إليك هذا المقال الذي يتحدث عن خطوات للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة. عندما دعا صديقي سامي رفيقته رانيا لترافقه في رحلة بالقارب الشراعي، كان لا يزال حديث العهد نسبياً بتلك الرياضة. لقد كان يتمتع بمهارات جيدة جداً في هذه الرياضة لكنه لم يكن يمتلك الخبرة، ولم تكن رانيا أيضاً تمتلكها.
كان الصديقان متحمسين لرحلة شراعية طويلة –حوالي سبع ساعات– وقضيا أياماً عدة في التحضير لها؛ حيث جمعا الخرائط ورسما مسار الرحلة، وقد قررا البقاء قريبين من الشاطئ، تحسباً للحالات الطارئة التي قد تجبرهما على الانسحاب، ولكن مسارهما شمل مسافات قصيرة لم يكونا فيها محميين. اشتريا بعض الطعام وجهزا إمدادات الطوارئ وأخبرا الأهل والأصدقاء عن مسار الرحلة المخطط له.
كان الطقس في يوم الرحلة غائماً، لكنهما قررا المضي قدماً على أي حال. وبعد مضي عدة ساعات على بدء الرحلة – وشاءت الأقدار أن يكونا في منتصف إحدى المسافات غير المحمية، تسارعت الرياح وتكاثفت الغيوم، وهبت عاصفة رعدية في طريقهما على بعد أقل من ميل بحري واحد. لقد وجدا نفسيهما منكشفين وسط عاصفة والبرق يصطفق ويطقطق حولهما.
بيد أن سامي كان ذا رأس صاحٍ وأعصاب قوية. وما قام به عن وعي وتعقّل في ظروف تدفع غالبية الناس إلى الهلع كان مدهشاً: بادر إلى إيقاف القارب. لقد أدار مقدمة القارب بحيث انهدلت أشرعته ولم تعد تدفعه إلى الأمام. ومن ثم استدار إلى رانيا وشرعا يناقشان الخيارات. كان أمامهما الخيارات التالية: إما محاولة العودة إلى الوراء، وإما تفادي العاصفة والدوران حولها، وإما البقاء في المكان وانتظار هدوئها، وإما المضي قدماً والتقدم عبرها مباشرة.
لم يدم النقاش طويلاً لأن الوقت المتاح كان قصيراً. لقد وازنا بين الخيارات المختلفة من حيث المخاطر وقررا المضي قدماً. كانت الأمواج عاتية، ما أصاب رانيا بالدوار، لكنهما نجحا في النهاية باجتياز العاصفة ومتابعة رحلتهما.
التقينا بعد الرحلة لتناول العشاء معاً وسألت رانيا ما إذا كانت ترغب في الإبحار مجدداً.
أجابت: "في الغد إن أمكن". فقلت: "ألهذا الحد تحبين سامي؟".
قالت مبتسمة: "بالطبع أحبه. لكنني لا أرغب في الإبحار لهذا السبب فقط. لقد حضرنا نفسينا جيداً. وكنا على علم أننا قد نواجه عاصفة رعدية أو غيرها من الحوادث غير المتوقعة".
فسألتها: "وهل كنتما تعرفان كيفية التعامل مع كل تلك الأحداث المحتملة؟".
"لا – بل على العكس من ذلك. لقد كنا نعلم أن العوامل المتغيرة وغير المعروفة كثيرة جداً، ولذلك لا يمكن التخطيط لجميع الحوادث المحتملة".
إن ما كانا بحاجة إليه –وكانا يمتلكانه– هو خطة لكيفية التعامل مع الأحداث التي لا يعلمون بالضبط كيفية معالجتها، هو كيف يكونان فطنين وسريعي البديهة من دون تكبّر.
وتابعت: "أظن أن أفضل شيء فعله سامي أنه لم يدّع أنه يعلم تماماً ماذا يفعل، ولذلك السبب أحبه. لم يتفاخر ولم يتسرع ولم يجبرني على شيء؛ لكنه في المقابل لم يقف مكتوف اليدين. لقد توقفنا لالتقاط أنفاسنا، وتحدثنا قليلاً. ومع أننا كنا في ظروف مخيفة ولم تكن لدينا معلومات وافية، اتخذنا قرارنا المدروس بسرعة ودون تلكؤ".
يمثل ذلك السلوك من وجهة نظري التوصيف الأمثل للقيادة القوية الفعالة –والعيش الفعال– في القرن الواحد والعشرين.
إننا نعيش ونقود حياتنا في عالم لا تتوفر فيه المعلومات الكاملة ويعج بالمفاجآت والأحداث غير القابلة للتوقع، عالم ينتظر حدوث العواصف، بالمعنيين الحقيقي والمجازي، في أي وقت. من العبث محاولة التنبؤ بموعدها. كما أن محاولة تحييد مخاطرها بالكامل لهو ضرب من الوهم والخيال. وحتى عندما نمتلك خطط طوارئ دقيقة ومفصلة وتأخذ جميع الاحتمالات بالحسبان، من الجنون الاعتقاد أننا قد جهزنا أنفسنا تماماً للتعامل مع كل ما يخبئه لنا المستقبل. إن أكثر الناس نجاحاً هم أولئك القادرين على الإبحار في الظروف الغامضة.
ولكن إذا لم نكن قادرين على معرفة ما يخبئه لنا الغد؛ كيف لنا أن نحضر أنفسنا؟ إن ما يتعين علينا فعله هو أن نكون جاهزين للتصرف من دون تحضيرات تفصيلية.
خطوات للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة
في مواجهة ما هو غير متوقع، قم بما يلي:
- أوقف القارب. عندما يدفعك زخم الحركة إلى اتخاذ قرارات متسرعة، يجب عليك كما فعل سامي في مواجهة العاصفة الرعدية، أن توجه مقدمة قاربك باتجاه الريح وتدع الأشرعة تنهدل. فإذا كنت في اجتماع، خذ استراحة واذهب إلى الحمام؛ وإذا كنت في المكتب، انهض من كرسيك وتمشَّ قليلاً. وبعبارة أخرى افعل ما يتيح لك القيام بما نحرم أنفسنا عادة من القيام به، ألا وهو التفكير. وبحسب بول بيتزولدت (Paul Petzoldt)، متسلق الجبال الأسطوري والاختصاصي في مجال البيئة ومؤسس "المدرسة الوطنية للقيادة في الهواء الطلق" (National Outdoor Driving School)، فإن أول ما يتعين عليك فعله في حالة الطوارئ هو تدخين سيجارة – إذا كان جسمك يتحملها. وبالطبع المقصود هو التوقف وأخذ استراحة.
- قيّم خياراتك على أرض الواقع. لا تضيع وقتك في تمني لو كانت الأمور على غير ما هي عليه ولا تحاول التوفيق بالقوة بين خطتك السابقة والحالة الراهنة غير المتوقعة. قيّم حالتك الراهنة بغض النظر عن الخطط السابقة وابدأ صفحة جديدة: فكر في النتيجة التي تتوخاها في ضوء الحالة الجديدة والمعلومات والموارد المتوفرة لديك. ثم ضع جميع الخيارات أمامك.
- أبحر. بناء على تقييماتك الجديدة اتخذ قرارك والتزم به. وعلى الرغم من أن القرار الجديد ليس مثالياً ولن يمنحك ما كنت تأمل في تحقيقه في الأصل، يجب تقبّل أنه القرار الأفضل في الظروف الراهنة والمضي به دون تردد.
مهما حضّرنا أنفسنا لمواجهة الأحداث غير المتوقعة، فإن مهمة شق طريقنا عبر اقتصاد جديد أو في ظروف تنافسية غير مألوفة أو الانضمام إلى فريق عملجديد، من شأنها وضعنا باستمرار في ظروف وأوضاع جديدة لا نكون فيها مهيئين تماماً لمواجهة كل ما يحدث. ولذلك فإن التدرب على التصرف بهدوء وثقة في مواجهة الظروف غير المتوقعة يعد كنزاً حقيقياً.
بعد ذلك اليوم، استمر سامي ورانيا في الإبحار معاً وتوطدت علاقتهما. وفي أحد الأيام، ذهبا في رحلة إبحار شراعية على متن قارب سامي وتوجها إلى البحر المفتوح الهادئ، وفجأة جثا سامي على إحدى ركبتيه وطلب من رانيا أن تقبل به زوجاً. صمتت رانيا، ولكن ليس لوقت طويل؛ وبناء على خبرتها الحديثة في الإبحار مع سامي وثقتها بأن هناك خطوات للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة تضمن لها حياة مليئة بالمفاجآت السارة تنتظرها معه، منحته موافقتها.
اقرأ أيضاً: