كُتب الكثير عن دور القائد في التحفيز وإدماج الموظفين وإظهار أفضل ما لديهم، ودوره في توجيه الآخرين نحو العمل المناسب. ومع ذلك، تشير البحوث إلى أنه ما زال هناك الكثير الذي يمكن دراسته في هذا المجال. أظهرت دراسة أجرتها شركة "ديلويت" (Deloitte)، والتي يُستشهد بها كثيراً، أن "نسبة تصل إلى 87% من أفراد قوة العمل الأميركية لا يستطيعون المساهمة بكامل إمكاناتهم لأنهم لا يملكون شغفاً تجاه عملهم". وتكمن أهمية فجوة الشغف هذه في أن "الأشخاص الشغوفين تجاه العمل ملتزمون بتحقيق أعلى مستويات الأداء باستمرار". يقول روبرت كابلان، مؤلف كتاب "العمل الذي عليك القيام به حقاً" (What You’re Really Meant to Do)، "تشير العديد من الدراسات حول الأشخاص الناجحين إلى وجود علاقة ترابطية بين الإيمان بالمهمة والاستمتاع بالعمل والأداء المتميز". فإذا كان دور الشغف مؤثراً في إمكانات الآخرين وأدائهم العالي، كيف يمكن للقائد توجيه الآخرين نحو العمل الذي يثير شغفهم؟
احرص على تبني عقلية القائد الخادم
في ظل أعباء العمل الثقيلة، من السهل أن تتحول كل تفاعلاتك مع مرؤوسيك المباشرين إلى محادثة سريعة جداً تركز على إنجاز الأمور أو إصلاح المشاكل. ولهذا، يتطلب توجيه الآخرين نحو شغفهم تحولاً في العقلية. على الرغم من أن العديد من المؤلفين كتبوا عن مفهوم القيادة الخدمية، قدّم روبرت غرينليف أفضل التعريفات له، وهو كان أول من صاغ هذا المفهوم في مقال نُشر عام 1970. كتب غرينليف في المقال قائلاً: "القائد الخادم هو خادم في المقام الأول، ويبدأ هذا النوع من القيادة بالشعور الفطري المتمثل برغبة الفرد بتقديم الخدمة. أفضل اختبار لهذا القائد، وهو أمر من الصعب إدارته، هو: هل ينمو أولئك الذين يحصلون على خدمات كأفراد حقيقيين؟ هل يصبح أولئك الأشخاص، في الوقت الذي يُخدَمون فيه، أوفر صحة وحكمة وحرية واستقلالية، وهل يزداد احتمال تبنيهم للعقلية الخدمية أيضاً؟
ساعد الناس على اكتشاف شغفهم وإطلاقه
يمكنك أن تساعد الموظفين في استكشاف ما يثير شغفهم في العمل بإعطائهم فرصة للتمهل والتأمل. اختر المراحل المعروفة في مسار العمل لطرح أسئلة مثل:
- قبيل بدء تجربة جديدة: ما الذي يثير حماسك بشأن المشروع أو المبادرة القادمة؟ كيف تأمل أن تتطور أو تتعلم أو تنمو من خلال هذه التجربة؟
- بعد الإنجازات البارزة: ما هو الشيء الذي أسعدك أو كنتَ فخوراً به في هذا الفريق أو المشروع؟ ما الذي وجدته مجزياً أو مجدياً أو ملهماً على نحو خاص في ذلك المشروع أو المبادرة أو الحدث؟
- في مراجعات الأداء السنوية: ما هو أكثر ما استمتعت بالعمل عليه العام الماضي ولماذا؟ ما هي المجالات التي ترغب باكتساب المزيد من الخبرة فيها العام القادم؟
- في محادثات التطور المهني: ما هي تطلعاتك الوظيفية خلال الثلاثة إلى الخمسة أعوام القادمة؟ برأيك، كيف ستساعدك هذه الوظيفة في تحقيق تطلعاتك؟ ما هو مصدرك إلهامك الحالي؟
أعطِ الأولوية للعمل عند تقاطع مواضع الشغف والمساهمة
مع توافر المزيد من المعلومات بين يديك، يمكنك المساعدة بشكل أفضل في تحديد مواضع التقاء شغف موظفك بقدرته على المساهمة في الفريق والمؤسسة. وقد كتبتُ مقالاً لهارفارد بزنس ريفيو في يناير/كانون الثاني من العام 2017 حول إعطاء الأولويات لتلك الأنشطة التي يلتقي فيها الشغف مع القدرة على المساهمة. ومع أن المقال ركز على كيفية ترتيب أولويات عملك الشخصي، يمكن تطبيق إطار العمل ذاته لمساعدة مرؤوسيك المباشرين في ترتيب ألويات عملهم كذلك. وهذا يضمن إدراج الشغف ضمن المعادلة.
كن حذراً من افتراض أن إتاحة المزيد من الفرص أو إعطاء المهام الممتدة للموظفين هو السبيل إلى إطلاق شغفهم. ففي مرحلة ما، قد يؤدي هذا إلى ما يسميه مايكل كيبلر بفترة "انقطاع الطاقة"، وهو مصطلح يستخدم لوصف جزء من دورة حياة النجم. إذ يقول عن هؤلاء الأشخاص: "سيبدو لك أن أداءهم على ما يرام، فهم يقضون ساعات طويلة جداً في الاجتماعات والاتصالات عبر مناطق زمنية مختلفة، ويؤدون العمل المطلوب بينما يقودون فرَقاً عالمية أو يساهمون فيها، ويعلقون التعليقات المناسبة في الاجتماعات. ولكن الحقيقة أن هؤلاء المسؤولين التنفيذيين غالباً ما يعملون في وضعية صامتة من الإرهاق المستمر، والنتيجة المتوقعة لهذا الوضع هي الإحجام عن العمل".
اعرف الوقت المناسب لمساعدة أحدهم على المضي قدماً
عملياً، لن يكون لديك دائماً العمل أو الفرص التي تقع في منطقة الالتقاء بين "الشغف والقدرة على المساهمة" بالنسبة لموظفيك. ويكمن المفتاح هنا في أن تميز عندما يكون العمل في وظيفة ما يسير بطريقة طبيعية. ولا تكن المدير الذي يُبقي الآخرين "داخل صندوق" أو الذي يجد نفسه حبيس وجهة نظر قديمة حول شخص ما. كما أن عدم السماح لموظفيك بالمضي قدماً أو فرد أجنحتهم قد يسبب حالة من استنزاف الشغف.
اقرأ أيضاً: حل مشكلة فقدان الشغف
إن أكثر ما أدهشني في مقال سيدني فنكلستين الذي نشره عام 2016 في هارفارد بزنس ريفيو تحت عنوان "أسرار المدراء الاستثنائيين" (Secrets of the Superbosses)، والذي كتبه بناء على مراجعته لآلاف المقالات والكتب بالإضافة إلى أكثر من 200 مقابلة شخصية، كان كيفية تقبل المدراء الاستثنائيين لحالة "الاستنزاف". هم يدركون أن الأشخاص "الأذكياء والمبدعين والمرنين عادة ما تكون حياتهم المهنية سريعة الخطى. وحتى بعد خروج أحد الموظفين من مؤسستهم، يستمر هؤلاء المدراء في توجيه النصائح وتقديم المعارف إليه ومنحه العضوية في شبكات التعارف الخاصة بهم".
قد تكون مساعدة الآخرين في التوجه نحو العمل المناسب لهم والذي يثري شغفهم والحصول عليه من المهام المجزية ضمن عمل القائد. وبتبني عقلية القائد الخادم ومساعدة الآخرين على الاستكشاف ومنح الأولوية للشغف والقدرة على المساهمة ودعم المستقبل المهني للآخرين بما يتجاوز أدوارهم الحالية، لن تزيد انخراط الموظفين فحسب، بل ستكون قد ساهمت على الأرجح في بناء علاقات طويلة الأمد.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: مخاطر تعويم العملة