كيف تنتقل من مرحلة الوعي الذاتي إلى تحسين الذات؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نعلم أن القادة بحاجة إلى التحلي بالوعي الذاتي كي يتمكنوا من أداء مهامهم بفعالية. وهذا يعني فهم مواطن قوتهم ومواطن ضعفهم ومشاعرهم وأفكارهم وقيمهم، إضافة إلى كيفية تأثيرهم على الأشخاص من حولهم. ولكن ذلك ليس سوى نصف القصة. لا فائدة من الوعي الذاتي دون تمتع الشخص بمهارة إدارةالذات التي لا تقل أهمية عن هذا الوعي.

سيكون أحد عملائي، وسأدعوه محمود، مثالاً توضيحياً على ذلك. تلقى محمود آراء تقويمية متكررة تخبره أنه يتحدث كثيراً ولمدة طويلة في الاجتماعات. وقد أخبرني أنه يريد تحسين سلوكه وأن يتعلم كيف يصبح مشاركاً مفيداً ليساعد فريقه في اتخاذ قرارات أفضل. وبعد اجتماع جمعه مؤخراً بـ 15 شخصاً، حيث تحدث لـ 30% من الوقت، طلبت منه تقييم مشاركته. وردّ قائلاً: “أعلم أنني تحدثت كثيراً، ولكن كانت لديّ الكثير من النقاط التي أردت توضيحها”. ثم واصل إخباري بالمزيد حول أفكاره. محمود هو شخص واع حقاً بذاته، ولكنه ليس فعالاً بالقدر الذي يمكنه تحقيقه لأنه لا يقوم بإدارة ذاته.

إدارة الذات هي اختيار واع لمقاومة تفضيل أو عادة ما، مع إظهار سلوك أكثر إنتاجية بدلاً منه. وهي عملية تتكون من أربع خطوات:

1. كن حاضراً. انتبه إلى ما يحدث في هذه اللحظة، وليس ما قيل قبل 15 دقيقة أو ما سيحدث في اجتماعك القادم.

2. كن واعياً بذاتك. ماذا ترى وتسمع وتشعر وتفعل وتقول وتأخذ بعين الاعتبار؟

3. حدّد مجموعة من الخيارات السلوكية. ما الذي تريد أن تفعله لاحقاً؟ ما العواقب المحتملة لكل إجراء؟ ما الآراء التقويمية التي تلقيتها والتي قد تؤثر على اختياراتك؟ ما هي بعض الاختيارات البديلة التي يمكنك القيام بها، حتى إذا لم تكن ترغب في فعلها أو ما تفعلها عادة؟

4. تعمّد اختيار السلوكيات التي يُنظر إليها على أنها الأكثر إنتاجية. ما هي السلوكيات التي ستؤدي إلى أفضل النتائج، حتى إذا لم تكن الأسهل بالنسبة لك؟

بالنسبة لمحمود، ستبدو إدارة الذات كالتالي:

  1. كن حاضراً: “أنا أركز على هذه المحادثة، وأستمع بالفعل إلى تعليقات الجميع، وأنتبه إلى ما يحدث”.
  2. كن واعياً بذاتك: “ألاحظ أنني متحمس ومتشوق لمشاركة آرائي. أريد أن أترك انطباعاً. أدرك أيضاً أنّ الكثير من الأشخاص في القاعة يحاولون الحديث، وأعرف أنني أميل إلى الحديث بكثرة في الاجتماعات، ما قد يمنع آخرين من المشاركة”.
  3. حدّد مجموعة من الخيارات السلوكية: “أستطيع شرح أفكاري أو أن أطرح سؤالاً مفيداً أو أدعو الآخرين إلى مشاركة أفكارهم أو أن أستمع بصمت”.
  4. تعمّد اختيار السلوكيات التي يُنظر إليها على أنها الأكثر إنتاجية: “سأكبح تعليقاتي وأستمع بدلاً من ذلك إلى ما يقوله الآخرون. وعلى الرغم من أنني أريد حقاً مشاركة أفكاري، إلا أنه قيل لي مراراً وتكراراً أنني أتحدث كثيراً ولا أعطي الآخرين فرصة للمساهمة. إذا استمعت الآن، سينتهي الأمر بأن أعطي الآخرين تلك الفرصة”.

ما يجعل إدارة الذات أمراً صعباً للغاية يعود إلى ذلك التعريف. فالسلوكيات الأكثر إنتاجية تكون في أغلب الأحيان غير منسجمة مع عاداتنا أو تفضيلاتنا. (وإذا كانت منسجمة معها، فلن يكون علينا إدارة ذواتنا).

يمكن أن يترك التصرف بطريقة لا تنسجم مع تفضيلاتك شعوراً لديك بعدم الارتياح (“دائماً ما أجيب أولاً على الأسئلة. أقلق من أن يجيب الآخرون بإجابة خاطئة”)، وعدم البراعة (“لا أعرف كيف أقدم تقييماً سلبياً”)، وحتى شعوراً كريهاً (“أحب أن أكون صريحاً ويضيق صدري عندما يكون عليّ اختيار كلماتي بعناية”).

قد يثير العمل بطرق تتعارض مع عاداتنا ردود فعل سلبية مشابهة. فمع امتلاك عادة ما، ينشئ دماغنا طريقاً مختصرة وينتقل من الحافز إلى الاستجابة دون تفكير، ما يوفر الوقت والجهد. ولكن السلوكيات غير المعتادة تتطلب منا أن نفكر بشأن الموقف، وندرس الخيارات، ونحدّد أحدها، ثم نظهر سلوكاً ينسجم مع ذلك الخيار. يتطلب ذلك أن تبذل جهداً. الكفاءة التلقائية للعادات هي ما تجعل من الصعب تغييرها. ويعتبر من الأسهل والألطف اللجوء إلى عادة قديمة بدلاً من استثمار الطاقة في إيجاد عادة جديدة.

وعلى الرغم من هذه العوائق، فإنّ إدارة الذات هي مهارة يمكن تعلمها. وإليك كيفية البدء:

1. حدد الجوانب التي تريد إدارتها في ذاتك. انتبه إلى طريقة أدائك عادة، ما تقوله وما تفعله وما لا تقوله وما لا تفعله. حدّد الحالات التي لا يعمل فيها نهجك الحالي بالطريقة التي تريدها، ويمكن أن تكون إدارة الذات مفيدة في ذلك. على سبيل المثال، ربما تكون تتحدث كثيراً في الاجتماعات، مثل محمود.

2. لاحظ وتأمل أسباب عدم إدارة الذات لديك. في هذه اللحظات التي لا تدير فيها ذاتك ولكنك تريد فعل ذلك، لاحظ كيف تشعر وما ترغب بفعله وكيف تفسر ما يحدث من حولك. ما الذي يقود أفعالك؟ هل هو انعدام الوعي باللحظة، أم الرغبة في أن تظهر بمظهر جيد، أم قلة المهارة أم انعدام الأمن أم أشياء أخرى؟ إذا كنت تتحدث كثيراً في الاجتماعات، مثلاً، ففكر في سبب قيامك بذلك. ربما تحب آراءك وتفضلها على آراء الآخرين، أو أنه لم يخطر ببالك أبداً أن تتحدث أقل من المعتاد. قد يميل من يمتلكون انحيازاً نحو العمل إلى تجاهل هذه الخطوة من التأمل والانتقال مباشرة إلى التخطيط والممارسة، ولكنهم لا يفعلون ذلك. إنّ فهم السبب الذي يقودنا إلى اختيار ما نريد مهم لتغيير هذه الخيارات.

3. ادرس خياراتك وردة فعلك تجاه هذه الخيارات. بدلاً من سلوكياتك الافتراضية، إذا كنت تدير ذاتك، فماذا بوسعك أن تفعل غير ذلك؟ وما هو رد فعلك تجاه هذه الخيارات؟ لاحظ كيف تظهر تفضيلاتك وعاداتك هنا، واسأل نفسك ما الذي تحاول تجنبه عندما ترجع إلى هذه العادات والتفضيلات. وفيما يتعلق بمثال الحديث بكثرة خلال الاجتماعات، فإنّ أحد الخيارات التي يمكنك أخذها بعين الاعتبار يتمثل في انتظار الآخرين حتى يتحدثوا قبل أن تعرض وجهة نظرك. والآن، ادرس رد فعلك تجاه ذلك الخيار. هل تخاف من أن يطرح شخص ما فكرتك وأن لا يُنسب إليك الفضل لذكرها، أو ألا يمتلك الآخرون أفكاراً ذات صلة مثل أفكارك وأن يُتخذ قرار سيئ.

4. أعد خطة. والآن بما أنك تعرف ما تحتاج إلى تغييره، افهم حافزك بشكل أفضل، وتعرّف على بعض الخيارات، وفكّر في خطوات ملموسة يمكنك اتخاذها. إذا كنت تتحدث كثيراً، فقد تتضمن خطتك تحديد عدد المرات التي تتحدث فيها في اجتماع ما والمدة التي تستغرقها في الحديث، أو في أي اجتماعات ستكون مستمعاً وتلتزم الصمت.

5. مارس. العادات القديمة راسخة في عقولنا. ونحن بحاجة إلى إيجاد مسارات عصبية جديدة (عادات جديدة) لتغيير تلك العادات، وهذا يتطلب ممارسة. لو بقينا مع مثال الحديث كثيراً في الاجتماعات، فقد تبدو الممارسة مثل عدّ تعليقاتك والتوقف عند الوصول إلى الحد الأقصى منها، حتى إذا كان لديك شيء آخر مهم تريد أن تقوله. افعل ذلك مراراً وتكراراً حتى تكون قادراً على إدارة ذلك السلوك بنفسك باستمرار. وفي الوقت ذاته، اكتشف ردود فعلك على ممارستك. ما الذي بوسعك أن تتعلمه مما تقوم به، ومن كيفية استجابتك، والذي يمكن أن يؤثر على ممارستك المستمرة؟

6. كرّر العملية. عُد إلى الخطوة الثانية وراقب جهودك، وتأمل في خياراتك، وراجع خطتك، ومارس أكثر. في كل تكرار متتابع، ستتعلم أكثر بقليل عن كيفية عملك، والحافز وراء سلوكك، والطريقة التي يمكنك من خلالها تحسين ذلك السلوك.

من الطبيعي أن تتصرف بطرق تبدو جيدة أو مألوفة، أي أن لا تدير ذاتك، ولكننا إذا فعلنا ذلك طوال الوقت، فلن نتحسن في أي شيء. يجب على القادة الانتقال من مرحلة الوعي الذاتي إلى إدارة الذات كي يتمكنوا من أداء مهامهم بأقصى قدر ممكن من الفعالية. ابدأ بإدراك أفعالك الحالية، ودراسة الخيارات البديلة، ثم ابذل الجهد المطلوب لمقاومة ما قد يكون مألوفاً أو مريحاً إلى حد كبير. وبدلاً من ذلك، التزم بالتنفيذ الفعال لما هو أكثر إنتاجية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .