كيف تحقق الانخراط في العمل وليس مجرد الرضا الوظيفي

5 دقائق
زيادة انتاجية الموظفين
29532635 - high angle view of business people fixing jigsaw pieces over white

يشتكي بعض رواد الأعمال وأصحاب الشركات في الوطن العربي كثيراً من تدني إنتاج العاملين لديهم، وضعف التزامهم في الرفع من جودة المنتوج أو الخدمة المقدمة للزبون. وتتجلى النصائح التي تُقدم من الشركاء أو أعضاء مجلس الإدارة وحتى مكاتب الخبرة في وضع نظام للرفع من الرواتب والتحفيزات المادية من أجل زيادة إنتاجية الموظفين. ووضع مساطر لتقييم عمل الموارد البشرية بحيث يستفيد العاملون من هذا النظام، وذلك حين يرفعون من جودة وحجم المنتوج أو الخدمة. وتُعتبر هذه النصائح هامة من أجل زيادة إنتاجية الموظفين، ويجب ألا يستهان بقيمتها وتأثيرها على سلوك العاملين والمتعاونين، ولكنها غير كافية للوصول إلى انخراط كلي من طرف الموارد البشرية العاملة في شركة معينة.

طرق تحسين إنتاجية الموظفين

خلصت الدراسة التي أنجزها فريدريك هيرزبرغ قبل 60 سنة حول زيادة إنتاجية الموظفين، والتي ما زالت نتائجها صالحة حتى الآن، إلى أن تدني الرواتب ومشاكل النظافة وغياب الشروط المناسبة للعمل والإنتاج كلها مجتمعة تؤدي إلى عدم رضا العاملين. بينما تحسين الرواتب وشروط النظافة والعمل تؤدي فقط إلى رضا العاملين، ولا تؤدي بالضرورة إلى انخراطهم الكامل ومضاعفة المجهود من أجل الرفع من الإنتاجية أو الجودة. وحسب هيرزبيرغ، يُعتبر التطور الشخصي والنمو في العمل والإحساس بالمسؤولية واعتراف الرؤساء بعملهم وإنجازاتهم وتحقيق العاملين لذاتهم في العمل هو ما يحفز العاملين. إذ إن هذه الأمور نفسية ولكنها أساسية، وحاسمة للرفع من حجم وجودة المنتوج والخدمات المقدمة للزبون.

اقرأ أيضاً: ما مدى انخراط فريقك في العمل؟

فهم الاحتياجات الأساسية للموظفين هو واحد من سبل زيادة إنتاجية العمال

وتجدر الإشارة إلى أن دراسة هيرزبيرغ حول زيادة إنتاجية الموظفين اعتمدت في جانبها العلمي على نظرية أبراهام ماسلو عالم النفس الأميركي، والذي حدد في أواسط الأربعينيات من القرن الماضي منظومة تراتبية للحاجيات الأساسية المتعلقة بالإنسان بدءاً من الحاجة الفيزيولوجية للطعام والماء، مروراً بالحاجة إلى الأمن والأمان (تحت سقف بيت مثلاً)، تليها الحاجة للانتماء إلى عائلة أو قبيلة أو مجموعة معينة، وبعدها الحاجة إلى التفوق والإنجاز، وأخيراً الحاجة المثلى وهي تحقيق الذات. حيث ترجم منظّرو التدبير وعلم النفس وريادة الأعمال هذه التراتبية إلى هرم يعكس نوعاً من السببية والصرامة في الانتقال من مستوى إلى آخر، لكن كما تبين دراسة هيرزبيرغ أن هذا الأمر غير صحيح، حتى في بعض الأعمال التي أُنجزت خلال السنوات القليلة الماضية.

في غضون معرفة سبل زيادة إنتاجية العمال بشكل صحيح، تعني التراتبية حسب ماسلو بأنها القيمة التي يعطيها الأفراد لهذه الحاجات. فنرى أفراداً يزهدون في الطعام والحاجة إلى الأمن من أجل تحقيق الذات، على سبيل المثال: شخص يترك بلده وعائلته ويتطوع في حرب ما، أو ينتقل إلى جبهة قتال للعمل صحفياً، أو يترك منصباً يغدق عليه دخلاً مريحاً ليكرس نفسه للفن أو التدريس براتب زهيد.

تحديد الحاجات الشعورية

لهذا ينصح منظّرو التدبير والموارد البشرية من أمثال سوزان ديفيس وغيرها، رواد الأعمال بالتركيز على ما يسمى بالحاجات الشعورية، أي الحاجة إلى أن تكون مرغوباً ومحترماً من طرف زملائك ورؤسائك كأحد سبل زيادة إنتاجية العمال وهذا يتطلب فهماً دقيقاً لحاجية مهمة لم يتطرق لها ماسلو أو هيرزبيرغ مباشرة، ولكنها موجودة بشكل مضمر في أعمالهما ألا وهي المعنى. إذ ركزت جانيت شاو على هذا المفهوم السيكولوجي لأنه بالنسبة لها أساس سلوك الأفراد في العمل والحياة. من الناحية العملية، يعني هذا أن العاملين سينجزون مهامهم بشكل أفضل وبجودة أكبر إذا تحقق طموحهم في إعطاء معنى لحياتهم وعملهم.

اقرأ أيضاً: الموازنة بين احتياجات الشركة ورضا الموظفين

الاعتراف بتحقيق الإنجازات

وفي رأيي، يتحقق المعنى الحقيقي لموضوع زيادة إنتاجية الموظفين حين يرى العاملون أن إنجازاتهم ملموسة في الزمان والمكان، ونجاحاتهم تتوالى بتوالي اشتغالهم اليومي. حيث تتحدث تيريزا أمابيل وستيفن كرايمر عن مسلسل النجاحات الصغرى باعتبارها مصدراً من مصادر تحفيز العاملين، أي أن هؤلاء غالباً لا يهتمون بالأهداف الكبيرة والقضايا بعيدة المنال، ولكن يهتمون بإنجازاتهم الصغيرة التي تعرف بداية ونهاية. لهذا أنصح رواد الأعمال على تقسيم العمل إلى مشاريع صغرى. حيث يتم الانتهاء من مشروع ما في مدة وجيزة، ويتم شكر من قام بالعمل والاعتراف بقدراته وإنجازاته قبل المرور إلى مشروع آخر. بهذه الطريقة يجد العاملون أنهم ينجزون ويُجازون قبل المرور إلى مرحلة أخرى من الإنجاز.

تعزيز دور رواد الأعمال

ويُعتبر دور رواد الأعمال محورياً فيما يتعلق بتحفيز العاملين والمتعاونين. إذ تدور ريادة الأعمال حول وضع تصور لنمو الأعمال وقيادة فرق العمل وتشجيعها من أجل التقدم نحو هذه الرؤيا المستقبلية. ويقتضي هذا وضع توقعات معقولة وواقعية لعمل كل فرد داخل الشركة. وتتعلق هذه التوقعات بالإنجاز. وتستطيع عن طريق توقعاتك كرائد أعمال أن تجعل العاملين معك ناجعين وجديين وملتزمين. كما تعلمنا من تجربة جانيت إليوت “العيون الزرقاء والعيون البنية” فإن العاملين (مثلهم مثل الأطفال والأحداث في المدرسة وفي البيت) يحاولون التطلع إلى مستوى توقعاتك الإيجابية عنهم أو ينحدرون إلى الأسفل، أي إلى مستوى توقعاتك السلبية عنهم. ولكن لا يكفي أن تكون لك توقعات إيجابية عن الذين يشتغلون معك، فعليك أن تعطيهم الوسائل لتحقيق هذه التوقعات وتحقيق أهدافهم الشخصية والمهنية.

اقرأ أيضاً: بحث: التحول للإدارة يزيد مستوى الرضا الوظيفي لدى الرجال وليس النساء

كما تعني الريادة كذلك الاعتراف بوجود اختلاف في التكوين والكفايات والتجربة المهنية والحياتية لدى العاملين. إذ تفترض نظرية الموارد البشرية أنه على العاملين أن يكونوا سواسية وعلى مقاس قوالب جاهزة، لكن لم تعد هذه الافتراضات صالحة في وقتنا الحاضر، ذلك لأن تدبير الاختلاف أساسي لمعرفة كفايات العاملين وتوقعاتهم. ولهذا هناك الكثير من الشركات تلجأ إلى وضع بروفايلات خاصة بالمستخدمين وكفاءاتهم لمعرفة طاقات كل واحد على حدة والتعامل معهم في بيئة العمل على هذا الأساس.

هناك نوع من رواد الأعمال أيضاً يذهب إلى تحديد النموذج النفسي لكل مستخدم، لكي يتم بعد ذلك تحديد سلوكه المنتظر في مواقف معينة، وتحديد كيفية تشجيعه لينجز وينتج أكثر. حيث استعملت مارينا فانينغ، مؤسسة “الأنظمة الدولية للتدبير” النماذج السلوكية التي طورتها مايرز بريغز في تدبير الموارد البشرية وحل النزاعات وتشجيع العاملين وتحفيزهم. إذ كانت مارينا فانينغ تشجع المشتغلين معها على اجتياز اختبار بريغز ومايرز لكي تكون لها معرفة دقيقة بالنموذج النفسي الذي ينتمون إليه. وتفوقت فانينغ في جعل مؤسستها من المؤسسات الناجحة في ميدان التنمية الدولية.

الاهتمام باختلافات النوع الاجتماعي

من جانب آخر، ينصح منظرّو التنوع داخل الموارد البشرية الأخذ باختلافات النوع الاجتماعي، والانتماء العرقي والثقافي والديني، وقضايا الإعاقة والوضع الاجتماعي والعائلي للعاملين وانتمائهم لمجموعات سوسيولوجية معينة في مسألة التحفيز وتشجيع العاملين على الانخراط أكثر في دورة الإنتاج. يرى تريفور ويلسون بأن التنوع الثقافي والسوسيولوجي ثروة إذا قيّمها رواد الأعمال وأوجدوا استراتيجية مندمجة تتوخى التجاوب مع حاجيات المجموعات. فحين يرى العاملون بأن اختلافهم يُؤخذ بعين الاعتبار سيُعبّرون عن ذلك خلال الرفع من الإنتاج والجودة، ودفع الزبون إلى إعادة استهلاك المنتوج أو الخدمة المقدمة. ويُعتبر هذا مستوىً متقدماً من تدبير الموارد البشرية وأساسي لريادة الأعمال ذات الموارد المتنوعة عرقياً وثقافياً، خصوصاً في دول الخليج العربي.

وفي نهاية الحديث عن زيادة إنتاجية الموظفين، تشهد ريادة الأعمال في العالم العربي تحولاً كبيراً في تركيبتها (من أعمال عائلية أو تقليدية إلى أعمال منظمة تنظيماً عصرياً)، وهذا التحول يتطلب الرفع من تنافسيتها على المستوى القطري والدولي في عالم يعرف عولمة مضطردة وتداخلاً أكثر في عوامل التمويل والإنتاج والتسويق. لهذا وجب عليها أن تطور من مهارات العاملين بها، من أجل الإنتاج بسرعة وجودة عالية. فمن أدرك كيف يجعل المستخدمين ينخرطون أكثر ويلتزمون أكثر، سيمتلك مفتاح المستقبل فيما يخص تنافسية الشركة التي يسيّرها. ويعتمد الأمر كله على قدرة رائد الأعمال في أن يكون رائداً منفتحاً لاعتماد مقاربة متجددة ومناسبة للعصر، حاضراً ومستقبلاً من أجل زيادة إنتاجية الموظفين.

اقرأ أيضاً: رفع كفاءة الموظفين

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .