ليست عملية إدارة المشاعر العاطفية التي تصاحب الانتقال الوظيفي بالأمر الهين أو اليسير، بغض النظر عن موضعك في سلمك المهني. ولكن إذا كنت تريد أن تضمن لنفسك النجاح في الجانب الجديد من حياتك المهنية، فماذا يجب أن تفعل؟ كيف تتعرف على آثار الانتقال الوظيفي والجانب العاطفي لهذا الانتقال؟
أود أن أبدأ باعتراف شخصي: على الرغم من أنني تحدثت إلى العديد من المدراء حول التحولات الوظيفية على مر السنين، إلا إنني لم أمر أبداً بمرحلة انتقالية في حياتي الوظيفية حتى الآن.
لقد عملت على مدار السبعة وثلاثين عاماً الماضية خلال ترسيمي مستشاراً إدارياً في الشركة نفسها التي عملت بها بمجرد استكمال دراستي وتخرجي في الجامعة مباشرة. رحت أتنقل وأترقى في الشركة من مبتدئ إلى شريك إلى شريك إدارة منتدب، لأصل في نهاية المطاف إلى شريك أول. لكنني وقبل عدة سنوات، بدأت أفكر في خطوتي التالية، ومتى ينبغي أن تأتي تلك الخطوة التالية. عندما نأخذ كل الأمور في الاعتبار (الاهتمامات والمصالح والعمر والصحة والشؤون المالية)، حينها بدا لي أنه حان الوقت المناسب للغيير.
البقاء في العمل مع شركة واحدة طوال حياة المرء المهنية أمر غير اعتيادي وسط التطورات الوظيفية المتتابعة مع معدلات الحياة والأعمار التي صارت أطول. ومع ذلك، فإن الرحلة العاطفية التي مررت بها خلال هذه المرحلة الانتقالية في حياتي المهنية، كانت رحلة يواجهها كثير من الناس ويمرون بها عندما ينتقلون من تلقاء أنفسهم من وظيفة إلى أخرى أو عندما يغيرون مهنتهم أو يبدؤون مرحلة جديدة من حياتهم المهنية. لقد عملت مع مئات الأشخاص على مر السنين ممن مروا بهذه العملية، وها قد وجدت نفسي أجربها أيضاً، ولاحظت ثلاث مشكلات عاطفية رئيسة يجب معالجتها لتحقيق النجاح.
عقبات الانتقال الوظيفي على المستوى الذاتي
العقبة الأولى هي الإحساس بالذنب بشأن ترك جهة التوظيف السابقة أو المهنة السابقة. فترك الوظيفة وجهة العمل يمكن أن يبدو بمثابة الخيانة بالنسبة لك إذا كنت قد أقمت علاقات قوية مع الأشخاص الذين عملت معهم، وإذا كانت الشركة قد استثمرت أموالاً في تطويرك وظيفياً. أخبرني العشرات من المدراء عن رفضهم قبول فرص وظيفية جديدة لأنهم لم يريدوا ترك جهة العمل الحالية التي يعملون بها، ولا زملاءهم في العمل في تخبط. كما انتابني خلال الأشهر القليلة الماضية قلق آخر وهو ماذا ستفعل الشركة من دوني حال تركي للعمل بها، وما إذا كنت سأضع زملاء عملت معهم سنين طويلة في موقف صعب بمغادرتي للعمل في الشركة. وحتى لو لم تكن وظيفتك القديمة مرضية لك تماماً، أو إذا كنت تتعرض لمعاملة سيئة، فربما تجعل الصلات والارتباطات بينك وبين زملائك وعملائك المغادرة أمراً صعباً على نفسك.
ولكن في الواقع يجب أن تكون أنانياً بعض الشيء عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات تتعلق بالتحولات في حياتك المهنية. من الطبيعي أن تهتم بالآخرين أو أن تشعر بالامتنان تجاه الأشخاص الذين ساعدوك، والمؤسسات التي استفدت منها في حياتك المهنية. ولكن لا ينبغي أن يكون هؤلاء وأولئك حائلاً بينك وبين إجراء تحولات في حياتك المهنية ترى أنها صحيحة ومناسبة لك.
أما التحدي العاطفي الثاني فيتمثل في تعديل هويتك الشخصية وشعورك بذاتك. وفقاً لمؤسسة "غالوب" (Gallup) للاستشارات والتحليلات، فإن 55% من الناس في الولايات المتحدة يعرّفون أنفسهم حسب وظائفهم، بدلاً من اعتبار ما يقومون به من عمل مجرد وسيلة لكسب لقمة العيش. وعليه، ففي حال تغيرت وظيفتك أو مهنتك، سوف يتعين عليك على الأرجح تعديل صورتك الذاتية أيضاً.
يريد الناس أن يحظوا بالاحترام والشرف من جانب الآخرين على ما هم عليه بكل ما لهم وما عليهم، وتعتبر المهنة أو الوظيفة التي يشغلها الشخص جزءاً كبيراً من تلك الصورة. كما يريدون أن يشعروا بأن عملهم له أهميته ومغزاه وتأثيره الإيجابي. هذا أحد الأسباب، على سبيل المثال، أن 4.5 مليون شخص ممن تتراوح أعمارهم بين 50 و70 عاماً تحولوا إلى ما يُسمى "وظائف الاستعادة" (Encore Careers)، والتي تستفيد من المهارات التي اكتسبوها من مهنتهم الأولى واستخدامها كوسيلة لمساعدة الآخرين خلال عملهم في المهنة الثانية التي تحولوا إليها. على سبيل المثال، قام أحد المدراء التنفيذيين في المنظمة غير الربحية "يونايتد واي" (United Way) والتي عمل فيها لفترة طويلة، باستثمار خبرته التي اكتسبها في مجال الخدمة الاجتماعية ليصبح ضابط شرطة ثم رجل مباحث في سن الخمسين. وبالمثل، أنشأت طبيبة متقاعدة مشروعاً للطبابة عن بُعد من شأنه أن يتيح لها، وكذلك لأطباء آخرين متقدمين في السن، المساهمة بمهاراتهم الطبية في المجتمعات التي تعاني من نقص الخدمات الطبية.
في حالتي هذه، دائماً ما كنت أقدم نفسي للآخرين بصفتي "مستشاراً إدارياً" أو "شريكاً أول" في الشركة، وينم المسميان الوظيفيان كلاهما عن خبرة مهنية ونوع المنزلة المهنية بالنسبة لي. أحتاج الآن إلى طريقة مختلفة ليس فقط لوصف ما أقوم به، ولكن أيضاً لنقل شعوري حيال ما أقوم به. في الوقت الحالي، أتحدث إلى الناس قائلاً إنني متحمس لأن أصبح "شريكاً فخرياً"، وهو ما يقودني إلى الدخول في حوار حول حقيقة أنني سأترك شركتي للتركيز على بعض مجالات التأثير الاجتماعي (مثل الرعاية الصحية والابتكار) - لكنني (لا سمح الله) لن أتقاعد.
أما العقبة العاطفية الثالثة فهي التخلي عن الأنماط والعادات القديمة التي كانت مثمرة في مرحلتك المهنية السابقة، ولكنها ربما لا تكون كذلك في المرحلة التالية. نتعلم جميعاً كيف نتعامل في بيئات عمل معينة ونتماشى معها بنجاح - كيف نرتبط بالمحيطين بنا وكيف نرتدي وماذا نرتدي من ملابس وكيف نتصرف وما يمكن أن نتعامل معه ببعض الحذر ونخضعه للمناقشة وما ينبغي قبوله والتسليم به وما إلى ذلك. ومع ذلك، عندما نتحول إلى بيئة جديدة تتلاشى من أمامنا جميع تلك الخيارات. يتعيّن علينا أن نسبر أغوار كل شيء من جديد لنعرف كيف نتصرف فيه.
من شأن آثار الانتقال الوظيفي هذه أن تكون مرهقة وشاقة. فكل منا يرتبط بعاداته الشخصية والروتينية لأن هذه العادات توفر لنا قدراً معيناً من الراحة النفسية والارتياح. وقد تبدو بعض هذه العادات والأمور الروتينية تافهة (على سبيل المثال، توفير الوقت لاحتساء قهوتك في طريق العمل)، في حين أن البعض الآخر من الأشخاص يفعلون ما هو أكثر (على سبيل المثال، أن يكونوا جزءاً من فريق صغير يلتقي يومياً). في كلتا الحالتين، فإن التمرد على التقاليد البالية والانسلاخ منها وأنت تتكيف مع واقعك الجديد يمكن أن يبدو وكأنه حداد على فقدان حبيب لديك. وفي حالتي أنا، فإنني أحاول عن عمد العمل من المنزل، بدلاً من استخدام مكتبي القديم، كطريقة للإشارة إلى نفسي وإلى زملائي إلى أن حقبة جديدة من عمري قد بدأت.
اقرأ أيضاً: زيادة الإنتاجية في العمل
خطوات للنجاح في عملية الانتقال الوظيفي
إليك خطوتان يمكنك القيام بهما لتجاوز آثار الانتقال الوظيفي ولتضمن لنفسك النجاح في الجانب الجديد من حياتك المهنية:
أولاً، فكر جيداً وبقصد فيما سوف يحقق لك الرضا في وظيفتك التالية أو في المرحلة التالية من حياتك المهنية. ضع في اعتبارك شؤونك المالية، ونوعية حياة العمل، وفرص البحث عن معنى ومغزى لعملك، وحرية الاختيار فيما يتصل بالنمو الشخصي، والمرونة فيما يتصل بالوقت الذي تخصصه للأسرة، والمساعي التي تبغي تحقيقها خارج نطاق العمل، وأي شيء آخر يمثل أهمية بالنسبة لك. إنك تريد في الأساس أن تجمع سجلاً متوازناً خاصاً بك فيما يتصل برغبتك في تحقيق الرضا الوظيفي واستخدام ذلك السجل لمساعدتك في اتخاذ قراراتك وصياغة المرحلة التالية من حياتك.
ثانياً، قبل القفز نحو خطوتك التالية، فكر في الأشياء الأخرى التي يمكنك القيام بها للتحضير للتحول الوظيفي - ما الذي من شأنه أن يجعل عملية التحول أكثر سلاسة؟ عندما أطبق الأمر على حالتي، فإنني لمّا بدأت أفكر في الانخراط في عمل آخر خلاف أنني مستشار متفرغ بدوام كامل، أمضيت عدة أشهر خلال ترسيمي "مديراً تنفيذياً مقيماً" في كلية لإدارة الأعمال كوسيلة لاختبار كيف ستبدو الأمور حال قيامي بعمل آخر غير الذي اعتدته.
وفي نهاية الحديث عن آثار الانتقال الوظيفي ، إن بيت القصيد هنا هو أن التحول الوظيفي ليس بالضرورة أن يكون في هيئة "قفزة" - فيمكن أن يتم في سلسلة من الخطوات المدروسة التي تعالج خلالها القضايا العاطفية وليس فقط القضايا العملية المتعلقة بعملك السابق وتحولك الوظيفي والمهني القادم.
اقرأ أيضاً: السيكولوجية العكسية