مع تطوير مهاراتنا وتغيّرنا، لا يلحظ الآخرون التحولات التي تطرأ على هويتنا ما لم نبذل جهداً لإبرازها لهم، وينطبق ذلك خصوصاً على الموظفين الذين مضى عليهم وقت طويل في الشركة. إذا كنت تشعر بأن زملاءك لا يقدّرون تطورك المهني، تقترح المؤلفتان 3 استراتيجيات لمعالجة هذه المشكلة وتغيير نظرة الزملاء: 1) افهم بوضوح الفجوة بين كيف يراك الآخرون وكيف ترغب في أن يروك؛ 2) توقف عن أداء المهام التي كانت جزءاً من دورك القديم؛ 3) لا تتردد في إقناع أصحاب المصلحة بأنك قد تغيرت.
قبل عقد من الزمان، كانت تالا* سابع موظفة تنضم إلى شركة ناشئة للبرمجيات الطبية، حيث عُينت مساعدة إدارية للرئيس التنفيذي للمبيعات. أما اليوم، فهي تدير فريقاً مكوناً من ثمانية مندوبي مبيعات مسؤولين جماعياً عن تحقيق إيرادات بقيمة 22 مليون دولار. عندما أعلن الرئيس التنفيذي للمبيعات عن تقاعده مؤخراً، توقعت تالا أن تكون منافسة على المنصب.
لكن الرئيس التنفيذي قرر بدلاً من ذلك البحث عن مرشحين خارجيين، مدّعياً عدم وجود مرشحين داخليين مؤهلين للوظيفة. فشعرت تالا بالضيق والغضب، مدركةً حقيقة مؤلمة اشتبهت بها طويلاً: "ينظرون إليّ مثلما كنتُ في الماضي، وليس مثلما أنا عليه الآن".
إذا كنت موظفاً موثوقاً به وقديماً في العمل مثل تالا ولا تزال تتطلع إلى النمو في حياتك المهنية ولكنك تشعر بأن التصورات القديمة عنك تعوقك، فأنت لست وحدك. بصفتنا مدربتين تنفيذيتين، عملنا مع العديد من المهنيين الذين عززوا إسهاماتهم بصورة ملحوظة بمرور الوقت، ولكن لا يزال يُنظر إليهم من خلال عدسة ماضيهم.
سنناقش في هذه المقالة سبب حدوث ذلك، والأهم من ذلك، ما الخطوات التي يمكنك اتخاذها إذا وجدت نفسك في هذا الموقف.
ما سبب تجاهل النمو المهني؟
نعرف جميعاً أشخاصاً سمحوا لمسيرتهم المهنية بتحديد هويتهم بالكامل. مع ذلك، غالباً ما نغفل عن الهوية المهنية التي منحنا إياها الآخرون، وفي الواقع، قد لا يدركون هم ذلك أيضاً.
تشير الأستاذة في جامعة جورج ميسون، سارة ويتمان، إلى هذه الهويات بـ "مخلّفات الهوية"، أو الهويات القديمة التي تبقى ملازمة لنا بدلاً من التكيف مع التغييرات التي نمر بها، وتوضح أنه بينما ننمو أو نتغير، غالباً ما تمر تحولات هويتنا دون أن يلاحظها أحد، ما لم نبذل جهداً واعياً لمساعدة الآخرين على رؤيتها.
تشير بعض الأبحاث إلى أن تغيير هذه الانطباعات الأولية (أو المبكرة) العالقة في أذهان الآخرين قد يستغرق ما يصل إلى 6 سنوات، لكن بحسب خبرتنا يمكن تغيير نظرة الآخرين إليك وإعادة صياغة سرد الشركة حول إسهاماتك. لقد نجح عملاؤنا في استخدام الخطوات الآتية لتعزيز تأثيرهم وتغيير علامتهم التجارية القيادية وإعادة وضع أنفسهم داخلياً بصورة أفضل ليعكسوا صورة القائد الذي أصبحوا عليه اليوم.
تحديد الفجوة في التصور السائد عنك
لدى كل منا مفردات نصف بها أنفسنا. ولكن كيف تختلف عما يرانا الآخرون؟ سيساعدك إدراك الاختلافات بين صورتك الذاتية ونظرة الآخرين إليك على تحديد الفجوة وصياغة الإجراءات اللازمة لردمها.
خذ على سبيل المثال، مروان*، وهو عميل لسارة (مؤلفة مشاركة في هذه المقالة) كان يشغل منصباً قيادياً رفيعاً منذ فترة طويلة في شركة للسلع الاستهلاكية المعلبة. اكتسب مروان سمعة بأنه انفعالي وعدواني بسبب بعض الانفعالات غير المناسبة التي صدرت عنه في اجتماعات سابقة. وسرعان ما ترسخت هذه النظرة وأصبحت جزءاً من عرف الشركة، وبدأت تطغى على حقيقة شخصيته الحالية.
لكن مروان صُدم عندما علم بأن الآخرين يرونه شخصاً عدوانياً. وبعد أن أدرك وجود فجوة في تصور الآخرين عنه، بدأ العمل مع سارة لتعلّم استراتيجيات لتهدئة نفسه عندما ينفعل وتحويل إحباطه إلى مناقشات بنّاءة وإعادة ترسيخ صورة القائد الذي يطمح أن يكون عليه. بعبارة أخرى، تولى مروان زمام المبادرة لردم الفجوة بين مَن يراه الآخرون وبين مَن يريد أن يكون عليه.
وائم إجراءاتك
من الشائع أن يواجه الموظفون القدامى عندما يرتقون في المناصب صعوبة في تفويض المهام والتخلي عن المسؤوليات التي كانت سر نجاحهم سابقاً. قد يجعلك التمسك بمهام عمل أديتها لوقت طويل تشعر بالإنتاجية، لكن ذلك يعني أيضاً أن زملاءك من المرجح أن يروك مرتبطاً بدورك السابق أو مسؤولياتك السابقة.
لمواجهة هذه المشكلة، ندعو العملاء غالباً إلى إلقاء نظرة فاحصة على مهامهم وأولوياتهم اليومية التي يركزون عليها، والنظر إليها في سياق الطريقة التي يمكنهم من خلالها إظهار من يريدون أن يكونوا عليه، وليس من كانوا عليه. لبدء هذه العملية، اسأل نفسك:
- ما الإجراءات التي أتخذها وتعزز هويتي القيادية الحالية؟
- أين أقضي وقتي بطريقة لا تتماشى مع قدراتي القيادية الحالية؟
- ما المهام ذات القيمة الأقل التي يجب أن أفوضها أو التوقف عن أدائها؟
- ما التوقعات أو الافتراضات التي يضعها الآخرون حول عملي؟
إذا واصلت قضاء الوقت في أعمال أقل مستوى وقيمة، فقد تحصر نفسك عن غير قصد في انطباعات قديمة.
لا تتردد في التواصل مع أصحاب المصلحة
على الرغم من جهود مروان الكبيرة لتحسين ذاته، أشارت الملاحظات اللاحقة إلى أن الآخرين لا يزالون ينظرون إليه على أنه "مروان القديم"؛ سريع الغضب ومن المحتمل أن يفقد أعصابه في الاجتماعات. لمواصلة رحلة تحوله، بدأ مروان استراتيجية متعمدة للحوار مع أصحاب المصلحة الرئيسيين: مديره ونظرائه القادة ومرؤوسيه المباشرين. طرح السؤال الآتي:
في تقييم أدائي بطريقة 360 درجة، علمت أن عواطفي لا تزال تشكّل عائقاً. لقد بذلت جهداً كبيراً لمعالجة هذا الأمر خلال العام الماضي. هل يمكنكم تقديم مثال حديث لاحظتم فيه هذا السلوك لدي؟
عند سؤالهم مباشرة، اعترف الكثير منهم أنهم لم يروا "مروان القديم" منذ زمن طويل، وأدركوا في تلك المحادثات من تلقاء أنفسهم أنهم كانوا متعلقين بذكريات عفاها الزمن. غادر مروان تلك الاجتماعات مع تعهدات من أصحاب المصلحة بإيلاء اهتمام أكبر لسلوكه الإيجابي والإشارة فوراً إلى أي سلوك غير مرغوب فيه يصدر عنه.
يميل معظمنا غالباً إلى الاعتماد على ما هو معروف ومريح لنا، وينطبق ذلك أيضاً على معتقداتنا حول الآخرين. إذا كنت موظفاً قديماً وتشعر بأن الزملاء في مؤسستك لا يرونك بالصورة التي تريد أن تكون عليها، فجرّب هذه الاستراتيجيات لتعيد تموضعك داخل المؤسسة وتصبح معروفاً بالقائد الذي أصبحت عليه الآن.
*غُيرت الأسماء لحماية الخصوصية.