموظفين
إن مشاعر القلق شبه عالمية اليوم، وهي رد فعل طبيعي للظروف غير الطبيعية والمستقبل الغامض، حيث ينتاب ما يقرب من نصف الموظفين القلق اليوم من أن يطلب منهم أصحاب عملهم العودة إلى العمل قبل أن يعمّ الأمان، وجاء ذلك بحسب استقصاء وطني أجرته شركة "ويبر شاندويك" (Weber Shandwick) و"مركز أبحاث كيه آر سي ريسيرتش" (KRC Research). فضلاً عن أن أكثر من نصف الموظفين يشعرون بالقلق بشأن مستقبل الشركات التي يعملون فيها ومستقبل وظائفهم على وجه التحديد.
لكن في حال فشل أصحاب العمل في معالجة مصادر القلق تلك وفشلهم في مساعدة موظفيهم في إدارة صحتهم العقلية، لن تكون إعادة الموظفين إلى العمل مفيدة في مساعدة الشركات على العودة إلى مستويات الإنتاجية وعمليات التواصل الطبيعية لما قبل جائحة "كوفيد-19".
لذلك، يجب على العديد من الشركات أن تعزّز الممارسات الحالية وأن تستكمل برامج الصحة النفسية الخارجية أو تعتمد على طرف ثالث، وأن تتمتع بقدرة أكبر على التعامل مع مشاعر التوتر والقلق والغموض "داخل الشركة". ولا يعني ذلك محاولة الاضطلاع بدور ممارسي الصحة العقلية المدربين، بل يعني محاولة تعزيز الوعي الداخلي والفهم والقدرة على معالجة مخاوف الموظفين.
اقرأ أيضاً: كيف يأسرنا القلق وكيف نتحرر منه؟
وبالاعتماد على خبرتنا في العمل في العديد من الثقافات بصفتنا موظفين واستشاريين في مجال التغيير عدة سنوات، حددنا خمس خطوات يجب على أصحاب العمل القيام بها للمساعدة في تقليل شعور الموظفين بالقلق من العودة إلى العمل.
وتمثّل تلك المؤشرات الخمسة إطار عمل يساعد أصحاب العمل في إعداد خطط لعودة الموظفين إلى العمل، فضلاً عن إمكانية اعتبارها إجراءات يمكن من خلالها تقييم التقدم.
1. اجعل رفاهة الموظفين على رأس أولوياتك
يريد الموظفون ضماناً أن تضع شركاتهم موظفيها على رأس أولوياتها، خاصة في الأوقات الصعبة. ويُعدّ قرار شركة "كوستكو" (Costco) بتخصيص بدل مخاطر للعاملين في الخطوط الأمامية، وخطوة شركة "آبل" الرامية إلى منح إجازات مرَضية مدفوعة الأجر، واختيار الرئيس التنفيذي لشركة "دلتا للطيران"، إد باستيان، التخلي عن راتبه مدة ستة أشهر أمثلة مبكرة حول القيم المؤسسية التي ساعدت في تخفيف مخاوف الموظفين.
وقد تلقى معظم أصحاب العمل تقييمات جيدة من موظفيهم إزاء الطريقة التي استجابوا بها للجائحة حتى اليوم، فقد أفادت الأغلبية العظمى للموظفين في الاستقصاء الذي أجريناه أن أصحاب عملهم يضعون السلامة على الأرباح (72%) ويبدون اهتمامهم بموظفيهم قدر الإمكان (74%) وأن استجابة أصحاب عملهم "هي الاستجابة المثلى" (72%).
اقرأ أيضاً: كيف تدعم موظفاً يعاني من القلق الاجتماعي؟
يجب أن تستمر الشركات في إظهار التزامها بقيمها خلال مرحلة العودة إلى العمل. وسيكون من الأفضل لها أن تحذوا حذو جين فريزر، رئيسة شركة "سيتي" (Citi) والرئيسة التنفيذية لقسم الخدمات المصرفية العالمية للمستهلكين في الشركة نفسها، إذ جعلت عملية عودة الموظفين إلى العمل في شركة "سيتي" إحدى أهم أولوياتها عندما كتبت على منصة "لينكد إن":
"على الرغم من أن شركة "سيتي" تخطط للمستقبل، بما في ذلك إعادة فتح مكاتبنا وتحديد احتياجات مكان العمل الجديد، يوجد أمر واضح جداً بالنسبة لنا، وهو أننا سنواصل منح الأولوية لسلامة موظفينا وزبائننا ومجتمعاتنا. قد يعني ذلك أن نكون أكثر حذراً، وألا تقتصر مهمتنا على اتباع إجراءات مدينة أو ولاية أو بلد ما. يوجد لدينا فريق كبير ومتمرس يعمل على التخطيط لعملية عودتنا إلى المكاتب ويضمن أن تجري تلك العملية بذكاء وأن تكمن صحة موظفينا ورفاههم في قلب عملية صناعة القرار.
2. شارك معلومات دقيقة وآنية وشفافة
يمثّل التواصل المتسق من رئيسك التنفيذي أو أحد القادة الآخرين الموثوق بهم الحل لإدارة قلق الموظفين. على سبيل المثال، أصبح حاكم نيويورك أندرو كومو أحد المصادر الأكثر ثقة في البلاد للحصول على توجيهات فيما يخص جائحة "كوفيد-19" بسبب عقده جلسات إعلامية شفافة ومنتظمة.
وليس من المستغرب أن يُظهر بحثنا أن الموظفين الذين يتلقّون تحديثات منتظمة من شركاتهم هم أكثر احتمالاً لتكوين آراء إيجابية حول أصحاب العمل. كما أنهم أكثر احتمالاً للشعور بالفخر في العمل في شركاتهم بنسبة 55% والتطلع إلى العودة إلى العمل بنسبة 43%.
ويُعدّ نمط التواصل المفتوح ثنائي الاتجاه مهماً بشكل خاص، ذلك أنه يُتيح لأصحاب العمل اتخاذ إجراءات للتعامل مع التأثير الاقتصادي للجائحة. فالمؤسسات التي أبقت موظفيها على اطلاع بأداء الأعمال وأشركتهم في حوار مستمر ستكون أكثر استعداداً لإجراء محادثات صعبة.
3. اتخذ إجراءات سريعة لتنفيذ تدابير الصحة العامة الموصى بها
وجد بحثنا أن الموظفين يثقون بكبار خبراء الصحة العامة فيما يخص أوقات العودة إلى العمل، مثل مراكز مكافحة الأمراض والدكتور أنتوني فاوتشي. وقد أفادت نسبة أقل من واحد من 10% من الموظفين أنهم سيشعرون بالأمان إزاء عودتهم إلى العمل عندما يقول لهم صاحب العمل أن الشركة آمنة.
في الواقع، تتوافق متطلبات الأمان الخمسة الأولى للموظفين بشكل وثيق مع توصيات مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها وتوصيات غيره من المراكز. إذ يريد الموظفون من أصحاب عملهم:
- تنظيف أماكن العمل وتعقيمها بشكل دقيق (55%)
- تشجيع الموظفين المرضى على البقاء في المنزل ووضع سياسات إجازة مرضية مرنة (52%)
- تعزيز ممارسات النظافة الشخصية بشكل مستمر (40%)
- توفير معدات الوقاية الشخصية (33%)
- فحص جميع الموظفين قبل عودتهم إلى مكان العمل (31%)
ويرغب الموظفون في معرفة كيفية تنفيذ هذه التدابير ووقت تنفيذها وكيفية مراقبة الالتزام بالتدابير وتطبيقها. كما يحتاجون إلى ضمان يفيد باتخاذ الشركات خطوات لتحديث البروتوكولات والعمليات مع تطور الوضع.
4. درّب القادة والمدراء والزملاء على كيفية دعم الموظفين
يتحمل القادة والمدراء كثيراً من المسؤولية لضمان عودة الموظفين إلى مكان العمل بشكل سلس. ويفكر بعض عملائنا في إقامة "برامج تدريب افتراضية وإلزامية للعودة إلى العمل" تركّز على موضوعات مثل التعامل مع حالة الغموض، وتعزيز القدرة على التحمل، وتطوير الذكاء العاطفي، وقيادة الفرق الهجينة. ويمكن للمدراء نمذجة السلوكيات المطلوبة ومشاركتها مع فرقهم لدعم طرق جديدة للعمل، شرط تسلّحهم برؤى ثاقبة في تلك المجالات.
وسيتعيّن على المدراء تحمل مسؤولية أكبر عن رفاهة الموظفين. وقد يشمل ذلك فهم العلامات التحذيرية لمشكلات الاضطراب العاطفي، ومراعاة تخصيص مزيد من الوقت في أيام عملهم لإجراء عمليات مراجعة مع الموظفين، ومساعدة أعضاء الفريق في تحديد المهام التي تقع ضمن نطاق مسؤولياتهم، وتعلم كيفية فرز المشكلات بشكل آني في أثناء تخصيص موارد أخرى لتقديم الدعم.
وقد تخف حدة مشاعر القلق أكثر مع لجوء الموظفين إلى إعادة التواصل مع زملائهم من خلال شبكات الدعم الرسمية وغير الرسمية. إن سبب فرض الحجر الصحي وتدابير التباعد الاجتماعي هو ضعف أنظمة الدعم وآليات التكيف التي كان من المفترض أن تساعدهم في تجاوز الجائحة. لذلك، يمكن لجميع الموظفين إعداد منتديات لإعادة التواصل مع بعضهم البعض (سواء بشكل افتراضي أو بشكل شخصي على بُعد ستة أقدام) وإبداء التعاطف والتراحم فيما بينهم في أثناء تكيفهم مع بيئتهم الجديدة.
5. توفير المرونة في العمل
أظهرت تجربتنا الواسعة النطاق للعمل من المنزل أنه من الممكن بالنسبة لبعض القطاعات إنجاز العمل عن بُعد وفق مجموعة متنوعة من جداول المواعيد التي تتناسب بشكل أفضل مع ساعات العمل المفضلة لدى الأفراد والتزاماتهم الشخصية. ومع إعادة فتح أماكن العمل، يمكن لأصحاب العمل أن يتوقعوا تعرضهم للضغط من قبل الموظفين للإبقاء على هذه المرونة، خاصة من أعضاء الفريق الذين لديهم أطفال يهتمون بهم أو مرضى من أسرهم. قد يتساءل كثيرون، "إذا لم أتمكن من العودة إلى وضع العمل الطبيعي قبل جائحة "كوفيد-19"، هل يوجد احتمال أن يعتبرني الآخرون شخصاً غير ملتزم، أو الأسوأ من ذلك، هل يوجد احتمال أن أخسر عملي؟"
يمكن لأصحاب العمل الذين يرغبون في تقليل مشاعر القلق مناقشة كيفية التعامل مع هذه القضايا ومواءمتها. ويجب عليهم النظر في الأسئلة التالية:
- هل نتبع مثال منصات "تويتر" و"فيسبوك" و"نيشن وايد" وغيرها وننتقل إلى نموذج قائم على العمل عن بُعد؟
- إذا كانت تلك الخطوة مستحيلة، إلى أي حد قد نسمح لمجموعات الموظفين المختلفة اختيار موعد العودة إلى العمل في المكتب؟
- هل عملية إعادة التقييم الشاملة لسياستنا بشأن العمل من المنزل قيد التطبيق؟
- ما هي الترتيبات التي يجب علينا إجراؤها لتمكين قوة عمل هجينة تضم موظفين عاملين من المنزل وآخرين خارج الشركة؟
- كيف يمكننا ضمان إيلاء الأولوية لقضايا التنوع والإنصاف والشمول في أثناء إدارة قوة عمل خارج الشركة أو قوة عمل هجينة؟ وكيف يمكننا ضمان عدم وجود عواقب غير مقصودة بالنسبة لأولئك الذين يعملون خارج الشركة؟
- كيف يمكننا حماية العمال الأكبر سناً، والموظفين الذين يعانون من ظروف صحية، والآباء، والسكان المتأثرين بشكل غير متناسب بالفيروس من خلال تعرضهم للتمييز؟
من المهم في خضم مرحلة التخطيط الرامية إلى الحفاظ على سلامة الموظفين الجسدية ألا ننسى أثر جائحة "كوفيد-19" في صحتهم النفسية، إذ يمكن للقلق الناجم عن هذه الظروف أن يولّد التعب ويُسفر عن مشكلات في التركيز وزيادة استخدام الأدوية النفسية وتفاقم الظروف الصحية الحالية، وهو ما قد يؤثر سلباً على أداء العمل.
إن اتخاذ هذه الإجراءات الخمسة هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله، لكنها ليست الإجراءات الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها للتخلص من قلق العودة إلى العمل. وسيكون لاهتمام أصحاب العمل بجميع جوانب رفاه موظفيهم خلال هذه المرحلة أو عدم اهتمامهم بها عواقب متعلقة بالسمعة لعدة سنوات مقبلة.
اقرأ أيضاً: