أصدرت ولاية "ماساتشوستس" الأميركية، في العام الماضي، أول قانون في الولايات المتحدة يحظر على أرباب العمل سؤال المرشحين للوظائف عن رواتبهم السابقة. ومنذ ذلك الحين، اتبعت بالفعل عدة مدن وولايات النهج ذاته، بينما تفكر أخرى في إقرار تشريع مماثل. وأثار هذا الأمر بعض المناقشات الساخنة، بل وأدى إلى رفع دعوى قضائية في إحدى المدن من طرف الغرفة التجارية بفيلادلفيا. فما تأثير ذلك على تحقيق المساواة في الأجور؟
كان القصد وراء هذا النوع من التشريعات هو معالجة الفجوة في الأجور بين الجنسين، عبر ضمان عدم ملازمة الأجور المنخفضة للنساء من وظيفة إلى أخرى، ومن ثم تحقيق المساواة مع مرور الوقت. وبدورها، أجرت "باي سكيل" (PayScale) التي أعمل بها، وهي شركة متخصصة في البرمجة والبيانات وتقديم برامج التعويض للموظفين، استطلاعاً لفهم العلاقة بين السؤال عن تاريخ الراتب وفجوة الأجور بين الجنسين بشكل أفضل. إذا أنها تقوم، بشكل منتظم، بفحص الاتجاهات والأسئلة المتعلقة بأجور الموظفين بانتظام. وقد فاجأتنا النتائج التي اكتشفناها مثلما فاجأت تقريباً جميع الأشخاص الذين تقاسمنا معهم البيانات حتى الآن - بدءاً من مستشاري المهن، مروراً بالمدافعين عن المساواة بين الجنسين، وصولاً إلى أرباب العمل والموظفين الذين اعتقدوا أنهم يقومون بواجباتهم بشكل صحيح.
وفي الفترة بين شهري نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو من هذا العام، طلبنا من 15,413 باحثاً عن عمل، قد زاروا موقع PayScale.com، تقييم تجربة تقدمهم لعرض عمل حديث فيما يتعلق بما إذا كانوا قد كشفوا عن رواتبهم في وظائف سابقة في أي لحظة من لحظات المقابلة. وكانت الإجابات المتاحة كما يلي:
- (أ) لا، ولم يسأل صاحب العمل.
- (ب) لا، لكن صاحب العمل سأل.
- (ج) نعم، سأل صاحب العمل عن تاريخ راتبي.
- (د) نعم، لقد قدمت طواعية معلومات عن تاريخ راتبي.
- (هـ) لا أتذكر.
كما سُئِل المشاركون أيضاً عدداً من الأسئلة التفصيلية، كجزء من الدراسة الاستقصائية المستمرة لمسألة تعويضات الموظفين في (PayScale). وكانت الأسئلة تتعلق بهم وبصاحب العمل - من حيث المسمى الوظيفي، والموقع، وسنوات الخبرة، والصناعة، والعمر، والجنس، إلخ. وعند دراسة النتائج المتعلقة بالفجوة المحتملة في الأجور بين الجنسين، حرصنا على التحكم في جميع هذه العوامل باستثناء نوع الجنس، للتأكد من أننا كنا نقارن أفراداً متماثلين يبحثون عن وظائف متماثلة في شركات متماثلة.
وقد كشفت الدراسة شيئاً مختلفاً عما يعتقده الكثيرون. إذ أن هناك افتراضاً شائعاً جداً يفيد أن كشف تاريخ راتبك، خاصة إذا كانت قيمته أقل من القيمة السوقية، يمكن أن يؤثر سلباً على العرض المقدم من صاحب العمل الذي تجري معه مقابلة. ولكن هذه الدراسة كشفت أن المرأة التي سُئلت عن راتبها السابق ورفضت الكشف عنه تلقت عرضاً أقل بالفعل بنسبة 1.8% من امرأة طُلب منها ذلك وكشفت عنه. وفي المقابل، عندما رفض رجل الإفصاح عن تاريخ راتبه عند سؤاله عنه، تلقى عرضاً أعلى بنسبة 1.2% من الرجل الذي أفصح عنه.
وكما هو الحال مع أي تحليل للبيانات، قد تختلف الظروف الفردية. لذلك من الممكن جداً أن يؤثر كشف راتبك السابق أحياناً بشكل سلبي على العرض المقدم لك. لكن على الصعيد الأوسع، هذا الأمر لا يحدث دائماً. فيبدو أن هذه النتائج تقوض الأساس المنطقي لمسألة حظر الأسئلة حول تاريخ الراتب من أجل إنصاف النساء في قضية التعويضات.
التحيز اللاواعي في الأجور
ولكن السؤال هنا: "لماذا يؤثر عدم الإفصاح عن تاريخ الراتب بشكل سلبي على النساء وبشكل إيجابي على الرجال فيما يخص عروض الرواتب المقدمة لهم؟ ورغم أن تحليلنا لم يكشف عن الإجابة، لكن بناءً على بعض الدراسات المعروفة حول التحيز اللاواعي، لديّ فرضيتان:
-
يتفاعل الناس سلباً عندما تتفاوض النساء للحصول على رواتب أعلى
إذ نعلم من خلال العديد من الدراسات أن النساء يواجهن "تكلفة اجتماعية" لا يواجهها الرجال عندما يبدؤون التفاوض على الراتب، بغض النظر عن جنس الشخص الذي يتفاوضن معه. وربما تكون النساء، في دراستنا، قد بعثن إشارة من خلال عدم الكشف عن رواتبهن، إلى صاحب العمل مفادها أنهن عازمات على التفاوض، وعوقبن بالتالي على ذلك. ويبدو أن النساء وحدهن قد عوقبن على إرسال هذه الإشارة، بينما لم يعاقب الرجال عليها.
-
قد يفترض أصحاب العمل أن النساء اللائي يرفضن الكشف عن الأجر يتقاضين أجراً أقل
قد يخرج صاحب العمل، سواء كان عن وعي أم لا، باستنتاجات معينة حول راتب المرأة عندما ترفض الكشف عنه. فحقيقة استمرار فجوة الأجور بالنسبة للنساء مسألة موثقة توثيقاً جيداً، ويدرك معظم مدراء التوظيف على الأرجح هذه المسألة. فهل يؤثر جنس المرشح الذي يرفض الإفصاح عن الأجر على تصور صاحب العمل للمرتب المحتمل لهذا المرشح (بمعنى أنه من المرجح أن تحصل المرأة على راتب منخفض)؟ في حالة عدم وجود معلومات، ما المعلومات التي يتم افتراضها؟
في دراستنا، يميل الرافضون عن كشف رواتبهم، سواء من الذكور أو الإناث، إلى تقاضي راتب أعلى في وظائفهم الحالية أكثر من المرشحين الذين كشفوا عن تاريخ رواتبهم، بصرف النظر عما إذا كانوا قد سُئلوا عن ذلك أو تطوعوا بالإفصاح عن معلوماتهم. وفي هذه الحالة، ما يجهله صاحب العمل يمكن أن يضر ببعض المشاركات في الدراسة، لأن العروض المقدمة لهؤلاء النساء كانت أقل من تلك المقدمة للنساء اللائي كشفن عن الراتب.
هناك الكثير من الأبحاث التي يتعين إجراؤها حول هذا الموضوع في (PayScale)، لكن يتضح في الوقت نفسه، أن السؤال عن تاريخ الرواتب له تأثير سلبي على النساء المرشحات للوظائف، بطريقة مختلفة عما كان يُعتقد سابقاً. كما تجدر الإشارة إلى أنه من المحتمل وجود معيار مزدوج في أي طلب لتاريخ الراتب: فعندما يسأل أصحاب العمل عن الرواتب السابقة، فإنهم يطلبون من المرشح مستوى من الشفافية غالباً ما لا يقدمونه هم أنفسهم. فجرّب أن تسأل مجموعة من مسؤولي التوظيف أو مدرائه عما إذا كانوا يفكرون في تضمين نطاقات الرواتب في عروض الوظائف التي يقدمونها. أتوقع أن تكون ردودهم عبارة عن صمت محرج.
وخلاصة القول هي أن هناك طريقة أفضل للتعامل مع هذا الموقف. إن السبب الأكثر مثالية بين أصحاب العمل للسؤال عن تاريخ الرواتب هو التأكد من أنهم لا يقدمون مرشحين للمقابلة يتقاضون أصلاً أكثر من الميزانية المخصصة للمنصب. ومع ذلك، تتدخل بعض الدوافع المضلِّلة في هذا الأمر. إذ يحاول بعض أصحاب العمل تحديد ما يجب دفعه كراتب مقابل الوظيفة عن طريق طرح السؤال على بضعة مرشحين أولاً. بينما يأمل أرباب عمل آخرون التوفير في الميزانية عن طريق خفض العرض المتوقع بناءً على الأجر الفعلي للمرشح. وجميعهم ليسوا أسباباً وجيهة لطلب تاريخ الراتب، ولا تُسفر عموماً عن النتيجة المناسبة سواء للمرشح أو لصاحب العمل.
كيف يمكن للمدراء تحقيق المساواة في الأجور بالنسبة للموظفين الجدد؟
والسؤال هنا ما الذي يمكن أن يفعله أصحاب العمل بدلاً من ذلك؟
-
توقف عن طرح السؤال
يجب أن تكون بداية العلاقة مع الموظفين الجدد المحتملين جيدة، لذلك لا تضعهم في موقف حرج يضطرون خلاله إلى اتخاذ قرار بشأن ما سيكشفونه بشأن رواتبهم السابقة. علاوةّ على أن تجنُّب السؤال يعطي انطباعاً أفضل عن طريقة تحديد الأجور في المؤسسة.
-
سعِّر الوظيفة، وليس الشخص
يجب ألا يتأثر الراتب الذي يحدده صاحب العمل مقابل وظيفة معينة بالراتب الحالي للمرشح. وإنما يجب أن تكون التعويضات قراراً يعتمد على البيانات استناداً إلى القيمة الحالية لوظيفة معينة في سوق الكفاءات. ومن المؤكد أن المهارات الفريدة للمرشحين قد تضعهم في مرتبة أدنى أو أعلى من النطاق المحدد مسبقاً، ولكن لا ينبغي أن يكون راتبهم الحالي هو الأساس لتحديد راتبهم الجديد.
-
عدِّل آلية إعداد توقعات الأجور
إذا كان سبب طلب تاريخ الراتب هو تحديد ما إذا كان أجر المرشح أعلى من الميزانية المتاحة للمنصب، فهناك طرق أخرى للوصول إلى الإجابة ذاتها. إذ يمكن لأصحاب العمل أن يسألوا المرشح عن توقعات راتبه. أو يمكنهم التفكير في خطوة جريئة ويحاولوا تقاسم نطاق الأجور في منصب ما. فيمكنهم أن يوضحوا أنه سيتم وضع المرشح في النطاق بناءً على مجموع مهاراته المحددة أو مستوى خبرته.
وتمثل عملية التفاوض فرصة لبدء محادثة مفيدة حول طريقة تحديد وإدارة الأجور في المؤسسة. وبدلاً من التعامل مع عملية التفاوض هذه كوسيلة لتوفير المال، يمكن لأصحاب العمل ومدراء التوظيف استغلالها لبناء الثقة مع المرشح - رجلاً كان أو امرأة - منذ البداية.
ويبقى أن نرى ما إذا كان التشريع الذي يحظر على أصحاب العمل طرح سؤال عن تاريخ الرواتب سيمتلك أي تأثير إيجابي من حيث سد فجوة الأجور بين الجنسين وتحقيق المساواة في الأجور. فإذا كان ما يحدث تحيزاً لاواعياً من أصحاب العمل تجاه النساء اللواتي يرفضن الإجابة عن السؤال، فإن عدم طرح السؤال قد يسد حيزاً من الفجوات التي نراها في العروض المقدمة للنساء المصرحات بأجورهن مقابل الرافضات. أما إذا كانت حقيقة الأمر تتعلق بأصحاب العمل الذين يملؤون استمارات الرواتب بشكل مختلف بناءً على الجنس عندما لا يصرح المرشحون برواتبهم، فقد لا يؤدي فرض حظر على طلب سجل الرواتب إلى تحقيق المطلوب.
اقرأ أيضاً: