تقرير خاص

كيف نستطيع مواجهة التأثيرات السلبية للتحول الرقمي وتجنب الفجوة الرقمية المحتملة؟

9 دقائق
تجنب الفجوة الرقمية المحتملة
shutterstock.com/Naypong Studio

تُعرّف الفجوة الرقمية، في أوسع معانيها، على أنها الفجوة بين الناس الذين يمتلكون وصولاً إلى التقنيات الرقمية وقدرة على استخدامها وأولئك الذين لا يتمتعون بهذا الوصول. ومن الواضح اليوم أن الناس لن يتمكنوا من تأدية أي دور في المجتمع دون الوصول إلى التقنيات الرقمية، تماماً مثلما كانوا بحاجة إلى إتقان القراءة والكتابة في القرنين التاسع عشر والعشرين. ففي الوقت الحاضر لا يمكن الاستفادة من الخدمات الحكومية أو التعليم أو غيره من دون وصول إلى الإنترنت وامتلاك مهارة استخدام التقنيات الرقمية.

في عام 2020، أدى مفهوم الفجوة الرقمية إلى الكثير من الجدل وأثار الكثير من التساؤلات: هل هو مفهوم جديد وطارئ؟ كيف تختلف تأثيرات التقنيات الرقمية عما سبقها من تقنيات؟ هل تمثل الفجوة الرقمية مشكلة للمجتمع؟ هل تقع مسؤولية التعامل مع هذا التحدي على الحكومة أم القطاع الخاص؟ وكيف يمكن إدماج جميع فئات المجتمع في التحول الرقمي؟

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: معنى الـ (Digital Transformation) أو "التحول الرقمي"

كانت هذه الأسئلة محور ندوة افتراضية بعنوان: "الإدماج الرقمي: كيف نستطيع ضمان مواجهة التأثيرات السلبية للتحول الرقمي لتجنب خلق فجوة رقمية؟"، عقدتها "إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية" مؤخراً بالاشتراك مع "هارفارد بزنس ريفيو العربية"، وضمت كلاً من محمد سير، شريك مساعد في الخدمات الاستشارية للحكومة الرقمية والقطاع العام في إفريقيا والهند والشرق الأوسط في شركة إرنست آند يونغ، وكارينا لوبيز، رئيسة مجموعة دراسات مجتمع المستقبل الرقمي، "موبايل وورلد كابيتال برشلونة" (Mobile World Capital Barcelona)، ومورتن مييرهوف نيلسن، مستشار في "أي غوف" (EGOV) في جامعة "الأمم المتحدة"، ضمن الوحدة التشغيلية للحوكمة الإلكترونية المُقادة بالسياسات، واستضافها عبد العزيز النعيمي، المسؤول الاستشاري للتمويل الجريء المشترك والتحالفات والشراكات الاستراتيجية في "بيكتشر أدفايزرز" (Picture Advisors).

استهل محمد سير الجلسة بعرض تقديمي حول الموضوع أشار فيه إلى أن العالم قد تغير جذرياً؛ فقد اعتدنا على القيام بالعديد من الأمور بشكل فيزيائي واليوم جميعها أضحت مجتمعة في المساحة الرقمية وبشكل أساسي عبر الهاتف الذكي الذي أصبح وسيلتنا للتعلم والتواصل والتسوق. ورأى أن المستقبل ستشكله الاتصالات ليس بين الأشخاص فحسب، وإنما بين الأشخاص والأجهزة، وبين الأجهزة بعضها البعض. وقدّم بعض التوقعات بأن كل شخص سيمتلك 15 جهازاً متصلاً بحلول عام 2030، وأنه سيجري حوالي 4,900 تفاعل رقمي بحلول عام 2025. واعتبر أن "كوفيد-19" يمثل عملية "إعادة ضبط كبرى" من خلال تسليط الضوء على تغيّر عالمنا وتسريع مسيرتنا نحو المرحلة التالية من العالم الرقمي ودفعنا إلى التساؤل: لماذا لا يغدو الاعتماد على التقنيات الرقمية هو المعيار؟

لكن هذا التسارع في الانتقال من العالم الفيزيائي إلى العالم الرقمي يحمل معه تداعيات سلبية؛ فاليوم هناك 3.6 مليار شخص لا يملكون اتصالاً بالإنترنت (أي حوالي نصف سكان العالم). وفي حين أن 94.6% من سكان أميركا يمتلكون وصولاً إلى الإنترنت، فإن 39.3% فقط من سكان إفريقيا و70.2% من سكان الشرق الأوسط يتمتعون بهذا الاتصال. كما أن ما يتراوح بين 40 و60% من الوظائف الحالية عرضة للرقمنة. ومن المتوقع أن 44% من العاملين لن يتمتعوا بالمهارات اللازمة للانتقال إلى العالم الرقمي بحلول منتصف العقد الرابع من القرن الحالي. وقد أقرت "الأمم المتحدة" بأهمية هذا التحدي، حتى إن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد قال في اجتماع افتراضي حول تسارع التغير التكنولوجي في يونيو/ حزيران الماضي: "هناك حاجة ملحة لإطلاق حوار مفتوح بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني حول كيفية المضي قدماً بشكل آمن في عصر التشابك الرقمي". وحذّر من أن الفجوة الرقمية بين الأشخاص المتصلين وغير المتصلين بالإنترنت، تهدد بأن تصبح "الوجه الجديد لعدم المساواة"، ما يعزز جوانب الحرمان الاجتماعي والاقتصادي التي تعاني منها النساء والأشخاص أصحاب الهمم و"الأقليات من جميع الأنواع".

وعرّف محمد الإدماج الرقمي بأنه "تمكين الجميع من الحصول على فرصة متساوية للنجاح في العالم الرقمي"، وصنّف تحديات الإدماج الرقمي في أربع فئات متمايزة ومترابطة، وهي:

  1. الوصول.
  2. المهارات.
  3. الاستخدام.
  4. البيئة التمكينية الداعمة.

وأكد محمد ضرورة الإقرار بالتداعيات السلبية للتحول الرقمي واتخاذ إجراءات استباقية لمواجهتها مقترحاً ما يلي:

  1. ينبغي على صناع السياسات أن يمنحوا مسألة الإدماج الرقمي الأولوية في أجنداتهم.
  2. يجب على الحكومات أن تنتقل من عقلية "التكنولوجيا أولاً" إلى عقلية "الاسترشاد بالتجربة" واتباع أسلوب "الإدماج بدءاً من مرحلة التصميم" في أثناء خوضها لعملية التحول الرقمي.
  3. ينبغي على شركات القطاع الخاص أن تسهم وتلعب دوراً في التعامل مع أوجه عدم المساواة الناجمة عن التحول الرقمي.

من يتحمل مسؤولية مواجهة الفجوة الرقمية: الحكومات أم القطاع الخاص أم الأفراد؟

رأى محمد سير أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع: المواطنون والحكومة والقطاع الخاص؛ إذ إن الوصول إلى الخدمات الرقمية يصب في مصلحة الجميع. ونوّه إلى مسؤولية القطاع الخاص الكبرى في الجانب المتعلق بتوفير إمكانية الوصول من خلال إعداد البنية التحتية اللازمة لتوفير الاتصالات حتى في الأماكن التي لا يبدو الاستثمار فيها مربحاً مثل الأرياف والمناطق النائية.

في حين اعتبر مارتن أن المسؤولية تتوزع على ثلاثة مستويات: أولاً، المسؤولية الشخصية بضرورة التعلم المستمر، وثانياً، مسؤولية القطاع الخاص من خلال إعادة تدريب الكوادر الموجودة. وأشار إلى استطلاع رأي لقادة القطاع الخاص في دول مجموعة العشرين، حيث قال نصفهم إنهم سيوظفون أشخاصاً جدداً يتمتعون بالمهارات المناسبة عوضاً عن إعادة تدريب وشحذ مهارات الموظفين الموجودين، ما يعني أنهم لا يتعاملون مع القضية على نحو مسؤول. وأخيراً هناك مسؤولية الحكومات؛ التي ينبغي عليها الاهتمام بالتعليم في جميع مراحله والاهتمام بمفاهيم التفكير الإبداعي والتفكير النقدي بما يساعد في تمكين المواطنين من اكتساب المهارات. كما ينبغي على الحكومة أن تحفز القطاع الخاص للاستثمار في موظفيه من خلال الإعفاءات الضريبية على سبيل المثال. ورأى أننا نشهد تعمق الفجوة الرقمية -بسبب "كوفيد-19" والتحول الرقمي- بين الدول المتقدمة والدول الأقل تطوراً، ونشهد هذه الفجوة أيضاً داخل البلد نفسه لدى الفئات الأقل دخلاً والأقل امتلاكاً للمهارات.

ورأى مارتن أن الكثير من الهيئات الحكومية المسؤولة عن تنظيم قطاع الاتصالات -على مستوى العالم وفي منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا- تركز على زيادة الأرباح في المقام الأول، ما يؤدي إلى تكاليف اتصالات عالية أو عدم توفير الاتصالات، خصوصاً في البلدان التي لا توجد فيها منافسة بين مزودي خدمات الاتصالات. لذا، يتمثل أحد التحديات في ضرورة أن تتمكن الحكومات من مقاومة إغراء زيادة الأرباح مقابل توفير وصول أكبر إلى التقنيات الرقمية، وتأدية دور مهم في تنظيم المنافسة بما يحقق الصالح العام.

وأكد أن ارتفاع تكاليف الاتصالات -وليس الافتقار إلى المهارات- يشكل عقبة حقيقية أمام الوصول إلى التقنيات الرقمية، وبالتالي يتسبب في تعميق الفجوة الرقمية. وضرب مثالاً على تكاليف باقة الإنترنت في بيروت التي تبلغ حوالي 100 دولار. بينما في الدنمارك، يحصل الشخص على مكالمات لا محدودة وحجم استهلاك بيانات أعلى بثلاثة أضعاف مقابل 15 دولاراً في بلد يبلغ متوسط الدخل فيه 10 أضعاف متوسط الدخل في لبنان.

من جانبها، أكدت كارينا أن المسؤولية تقع في المقام الأول على عاتق الحكومة. لكن في الوقت نفسه، لا بد أن يستوعب القطاع الخاص حجم التحدي أمامنا حتى نتمكن من تحقيق النتائج التي نبتغيها. حيث إن توظيف أشخاص جدد يتمتعون بالمهارات المناسبة لن يكون حلاً مستداماً. وفي برشلونة، على سبيل المثال، لم نتمكن من جذب ما يكفي من المهارات التقنية إلى هذه المدينة. بكلمات أخرى، سيغدو من الصعب على الشركات الحصول على المهارات التقنية على المستوى المحلي والعالمي مع احتدام المنافسة في المستقبل على هذه المهارات.

وعبّرت كارينا عن اعتقادها بأن الإدماج الرقمي لا يقتصر على إدماج فئات معينة من المجتمع تعرضت تاريخياً للإقصاء، وإنما يتعلق المفهوم بالمجتمع ومستقبل البلاد الذي تسعى إلى تحقيقه. لذا، فإن تحقيق الإدماج الرقمي يتطلب توفير إمكانية الوصول وامتلاك المهارات والقدرة على استخدام التقنيات الرقمية وتأمين بيئات الدعم ليس لجيل الشباب فحسب، وإنما لجميع شرائح المجتمع. ومن هذا المنطلق، شدّدت كارينا على ضرورة أن تكتسب مسألة الإدماج الرقمي أولوية قصوى في أجندات الحكومات والمنظمات الدولية وشركات القطاع الخاص.

هل هناك أمثلة واقعية عن كيفية تعامل البلدان مع تحدي الفجوة الرقمية؟

أورد محمد سير مثالاً من المملكة المتحدة؛ في أثناء فترة إطلاق شبكة الجيل الخامس (5G)، شجعت هيئة تنظيم الاتصالات "أوفكوم"، مشغلي خدمات الاتصالات على الخروج بخطة لتوفير الاتصال لـ 90% من السكان. وبالفعل اتفقت الشركات الأربعة الرئيسية على خطة "شبكة ريفية مشتركة"، ليسهموا بالتساوي في تأمين الاتصالات للمناطق الريفية بطريقة تخفف من مشاكل التغطية. في هذه الحالة، كان الكيان الحكومي التنظيمي هو المحرك والدافع لتغيير طريقة تفكير القطاع الخاص ودفعه لتجاوز العقلية التجارية التي تركز على الربح. لذلك، قال محمد، إنه لا بد من تغيير العقلية؛ إذ لو كانت التكنولوجيا حلاً لكل شيء لما واجهنا مشكلة الفجوة الرقمية في الأساس.

كما قدَّم كل من محمد ومارتن عدة أمثلة من سنغافورة والدنمارك والأوروغواي لمبادرات رقمية تهدف إلى تشجيع كبار السن وتمكينهم من الدخول إلى العالم الرقمي عبر برامج تدريب على مهارات الاتصالات والاستفادة من الخدمات الحكومية الرقمية والدفع الرقمي.

بينما أشارت كارينا إلى مثال من برشلونة، عندما بدأ مجلس المدينة الحديث عن مسألة التكنولوجيا قبل عدة سنوات، انتقل النقاش إلى دراسة احتياجات الناس، وتحول من عقلية "التكنولوجيا أولاً" إلى عقلية "الناس أولاً". وهذا يمثل نقطة بداية مهمة في الإدماج الرقمي وفقاً لكارينا؛ فالإدماج الرقمي لا يحدث بين ليلة وضحاها، إنه عملية تتحقق تدريجياً ويجب التعامل معها من عدة نواحٍ، مثل الناحية التعليمية والمؤسساتية وتوفير المتطلبات اللازمة للمواطنين لتمكين دخولهم إلى العالم الرقمي وإزالة العقبات أمامهم.

هل ننسى الإدماج الرقمي للفئات المهمشة؟

كان مارتن وكاترينا متحدثين رئيسيين في ندوة افتراضية عُقدت على هامش "القمة العالمية لمجتمع المعلومات 2020"، بعنوان "هل ننسى الإدماج الرقمي للفئات المهمشة؟" تناولا فيها مجموعة من المؤشرات لمساعدة القطاع الحكومي والخاص على اتخاذ قرارات سليمة حول الإدماج الرقمي. وأشار مارتن إلى مسألة صادمة؛ وهي أن البيانات الموجودة حالياً حول الإدماج الرقمي لا تتضمن توزيعاً على فئات المستخدمين. بمعنى آخر، لا يمكن تحديد المجموعات التي تتعرض للإقصاء الرقمي؛ إذ لا تتوفر بيانات حول أماكن عيشهم أو أعمارهم أو مستواهم التعليمي أو دخلهم. وهذا يجعل من الصعب على القطاعين العام والخاص اتخاذ قرارات استثمارية سليمة. وكانت البلدان التي تمتلك بيانات أقل دقة حول المستخدمين هي التي تعاني بشكل أكبر من مشكلة الفجوة الرقمية. وهذا ما يعيدنا إلى مسألة التصميم المتمحور حول المستخدم، بحسب مارتن.

كما أكد مارتن أن الوصول لا يتعلق فقط بامتلاك جهاز والوصول إلى الإنترنت، وإنما يتعلق بأمور بسيطة مثل الوصول إلى الكهرباء أو إلى هوية رقمية معترف بها قانونياً. فمن ناحية، هناك حوالي مليار شخص في إفريقيا لا يستطيعون إثبات وجودهم بشكل قانوني أمام الهيئات الحكومية. ومن ناحية أخرى، هناك نسبة كبيرة من سكان العالم لا يمتلكون حساباً بنكياً؛ ما يعني أنهم لا يستطيعون إثبات هوياتهم لإجراء خدمة حكومية أو خاصة، ولا يمتلكون وسيلة للدفع مقابل هذه الخدمات. وهنا يبرز دور البيئات التمكينية الداعمة التي توفرها الهيئات القانونية والتنظيمية للتعامل مع مسائل الوصول، وإدارة الهوية الرقمية والخدمات البنكية وتدريب المواطنين على المهارات وتوفير الآليات اللازمة لتسهيل كل ذلك بما يتيح تأدية جميع هذه الخدمات عبر العالم الرقمي. وأشار مارتن إلى أننا لا نحتاج إلى شبكة الجيل الخامس (5G) لتوفير الخدمات الرقمية الأساسية؛ وعلى سبيل المثال يمكن توفير الوصول إلى خدمة تجارة إلكترونية أو بنكية باستخدام الرسائل القصيرة، أو بالاعتماد على اتصال إنترنت لا تتجاوز سرعته 5 ميجابايت في الثانية.

بينما قالت كاترينا إن معظم التركيز ينصب حالياً على مسألة توفير الوصول. وعلى الرغم من أنها تمثل خطوة أولى نحو معالجة الفجوة الرقمية، لكنها ليست كافية. فوفقاً لدراسة أجريت في برشلونة عام 2016، كانت هناك جيوب في المدينة، أحياء محددة، حيث كان الوصول إلى الإنترنت محدوداً على الرغم من أن التغطية تتجاوز 90% في المدينة ككل. ففي هذه الجيوب، يتم الاعتماد على الهواتف المحمولة، ولا توجد حواسيب في المنازل، كما أن استخدام الناس فيها للإنترنت سلبي للغاية. وهذا ما يخلق واقعاً موازياً وفق وصف كارينا؛ حيث إن بعض السكان يتمتعون بالإمكانات الكاملة للتقنيات الرقمية بينما يشعر البعض الآخر بأنه قد تم التخلي عنهم وإبعادهم. وقد شكّل "كوفيد-19" عدسة مكبِّرة لهذه التحديات التي كنا نعلم بوجودها. ومن هنا تتضح أهمية الحصول على بيانات تفصيلية لتحديد المستخدم النهائي وفهم السياق المحلي حتى تتمكن الحكومات من وضع سياسات صحيحة، وحتى يتمكن القطاع الخاص من العثور على فرص استثمارية واعدة.

كيف يمكن التعامل مع تحدي الفجوة الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

قال محمد سير إنه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هناك تركيز على عقلية "التكنولوجيا أولاً" أكثر من أي منطقة أخرى في العالم. لكن ينبغي علينا التفكير بعمق أكثر ونركز على "الغاية أولاً"، أي الغاية وراء التحول الرقمي في الحكومات. لقد شهدنا استثمارات كبيرة في التكنولوجيا دون التفكير في المشكلة التي تحلها. وعوضاً عن ذلك، يرى محمد أنه يجب التفكير بشكل استباقي وهادف ومبني على التجربة. على سبيل المثال، تجربة راتبي الأول الذي أطلقته حكومة صربيا لحل مشكلة البطالة لم يكن من منطلق "التكنولوجيا أولاً" وإنما من خلال دراسة المشكلة المتمثلة في تفضيل الشركات توظيف ذوي الخبرة. حيث أطلقت الحكومة هناك منصة رقمية لتمويل أول 9 أشهر من الراتب حتى يتمكن الخريجون الجدد من اكتساب الخبرة اللازمة وبالتالي استمرار الشركات في توظيفهم.

ورأى مارتن أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا توفر نظرة شاملة إلى الجوانب المختلفة لتحدي الفجوة الرقمية. حيث تضم المنطقة مجموعات متنوعة من البلدان التي تتباين في مواردها وتحدياتها. وقال إنه يجب التفكير في التكنولوجيا على أنها عامل تمكيني عوضاً عن اعتبارها حلاً سحرياً لجميع هذه التحديات. وأكد ضرورة العمل على تذليل العقبات التنظيمية في بعض البلدان قبل الانطلاق في رحلة الرقمنة.

واتفقت كاترينا ومارتن على أهمية التركيز على مسألة الرقمنة والتحول الرقمي في الشركات المتوسطة والصغيرة في المنطقة والتي لا تمتلك المهارات اللازمة لإطلاق أعمالها عبر الإنترنت والوصول إلى جمهور أوسع من الجمهور المحلي. وأشارا إلى ضرورة أن تؤدي الحكومات دوراً في توفير البيئة التمكينية الداعمة لمساعدة هذه الشركات في الانتقال إلى العالَم الرقمي.

وأخيراً، من المفترض أن تمثل التقنيات الرقمية وسيلة لجسر الهوة وتخفيف الانقسام الموجود في العالم اليوم؛ وهي تنجح حقاً في تمكين الوصول إلى التعليم والمعلومات والتجارة والعمل عن بعد وغيرها من الخدمات. إنها فرصة عظيمة ينبغي أن نستغلها على نحو جيد. وينبغي على الحكومات والقطاع الخاص العمل على توفير البيئات التمكينية الداعمة لتعزيز الفرص التي تتيحها هذه التقنيات وتجنب إقصاء فئات مختلفة من المجتمع وإتاحة المجال أمامهم على قدم المساواة مع الآخرين للاستفادة من هذه الفرص.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي