لماذا يجب على القادة تشجيع ثقافة الاختلاف معهم؟

5 دقائق
غرفة الصدى

ملخصيدرك القادة على نطاق واسع أهمية إنشاء ثقافة توفّر عنصر الأمان النفسي وتشجّع الصراحة، بيد أنهم لا يدركون الأثر السلبي لسلوكياتهم الشخصية التي قد تبدو هيِّنة ولكنها تقف عقبة كؤوداً تحول دون تحقيق هذه الغاية. وتستعرض كاتبة المقالة بعض السلوكيات التي قد لا يعيرها القادة انتباههم ولكنها توصد الباب أمام وجهات النظر المخالفة، وتقدِّم في الوقت ذاته إرشادات حول ما يجب فعله لتفادي هذه الظاهرة. وسيساعدك اتخاذ هذه الإجراءات على الخروج من فقاعة التوافق في الرأي التي يقبع فيها الكثير من القادة دون قصد.

 

كلما ارتقى القادة في المناصب، زادت احتمالات أن يجدوا أنفسهم في غرفة الصدى محاطين بأشخاص يفكرون مثلهم ويتفقون معهم في الرأي. يحدث هذا جزئياً بسبب تحيّز التقارب الذي يدفعنا إلى تفضيل الأشخاص الذين نشعر بأنهم يشبهوننا ونشبههم، ويحضنا على الارتباط بهم، وحتى تعيينهم في المناصب. وتتفاقم هذه الندرة في تنوُّع وجهات النظر بسبب مشكلتين أساسيتين: طرق حل المشكلات التي تؤدي إلى التفكير الجماعي وصعوبة توفير عنصر الأمان النفسي. وإذا اجتمعت هاتان المشكلتان معاً، فقد تؤديان إلى وقوع القادة في مزلق محاصرة أنفسهم في غرفة الصدى.

وعلى الرغم من أن معظم القادة يدركون هاتين المشكلتين ويعملون على خلق ثقافة جماعية تعزز حرية التعبير عن الرأي والصراحة، فإن سلوكيات القيادة التي قد لا يعيرونها انتباههم يمكن أن تقف عقبة كؤوداً تحول دون تحقيق مقاصدهم.

ولك أن تنظر مثلاً إلى عميلي أفيرال الذي أدى أسلوبه السقراطي المفرط في التواصل إلى تردد أعضاء الفريق في عرض الأفكار عليه إلى أن "تختمر في أذهانهم" وتنضج تماماً. أو انظر مثلاً إلى مايكل الذي يتبع أسلوب القيادة من الأمام، وهو ما جعل المحيطين به يشعرون أنهم يتطفلون عليه وينبغي ألا يزعجوه بأسئلتهم ومخاوفهم التي قد تضيّع وقته. أو انظر إلى ميليسا التي اعتادت قول "لا" أو "لكن" أو "ومع ذلك"، وهو ما كان يثني فريقها عن تقديم الملاحظات أو عرض آراء مخالفة لرأيها في الاجتماعات.

وللوقاية من العيوب الاستراتيجية للوقوع في مزلق غرفة الصدى، أنصح بممارسة السلوكيات التالية:

التمس الملاحظات والأفكار باستمرار

بغض النظر عن مدى حرصك على تحقيق المساواة والانفتاح على الآخرين من منطلق منصبك قائداً، فهناك احتمالات كبيرة لأن يحجب عنك الكثير من مرؤوسيك معلومات مهمة ويخفوا عنك أفكارهم ومخاوفهم التي قد تكون ذات قيمة كبيرة.

يمكنك أن تقول لأعضاء فريقك: "لدينا جميعاً نقاط مبهمة، حتى أنا شخصياً. وأحتاج إلى مساعدتكم لرؤية نقاطي المبهمة وأريدكم أن تطرحوا عليّ الأسئلة وتختلفوا معي في الرأي إذا كنتم تعتقدون أنني أسأت التقدير". كرّر هذا الطلب بانتظام وتابعه من كثب مع أعضاء فريقك للحصول على ملاحظاتهم وللتعرُّف على آرائهم على وجه التحديد.

بالإضافة إلى ذلك، اسأل أعضاء فريقك باستمرار عن أفكارهم. أكد لهم أنهم ليسوا مضطرين إلى بناء حائط صد شديد الصلابة حول كل فكرة تطرأ على أذهانهم، وإلا فإنهم قد يفعلون مثلما فعل أعضاء فريق أفيرال فيحجمون عن عرض أفكارهم خوفاً من عدم الحصول على إجابات عن جميع أسئلتك حتى لا يبدوا أغبياء.

أخيراً، اعترف أمام الجميع بأهمية الآراء المستقلة ووجّه الشكر لأصحابها الذين يبدون رأياً مخالفاً أو يشككون في منطقك أو يعربون عن اختلافهم معك. وعندما يرى فريقك أنك تقابل التعليقات الصعبة بامتنان، فإنك ستشجّع المزيد من الموظفين الخائفين على الكلام أيضاً.

أظهِر حب الاستطلاع والرغبة في الاستماع

لنفترض أنك أهملت تحقيق التوازن بين الدافع لتحقيق النتائج وتعزيز علاقاتك، كما فعل مايكل. يمكن أن يؤدي هذا الاتجاه إلى تدمير الثقة المتبادلة بين أعضاء فريقك وإضعاف الحافز في نفوسهم وقدرتهم على الاندماج، علاوة على حرمانك من المعلومات القيمة.

التزم بدلاً من ذلك بتوفير الوقت والمساحة لأعضاء فريقك وزملائك. على سبيل المثال، لا تحاول إلغاء محادثاتك الثنائية ما لم تكن مُدرَجة على جدول الأعمال، واحرص بدلاً من ذلك على إعادة جدولة الوقت لتفقد أحوال الطرف الآخر بشكل أكثر شمولية. يمكنك أيضاً استغلال الوقت في طلب التعليقات والأفكار والاستفسار عما إذا كانت هناك أي مشكلات يجب أن تكون على دراية بها. كن حاضر الذهن بنسبة مائة بالمائة، سواءً في اللقاءات الثنائية المحدّدة مسبقاً أو عندما يطلب أحد أعضاء فريقك التحدث معك لمدة 5 دقائق. أمّا إذا مارست مهمات متعدّدة في أثناء حديثك مع الآخرين وظهر عليك الضجر وفشلت في الاستماع إليهم جيداً، فإن هذا سيشير حتماً إلى أنك لست مهتماً بالشخص الذي يتحدّث معك وبما يقوله.

وإذا اختلف معك أحدهم أو أعلن تحديه لرأيك، فتجاوز الرغبة الغريزية في مقاومته أو الانتقاص منه. ويمنحك الانحياز التأكيدي قدرة بارعة على اكتشاف نقاط الضعف في موقف الطرف الآخر أو حجته، ولكنه يحجب عنك العيوب أو الثغرات الموجودة في معتقداتك. وقد يؤدي التعرض للأدلة المضادة في بعض الأحيان إلى زيادة ثقتنا بصحة معتقداتنا العزيزة على نفوسنا.

احرص بدلاً من ذلك على اعتماد سلوك يقوم على حب الاستطلاع وطرح الأسئلة لفهم وجهة نظر الطرف الآخر بشكل أفضل. على سبيل المثال، يمكن أن تسأل: "ما الذي قادك إلى هذا الاستنتاج؟" أو قل: "أخبرني بالمزيد".

تدرّب على قول: "نعم، و..."

تُعتبر عبارة "نعم، و..." تقنية أساسية للتحسين، ولكنها تمثّل أيضاً فلسفة عملية لتوليد الأفكار وبناء العلاقات.

تخيل أنك في اجتماع وتحاول عرض أفكارك. وفي كل مرة يرد أحدهم على فكرتك قائلاً: "لا" أو "لكن" أو "ومع ذلك" أو "حسناً، في الواقع". من الطبيعي أن تتردد في عرض أي أفكار إضافية بعد تلقيك عدداً من هذه الردود التي تشكك في أفكارك. حسناً، إذا كنت تستخدم هذه العبارات عندما يعرض الآخرون أفكارهم أو تعليقاتهم أمامك، فإنك أيضاً ستوصد الباب أمام أي إسهامات محتملة أو تقديم معلومات قيمة.

واستخدم بدلاً من ذلك عبارة "نعم، و..." للإقرار بأهمية الأفكار التي يعرضها الآخرون والبناء عليها. لن تستطيع قبول كل الإسهامات وتطبيق كل الأفكار بطبيعة الحال. ولكنك إذا اعترفت بأهمية أفكار الآخرين، فإنك ستساعدهم على الشعور بأنك تنصت لأفكارهم وتدرسها وتشجّعهم على طرح أي أفكار قد تطرأ على أذهانهم في المستقبل.

كُنْ آخر مَنْ يتكلم

احرص على اكتساب عادة التحدث في آخر الاجتماعات لسماع مجموعة أكثر تنوعاً من الأفكار وتقليل احتمالات التفكير الجماعي. فلن تضيف لنفسك جديداً إذا عرضت المعلومات التي تعرفها بالفعل. ويتمثّل دورك في اكتشاف ما يعرفه الآخرون في أثناء الاجتماعات. وحينما تكون آخر مَنْ يتحدث، فإن هذا سيشجّع أعضاء فريقك على طرح أفكارهم واقتراحاتهم على الطاولة، ويساعدهم على الشعور بأنك تنصت إليهم، ويعزز إحساسهم بالسيطرة ويرفع معنويات الفريق.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التزامك بأن تكون آخر مَنْ يتحدث لا يعني التزام الصمت التام، لكنه يعني أن تركّز تعليقاتك الأولية على جمع المعلومات وتوضيحها من خلال طرح أسئلة على شاكلة: "لماذا تعتقد أن هذا هو الاتجاه الصحيح؟".

وعندما تكون آخر مَنْ يعرض وجهة نظره أو يقدّم رأيه، ستستفيد بكل تأكيد من الإنصات أولاً إلى ما يعرفه الآخرون ويفكرون فيه. وهذا التحول وحده كفيل بتحسين جودة اجتماعاتك بشكل كبير، كما حدث مع أحد الرؤساء التنفيذيين الذين توليتُ تدريبهم.

ابحث عن رؤى وتصورات مختلفة

احرص على البحث عن رؤى وتصورات مختلفة أو أنماط فريدة من نوعها لحل المشكلات في فريقك وبين أعضاء شبكة علاقاتك.

على سبيل المثال، وجّه الدعوة إلى موظفين يعملون في أقسام أخرى من الشركة لحضور اجتماعات الفريق وعرض رؤى وتصورات بديلة حول الموقف. يمكنك أيضاً تعيين شخص يؤدي دور الناقد المجادل الذي يتبنى وجهة نظر معارضة ويطرح أدلة وتصورات عكسية. يتمثّل الهدف من تقلُّد هذا الدور في تحسين قرارات الفريق ونتائجه، وليس تشجيع الجدال العقيم الذي لا يستند إلى أساس سليم. لذا تأكد أن الشخص المعيَّن يهاجم الأفكار وليس الأشخاص ويقدم حججاً منطقية قوية وبدائل جديدة.

احرص على تقليل تحيّز التقارب في التعيينات على المدى البعيد من خلال ضمان وجود تنوع كبير في لجنة المسؤولين عن إجراء المقابلات الشخصية. واعمل على بناء شبكة غير معزولة من الأشخاص الذين يمتلكون تصورات وقيماً وخبرات متنوعة.

أقرِن الأقوال بالأفعال

على الرغم من اهتمام أعضاء فريقك بما تقوله، فإنهم سيكونون أكثر استعداداً لمحاكاة أفعالك وليس أقوالك. وكما يقول المثل المعروف، فإن "الأفعال أعلى صوتاً من الكلمات".

ويجب عليك من واقع منصبك قائداً أن تكون قدوة للآخرين في تجسيد التغيير الذي تطالبهم به. أمّا إذا لم تقرن الأقوال بالأفعال، فإن هذا سيقوّض كافة التزاماتك المعلنة وسيدمّر ثقة الآخرين في قدراتك القيادية. قد لا يكون إقران الأقوال بالأفعال أمراً سهلاً دائماً، ولكنه ضروري إذا كنت تريد إلهام الآخرين وحثّهم على السير على خطاك. وحينما تضرب للآخرين مثلاً يحتذون به في السلوكيات التي تطلب من أعضاء فريقك إظهارها، مثل عرض الأفكار والملاحظات على رؤسائك، فستبني ثقة الآخرين في رسالتك وتشجّعهم على التصرف بطريقة مشابهة.

وسيساعدك اتخاذ الإجراءات الموضحة هنا على الخروج من فقاعة التوافق في الرأي التي يقبع فيها الكثير من القادة دون قصد. وحينها ستتمكّن من إنشاء علاقات أقوى مع أعضاء فريقك وزملائك وستنجح في التواصل معهم، وستشجّعهم على إبداء رؤى جديدة ومبتكرة، وستستطيعون اتخاذ قرارات أفضل. قد يكون بناء هذه العادات الجديدة أمراً صعباً في البداية، ولكن في هذه الحقبة التي تشهد تغيُّرات متلاحقة وحالة من عدم اليقين، أصبح الأمر يستحق الجهد المبذول في الآونة الحالية أكثر من أي وقت مضى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي