أربعة أخطاء إدارية تسبّبت بها المعارف الحديثة

6 دقائق
أخطاء إدارية

في هذا العالم الجديد الذي أزالت فيه أماكن العمل جدرانها، يجري العمل في العقول بدل المصانع، وفي مساحات العمل المفتوحة بدل المكاتب الخاصة، وفي مباريات كرة القدم والشواطئ والمقاهي بالإضافة للمقرات الرئيسة للشركات. ومع هذا فقد اكتشفتُ خلال عملي مع عملائي الكثير من الأفكار القديمة عن إدارة الوقت التي لا تأخذ هذا الواقع الجديد في الحسبان. هناك بشكل خاص أخطاء إدارية تتكرر مراراً وتكراراً.

أربعة أخطاء إدارية تسبّبت بها المعارف الحديثة

موظفوك أصبحوا بسببك، لكن عن غير قصد، متعلّقين ببريدهم الإلكتروني

هل استخدام البريد الإلكتروني للاتصالات المستعجلة والتي تحتاج رداً سريعاً هو أمر شائع في شركتك؟ هل تتوقع رداً فورياً على رسائل البريد الإلكتروني؟ وحتى لو لم تكن تتوقع استجابة فورية، هل يعتقد موظفوك ذلك؟ هل يعتقدون أن الاستجابة السريعة ترضيك أكثر؟ هل يُصاب الموظفون بالإحباط عندما لا يجيب الآخرون في المؤسسة على رسائلهم فوراً؟

إن أجبت بالإيجاب على أي من هذه الأسئلة فلعلك خلقتَ، أو سمحتَ، عن غير قصد بثقافة تجبر الموظفين دوماً على ترك بريدهم الإلكتروني مفتوحاً يُحمّل الرسائل الجديدة وتتسبب في تشتت انتباههم مع كل رسالة جديدة تصلهم -سواء قرروا الرد عليها أم لا. يجعل هذا الوضع الموظفين في حال تأهب دائم طوال اليوم ويمنعهم من ترتيب أولويات عملهم بشكل مدروس ومتأنٍ فينجم عنه تنقّل مستمر من مهمة إلى أخرى.

اقرأ أيضاً: 3 أخطاء يجب تجنبها عند إقامة العلاقات مع الآخرين.

يمكنني القول بمنتهى الثقة أن في شركتك على الأقل بعض الأعمال التي تتطلب تركيزاً لأكثر من دقيقتين. تُظهر الدراسات أن التنقل المستمر بين المهام يعني أن إنجازها سيستغرق وقتاً أطول وأن الجودة الناتجة ستكون أقل. كما يجعلنا القفز المستمر من مهمة لأخرى أكثر عرضة لارتكاب الأخطاء ويزيد احتمال أن تفوتنا معلومات وإشارات مهمة، بينما سيقل من ناحية أخرى احتمال احتفاظنا بالمعلومات في ذاكرة التشغيل لدينا فيُعاق الابتكار وحل المشكلات.

عليك إشراك فريق قيادة شركتك في الأمر بجعلهم يساعدونك على وضع حد لاستخدام البريد الإلكتروني للمعلومات المستعجلة والتي تتطلب رداً سريعاً. خصِّص منصات اتصال أخرى مثل الهاتف والرسائل النصية لهذا النوع من المواقف. احرص على أن فريقك يعرف أن رسائلك التي ترسلها بالبريد الإلكتروني لا تتطلب منهم استجابة فورية وأن بإمكانهم إغلاق بريدهم الإلكتروني والعمل دون اتصال بالإنترنت دون خوف للتركيز على عملهم وإنهاء الأعمال المهمة المطلوبة منهم. سيساعد دعمك لسياسة المهمة الواحدة على تقليل شعور التبعثر وتشتت الانتباه لدى موظفيك، وبالنتيجة خفض التوتر لديهم وجعلهم أكثر تركيزاً.

هناك طريقة أخرى لتوفير هذا النوع من الدعم لموظفيك وذلك بمنحهم هدية تواجدك معهم من خلال إغلاق حاسوبك المحمول والابتعاد عن هاتفك الذكي عندما تجتمع معهم أو تتحدث إليهم. شجع عادة "الاجتماعات الخالية من التكنولوجيا" قدر الإمكان. ستساعد كل هذه العادات موظفيك على التأمل والتركيز أكثر، وبفعلك هذا أنت تجعل من هذا السلوك نموذجاً يحتذى به وتشجع على نشوء ثقافة تحتفي به، وهو ما سيعود بالفائدة على الأفراد والمؤسسة على حد سواء.

اقرأ أيضاً: تعرف على الأسئلة التي تبني العلاقات القوية مع الآخرين.

التطبيق الخاطئ لنظام المساحة المفتوحة في المكاتب

المعلومة الوحيدة التي لا جدال حولها عن نظام المساحة المفتوحة للمكاتب هي أنها تقلل المساحة التي تحتاجها الشركة لمكاتبها. يرى أنصار هذه السياسة أنها تعزز أيضاً من التعاون والابتكار، بينما يرى معارضوها أنها تزيد التوتر وتقلل التركيز والتحفيز والأداء المعرفي. هناك في الواقع دراسات تدعم كلا الموقفين، لعل ذلك يعود إلى أن التطبيق السيء لنظام المساحات المفتوحة أكثر انتشاراً من تطبيقه بالشكل الصحيح.

على أي حال تبقى هذه الدراسات مفيدة على الرغم مما تحويه من تناقض. فهي تظهر أن أكبر حسنات هذا النظام تأتي من فرصة التعاون والاختلاط وتخفيف التوتر التي تمنحها للموظفين، كما أن زيادة الضوء الطبيعي في المكتب وإمكانية الوصول للنوافذ من المزايا الإضافية لنظام المساحة المفتوحة. يمكنك استخدام النصائح التالية عند العمل بنظام المساحة المفتوحة:

  • أنشئ مساحات أشبه ما تكون بتلك التي في المقاهي مع مقاعد مريحة منسَّقة في مجموعات صغيرة.
  • خصّص مساحات "صاخبة" مع طاولات لعب أو مساحات لإجراء النقاشات الأكثر حماساً وتفاعلاً.
  • خصص أماكن للجلوس في الخارج.
  • استخدم طاولات محمولة على عجلات تمنح الموظفين "نطاقهم" الخاص والذي يمكنهم تحريكه في أرجاء المكان بحسب ما يملي عليهم عملهم أو مزاجهم.
  • استخدم الجدران الزجاجية.

من ناحية أخرى، تشير معظم الدراسات إلى الضجيج وتشتيت التركيز وفقدان الموظفين للخصوصية كبعض أكثر العوامل السيئة في هذا النظام. لذا احرص على أن نظامك يتعامل مع هذه القضايا أو قم ببعض التغييرات الآن لإصلاحها. إليك هنا بعض الاقتراحات لأخذها بالاعتبار:

  • أثاث خفيف يمتص الضجيج بدل تضخيمه.
  • نظام صوت للضجيج الأبيض (white noise).
  • نوافذ مموهة أو جدران زجاجية مزخرفة بدل الزجاج الشفاف.
  • مساحات مختلفة تناسب مختلف أنواع العمل: وازن بين المساحات المفتوحة للعمل التعاوني والمساحات الهادئة للأعمال التي تتطلب تركيزاً.
  • أدخل مساحات خاصة لكل موظف يمكنه فيها حفظ أية متعلقات شخصية.
  • جيوب للخصوصية يمكن للأشخاص فيها الرد على المكالمات، وتخدم بهذا الغايتين معاً من توفير الخصوصية ومنع إزعاج الآخرين.
  • رفوف أو أية فواصل على أن تُختار مواقعها بعناية.

عدم التنبه لتأثير التغذية والطاقة على العمل المعرفي

إن كانت مخرجات شركتك تأتي نتيجة لعمل معرفي –أي العملٌ الذي يعتمد على التفكير بشكل أساسي- فإنَّ مستويات الطاقة المتوفرة لدى فريقك على مدى اليوم عاملٌ فاصلٌ في نجاحهم. أنا أرى في معظم الحالات وضعين يتضمنان تأثيراً على الوقود الذي تحتاجه عقول الموظفين ويشكلان فرصة يغفل عملائي عن الاستفادة منها للتأثير إيجاباً على إنتاجية منظماتهم: الطعام المقدّم في الاجتماعات، ومطبخ المكتب.

صحيح أنَّ التغذية السليمة تبدأ من المنزل، إلَّا أنَّ بإمكان القيادة التأثير جدياً على أداء الموظفين المتواجدين في مواقع العمل أثناء ساعات الدوام. فبالإضافة لدورها المضر بالصحة على المدى البعيد، تتسبب تقلبات مستويات الطاقة (التي تسببها الارتفاعات والانخفاضات الحادة في مستويات السكر في الدم) خلال يوم العمل في تشتيت الانتباه وإعاقة التركيز والانتباه وتؤثر على الأداء. مثلاً، عادةً ما تتضمن اجتماعات العمل أطعمة تحوي نسباً مرتفعة من الكربوهيدرات والسكر المعالَج الذي يسبب ارتفاعاً حاداً بالجلوكوز في الدم ومن ثم انخفاضه انخفاضاً حاداً أثناء ساعات الصباح، ومن هنا فإن استبدال الدونات والصّمون بسندويشات البيض ولبن الزبادي (الأطعمة البروتينية والقليلة السكر) قد يساعد في منع هذه التأرجحات العنيفة في جلوكوز الدم.

لا ينطبق هذا فقط على اجتماعات الصباح، بل يتعدّاه إلى الأطعمة الخفيفة بعد الظهيرة أيضاً. ستسدي خدمة كبيرة للجهود التي يبذلها فريقك لإدارة مستويات الطاقة طوال اليوم إذا قمت بتوفير الأطعمة الخفيفة الصحية في غرفة الاستراحة بدل تلك الأطعمة العديمة القيمة الغذائية المتوفرة من ماكينات البيع الآلي والدكان بجوار الشركة. من هذه الأطعمة الصحية قطع الجزر الصغيرة أو الحمّص أو المكسرات أو الفواكه أو قطع الجبن المكعبة أو القابلة للدهن أو أصابع الجرانولا الطبيعية.

استثمر أيضاً في نظام لتنقية مصدر الماء في المكتب، وحاول ملء البراد بالمياه المعدنية والطبيعية والشاي الغير محلّى بدل الصودا لأن الماء يمنع التجفاف في الجسم (وهو أمرُ هام في التغذية) وله تأثير على مستويات السكر في الدم.

يمكن للمصادر الصحية للطاقة المستدامة للعقل تحسين الإنتاجية بنسبة تصل حتى 20 بالمئة.

عدم تهيئة الموظفين للعمل عن بعد بنجاح

العمل من المنزل موضة آخذة بالانتشار بسرعة، ولها مبرر قوي. حيث يساعد هذا النمط من العمل شركتك في توفير المال الذي تنفقه على العقارات وصيانة مبنى العمل والبنية التحتية للمكتب، كما أنها قد تجعل الموظفين أكثر رضاً بفضل المرونة التي تمنحهم إياه وما توفره عليهم من وقت يقضونه في المواصلات. حتى وإن كان لديك سياسة تنظم أمور العاملين عن بعد فقد لا تتنبّه لمواقع المشاكل المحتملة التي تظهر عندما يبدأ موظفوك بالعمل من المنزل. وكما هو الحال في نظام المساحة المفتوحة للمكاتب لا يقع الخطأ بالضرورة على السياسة المتبعَّة بل قد يكمن في تنفيذها. ففي أغلب الأحيان تنشأ حالات العمل عن بعد عضوياً عن غير سابق نية مما يتسبب بظهور أخطاء إدارية وبمشاكل للموظف العامل عن بعد وللقوى المحركة للفريق الذي يعمل معه.

اقرأ أيضاً: إظهار الضعف الإنساني يبني علاقات أوثق.

لا يزال بعض المدراء يرون أن الواجبات والمشاكل الشخصية ستلهي الموظفين عن العمل إن هم عملوا من المنزل وأنهم سوف يتقاعسون إن غاب عنهم الإشراف المباشر، لذا احرص على أن هذه الافتراضات قائمة على أدلة ونتائج وليس على مجرد تحامل شخصي. يجب توضيح مؤشرات النجاح والاتفاق عليها مسبقاً، كما قد يحتاج المدراء للخضوع لتدريب على القيادة الفعالة للعاملين عن بعد. إلى جانب هذه المشاكل الإدارية، هناك مشكلة أخرى تتمثل في عدم استعداد الموظف للتعامل مع ملهيات العمل من المنزل أو عدم أهليته لنمط العمل عن بعد.
لزيادة فرص النجاح، خطط بروية مع الموظفين ومع المشرفين عليهم قبل بدء العمل عن بعد. يجب أن يغطي حديثك معهم المواضيع التالية وأن تتوصّل من خلاله لإجابات على كل الأسئلة الواردة هنا:

  • هل الموظف مؤهل للعمل عن بعد؟
  • هل الموظف من النوع الذاتي التحفيز والتوجيه؟
  • ما مدى نجاح الموظف في إدارة الملهيات؟ على الأغلب سيواجه الموظف الذي كثيراً ما يتفقد حسابه في فيسبوك أو ينجذب بسهولة لأحاديث زملائه في المكتب نفس المشاكل التي تشتت انتباهه عند العمل من المنزل.
  • ما نوع البنية التحتية التقنية المطلوبة لإبقاء الموظف على اتصال؟ هل الشركة وبيت الموظف مزودان بالبنية التحتية المطلوبة؟
  • هل يستطيع الموظف استخدام (أو تعلم) هذه الأدوات التقنية الضرورية للعمل عن بعد؟
  • كيف سيبدو شكل مكان عمل الموظف في المنزل؟ هل لديه مساحة خاصة للعمل تبعث على الإنتاجية؟
  • هل سيكون هناك أشخاص آخرون (خاصة الأطفال وغيرهم ممن يحتاجون إلى عناية) حاضرين في أوقات ساعات العمل؟
  • كيف يشعر زملاء الموظف ومديره حيال العمل عن بعد؟ يمكن لمعتقدات تقليدية مثل "الحاجة للتواصل وجهاً لوجه" والتحاملات الشخصية التأثير على المعنويات وعلى فعالية سياسة العمل عن بعد.
  • هل يحتاج العاملون عن بعد لأن يكون لهم تقييم مختلف لأدائهم عن ذاك المتبع مع العاملين من المكتب؟

تقدم هذه الأسئلة بداية جيدة لمعالجة التحديات التي قد تواجه الموظفين العاملين عن بعد.

إن تغيير وسائل التواصل وتحديث مساحات العمل في المكتب واستبدال الأطعمة الخفيفة وإعادة تقييم ظروف العمل، كل هذه أمور لا تتطلب تغييرات جذرية. إلا أنها كثيراً ما تتسبب في اكتشاف أخطاء إدارية ، وتظهر مواقع الخلل من تلقاء نفسها عضوياً بمرور الوقت عن غير عمد. يمكن لتوجيه بعض الاهتمام لهذه المشاكل وإعادة تقييم كل منها بنظرة جديدة أن يترك تأثيراً إيجابياً على الأداء والمعنويات والثقافة، وفي نهاية المطاف على الإنتاجية.

اقرأ أيضاً: 3 طرق لتحقيق الاستفادة القصوى من شبكة الخريجين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي