ملخص: تعد التقنيات المزعزعة مثل تطبيقات البلوك تشين والذكاء الاصطناعي محفزات قوية للتغيير، فهي ليست قادرة على تغيير طريقة عمل الشركات فحسب، بل وتغيير ما يمكن لهذه الشركات فعله أيضاً، وتغير طريقة تفاعل الشركات مع العملاء. خذ مثلاً حالة شركة "إنتراك كورب" (Interac Corp.)، وهي أكبر شركات خدمات الدفع الإلكتروني في كندا، إذ تشاركت مع شركة طاقة من أجل تغيير عادات المستهلكين عن طريق برنامج حوافز قائم على تقنية "البلوك تشين" (سلسة الكتل)، وتمكن هذا البرنامج من توفير المال لشركة الطاقة ورفع كفاءة النظام بأكمله. يمكن للقادة استقاء عدة دروس من هذه الحالة. 1) التقنيات مثل تقنية البلوك تشين قادرة على تحويل القطاعات، 2) التعاون هو طريقة فعّالة لإجراء الاختبارات، 3) التفاعل على نطاق الشركة بأكملها قادر على بناء الزخم من أجل الابتكار، 4) الغاية الاجتماعية هي محرك قوي للتغيير.
من الصعوبة بمكان تغيير الطريقة التي تتبعها الشركة في إجراء عملياتها الأساسية، كطرح خدمات جديدة أو إجراء عملية إعادة هيكلة بهدف رفع الكفاءة. وفي عصر الإنترنت الأول، شهدنا الضغط الهائل الذي حمّلته عملية التحول على الشركات والقطاعات والأنظمة الاقتصادية بأكملها. واليوم، لا يرغب الموظفون بالتغيير غالباً لأنهم اعتادوا على قواعد محددة، ولا يرغب المسؤولون التنفيذيون بالتغيير غالباً لأنهم يخشون التكاليف والمخاطر المرتبطة باحتضان الابتكار. لكن وعلى الرغم من العقبات، فالتحوّل يتمتع بقدر كبير من الأهمية بالنسبة للشركات التي تسعى للاستمرار والازدهار في عصر الزعزعة الرقمية الحالي.
وفي حين قد تجبر قوى السوق الشركات للخضوع لعملية تحوّل، فالتقنيات المزعزِعة كالبلوك تشين والذكاء الاصطناعي قادرة على توفير حافز قوي للتغيير. وتماماً كما أدمجت المؤسسات الرائدة الإنترنت في نسيج أعمالها في عصر الإنترنت، يجب على الشركات الحديثة أن تتكيف مع العصر الحالي آخذة التقنيات الناشئة التي نشهد ولادتها اليوم في حسبانها.
نهتم كلانا، مؤلفا هذه المقالة، بتقنية البلوك تشين وبفهم الفرص التي تولدها. "دون" هو المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمجلس الإدارة في "معهد أبحاث البلوك تشين"(Blockchain Research Institute)، وهو مركز تفكير عالمي يضم أكثر من 100 عضو من المؤسسات الملتزمة باستكشاف استراتيجية تقنية البلوك تشين وإعادة تصور تصميم الشركات. وريكاردو هو المدير التنفيذي لمبادرة "برايتلاين" (Brightline Initiative)، وهي عضو مؤسس لـ "معهد أبحاث البلوك تشين"، حيث يعمل ريكاردو مع صنّاع القرار العالميين من أجل فهم التقنيات الناشئة، مثل البلوك تشين.
وشركة "إنتراك" هي عضو مؤسس آخر لـ "معهد أبحاث البلوك تشين" وأحد مموليه أيضاً، وهي أكبر شركات خدمات الدفع الإلكتروني في كندا. وكانت قد سارعت بتبني التقنيات الناشئة من أجل التوسع في القطاعات الجديدة وتسريع التحول الرقمي. أُسست شركة "إنتراك" منذ قرابة 40 عاماً كجمعية غير ربحية مسؤولة عن إدارة شبكة "إنتربانك" بين المصارف الكندية. ولكن في بداية عام 2018، ومع تسارع الثورة في مجال الخدمات المصرفية الرقمية، قامت الشركة بعملية تحول استراتيجية لتصبح مؤسسة ربحية، ما أدى إلى منحها الحرية لتتمكن من الابتكار والاستثمار بطرق جديدة. وعلى وجه الخصوص، فقد ساعدها تبني تقنية البلوك تشين على تحويل قطاعات بأكملها وتحويل نفسها في الوقت ذاته، حيث تتيح هذه التقنية تبادل الأصول وتحويلها إلى مبالغ نقدية تُدفع بصورة فورية عند استيفاء شروط معينة.
إطلاق شرارة ثورة لتحسين استهلاك الطاقة
يستخدم ما يزيد عن 16 مليون مواطن كندي شبكة شركة "إنتراك" التي تم تأسيسها في عام 1985 في كل شيء، بدءاً من دفع نفقاتهم كمستهلكين وصولاً إلى إجراء التحويلات بين المصارف. وكي تتمكن شركة "إنتراك" من توسيع عرض القيمة، بدأت بتنويع ممارساتها في الأعمال سعياً للعثور على فرص للدخول إلى الأسواق الجديدة وعمليات التحول في القطاعات الرائدة.
تمكنت الشركة من تحديد إحدى هذه الفرص في قطاع الطاقة، حيث تؤدي الشهرة المتنامية للسيارات الكهربائية إلى ظهور مشكلة طفرة جديدة.
يقول أوسكار روكيه، نائب الرئيس المساعد للابتكار والبحث والحلول الجديدة في شركة "إنتراك" إن ذروة الطلب على شواحن السيارات الكهربائية تكون عادة بين الساعة الخامسة والسابعة مساءً. ففي مدينة تورونتو على سبيل المثال، يتوجه جميع الركاب إلى منازلهم عائدين من العمل في نفس الوقت تقريباً، ويقومون جميعهم بشحن سياراتهم في نفس الوقت، ما يسبب ضغطاً كبيراً على القدرة الاستيعابية للشبكة. ومع ازدياد أعداد الناس الذين يقتنون السيارات الكهربائية، يمكن أن يتفوق الطلب على شحن السيارات المتعطشة للطاقة في ذروته على كمية الطاقة المعروضة، ما يجبر شركات الخدمات على الاستثمار في زيادة سعتها بتكلفة كبيرة. كان من الممكن حل المشكلة بتوزيع حمل ثابت من الطاقة على مدى فترة زمنية طويلة، لكن شركات الخدمات افتقرت إلى الوسائل اللازمة لتحفيز المستهلكين على تغيير سلوكهم.
وهنا جاء دور شركة "إنتراك"، فمن خلال عملها مع شركتي "أليكترا يوتيليتيز" (Alectra Utilities) و"آي بي إم"، تمكنت من تصميم حلّ قائم على تقنية البلوك تشين من أجل تحسين استهلاك الطاقة، حيث اختار البرنامج التجريبي عملاء ممن يمتلكون ألواح الطاقة الشمسية أو بطاريات كهربائية منزلية أو سيارات كهربائية ودعاهم لتحميل تطبيق على أجهزتهم الذكية يقدم حوافز نقدية فورية لقاء اتخاذ خيارات فعّالة تساعد على توفير الطاقة.
تناول هذا التطبيق جانبي العرض والطلب من مشكلة الطفرة في استهلاك الطاقة. أولاً، حفّز البرنامج العملاء على تحديد مواعيد لشحن سياراتهم بعيداً عن ساعات الذروة، وعند منتصف الليل أحياناً، عن طريق تقديم مكافآت تتمثل في قسائم رقمية تدعى "سباركس" (sparks) يمكنهم تحويلها إلى نقود عن طريق شبكة شركة "إنتراك". ثانياً، في أوقات ذروة الطلب على الطاقة، تمكنت شركة "أليكترا" من تسخير قدرات "معمل الطاقة الافتراضي" لدى عملائها ودفع المال لمالكي المنازل مقابل ضخ الطاقة إلى شبكة الكهرباء مباشرة من ألواح الطاقة الشمسية على أسطح منازلهم وبطاريات الليثيوم أيون التي يستخدمونها لتخزين الطاقة. ومن أجل كلتا العمليتين، أنشأت البنية التحتية القائمة على تقنية البلوك تشين مسار بيانات قابل للتدقيق والتحقق لكل كيلوواط من الطاقة يتم توفيره أو ضخه وكل قسيمة رقمية يتم تقديمها. كما ضمنت هذه البنية التحتية لأصحاب المنازل إمكانية صرف قسائمهم.
أدى هذا المفهوم إلى تغيير قواعد اللعبة لشركتي "إنتراك" و"أليكترا"، وهو يوضح كيف تعزز تقنيات البلوك تشين بُنى الحوافز القوية التي تشجع على تبني السلوكيات التعاونية. تقول نيتيكا ساتيه، نائبة رئيس مركز الطاقة الخضراء والتقنية في شركة "أليكترا": "نمرّ الآن بمرحلة تغير جيلي، ويشهد قطاع الخدمات زعزعة جوهرية. لم يعد مستهلكو الكهرباء سلبيين، فهم يرغبون في أن يكونوا مستهلكين منتجين عن طريق إنتاج الكهرباء وبيعها وشرائها وفقاً لتفضيلاتهم".
يعتبر نجاح برنامج شركة "أليكترا" دليلاً على أن الحوافز النقدية الفورية هي محركات قوية لتغيير سلوك المستهلكين. ووفقاً لما يقوله روكيه فإن هذا البرنامج "أشبه ببرنامج ولاء العملاء لكنه يعود بفوائد اجتماعية وبيئية".
القيادة والاندماج في التحول المؤسسي
لا تقتصر عملية تحويل الشركة على تحديث التقنيات والأدوات التي تستخدمها، على الرغم من أن الشراكة بين شركتي "إنتراك" و"أليكترا" كانت تستدعي ذلك. يتطلب تحول الشركة التزاماً مؤسسياً عميقاً بتغيير طرق إنجاز العمل وتعاون الفرق وارتباط الشركة بعملائها وطرق الابتكار. في شركة "إنتراك"، كان ذلك يعني بناء فرق جديدة وإنشاء فرص جديدة للتعاون الداخلي وتعزيز ثقافة تلائم البيئة المضطربة للتقنيات الناشئة.
على سبيل المثال، من أجل المضي بمشاريع البلوك تشين قدماً، بنت شركة "إنتراك" فريقاً داخلياً مرناً يركز على التقنيات والحلول الناشئة، ويسارع بإنشاء نماذج أولية واختبار الأفكار ونماذج العمل الجديدة. يقول روكيه، وهو قائد هذا الفريق: "نركز في فريقنا على الأبحاث والاستراتيجية وتطوير المنتجات الجديدة". كما بينت الشركة الحدود بوضوح، وفيما يتعلق ببناء مكونات التقنية فهي تستعين بمستشارين وبائعين خارجيين لمساعدتها.
تنطوي عملية التحول الناجحة على بناء حركة توائم بين الأساليب التي تتجه من الداخل إلى الخارج والأساليب التي تتجه من الخارج إلى الداخل، وهذه الحركة يقودها كبار القادة الملتزمين داخل المؤسسة، ويعمل على تصميمها وتوجيهها عدد كبير من الموظفين، ومنهم أفراد فرق الإدارة والخطوط الأمامية الذين يساهمون في نجاح المؤسسة. يقول روكيه: "عندما تجعل العملية مفتوحة، سرعان ما ترى أن لديك عشرات من الموظفين الشغوفين برحلة التحول والملتزمين بها. وهذا يعني أن لديك عشرات الموظفين الذين يدافعون عن نجاح المشروع". بعبارة أخرى، استثمر في إشراك الموظفين في رحلة التحول، وسترى أنهم أصبحوا جميعاً أبطالاً في تنفيذ المشاريع وتسليمها.
نصائح مهمة لقادة الشركات
تواجه القطاعات اليوم الزعزعة التي تثيرها التقنيات الرقمية الجديدة، مثل البلوك تشين. لذا، نقدم أفكاراً مهمة استقيناها من شركات مثل "إنتراك" و"أليكترا" للمسؤولين التنفيذيين في الشركات، والذين يرون التحول ضرورياً.
تتمتع تقنية البلوك تشين بالقدرة على تحويل أنظمة عمل الشركات بأكملها
لم يكن عمل شركة "إنتراك" مع تقنية البلوك تشين في بناء منصات وتطبيقات تحفز سلوكيات معينة مقتصراً على قطاع الطاقة، بل بدأت برامج تجريبية جديدة في قطاع الصحة أيضاً. فقد طورت شركة "إنتراك" بالشراكة مع مؤسسة "هارت أند ستروك" (Heart & Stroke Foundation) برنامجاً يعمل على منح المشاركين قسائم يمكن صرفها في المتاجر الكندية الكبرى إذا حققوا إنجازات صحية مهمة أو حافظوا عليها. وباستخدام تقنية البلوك تشين، يمكن لأنظمة العمل في الشركات دمج آليات حوافز تهدف لتعزيز مزيد من السلوكيات المستدامة.
التعاون طريقة فعالة لاختبار التقنيات الناشئة
سيؤدي جمع القدرات المتكاملة الموزعة على عدة مؤسسات إلى توفير الوقت والموارد الأخرى. ففريق الابتكار الداخلي في شركة "إنتراك" يعمل على تحفيز استراتيجية الأعمال وتصميمها، مستفيداً من الخبرات والإمكانات التي تتمتع بها شركات رائدة مثل "آي بي إم" وشركات مساهمة مثل "أليكترا" في مجال تقنية البلوك تشين. وعن طريق تعاون القطاعات فيما بينها، ستتمكن الشركات من تقسيم التكاليف وتخفيض مخاطر الابتكار أيضاً، مع بقائها طرفاً في مشاركة الرؤى الثاقبة والفوائد.
يولد الاندماج على صعيد المؤسسة بأكملها زخماً للابتكار
مع تطور عالم الدفع الرقمي بوتيرة سريعة، أدرك روكيه أن عليه ممارسة دور فاعل وإيجابي في عملية التحول في شركة "إنتراك". لكن لم يكن أسلوب القيادة المتدرج من القمة إلى القاعدة كافياً، وساعدت قدرة كل فرد في الفريق على اختيار مشاريع التغيير الاستراتيجي التي يود العمل عليها في استمرار تركيز الجميع على أدائهم كفريق واحد.
الغاية الاجتماعية هي حافز قوي للتغيير
وفقاً لروكيه، فإن الأجيال الشابة تقود تغيراً جوهرياً في طريقة تفكير الشركات بشأن خلق القيمة والتقدم. يقول: "الناس والكوكب والربح هي مبادئنا التوجيهية، ويجب أن تكون هذه الزوايا الثلاث هي الدافع لكل ما نفعله ونفكر فيه". مع تزايد اهتمام الجيل الجديد بقضايا مثل التغير المناخي، ستبدأ قوى السوق باختيار الشركات الأكثر استدامة ومنحها الأفضلية. وبناء نظم أعمال حديثة تضم بُنى الحوافز التي تعزز الاستدامة هو ضمان لنجاح السوق على المدى الطويل.
اقرأ أيضاً: حلول مقاومة التغيير