أهم سببين لفشل التحول الرقمي

4 دقائق
أسباب فشل التحول الرقمي

هناك مبالغ نقدية كبيرة تتدفق إلى المبادرات الرقمية في الشركات الصناعية الكبيرة، ولذلك، أجرينا استبانات لآراء المسؤولين التنفيذيين في 1,350 شركة من هذه الشركات حول العالم، وقالوا إن مجموع الاستثمارات في التجديد الرقمي بلغ أكثر من 100 مليار دولار بين عامي 2016 و2018. فما هي أسباب فشل التحول الرقمي في الشركات؟

المشكلة هي أن النتائج المتوقعة لهذه الاستثمارات نادراً ما تتحقق، فقد قال معظم القادة الذين قابلناهم أن أرباح استثماراتهم الرقمية كانت ضعيفة، علماً أنهم يمثلون 17 دولة و13 قطاع. والسبب الرئيس هو فشل جهود توسيع نطاق الابتكارات الرقمية فيما يتعدى حدود العمل التجريبي الأول.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: فوائد التحول الرقمي

خذ مثلاً شركة كبيرة لتصنيع الألبسة الرياضية، إذ خصصت استثماراً هائلاً لعملية التخصيص، فأنفقت مبالغ طائلة على الروبوتات وتعلم الآلة والطباعة ثلاثية الأبعاد في معمل تصنيع جديد، وكانت تريد منح الزبائن خيار طلب أحذية رياضية مصممة خصيصاً والحصول عليها بسرعة. أملت القيادة أن تجني ربحاً يغذي التحول الرقمي في المعامل الأخرى، ولكن العمليات لم تتمكن من التشابك مع التقنيات الجديدة، ليثبت أن الإنتاج السريع مجرد وهم. وبعد ثلاثة أعوام، أغلقت الشركة المعمل.

اقرأ أيضاً: لماذا تفشل الكثير من التحولات الرقمية البارزة؟

ما الذي يؤدي إلى فشل الشركات في توسيع التجارب؟ وما الذي تفعله الشركات التي تجني عائدات أفضل من الاستثمار الرقمي لتختلف عن غيرها؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، طلبنا من المسؤولين التنفيذيين في بحثنا التحدث عن عائداتهم على الاستثمار الرقمي بالتفصيل. ثم تمعّنا في مدى نجاح شركات عينتنا في توسيع مشاريعها بعد مرحلة إثبات المفاهيم. وعندما وضعنا مخططاً لهذين المؤشرين الرئيسين، تحقيق أرباح أعلى من المتوسط والتوسع الأكثر نجاحاً، وجدنا أن 22% من شركات عينتنا قد شهدت كلاهما.

تحديات التحول الرقمي

ثم تعمقنا أكثر في تلك المجموعة لنعرف ما الأمر المختلف الذي قامت به. وركزنا على أهم التحديات التي تعرف عليها المشاركون في استبانتنا بصورة إجمالية وطريقة تعامل شركات مجموعتنا الرائدة مع هذه التحديات.

ونتيجة لهذا التحليل، برز لدينا تحديان كبيران مع حليهما.

التحدي الأول: الخلافات غير المعلنة بشأن الأهداف بين كبار المدراء

إذا لم يكن كبار المدراء متفقين تماماً، سيصعب على مرؤوسيهم المباشرين الاتفاق على الأولويات وطريقة قياس التقدم. الحل: حدد بالتفصيل الفرصة والمشكلة التي تعالجها، وطريقة بناء الشركة التنظيم حول الحل المرغوب قبل الاستثمار.

منذ عدة سنوات، قامت الشركة الإيطالية سورجينا (Sorgenia) لإنتاج الكهرباء والغاز الطبيعي بإطلاق مشروع تحول بهدف واضح تماماً، وهو زيادة حجم قاعدة زبائنها من 300,000 إلى مليون خلال خمسة أعوام فقط، عن طريق بناء قنوات رقمية وتحسينها. (إفصاح كامل عن المعلومات: شركة سورجينا هي إحدى عملاء شركة أكسنتشر Accenture، الأمر الذي ساعدنا على الحصول على نظرة معمقة إضافية على عملها ومشاركتها في هذه المقالة). ليس لدى الشركة موظفو مبيعات عن طريق الهاتف، فقادتها يرون أن مستقبل المبيعات يكمن في السبل الرقمية، وأنهم باستخدام الأدوات المناسبة سيتمكنون من تبسيط تجربة العملاء وجذب كثير من العملاء الجدد.

اقرأ أيضاً: ما هي معضلة التحول الرقمي؟

وكان نقل تقنية المعلومات إلى تقنية السحابة الإلكترونية هو المحرك التنظيمي الرئيسي للشركة. إذ تمكن حلول السحابة الإلكترونية الشركة من الاستمرار بإدارة إضافة أعداد كبيرة من العملاء.

ولكن تضمن هذا التحول جميع أجزاء الأعمال الأساسية للشركة، بما فيها اكتساب العملاء وإدارتهم وتحليل البيانات الكبيرة وإدارتها عبر مراكز بيانات جديدة وإنشاء منصة لتحسين تواصل الموظفين وتعاونهم وإنتاجيتهم. ومن دون وجود فهم واضح للهدف ووسائل المضي به إلى النهاية، لكان من الصعب ضمان اتفاق جميع عناصر الشركة عليه.

النتيجة: تسير شركة سورجينا على الدرب الصحيح لتحقيق هدفها، ورحلتها مدعومة بصورة جيدة. ويمكن أداء كثير من العمليات الأساسية فيها بسرعة أكبر بنسبة 15 إلى 20%، وأصبح موظفوها يملكون الوقت للتركيز على العمل ذو القيمة الأكبر.

