ملخص: بينت الأبحاث أن الأفكار المبتكرة تموت في الفرق المخصصة لحلّ المشكلات بالإجماع، فهذه الفرق لديها نزعة قوية للانجراف مع التفكير الجماعي المتمثل في الاتفاق السريع على حلول الوضع الراهن من دون مناقشتها أو تدارسها. كيف يمكن للمدراء مساعدة فرقهم في الحفاظ على الأفكار الجديدة؟ عمل الباحثون على دراسة 4 فرق عمل افتراضية أُعدت من أجل اقتراح عملية لتحويل سجلات الرعاية الصحية الخاصة بالأميركيين إلى سجلات إلكترونية، ولاحظوا أن الفرق التي تفادت الانجراف مع التفكير الجماعي اتبعت 3 خطوات: 1) تحدت الوضع الراهن، 2) تبنت حلاً مؤقتاً يتيح لأفرادها الاتفاق على المبادئ العامة حتى وإن اختلفوا على التفاصيل، 3) احتفت بالتقدم المحرز نحو الاتفاق النهائي ما أتاح لها الحفاظ على المعنويات والزخم.
عندما تضطر المؤسسات إلى حلّ مشكلة ما تلجأ غالباً إلى إنشاء فريق عمل أو لجنة اختيار أو لجنة توجيه استشارية، ويحمل هذا الفريق مهمة التوصل إلى إجماع حول الأفكار الجديدة مثل الإجراءات أو السياسات أو المنتجات أو الخدمات.
لكن للأسف، بينت الأبحاث أن الأفكار المبتكرة تموت في فرق حلّ المشكلات بالإجماع، فهذه الفرق لديها نزعة قوية للانجراف مع التفكير الجماعي المتمثل في الاتفاق السريع على حلول الوضع الراهن من دون مناقشتها أو تدارسها.
ولكن لا تنجرف كل فرق حلّ المشكلات بالإجماع مع التفكير الجماعي، ورغبنا في التعلم من هذه الاستثناءات ومعرفة ما يفعله أفرادها للحفاظ على الأفكار الجديدة، فأجرينا دراسة على النصوص الحرفية المسجلة لاجتماعات 4 فرق عمل افتراضية أسستها رابطة المعلومات الصحية الأميركية في عام 2004. تمثَل هدف هذه الفرق في التوصل إلى عملية لتحويل سجلات الرعاية الصحية الخاصة بالأميركيين إلى سجلات إلكترونية بحلول عام 2014 واقتراحها على وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية.
كان اقتراح بروتوكول وطني جديد يتطلب تبني تغيير بنيوي ينطوي على مستوى عال من المخاطر؛ فآنذاك لم تتوفر منصة تكنولوجية موحدة لمزودي الرعاية الصحية، ولم تتوفر لغة تقنية مشتركة أو جهود تعاونية بين الولايات، إلى جانب المخاوف الكبيرة المتعلقة بالقوانين والأمن والخصوصية التي تتراوح بين الأمن السيبراني وخصوصية المرضى.
كانت الفرق متعددة الاختصاصات الأربعة التي أجرينا عليها دراستنا تعقد اجتماعاتها عبر الإنترنت وتضم أعضاء من مختلف القطاعات ومنها الرعاية الصحية (أطباء وممرضون ورؤساء المستشفيات) والتأمين (مسؤولون تنفيذيون في شركات التأمين) والتكنولوجيا (مسؤولون تنفيذيون من أقسام تكنولوجيا المعلومات والخدمات الطبية القائمة على الإنترنت وخبراء في الطبابة عن بُعد) والوكالات الحكومية (رابطة المحاربين القدامى و الخزانة الأميركية).
ما توصلنا إليه هو أن الفرق التي تفادت الانجراف مع التفكير الجماعي اتبعت الخطوات التالية:
1. تحدت الوضع الراهن
لدى الإنسان نزعة للاعتقاد بأن الحلول الموجودة جيدة، وتميل الفرِق باتجاه الوضع الراهن لأنها لن تواجه تكلفة باهظة في حال فشلها، (فتقول مثلاً، "استخدمها غيرنا من قبل وكانت مجدية، لذلك ليس ذنبنا إن لم تكن مجدية الآن").
ما لاحظناه في المجموعات التي تغلبت على نزعة التفكير الجماعي هو أنها بدأت بإظهار موظف واحد عدم رضاه عن الوضع الراهن. مثلاً، جرى الحوار التالي في أحد الفرق التي أجرينا عليها دراستنا حول إمكانية السماح للمرضى بمعرفة من اطلع على سجلاتهم الصحية الإلكترونية:
دانيال: الطريقة المعيارية لبناء الشفافية تتمثل في قدرة التكنولوجيا على إتاحة التدقيق والمراجعة، وهذا ما يحدث فعلاً، ويجب أن تكون المراجعة بحد ذاتها متاحة للمريض صاحب المعلومات التي تم الكشف عنها، كلما كانت المراجعة مفصلة أكثر كانت الشفافية أكبر.
رون: لأوضّح الأمر، تعني الشفافية أن يتمكن المريض من معرفة كل نقطة دخول إلى سجله، أي أن يكون لديه سجل إلكتروني للأشخاص الذين اطلعوا على بياناته مع تحديد التاريخ والمكان.
كين: هذا شاقّ.
كيفن: هل يمكن الوصول إلى هذه البيانات عبر الشبكة أم أنها تحفظ ضمن التطبيق الخاص بمن يقوم بالمراجعة؟ لأنه من ناحية سجل المراجعة، أتفق معكما أنه سيكون من الصعب جداً إنشاء نسخة احتياطية جديدة كلما استخدم طبيب نظامه الخاص للاطلاع على بيانات أحد المرضى.
دان: صحيح، إذا منح المرضى الإذن بوضع بياناتهم ضمن النظام فهل سيترافق بصورة آلية مع الإذن بالاطلاع عليها؟
كين: هل من طريقة لتقديم حساب أقل صعوبة مع إبقائه شاملاً؟
رايان: لدي مشكلة مع نموذج المراجعة نفسه؛ أين قدرة المريض على التحكم فيه؟ فمعرفة من اطلع على سجلاتي بعد اطلاعه عليها لا يمنحني القدرة على تحديد من يمكنه أو لا يمكنه الدخول إليها.
كيفن: فلنقل إن المريض يمنح الدكتور جونز الإذن للاطلاع على معلوماته وتدوينها، ما أن يُمنح هذا الإذن فلن تحتاج إلى سجل مراجعة آخر لأن المعلومات الآن أصبحت ملكاً للطبيب ومحفوظة ضمن نظامه الخاص، أليس كذلك؟
نيكي: هل بإمكانك اقتراح صيغة لتوضيح هذه النقطة؟
كيفن: هل يمكنني أخذ الوقت للتفكير فيها؟
دانيال: يبدو أن لدينا اتفاقاً عاماً على بعض هذه العناصر، ربما يمكننا أخذها كلها وتطويرها لتصبح تطبيقاً يسهل على المستخدمين التعامل معه ما أن نتوصل إلى اتفاق تام على كل ما نراه مجدياً.
دان: أؤيد فكرة أن هذه المبادئ تشكل نقطة انطلاق جيدة، ولكن يجب فحصها ومناقشتها والتفكير فيها ملياً وبتعمق وعدم اعتبارها القرار الأخير.
عندما قال كين كلمة "شاقّ" تغيّر مسار الحديث لأنه هاجم فائدة الوضع الراهن.
نسمي هذه اللحظات "اللحظات المحفزة" لأنها تدفع الفريق لتبني طرق جديدة ومختلفة، وهي تمنح أفراد الفريق فرصة الكشف عن نظرة كل منهم للمشكلة المعنية. في الحوار المذكور أعلاه، فسر كيفن تعليق "هذا شاقّ" من حيث طريقة عمل نظام النسخ الداعمة، في حين تحدث دان من منظور المريض الذي قد لا يملك الوقت أو الاهتمام للتمعن في المراجعة، وأما رايان فقد فسر عدم قدرة نظام المراجعة على منح المرضى القدرة على التحكم بأنه أمر صعب.
2. تبنت حلاً مؤقتاً
اللحظة الأساسية الثانية في تفادي الانجراف مع التفكير الجماعي هي رد فعل أحد الأفراد على اللحظة المحفزة المتمثل في اقتراح حلّ مؤقت. نسمي هذه الأفكار "الأفكار الحدّية"، وعلى الرغم من أنها ليست حلاً نهائياً، فهي تعمل على اعتبارها حلولاً مؤقتة انتقالية تتيح للفريق التفكير على نحو عملي (البحث عن طرق لنجاح الفكرة) وعلى نحو مجرد (تطوير اتفاق على الفكرة المعنية الأوسع).
في أغلب الأحيان قد يسبب الضغط على الخبراء خصوصاً من أجل إجراء التقييم الصحيح شعورهم بالعجز لا سيما إن كانت الأخطاء مكلفة؛ كانت الفرق التي أجرينا عليها دراستنا قلقة من تقديم توصيات غير سليمة فتخسر سمعتها في أفضل الأحوال، والأسوأ هو أن تفكك نظام الرعاية الصحية وبالتالي تضر بحياة الإنسان.
أتاح التعامل مع الأفكار الجديدة على أنها حدّية (لا حرفية) لأفراد الفريق بتخفيف شيء من هذا الضغط والدخول إلى مساحة انتقالية يتم فيها التشجيع على التنفيذ والتجريب. في الحوار أعلاه، عندما قال كيفن: "فلنقل إن المريض يمنح الدكتور جونز الإذن للاطلاع على معلوماته وتدوينها"، بدلاً من أن يقنع أفراد الفريق بفكرة رائعة دعاهم للتنفيذ والتجريب معه من أجل إنجاح الفكرة.
3. احتفلت بالتقدم المحرز نحو الاتفاق النهائي
عندما يتم تكليف الفرق بمهمة التوصل إلى إجماع على مسار عمل معين، يبدو الاتفاق جيداً إذ يدل على التقدم والانتماء إلى الفريق. يمكن أن يبدو تأجيل الاتفاق مسبباً لضغط كبير إذ يتطلب الإقرار بالغموض الذي قد تفسره الفرق بالفشل أو عدم إحراز تقدم، كما أنه يعني أمراً يبغضه معظم أفراد الفرق؛ مزيد من الاجتماعات التي تستغرق وقتاً أطول!
تستطيع الفرق التي تتبنى فكرة حدّية التوصل إلى إجماع على "سبب" الفكرة حتى وإن اختلفوا على طريقة تنفيذها. ثم يمكنهم وضع عدم التوصل إلى الاتفاق النهائي ضمن إطار التقدم وبالتالي يحافظون على المعنويات والزخم.
في الحوار أعلاه أقرّ دانيال بأن الفريق توصل إلى "اتفاق عام على بعض هذه العناصر" في حين نوّه دان إلى أن الفريق وصل إلى "نقطة انطلاق جيدة". ثبت أن الاحتفال بلحظات التقدم يساعد الفرق على بناء المعنويات والزخم لتولي المهام والتحديات الصعبة.
من أجل تفادي الانجراف مع التفكير الجماعي في الفرق، نقترح على المدراء اتباع الخطوات الثلاث التالية: أولاً، عند تقييم مجموعة خيارات عين وقتاً على جدول أعمالك مخصصاً لتحدي الوضع الراهن، وناقش عدم قدرة الحلول التي كانت مستخدمة في السابق على حلّ المشكلة التي تواجهها حالياً. ثانياً، شجع الفريق على تبني فكرة حدّية ومناقشتها. وأخيراً حدد لحظات الاتفاق العام واحتفل بها، اعترف بتقدم الفريق الإيجابي عندما يتفق أفراده على سبب الفكرة حتى وإن اختلفوا على طريقة تنفيذها. ستساعد هذه الأساليب الفرق على الحفاظ على الأفكار الجديدة وتعزيز الإبداع والابتكار المؤسسيين.