ملخص: يمتلك معظم الموظفين القدرة على تمييز القائد المؤذي وفهم الأسباب التي تدفعه إلى ممارسة السلوكيات المؤذية وطبيعة تلك الممارسات؛ لكن قد يصعب تحديده عندما يُبدي نوايا حسنة تجاه أعضاء فريقه في حين أنه في الحقيقة يُلحق الأذى بهم بسبب عدم وعيه بأثره السلبي عليهم، وقد لا يشعر أعضاء الفريق دائماً بالقدرة على مقاومته. وإذا كنت مديراً تمتلك رغبة قوية في مساعدة أعضاء فريقك، فاحذر من هذه السلوكيات الخمس الشائعة التي قد تؤثر سلباً عليهم دون قصد منك، على الرغم من نواياك الحسنة.
عندما تقرر إدارة الموظفين، سواء كنت مشرفاً في الخطوط الأمامية أو مسؤولاً تنفيذياً يقود عدة إدارات، فهناك مطلب ضمني في وصف وظيفتك يتمثّل في تحويل تفكيرك من تفكير يرتكز على الذات إلى تفكير يخدم إمكانات الآخرين ويعززها.
ثمة أشخاص يختارون تولي مناصب في القيادة لأسباب تتعلق بمصالحهم الشخصية بدلاً من الرغبة في خدمة الآخرين بالطبع، لكن غالبية المدراء يعتبرون هذه المسؤولية شرفاً وامتيازاً، ويسعون جاهدين بناءً على هذا الشعور بالواجب والمسؤولية لتقديم الدعم والمساعدة لفرقهم. لكن ماذا يحدث عندما تسبب رغبة المدير في المساعدة ضرراً لأفراد الفريق؟
لاحظت بصفتي مدرباً تنفيذياً للقادة في أفضل الشركات في العالم أن هذا السيناريو شائع كثيراً، على عكس ما قد يتصور البعض. يمتلك معظم الموظفين القدرة على تمييز القائد المؤذي وفهم الأسباب التي تدفعه إلى ممارسة السلوكيات المؤذية وطبيعة تلك الممارسات؛ لكن قد يصعب تحديده عندما يُبدي نوايا حسنة تجاه أعضاء فريقه في حين أنه في الحقيقة يُلحق الأذى بهم بسبب عدم وعيه بأثره السلبي عليهم، وقد لا يشعر أعضاء الفريق دائماً بالقدرة على مقاومته. في الواقع، كشفت دراسة حديثة أن بعض سلوكيات المدراء التي هدفت إلى تخفيف الضغط عن الموظفين خلال الأزمات كانت غير مفيدة في نظرهم.
وإذا كنت مديراً تمتلك رغبة قوية في مساعدة أعضاء فريقك، فاحذر من هذه السلوكيات الخمس الشائعة التي قد تؤثر سلباً عليهم دون قصد منك، على الرغم من نواياك الحسنة.
السعي المستمر للحفاظ على الوفاق
النزاع مشكلة لا مفرّ منها في أي فريق، ومع ذلك، يرى العديد من المدراء أن النزاع يزعزع تماسك أعضاء الفريق ويشكل تهديداً لقدرتهم على القيادة. يتعامل هؤلاء القادة مع الخلافات إما بقمعها وإما بتجاهلها. لكن على الرغم من رغبتهم الظاهرية في المساعدة للحفاظ على الوفاق بين الجميع، قد تُسفر محاولاتهم تلك عن تدني معنويات فرقهم.
درّبت ذات مرة مسؤولاً تنفيذياً يعاني توتراً من النزاعات، وكان ذلك عائداً إلى نشأته في منزل مضطرب ومثير للتوتر. وتمثّلت استجابته للتوتر بالتظاهر بأن الأمور على ما يرام واختياره البقاء متفائلاً دائماً، وعندما يتعذر عليه الحفاظ على تفاؤله، آثر الابتعاد عن مشكلات الآخرين وعدم المشاركة فيها.
وكانت سلوكياته بصفته مديراً متماثلة تماماً، إذ كان يرغب في أن يكون الجميع على وفاق، ما أدى في النهاية إلى إخماد شعلة الحماس والتحفيز بين أعضاء الفريق وإعاقة قدرتهم على التفكير المستقل. على سبيل المثال، كلما اقترح أحد ما مشروعاً إبداعياً يتحدى الوضع الراهن، يرفضه المدير بحجة أنه يسبب زعزعة غير ضرورية، أو يوافق عليها بعد توصل الفريق بأكمله إلى إجماع. وتمثّلت النتيجة في الاعتماد المفرط على التفكير الجماعي، ما أدى إلى تشكيل صورة سلبية عن إدارته بصفتها واحدة من الإدارات التي يخشى الموظفون الانضمام إليها لتحقيق النمو المهني، واكتسابها سمعة سلبية بسبب ركود التقدم فيها.
يُبدي القادة مثل عميلي نوايا حسنة عادة، لكن رغبتهم في جعل أعضاء فرقهم يشعرون بالراحة والرضا في أثناء العمل تستند إلى تفسير منطقي متعجرف، وهو أن الجميع تنتابهم مشاعر الانزعاج نفسها التي يشعرون بها. لكن القيادة الفعالة للفريق تتطلب قبول وجود تعارض في القيم ومواطن القوة والطموحات، والاستفادة من الاختلافات بين الأشخاص بدلاً من إقصائها أو تجاهلها.
الإفراط في حماية الفريق
إلى جانب محاولة القادة ذوي النوايا الحسنة تجنيب أعضاء الفريق الخوض في نزاعات داخلية، يحمي العديد منهم فرقهم من المشكلات الداخلية التي يعتقدون أنها تؤثر سلباً على الدافعية. قد يعتبر مثل هؤلاء القادة أنفسهم حماة لفرقهم وأنصاراً لهم، لكنهم في الحقيقة يسببون الضرر لهم.
تحدّث أحد العملاء الذين دربتهم عن أعضاء فريقه وكأنه المدافع عنهم داخل الشركة، إذ كان يقدم لهم الدعم والمساندة عند التعامل مع الإدارات الأخرى وتلبية طلبات الشركة. وكان يذكّرهم بأنه مستعد لمناصرتهم في المواقف التي يطالبون فيها بالحصول على الموارد المشتركة أو تحقيق الأهداف بالتعاون مع الإدارات الأخرى.
لكنه جنّب فريقه أيضاً سماع الملاحظات المهمة التي تأتي من إدارات أخرى في الشركة معتقداً أنه من الأفضل لهم عدم معرفتها. وكان يُبدي تفاؤلاً غير منطقي في مواجهة أي آراء سلبية، وفشل في منح أعضاء فريقه ملاحظات مهمة، ورفض الانتقادات بدلاً من مساعدة فريقه على الاستفادة والتعلم منها. ونتيجة لعقلية الربح أو الخسارة التي يعتنقها هذا القائد، كانت سمعته سلبية في الشركة، ما أثّر في سمعة مرؤوسيه أيضاً.
تُعد الرغبة في تحقيق أفضل النتائج للفريق هدفاً نبيلاً، ولا سيما عند وجود منافسات بين الفرق. لكن فريقك يحتاج إلى توجيه صادق وشفاف لكيفية تحقيق النمو، لا إلى إنقاذك لهم من المشكلات دون توجيه. لا تبالغ في الوعظ واعتبار نفسك البطل الذي يحل مشكلات الفريق. قد يبدو لك هذا النهج حسن النية ظاهرياً، لكنه يعوق في الحقيقة أعضاء الفريق عن تعلم كيفية التعاون والتأثير بفعالية. إضافة إلى ذلك، من المحتمل أنك لن تتولى قيادة هذا الفريق للأبد؛ وقد يُطلب منك يوماً ما قيادة أقرانك حتى، لذا من الأفضل بناء جسور التواصل بدلاً من هدمها.
تحقيق النتائج دون التعلم منها
يتّسم عالم الأعمال اليوم بتغيرات سريعة، ويكون المدراء الذين يحققون النتائج عادة هم أولئك الذين يتمتعون بالشغف للعمل ويتخذون القرارات بسرعة. يُبدي قلة من الأشخاص استعداداً للعمل تحت إدارة قائد بطيء في اتخاذ القرارات وقنوع بالوضع الراهن، لذا من الطرق التي تتيح للمدراء اعتبار أنفسهم أشخاصاً مفيدين للمؤسسة هي تحفيز أعضاء الفريق على تحقيق نتائج سريعة بغية الاحتفال بالتقدم المُحرز.
قد يكون لدى قادة الفرق رغبة في الحفاظ على الزخم وتحقيق مزيد من النجاحات باستمرار، لكن قد يترتب على ذلك تقليل الوقت المخصص للتأمل واكتساب رؤى ثاقبة وتحقيق توافق بشأن الغايات. وعندما يتجاهل المدراء هذه الأنشطة من أجل تحقيق الفوز، قد ينحرف أعضاء فرقهم عن مسار تحقيق الأهداف.
ضع في اعتبارك أن لدى الموظفين والقادة جميعهم حاجة أساسية لامتلاك هدف والتعلم في العمل، فهم ليسوا مجرد آلات تحثّها على العمل بقوة أكبر أو تُجري تغييرات في مسارها عند وضع أهداف جديدة. في الواقع، ينسى القادة الذين يولون اهتماماً كبيراً للجانب الإنساني أهمية إيلاء الوقت الكافي لشرح أسباب العمل على مشروع معين وكيفية العمل عليه وأهدافه.
احرص في لقاءاتك الفردية التالية مع الموظفين على دمج عناصر التعلم والتأمل والغاية في كل مناقشة تتعلق بالتنفيذ. قد تسأل موظفك: "ما الإجراءات المحورية التي أدت إلى هذه النتائج وهل هناك أي خطوات يجب اتخاذها بطريقة مختلفة عن الطريقة المتبعة؟" أو استكشف معنى العمل بالنسبة للموظف واسأله: "لمَ هذا المشروع مهم بالنسبة لك وكيف يمكننا جعله متوافقاً مع أهدافك؟".
لا تقضِ وقتك معه في تتبع النتائج بعد تحقيقها؛ بل ساعده على ابتكار طرق للتعلم والاستعداد مقدماً. لن يحميه هذا اللقاء من الهفوات المستقبلية فحسب، بل سيمنحه أيضاً إحساساً بالسيطرة والفخر بالنتيجة المحققة.
المشاركة الزائدة (أو عدم المشاركة على الإطلاق)
الإدارة التفصيلية هي واحدة من السلوكيات الشائعة بين القادة المؤذين. لكن حتى القادة الحسنو النية يمارسون الإدارة التفصيلية في فرقهم عندما يتجنبون تفويض المهام تماماً ومنح أعضاء فرقهم كامل الحرية. يحاول مثل هؤلاء المدراء أن يكونوا مورداً مفيداً لتخفيف الضغط عن الموظفين، لكنهم لا يدركون في الواقع أن مساعدتهم قد تؤدي في النهاية إلى زيادة كمية العمل غير المرغوب فيه في سير العمل.
درّبت مرة رئيساً تنفيذياً للشؤون المالية وقع في هذه الفخ بسبب حسن نيته. كان نهماً لمتابعة أفراد الفريق بعد كل إجراء يتخذونه، فيطرح أسئلة إضافية نابعة من فضوله، ويقدم اقتراحات جديدة لضمان "ألا يفوتهم أي شيء". كانت تلك التفاعلات حميدة في نظره وليست انتقادية؛ واعتاد أن يقول: "نحن نخوض هذه الرحلة معاً في النهاية". لكن كانت عمليات المتابعة تستغرق وقتاً كثيراً من وجهة نظر فريقه وتوجه الجهود إلى أمور غير مفيدة، ما قلل إنتاجيته. لم يجرؤ أحد من أعضاء الفريق على الاعتراض عليه بسبب أقدميته، بل سعى الجميع لإرضائه، إلا إنهم عانوا شعوراً بفقدان الدافعية بصمت.
من ناحية أخرى، قد يرى بعض المدراء الآخرين أنفسهم أشخاصاً مفيدين لمؤسساتهم عن طريق تمكين أعضاء فرقهم بالكامل لدرجة غيابهم أو عدم الحضور لتوجيههم، لا يعود سبب ذلك إلى قلة اهتمامهم بفرقهم، بل إلى تفضيلهم توزيع اهتماماتهم في مجالات محددة. على سبيل المثال، قد يقرر مدير ما العمل على الاستراتيجية بدلاً من العمليات، أو بناء علاقات مع العملاء الخارجيين بدلاً من تعزيز العلاقات داخل الفريق.
لكن قد يتسبب القادة الذين يرغبون في مساعدة أعضاء فرقهم من خلال منحهم الاستقلالية في إيذائهم بسبب غيابهم أو بُعدهم عنهم. يعتمد نجاح القادة جميعهم على تطوير الخلفاء والمواهب المستقبلية، إضافة إلى ضمان الفعالية التشغيلية في الفريق. وتتطلب هذه الأنشطة إمكانية الوصول والحضور الفعال. فإذا كنت ترغب في تمكين الآخرين وتفويض المهام عن بُعد، فاحرص على أن تكون حاضراً عند الحاجة إلى تقديم التوجيه والملاحظات والدعم عندما يكون الأداء دون المستوى المطلوب.
بناء علاقات صداقة مع الجميع
يعتقد العديد من المدراء أن التعامل مع أعضاء فرقهم بصفتهم أحد أفراد عائلاتهم أو أصدقائهم الطريقة المثلى لتقديم المساعدة والدعم. لكن العلاقات الشخصية ليست مماثلة للعمل الجماعي الفعّال؛ فالسعي لإقامة علاقة صداقة مع الموظفين قد يسبب ارتباكاً ونزاعاً لا داعي لهما. وقد يؤدي في أسوأ الحالات إلى تشكيل انطباعات بالتحيز، والولاء القسري، وتجاوز الحدود الأخلاقية حتى.
إن ما يعزز الالتزام الوظيفي بالفعل هو توفير فرص التطوير المهني وتعزيز الشعور بالغاية. يمكن للمدراء أن يحققوا نجاحاً كبيراً من خلال تقليل التركيز على فكرة أنهم أشخاص ممتعون لقضاء الوقت معهم وزيادته على فكرة أنهم مصدر للتعلم يقدم رؤى ثاقبة عملية، ويزيل العوائق التي تحول دون التقدم.
يُعد القادة الذين يسعون إلى دعم فرقهم أصولاً قيّمة للمؤسسة وموظفيها. لكن قد يتسبب استعدادهم للمساعدة في إلحاق الضرر بأعضاء فرقهم دون وعي منهم. لذا كن واعياً بهذه الاتجاهات المحددة لتحرص على ألا يُسفر دعمك عن نتائج عكسية.