ملخص: أدى ظهور منصات التعاون الرقمي والأساليب الجديدة في جمع البيانات والتكنولوجيات والنُهج الجديدة المتبعة في البحث عن المواهب وإدارتها، إلى إعادة تحديد الكيفية التي ستبني بها الشركات قوتها العاملة في المستقبل. وزاد العمل عن بُعد من الحجم الهائل للاتصالات الرقمية ونواتج العمل التي يحققها الموظفون، مدفوعة باعتماد منصات التعاون مثل "مايكروسوفت تيمز" (Microsoft Teams) و"سلاك" (Slack) على نطاق واسع. يُعد هذا النوع من بيانات الموظفين هو السبيل إلى التعامل مع العنصر البشري في عالم الشركات من أجل تحديد أفضل الموظفين والاحتفاظ بهم، ومن خلاله يمكن عملياً تحليل كل جانب من جوانب الأداء باستخدام التكنولوجيات المتاحة اليوم، ما يجدد عملية استقطاب المواهب وإدارتها. وحالات الاستخدام المحتملة لا حصر لها.
بدأ مصطلح "التنافس الحاد لاستقطاب المواهب" الذي يتم تداوله في وسائل الإعلام منذ أن صاغته شركة "ماكنزي آند كومباني" (McKinsey & Company) في عام 1997، في اكتساب معنى جديد تماماً بعد "كوفيد". فقد ازدادت حدة التنافس للعثور على المواهب والاحتفاظ بها مع تحول أماكن العمل التقليدية إلى أماكن عمل افتراضية وهجينة، مترابطة بشكل ضعيف من خلال التعاون عن بُعد. والتوسع إلى ما يتجاوز حدود العمليات التقليدية يؤدي إلى إبطال العديد من الممارسات السابقة المتعلقة بتحديد المواهب ودعمها، ولم يعد لمبدأ "الإدارة بالتجوال أو بالمعاينة" فائدة بعد الآن.
وفي الوقت نفسه، أصبحت هناك كميات كبيرة من البيانات الجديدة متاحة فجأة لمساعدة الشركات على الإجابة عن الأسئلة الرئيسية المتعلقة بقوتها العاملة واحتياجاتها. وأدى ظهور منصات التعاون الرقمي والأساليب الجديدة في جمع البيانات والتكنولوجيات والنُهج الجديدة المتبعة في البحث عن المواهب وإدارتها، إلى إعادة تحديد الكيفية التي ستبني بها الشركات قوتها العاملة في المستقبل.
كيفية تحديد المواهب واستقطابها في الشركات
بوصفنا شركة متخصصة في إدارة المعلومات ولديها خبرة في البيانات الضخمة، غالباً ما نجد أنفسنا نطبق نُهجاً جديدة لتحديد المواهب من أجل المؤسسات الأكثر قدرة على الابتكار. وبصفتي رئيساً تنفيذياً يبحث بشكل مستمر عن المواهب، فقد رأيت بنفسي كيف يمكن للبيانات أن ترتقي بممارسات التوظيف في الشركات إلى ما يتجاوز حدود النهج النمطي "المستند إلى الحدس" وتوجهها نحو اتخاذ قرارات مستندة إلى أدلة باستخدام مؤشرات مفيدة ولكن من الصعب ملاحظتها. ومن منطلق إنارة الطريق للمستقبل، جمعت بعض رؤانا الرئيسية في هذا النموذج الجديد.
ابحث في الداخل قبل الخارج
لا يُعد "البناء"، وليس "الشراء"، مفهوماً جديداً في مجال استقطاب المواهب، ولكن هناك صعوبات ملازمة له تكمن في البحث داخل قوتك العاملة الحالية للعثور على المرشح الأكثر ملاءمة للمنصب الجديد. ففي المتوسط، يحصل موظفو الشركات على نتائج أعلى في مراجعات الأداء كما أن تكلفتهم أقل من نظرائهم خارج الشركة، لكن يقترح 60% من مدراء التوظيف أنه يمكن تحسين التوظيف الداخلي عن طريق تحسين عملية تحديد مهارات الموظفين الحاليين. ولحسن الحظ، تم الدمج بين توجهين رقميين في العام الماضي لجعل مهمة تحديد المواهب الداخلية أسهل بكثير.
أولاً، زاد العمل عن بُعد من الحجم الهائل للاتصالات الرقمية ونواتج العمل التي يحققها الموظفون، مدفوعة باعتماد منصات التعاون مثل "مايكروسوفت تيمز" و"سلاك" على نطاق واسع. ثانياً، نظراً إلى أن المؤسسات عادة ما تكون ملزمة بإدارة هذه "البيانات غير المنظمة" لأغراض التقاضي والامتثال وحفظ السجلات والخصوصية، فقد اتخذت بعض المؤسسات الخطوة التالية المتمثلة في الاستفادة من تلك البيانات في استخلاص رؤى أو "تحليل بيانات الأشخاص". فبيانات الموظفين هي السبيل إلى التعامل مع العنصر البشري في عالم الشركات، ومن خلالها يمكن عملياً تحليل كل جانب من جوانب الأداء باستخدام التكنولوجيات المتاحة اليوم.
تذكر أن التكنولوجيا صديقتنا
لم تظهر فائدة تحليل بيانات الأشخاص إلا مؤخراً، لكن المؤسسات بدأت بالفعل في تحليل البريد الإلكتروني والرسائل الأخرى لاتخاذ قرارات داخلية أفضل فيما يتعلق بالتوظيف والترقية. على سبيل المثال، غالباً ما يترك الموظفون أصحاب الأداء العالي مسارات التواصل الإلكترونية التي تجتاز الحدود بين الأقسام ويستخدمون الشبكات غير الرسمية بدلاً منها، وهو أمر يمكن معرفته من خلال تحليل بيانات الأشخاص. وبالمثل، يمكن عادة العثور على الخبراء المتخصصين من خلال تحليل المفردات وفحص معايير مثل مَن الذي يطرح عليه الموظفون الآخرون معظم الأسئلة. ويمكن للمؤسسات التي تستفيد من هذه الرؤى أن تقلل بشكل كبير من مستوى الصعوبة التي ينطوي عليها العثور على المواهب الداخلية ومطابقتها مع فرص الترقية.
تزخر المؤسسات بوظائف جديدة شاغرة ووظائف قديمة ربما فقدت أهميتها في بيئة العمل الافتراضية. لنأخذ على سبيل المثال مندوب المبيعات الميداني الذي أصبحت مجموعة مهاراته غير مستغلة على نحو كامل أو القسم المكلف بإدارة التكنولوجيا والبنية التحتية داخلياً الذي يتم استبدال التكنولوجيا السحابية به. من خلال تحليل التغييرات في حجم التواصل والتوجهات والميول، يمكن للمؤسسات تحديد الموظفين الذين كانت أدوارهم هي الأكثر تأثراً. ووضع برنامج يهدف إلى إعادة التموضع وترقية الموظفين المؤهلين لشغل أدوار ذات تأثير أعلى يمكن أن يعزز مرونة الشركة، ويجب أن يكون هو الخطوة الأولى اللازمة عند البحث عن المواهب وإعادة تحديدها.
انظر إلى قطع الأحجية المؤسسية بأكملها
إلى جانب تقييم الأداء، أصبح بالإمكان معالجة المسائل الأساسية من خلال تحليل بيانات الأشخاص. إذ إن تدفق الاتصالات يمكن أن يخبرنا الكثير عن كيفية عمل المؤسسة، ولكن غالباً ما تحجبه الهياكل التنظيمية الصارمة التي عفا عليها الزمن. ولكن بالنظر إلى قطع الأحجية بأكملها، يمكن للشركات أن تبدأ في معرفة القطع التي لديها والقطع التي تحتاج إليها وكيف تتلاءم معاً. ما هي الشبكات غير الرسمية المؤثرة التي تساهم في الأداء الفردي والإداري والأداء على مستوى الشركة؟ وكيف يمكن للشركة تحديد "أصحاب التأثير" ودعمهم والتأكد من عدم تجاهلهم، أو ما هو أسوأ، فقدانهم دون قصد؟ يمكن أن يكون لهذا النوع من تحليل الموارد البشرية تأثير كبير وفوري على أداء الشركة.
ويمكن أيضاً أن تعيد التكنولوجيا تحديد نطاق عملية استقطاب المواهب من خلال الحفاظ على المعرفة والذاكرة المؤسسية. على سبيل المثال، القدرة على تحليل "مَن يعرف ماذا؟" يمكن أن تخفف من الخسارة المستمرة في المعرفة المؤسسية بسبب مغادرة الموظفين الرئيسيين، بما في ذلك تقاعد مواليد جيل الطفرة. مثال على ذلك: توقف تطبيق برمجي قديم الطراز في أحد البنوك عن العمل، ومن خلال مسح سريع للبيانات تم تحديد الخبير في هذا البرنامج وتَبين أنه تقاعد مؤخراً. ولذا كان الحل ببساطة هو تقديم عرض توظيف له لمعالجة المشكلة.
حالات الاستخدام المحتملة لا حصر لها. على سبيل المثال، يمكن أن تتغير سياسات قسم الموارد البشرية المتعلقة بالتوظيف في أقسام المبيعات بشكل كبير عندما تكون الإدارة قادرة على تتبع وتحليل جودة نشاط مندوبي المبيعات الجدد وحجمه، وبالتالي ستتوقع احتمالية النجاح أو الفشل في غضون شهر أو شهرين فقط. ببساطة، تقل مخاطر أخطاء التوظيف وتكاليفها بشكل كبير عندما تتمكن الشركة من قياس الأداء بسرعة وثقة.
ملاحظة تحذيرية: يجب أن تكون خصوصية الموظف على رأس اهتمامات الشركة على الدوام. ففي حين أن التكنولوجيا يمكن أن تنطوي على فرص وتحديات على حد سواء، تجدر الإشارة إلى أن التحكم القوي في تكنولوجيا البيانات يمكن استغلاله في معرفة درجة الخصوصية التي يتمتع بها الفرد في منطقة راحته.
مستقبل إدارة المواهب
تعمل التكنولوجيا على تجديد عملية استقطاب المواهب وإدارتها. ويجب أن نكون على دراية بالتداعيات وأن نتقبل التأثير أو نستعد له. الجانب المشرق هو أن الديناميات البشرية أصبحت تتسم بقدر أكبر من الشفافية، ما يمكن أن يساعد على الارتقاء بمستوى الإدارة، لاسيما في بيئاتنا الافتراضية الجديدة المتأثرة بكوفيد، حيث تنسج التكنولوجيا الآن شبكة غير مرئية لتجعل الشبكة البشرية متماسكة. وتشمل المزايا الأخرى الأمل في أن تكون التحليلات المحوسبة متوازنة بحياد تجاه المساواة والتنوع في قوة العمل أكثر من العديد من الأساليب الشخصية المستخدمة اليوم. أما الجانب التحذيري فهو أنه من المهم أن تضع في اعتبارك أنه يمكن إساءة استخدام قوة هذه التكنولوجيا بسهولة دون وجود رقابة صارمة.
يتم وضع حلول على نحو نشط للعديد من مجالات إدارة المواهب التي لا تزال عالقة في الظلام. ويمكن أن تكون التكنولوجيا بمثابة شمعة من أجل تحديد أفضل الموظفين والاحتفاظ بهم، لكنك تحتاج إلى إشعال عود ثقاب لإضاءة تلك الشمعة ورؤية خياراتك لتدعم مواهبك على أفضل وجه.