التحدي الثاني: انقسام بين الإمكانات الرقمية الداعمة للتجربة والإمكانات المتوفرة لدعم توسيعها

عندما لا تتم معالجة هذه المشكلة، يمكن أن تواجه الشركات خياراً بين قبول تأخير زيادة الإنتاج لفترة طويلة أو محاولات القيادة لإحداث تغيير سريع وصعب كي تحقق ما وعدت به. الحل: ابحث عن طرق خارجية لسد الفجوات، أو غذ التجارب داخلياً من أجل زيادة الإمكانات الرقمية في المؤسسة من البداية.

خذ مثلاً شركة فوريسيا (Faurecia)، وهي شركة عالمية لصناعة السيارات تتخذ من فرنسا مقراً لها (وهي أيضاً من عملاء شركة أكسينتشر)، إذ استخدمت عمليات الاستحواذ لسد الثغرات في إمكاناتها الرقمية. ففي عام 2018، استحوذت الشركة على شركة باروت (Parrot) للسيارات من أجل تسريع تطوير ما تسميه "مقصورة القيادة المستقبلية"، وهي مقصورة تضم أكثر أنظمة الأمان والراحة وظائف الصوت والحرارة تقدماً.

كما أنشأت شركة فوريسيا شبكة من الباحثين في منشآت البحث الأكاديمي والشركات الناشئة ضمن التجمعات الابتكارية مثل وادي السيليكون وتورونتو وشنغهاي وباريس. تستخدم الشركة هذه العلاقات كي تسرع إنشاء نماذج التقنيات الجديدة وتصنيعها في مجالات الصحة والرفاهية والأمان السيبراني وانعدام الانبعاثات.

ولكن تجنب كثير من القادة في بحثنا هذه التحديات بصورة تامة عن طريق بناء "معامل ابتكار" داخلية ضمن المؤسسة الأكبر من أجل تطوير مشاريع تجريبية وتوسيعها.

وعلى خلاف ما يطلق عليها "أعمال سكانك" (skunkworks)، وهي مختبرات تجريبية مستقلة تابعة لمجموعة البحث والتطوير الرئيسية تكلف بإنجاز ابتكارات أسرع وأقل كلفة، فإن معامل الابتكار هذه تضع قوة المؤسسة العضلية وراء التجديد الرقمي، وهي ليست محصورة بقسم البحث والتطوير أو تصميم المنتج، وإنما تعمل من البداية حتى النهاية، بدءاً من احتضان الأفكار الجديدة، مروراً بتصميم الحلول المحتملة وصولاً إلى التطوير والتوسيع. كما أنها مندمجة إلى حد كبير بالمؤسسة، ففريق المعمل جزء من المخبر ذاته ويعمل على أرض المعمل ذاتها ويشمل موظفين من جميع الاختصاصات، وليس موظفي البحث والتطوير فقط.

اقرأ أيضاً: ماذا تحتاج المؤسسات العربية لتجاوز التردد في التحول الرقمي؟

ويمكن لهذه المعامل جلب مواهب جديدة ولكنها أيضاً تدمج المواهب الحالية وتطورها أثناء العمل. كما تبقي المجموعة الجديدة مرتبطة بأرباح الشركة وخسائرها ومسؤولة عنها. وبهذه الطريقة، يمكنها مراجعة تأثير توسيع إثبات المفاهيم ليشمل المؤسسة الأكبر قبل بدء عملية التوسيع على نحو جدي، وبذلك تكون المؤسسة بأكملها حاضرة في كل المراحل. فالأمر أشبه بشركة جديدة تنبت ببطء وتنمو ضمن المؤسسة الحالية.

خذ مثلاً شركة الطاقة الصناعية العالمية شنايدر إلكتريك (Schneider Electric) التي يقع مقرها في فرنسا أيضاً، والتي أنشأت معمل الخدمات الرقمية الخاص بها. من خلال العمل مع كافة الأعمال التجارية للشركة، يقوم المهندسون في معمل الخدمات الرقمية بتوليد الأفكار الجديدة واحتضانها لتقديم عروض خدمات رقمية جديدة كخدمة الصيانة التنبؤية أو ومجموعات مراقبة الأصول.

وإليكم أحد الأمثلة على هذا: من الضروري أن تكون الشركة قادرة على مراقبة الحرارة والرطوبة في تجهيزات التوزيع الكهربائية بفعالية، كخطوط النقل وقواطع الدارات. ولذلك طور أحد فرق معمل الخدمات الرقمية حلاً يستخدم تقنية المستشعر الحراري اللاسلكي (لقياس الحرارة والرطوبة) بالإضافة إلى بروتوكول اتصال لاسلكي. والوقت المتوقع لإكمال المشروع هو ثلاثة أعوام، ولكن مع عمل فريق معمل الخدمات الرقمية على المشروع، تمكنت شركة شنايدر إلكتريك من تطوير العرض وتصنيعه خلال ثمانية أشهر فقط.

تشكل الخطوات التي وصفناها هنا أجزاءً من لغز التجديد الرقمي، كما أنها تساعد على تأمين التمويل اللازم للاستثمارات المستقبلية. (أخبرنا 94% من المسؤولين التنفيذيين المشاركين في بحثنا أن أحد التحديات تمثل في الحصول على موافقة مجلس الإدارة على هذه الاستثمارات). عندما تتوقع الشركات التحديات التي عرضناها في مقالتنا هذه، ستحظى بموقع أفضل لتقديم حجة مقنعة للتمويل، وستكون احتمالات نجاحها في ابتكاراتها أكبر بكثير، كما ستتجاوز أسباب فشل التحول الرقمي.

اقرأ أيضاً: 3 استراتيجيات رقمية للشركات المتخلفة عن ركب التحول الرقمي

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي