ما هي السلوكيات التي تميز أفضل القادة في العصر الرقمي؟

4 دقيقة
الزعزعة الرقمية
الرسم التوضيحي: ساندرا نافارو

اكتشف الباحثون أن القادة الذين تكيفوا جيداً مع الزعزعة الرقمية يعتمدون أسلوباً قيادياً هجيناً بين عدة أساليب منها التقليدي ومنها الناشئ. مع ذلك، الأسلوب الأشد أثراً كان عبارة عن مزيج متوازن بين أسلوبين، وهما:

  • الأسلوب الاستكشافي الذي يظهر وفقه القائد حب استطلاعه للتهديدا…

عام 2020، طلب منا مدير تنفيذي في مجال الصناعات الدوائية، ولنسمه عدنان، المساعدة لحل مشكلة ملحة؛ كان قد تولى قبيل ذلك مسؤولية قيادة فريق مكلف باستخدام الأدوات الرقمية لتسريع عملية اكتشاف الأدوية وتطويرها.

على الرغم من أن العقبات التقنية كانت كبيرة، فإنها لم تكن مهمة من وجهة نظره مقارنة بالتحديات التي واجهها بصفته قائداً؛ إذ لاحظ أن المشهد التكنولوجي في تلك الفترة سريع التطور وأنه كان محاطاً بفريق مقيد بممارسات عفا عليها الزمن وصفها بأنها "خطية وبطيئة، تعوقها العمليات والبنى التنظيمية المربكة".

طرح علينا عدنان سؤالاً واضحاً: "ما الذي تتطلبه القيادة الناجحة في عصر الزعزعة الرقمية؟" طرح علينا عشرات القادة السؤال نفسه، ما دفعنا إلى إجراء دراسة بحثية دامت سنوات عدة.

في مقال سابق في هارفارد بزنس ريفيو، حددنا 7 مواضع تعارض بين أساليب القيادة التقليدية والناشئة يجب على المدراء التنفيذيين تحقيق التوازن بينها ليتمكنوا من القيادة بفعالية. الآن، تعمقنا أكثر في بحثنا لفحص مواضع التعارض هذه في عصر تحدد معالمه التكنولوجيا الجديدة المزعزعة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي. على وجه التحديد، بحثنا عن مواضع تعارض بين الأساليب القيادية المتبعة التي تؤثر على فعالية القيادة في فترة الزعزعة الرقمية. استناداً إلى خبرتنا في توفير المشورة لعشرات الشركات، بالإضافة إلى دراسة متعمقة شملت قادة إحدى أكبر الشركات المتعددة الجنسيات في أوروبا، اكتشفنا أن مواضع التعارض هذه موجودة بالفعل.

استكشاف السلوكيات ذات الأثر الحقيقي

بين عامي 2022 و2024، أجرينا تقييمات الأداء بطريقة 360 درجة لنحو 300 قائد من مختلف الأقسام والمناطق، تراوحت مستوياتهم بين مدراء الإدارة وأصحاب المناصب التنفيذية العليا. سألنا عن سلوكيات محددة مرتبطة بمواضع التعارض القيادية السبعة، التي تظهر أمثلة عليها في الجدول التالي.

ما هي السلوكيات القيادية الفعالة في قيادة الزعزعة الرقمية؟

اكتشف الباحثون أن النجاح في هذا العصر يتطلب أن يحقق القادة التوازن بين 7 مواضع تعارض بين الأساليب القيادية التقليدية والناشئة. سعى الباحثون بعد ذلك إلى تحديد أثر السلوكيات المرتبطة بمواضع التعارض هذه في فعالية القيادة خلال فترات الزعزعة الرقمية. يوضح الرسم البياني التالي عينة من السلوكيات المتبعة وفق كل أسلوب من هذه الأساليب.

موضع التعارضسلوك القيادة التقليديةسلوك القيادة الناشئة
التعارض بين

المحدث والمستمع
المحدث: يخبر الآخرين عن وجهة نظرهالمستمع: يستمع إلى ما يقوله الآخرون
التعارض بين المعتمد على الحدس والمحللالمعتمد على الحدس: يتخذ القرارات بناءً على حدسهالمحلل: يتخذ القرارات من خلال تحليل البيانات
التعارض بين الساعي إلى الكمال والمسرعالساعي إلى الكمال: يمنح الأولوية لأداء المهام بالطريقة الصحيحةالمسرع: يمنح الأولوية لأداء المهام بسرعة
التعارض بين الثابت والمتكيفالثابت: يقدم رسالة متسقةالمتكيف: يعدل رسالته عند توافر المعلومات الجديدة
التعارض بين العملي وصاحب الرؤيةالعملي: يركز على آلية تنفيذ الخطة على المدى المنظورصاحب الرؤية: يركز على وضع رؤية طويلة المدى
التعارض بين محتكر السلطة ومشارك السلطةمحتكر السلطة: يناسبه الإمساك بزمام السلطة والصلاحياتمشارك السلطة: تناسبه مشاركة السلطة والصلاحيات
التعارض بين المتعمق والمستكشفالمتعمق: قادر على التعمق في فكرة أو اتجاه لخلق القيمةالمستكشف: يبحث خارج وسطه المحيط لتحديد الفرص والتهديدات المحتملة

قيم المدراء التنفيذيون أنفسهم، وقيمهم أيضاً مرؤوسوهم المباشرون وأقرانهم ومدراؤهم وعملاؤهم. بالإضافة إلى ذلك، سألنا عن أداء كل مدير تنفيذي في البعد الرقمي من بعض المواقف.

موضع التعارض الذي يجب على القادة موازنته

لاحظنا أن القادة الذين تكيفوا مع الزعزعة الرقمية اتبعوا سلوكيات متنوعة من أسلوبين قياديين تقليدي وناشئ. مع ذلك، اكتشفنا أن أحد مواضع التعارض له أثر أكبر بكثير مقارنة بغيره، وهو التعارض بين أسلوبي القيادة المتعمق والاستكشافي.

ينطوي الاستكشاف، وهو أحد سلوكيات القيادة الناشئة، على التحلي بحب استطلاع التهديدات والفرص الداخلية والخارجية. شملت السلوكيات في دراستنا "مدرك لما يجري داخل المؤسسة خارج نطاق عمله أو مسؤوليته المباشرة فقط" و"مدرك للوسط الخارجي وتأثيره فيما يحدث داخل المؤسسة".

وصف القادة في عينتنا الذين يتبعون هذا الأسلوب القيادي بأنهم "يراقبون الوسط المحيط بحثاً عن الإلهام". ووصفت إحدى القائدات بأنها "تبدو دائماً فضولية حول ما يجري داخل قسمها وخارجه، وتظهر ذلك من خلال طرح الأسئلة ومحاولة التوفيق بين الآراء". ووصف قائد آخر بأنه "يطلع باستمرار على المستجدات داخل مجال عمله وخارجه، ما يساعده على التخطيط لما قد يحدث في المستقبل".

على النقيض من ذلك، ينطوي السلوك القيادي المتعمق، وهو أسلوب تقليدي، على التعمق في موضوع أو اتجاه ما واتخاذ القرار باستثمار الموارد، سواء كانت بشرية أو مالية أو زمنية. في دراستنا، شمل ذلك سلوكيات مثل "يحدد المفاهيم أو التكنولوجيا أو الأفكار التي يجب تطبيقها" و"قادر على التعمق في فكرة ما لتحقيق القدر الأقصى من قيمتها وإمكاناتها".

وصف أحد القادة بأنه "يستطيع معرفة الحالات التي يحتاج فيها إلى الدخول في التفاصيل والإشراف على العمل مباشرة"، بينما وصف قائد آخر متمكن من الأسلوب القيادي المتعمق بأنه "مهتم جداً بالبحث والتحليل، حتى إنه يتدخل في التجارب الشخصية لبعض العملاء بهدف توسيع معارفه في مجال الأعمال. يبدأ بالعصف الذهني عندما يظهر الفريق اهتماماً حقيقياً".

يتطلب التمكن من الأسلوب القيادي المتعمق التحلي بالانضباط الذاتي الكافي لتطوير الفكرة إلى أن تولد النتائج، ومقاومة الرغبة في التخلي عنها عند ظهور الفرص الجديدة. وصف مشارك في الدراسة قرينه، وهو قائد متمكن من الأسلوب الاستكشافي وليس متمكناً من الأسلوب المتعمق، بأنه "منفتح الذهن وذكي ولديه فضول لتعلم الموضوعات الجديدة ويتمتع بالقدرة على فهمها بسرعة"، ولكنه ليس ماهراً في "متابعة التفاصيل". يحتاج هذا القائد إلى التركيز على فكرة محددة فترة كافية حتى تنضج بما يكفي لتظهر قيمتها، وتعتمد هذه القدرة على مهارات أساسية مثل التركيز المستمر والتفاني الذي لا يتزعزع والاهتمام الحقيقي بالمفهوم قيد التطوير.

التوسع ثم التعمق

لاحظنا أن القادة الذين يحققون النجاح الأكبر في فترات الزعزعة الرقمية اتبعوا سلوكيات القادة المستكشفين والمتعمقين على شكل سلسلة من الخطوات المتكررة، ووصفوا العملية بأنها تنطوي أولاً على توسيع المنظور لمعاينة الوضع الراهن وتحديد المجالات الملائمة لاستثمار الموارد، ثم التعمق وبدء الاستثمار، ثم إعادة معاينة الوضع الراهن للتحقق من حدوث أي تغير ومن ضرورة إعادة الاستكشاف.

في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبحت موازنة مواضع التعارض بين أسلوبي التعمق والاستكشاف القياديين أهم من أي وقت مضى. يتطور مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي بوتيرة أسرع بكثير من وتيرة الموجات الرقمية السابقة، كما أن فجوة الأداء بين الشركات الرائدة والشركات المتأخرة تتسع بالفعل. قد يؤدي الامتناع عن الاستكشاف إلى التأخر في استثمار الفرص أو تفويتها تماماً، بينما قد يؤدي الامتناع عن التعمق إلى فقدان القيمة أو إيقاف المشروعات قبل أوانها بسبب غياب الدعم أو عدم التوافق بين المنتج والتكنولوجيا. من ناحية أخرى، قد تكون فوائد الاستخدام السليم للتكنولوجيا المزعزعة مثل الذكاء الاصطناعي كبيرة.

كيف تستطيع المؤسسات ضمان أن يتبع قادتها أسلوبي التعمق والاستكشاف في آن معاً؟

يعتمد أحد النهج على تدريب القادة على المهارات والسلوكيات التي تتيح لهم أن يكونوا مستكشفين ومتعمقين في آن واحد. على سبيل المثال، عملنا مع مدير تنفيذي كان متعمقاً متمكناً ولكنه واجه صعوبة في التفكير خارج نطاق تركيزه المباشر، وهي مهارة ضرورية للتمكن من الأسلوب الاستكشافي. ساعدنا هذا القائد على اتباع بعض العادات البسيطة ولكن الضرورية لتحريره من قيوده الذهنية، مثل قراءة مقال واحد يومياً حول موضوع خارج مجال تخصصه الأساسي وتحديد اجتماعين شهرياً مع أشخاص من خارج مؤسسته ولكن لهم علاقة بقطاعه.

إحدى الطرق البديلة هي توظيف الفرق التي تضم قادة مستكشفين وقادة متعمقين على نحو متعمد، إذ يكتشف المستكشفون الفرص والتهديدات في الوسط المحيط، بينما يفحص المتعمقون هذه الاكتشافات ويتعمقون فيها أكثر.

يشير بحثنا إلى أن القادة الأكثر فعالية يتبعون أسلوباً قيادياً هجيناً ومهماً جداً؛ إذ يتمتعون بحب الاستطلاع الذي يدفعهم للبحث عن التوجهات والتكنولوجيا الناشئة على نطاق واسع، وبانضباط كاف يتيح لهم متابعة التوجهات الواعدة بعمق حتى اكتمالها. لا يلاحق هؤلاء الابتكارات الجديدة ثم يستسلمون قبل أن تولد النتائج، كما أنهم لا يحصرون تركيزهم في مجال ضيق يمنعهم عن استثمار الفرص التحويلية.

توصل فريق عدنان في النهاية إلى توازن مناسب؛ إذ لم يتخل عن أسلوبه المنهجي بالكامل، بل دعمه بممارسات الاستكشاف الموجهة التي ضمنت اطلاعه على الإمكانات الناشئة. من خلال موازنة التعارض بين الأسلوب الاستكشافي والأسلوب المتعمق، حول الفريق عملياته التي كانت جامدة إلى نظام تكيفي يمنحه القدرة على تحديد الفرص في القطاع الرقمي والاستفادة منها.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي