تقرير خاص

تجربة بلدية مدينة أبوظبي في تطبيق نظام العمل عن بُعد

4 دقائق
www.shutterstock.com/Kirill Neiezhmakov

لقد فرض التقدم التكنولوجي منذ عقود على المؤسسات والشركات التفكير في تغيير استراتيجيات وآليات العمل في شتى المجالات سواء كانت مؤسسات ربحية أو خدمية؛ فقد كانت حكومة دولة الإمارات من الحكومات التي بدأت في بناء بنية تحتية تدعم العمل عن بُعد، حيث عملت الحكومة خلال السنوات الماضية على تبني وتطوير مفاهيم وأدوات عمل مبتكرة وخدمات ذكية تتناسب مع التحديات كافة، وقد كانت لتوجيهات القيادة الرشيدة تجسيداً لتحقيق أعلى درجات الجاهزية والاستمرارية فـي تقديم الخدمات الحكومية، والوصول إلى المتعاملين في مختلف الأوقات والظروف.

التحول الرقمي للخدمات:

قامت بلدية مدينة أبوظبي بالتركيز على إسعاد وتلبية متطلبات العميل وفق أعلى المعايير الخدمية من خلال تسخير جميع مواردها وإمكانياتها وقدراتها في خدمة وتلبية توقعات العميل والمجتمع، فقد وضعت البلدية خطة للتحول الرقمي والتي تعتبر جزءاً من خطة شاملة لتطوير وتحسين الخدمات والإجراءات في جميع المستويات التشغيلية والقيادية فيها من خلال تقديم خدمات وحلول مبتكرة تخدم العميل وتلبي متطلباته لرفع مستوى رضاه.

وقد التزمت البلدية بإنجاز الخطة وتحقيق الهدف المرجو للتحول الرقمي بنسبة 100% في نهاية عام 2018؛ حيث انعكس ذلك على رضا العميل عن الخدمات وأدى إلى ارتفاع المؤشر من 83%؜ في بداية عام 2018 إلى نسبة 90%؜ في نهاية عام 2019، حيث قامت البلدية بتوفير خدماتها الحيوية على المنصة الذكية "smart hub" والتي تعتبر الواجهة الرئيسية لتقديم الخدمات بطريقة سلسة ومبتكرة وقد انعكس ذلك على زيادة الطلب على المعاملات الرقمية والتي بلغت 573,831 معاملة رقمية خلال عام 2019، وبالإضافة إلى إتاحة الخدمات مع الجهات الحكومية بشكل مترابط ومتكامل يسهل رحلة العميل.

تجربة بلدية مدينة أبوظبي في تطبيق نظام العمل عن بُعد

بين عشية وضحاها، تسبب الوباء في ازدهار اقتصاد الأعمال التي تعتمد على نظام العمل عن بُعد وبالأخص الشركات الكبيرة مثل مايكروسوفت، وجوجل، وأمازون، وفيسبوك وغيرها الكثير.

وقد كانت هذه العاصفة المثالية كما وصفتها صحيفة "بلومبيرغ" لها أثر في تسريع وتحفيز الشركات والمؤسسات لتطبيق نظام العمل عن بُعد. ورفعت بلدية مدينة أبوظبي مثل بقية المؤسسات جاهزيتها واستعدادها منذ اللحظات الأولى، فعززت بنيتها التحتية التقنية ووفرت الإمكانيات التقنية المطلوبة للموظفين من تطبيقات وبرامج وأجهزة وقامت بتدريب جميع الموظفين على استخدام تلك التقنيات التي تساعدهم في العمل عن بُعد، والتأكد من التزام الموظفين بإنجاز المعاملات عن بعد خلال ساعات العمل.

وتحت شعار "العمل عن بُعد.. إنتاجية وسعادة تتجاوزان حدود المكان"، وضعت البلدية استراتيجيتها للعمل عن بُعد وقامت بتصنيف الوظائف المرتبطة بالخدمات الحيوية بشكل مباشر أو غير مباشر:

  • موظفو مقدمو الخدمات الحيوية بشكل مباشر.
  • المهام والوظائف الإدارية الداعمة للاعتمادات واتخاذ القرارات للخدمات والأنشطة الحيوية.
  • موظفو البدالة والردود على استفسارات العملاء والشركاء الاستراتيجيين.
  • فئة الموظفين الذين يخدمون العميل من خلال زيارات ميدانية خارج عن المباني الإدارية (المفتشين والمهندسين بجميع فئاتهم)

وبدأت في تنفيذ خطة لتجربة العمل عن بُعد لخدماتها الحيوية والتي شملت أكثر من 100 خدمة حيوية في المرحلة الأولى واستطاعت أن تنجز جميع خدماتها ومعاملاتها بكفاءة عالية وبمعدلات إنجاز وصلت إلى أكثر من 95% في كل يوم.

ففي اليوم الأول أستطاع أكثر من 226 عميلاً بطلب الخدمات التي تم تفعيلها عن بُعد والتي كانت أكثرها (سند ملكية، تخصيص الأراضي المحددة، إصدار شهادة تثمين، تسجيل عقد بيع وحدة على المخطط، شهادة تقييم الوحدة)، واستطاع الموظفون أن يقوموا بإنجاز جميع المعاملات عن بُعد وحسب المستهدفات المحددة لكل خدمة، واستمرت التجربة لجميع الخدمات الحيوية في خلال 8 أيام وإنجازها حسب الخطة.

ولم تتوقف الخطة على تجربة الخدمات الحيوية فقط بل وتجربة العمليات الداعمة للخدمات الحيوية (المرحلة الثانية)، والتي تركزت على العمليات الأكثر تأثيراً على الخدمات الحيوية ومن أهمها (العمليات المالية، عمليات المشتريات، وعمليات الدعم التقني). وكانت النتائج من التجربة تفوق التوقعات، فقد تم إنجاز الكثير من المعاملات وكانت أهمها (الإفراج عن كفالات العطاء للمناقصات، تمرير طلب الشراء، تمرير الدفعات).

تحليل نقاط القوة والضعف، والتهديدات والفرص من تطبيق نظام العمل عن بُعد:

الدروس المستفادة

أثبتت التجربة أن المرونة في العمل تزيد من إنتاجية الموظفين، وأن 85% من الموظفين تزيد انتاجيتهم في العمل كما زادت المرونة فيه؛ وقد نتج عن تطبيق العمل عن بُعد في بلدية مدينة أبوظبي عن زيادة في إنتاجية الموظفين، حيث يتم إنجاز أكثر من 1,000 معاملة يومياً ليس فقط خلال وقت العمل الرسمي وإنما على مدار الساعة واليوم.

اتبعت بلدية مدينة أبوظبي أسلوباً متميزاً لضمان توفير سُبل العمل عن بُعد مثل حضور الموظفين خلال أوقات العمل الرسمية وذلك بتوفير إجراء الدخول والخروج من خلال منصة الموظفين "منصة سعيد"، كما تسارعت وتيرة الأتمتة للإجراءات الداخلية والتي أبرزت ابتكارات غير مسبوقة لدى الموظفين في مجال عملهم وأظهرت مهاراتهم.

لقد أثبتت التجربة نجاح هذا النظام من ناحية الإنتاج والإخلاص في العمل، وأن قادة الأعمال أقروا بالفوائد الإضافية التي نتجت عن المرونة في العمل وأن 85% من رواد الأعمال يرون أنها جعلت أعمالهم أكثر إنتاجية. لذلك على إدارات الموارد البشرية والجهات المعنية التفكير في وضع سياسات العمل عن بُعد تتصف بالمرونة ضمن أولوياتها.

إن العمل عن بُعد هو المعيار الجديد في سوق العمل، وأثبتت الدراسات أن 77% من الأعمال تستخدم المرونة في العمل لجذب أصحاب الكفاءات والحفاظ عليهم. ولذلك فإنه يمكننا الاستعانة بالكفاءات المميزة في المجالات المختلفة وذات ندرة لتطوير العمل في بلدية مدينة أبوظبي.

لم يعُد المدراء في العديد من القطاعات يسألون كيف يقوم الموظف بالعمل اليومي وإنما يهتمون بالإنتاجية والنتائج المطلوبة، وأننا يمكننا أن نحافظ على الموظفين من المواطنين أصحاب الخبرات الذين لا يستطيعون الخروج إلى العمل لأسباب صحية بتوفير وتطبيق نظام العمل عن بُعد.

كما يقول 65% من أصحاب الأعمال أن تطبيق نظام العمل عن بُعد يتميز بالحد من الإنفاق على خدمات الموظفين وخفض التكاليف التشغيلية (النفقات الثابتة) من توفير مكاتب ومساحات وخدمات ضيافة وتوفير الطاقة المستهلكة في مكان العمل، والحد من فترات الانقطاع عن العمل ما ينعكس على زيادة في الإنتاج، ويكون له أثر كبير على زيادة إنتاجية أي مؤسسة.

كذلك يمكننا الاستفادة من هذا النموذج في العقود التشغيلية التي ينطبق عليها شروط ومعايير العمل عن بُعد مثل عقود التعهيد إلى الشركات الخارجية فتلافياً للقيام بتوظيف فنيين دائمين في البلدية، وما يتطلب ذلك من توفير مكان عمل لهم، يمكن أن يتم توظيفهم بنظام العمل عن بُعد، والاستفادة من ذلك في توفير الدعم الفني على مدار الساعة 24/7 وطوال أيام الأسبوع.

المراجع:

1- ما هي خطة شركتك للعمل عن بعد في حالات الطوارئ؟ (هارفارد بزنس ريفيو، كالي ويليامز يوست، 2020)

2- دليل تطبيق العمل عن بُعد في الحكومة الاتحادية (الهيئة الاتحادية للموارد البشرية، مارس/آذار، 2020)

3- The Work-From-Home Era Is Creating Its Own Boom Market

4- Coronavirus: New remote work policy issued by UAE’s Human Resources Ministry

5- القدوة الحسنة: من إستونيا الإلكترونية إلى العالم (هارفارد بزنس ريفيو، رينيه تامست، 2020)

6- IWG global workplace survey, March 2019

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي