قد يراهنك صديقك على أنه في حال ربح فريق كرة قدم معين فسيعطيك 30 دولاراً، أما إذا خسر المباراة فستعطيه أنت المبلغ المتفق عليه، لتفكر ملياً: "هل يجب أن أقبل ذلك؟". يسعى معظمنا إلى أن تكون المكاسب ضعف حجم الخسائر قبل الدخول في أي مخاطرة، لأننا مدفوعون لتجنب الخسائر أكثر من تحقيق المكاسب.
يسمّي الخبراء ميل الأشخاص إلى تجنب الخسائر المحتملة أكثر من سعيهم وراء المكاسب المحتملة "النفور من الخسارة" (Loss Aversion)، فالخسارة لها تأثير نفسي على البشر أكبر من الربح، بمعنى أنهم أكثر استعداداً لتحمل مخاطر تجنب الخسارة من محاولتهم الحصول على شيء ما.
إن تجنب الخسارة ليس مجرد مفهوم نظري فحسب؛ بل هو أداة عملية يستخدمها المسوقون لإقناع المستهلكين بالشراء من خلال العروض المحدودة الوقت، والعضويات الحصرية، والخصومات لمرة واحدة، وغيرها.
ألم الخسارة، وسعادة الربح
يشير مفهوم "النفور من الخسارة" إلى عدم الرغبة في التخلي عن الفوائد بسبب المخاطر المحتملة، وجاء أصل هذا المفهوم من نظرية الاحتمال التي طورها الباحثان دانيال كانيمان وأموس تفيرسكي في عام 1984، والتي تصف كيف يقرر الناس بين البدائل التي تنطوي على المخاطر.
وكان النفور من الخسارة أحد الجوانب التي استخدمها الباحثان لوصف كيفية اتخاذ الأشخاص القرارات، لتبيّن أن المشاعر السلبية التي يشعر بها الأشخاص عقب خسارة شيء ما، أكثر حدّة من المشاعر الإيجابية التي تنتابهم عند الحصول على شيء جديد. ويرتبط ذلك أيضاً بالانحياز إلى الوضع السائد، إذ يكون الأشخاص أكثر ميلاً إلى الالتزام بما لديهم بدلاً من المخاطرة والتحول إلى شيء جديد.
وتناول علماء الأعصاب تأثير النفور من الخسارة، ووجدوا أن مناطق الدماغ التي تعالج القيمة والمكافأة لا تكون على الدرجة نفسها من النشاط عند تقييم خسارة محتملة مقارنةً بنشاطها عند تقييم مكاسب مماثلة الحجم، إذ بينت دراسة صادرة عام 2007 أن ردود أفعال الدماغ أقوى استجابة للخسائر المحتملة مقارنةً بالمكاسب، كما أظهر الأفراد المشاركون بالدراسة درجات متفاوتة من الحساسية تجاه النفور من الخسارة، وتنبأت هذه الاستجابات العصبية الواسعة النطاق باختلافات سلوكهم، على سبيل المثال، كان الأشخاص الذين لديهم حساسية عصبية أقوى لكل من الخسائر والمكاسب أكثر نفوراً من المخاطرة.
وبهذا المعنى، نستخدم مفهوم النفور من الخسارة في الاقتصاد السلوكي للمساعدة على فهم سلوك المستهلك فهماً أفضل، إذ أجرى الباحثون دانيال كانيمان وجاك كيتش وريتشارد ثالر دراسة في عام 1990 لمعرفة كيف يؤثر النفور من الخسارة على النفس في المواقف التي لا تنطوي على مخاطر، وطلبوا من البائعين المشاركين في الدراسة تسعير أكواب القهوة بأقل مبلغ يمكن قبوله، في المقابل طلبوا من المشترين تسعير الأكواب بأعلى سعر يمكن قبوله، فقيّم البائعون أكوابهم بمتوسط 7.12 دولارات، لكن المشترين لم يكونوا على استعداد لإنفاق أكثر من 2.87 دولاراً على أكواب البائعين.
وخلُص الباحثون إلى أن البائعين، الذين حصلوا على أكواب القهوة بالفعل، نظروا إلى الأكواب على أنها صفقة خاسرة وبالتالي قيموها بمبلغ أعلى، لكن المشترين اعتبروا أن الحصول على الأكواب مكسب حقيقي فقيموه بمبلغ أقل.
وهذا يعني أن النفور من الخسارة له تأثير نفسي أكبر من تحقيق المكاسب، فإذا فكرت في كيفية بيع شيء تملكه، فستجد أن عليك التفاوض عدة مرات مع المستهلكين لخفض السعر قبل عملية الشراء.
كيف توظف "النفور من الخسارة" في تسويق منتجاتك رقمياً؟
إن فهم المحفزات النفسية التي تؤثر على سلوك المستهلك أمر بالغ الأهمية لنجاح الاستراتيجيات التسويقية، إذ يساعد مفهوم النفور من الخسارة على التأثير في قرارات الشراء لدى المستهلكين وتحفيزها، وفيما يلي 7 نصائح يقدمها كتاب "سيكولوجية المنتجات الرقمية" للمؤلف يمان بن عدنان العرضي حول كيفية الاستفادة من تأثير النفور من الخسارة في التسويق الرقمي:
1. استخدم العبارات التي تركز على جانب الخسارة
توقف عن إخبار عملائك المحتملين بمدى روعة حياتهم إذا اشتروا منتجك، وبدلاً من ذلك أخبرهم بكل الأشياء التي يفتقدونها، فإذا توقف العملاء عند صفحة الدفع بعد ملء عربة التسوق الخاصة بهم، فلا ترسل لهم رسائل إلكترونية تذكّرهم بإكمال عملية الشراء، ولكن أخبرهم بأنهم فقدوا شيئاً كانوا يملكونه بالفعل.
مثال آخر: إذا قرر أحد المشتركين في أكاديمية تدريبية إلغاء التجديد التلقائي للاشتراك السنوي، فالأفضل استخدام عبارات وعناصر توضح له ما سيفقده في حال عدم تجديده لاشتراكه، مثل: "لم يعد بإمكانك الوصول إلى الدورات التي درستها"، "يتعذر عليك التواصل مع المجتمع الخاص بالمتدربين بعد الآن".
2. استفد من الإشعارات
تمكن الاستفادة من الإشعارات مثل رسائل البريد وإشعارات التطبيق في الهواتف الذكية، والرسائل النصية لإقناع المستخدم بأخذ قرار محدد، على سبيل المثال استخدم عبارة "لا تفوت عروضنا الحالية"، فهي أقوى بكثير من "عروض خيالية! ابدأ بالشراء الآن"، أو "تهانينا منتجك محجوز. لا تفقده الآن!" بدلاً من "نذكّرك بعملية شراء المنتج الموجود في سلتك".
3. استخدم مفهوم "الندرة"
تمثل الندرة أحد المبادئ الستة للإقناع التي ذكرها أستاذ علم النفس روبرت تشالديني في كتابه "التأثير: العلم والممارسة" (Influence: The Psychology of Persuasion)، وهو انحياز سلوكي يقوم على حقيقة أن الأشخاص يرغبون في المزيد مما يمكنهم الحصول على قدر قليل منه. وبالتالي فإن وجود كمية محدودة من المنتج أو الخدمة، تحثّ المستخدم على أخذ خطوة باتجاه الشراء أو الاستخدام، لمعرفته أن الإتاحة ليست دائمة وأنه قد يبحث عن هذا الشيء مستقبلاً ولا يجده.
على سبيل المثال تحتفظ شركة زارا بكمية قليلة من المخزون في كل موقع متجر بما يسمح لها بالتأثير في سلوك الشراء لدى المتسوقين من خلال مبادئ الندرة.
4. استخدم مفهوم "العجلة"
تعني العجلة وجود المنتج أو الخدمة لفترة محددة، إذ تؤكد فكرة الاستعجال للمستخدم أن هذا المنتج متاح خلال مدة زمنية محددة فقط وبعد ذلك سوف يخسر الوصول إليه إذا لم يتصرف.
وعندما يتعلق الأمر باتخاذ القرار، فإن الوصول المبكر يخلق شعوراً بملكية المنتج والرغبة في الاحتفاظ به. لذا استخدم عبارات مثل: "ينتهي العرض خلال 3 ساعات و45 دقيقة"، أو "اطلب خلال ساعات واحصل على توصيل مجاني".
وتأكد من وجود تاريخ انتهاء على قسيمة البيع، لأنه من المرجح أن يشتري الأشخاص خدمة أو منتجاً ما إذا تحدد موعد نهائي له.
5. إعطاء فترة تجريبية (Free Trials)
أعطِ العميل عيّنة مجانية أو فترة تجريبية يجرب فيها المنتج وقيمته المضافة، فمع انتهاء الفترة التجريبية المجانية، غالباً ما سيشعر العميل بأنه استثمر شيئاً ما في المنتج وخصصه وفقاً لما يناسبه، وهذا يمنحه الشعور بأنه يمتلكه بالفعل.
وإذا كان المنتج ذا قيمة فسيشجع العميل على الاشتراك لأنه سيخسر الوصول إلى الحساب في حال عدم الدفع أو الاستمرار في الخدمة، على سبيل المثال، يعطيك تطبيق (Dropbox) مساحة تخزينية مجانية لفترة محددة، وفي حال عدم التجديد ستفقد بياناتك المخزنة هناك.
6. تقديم الطلب المسبّق (Pre-Order)
في بعض المنتجات ولا سيما الجديدة، يمكن فتح الطلب المسبّق مع تقديم خصم سعري، أو استخدام الندرة أو العجلة المذكورة سابقاً، بالتالي يشعر المستخدم بخسارته لهذا العرض إذا لم يتصرف في فترة محددة، خصوصاً أن الطلب المسبّق يشعر المستخدم بالوصول وامتلاك شيء غير متاح للأغلبية.
وتخلق عبارات مثل: "آخر فرصة للتسجيل"، أو "المخزون المتوافر محدود"، أو "ينتهي العرض قريباً" إحساساً بالندرة والإلحاح، ما يجعل العرض أكثر جاذبية والدعوة إلى اتخاذ قرار الشراء أكثر إقناعاً من خلال الإشارة إلى أنه لم يتبقَ سوى عدد قليل من العناصر.
7. استخدم الدعوات الحصرية
يمكن استخدام هذه الطريقة مع فئات محددة من العملاء كما تفعل شركة آبل، حيث ترسل دعوات لفئات محددة، مثل المبرمجين والمؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي عند إطلاقها منتجاً جديداً، وبالتالي يرغب الأشخاص في الحضور لعدم تفويتها لصالح أشخاص آخرين، والظهور بين الأشخاص المحددين المدعوين لهذه المناسبة.
ففكرة الخوف من أن يفوتنا شيء ما "فومو" تدفعنا أيضاً إلى شراء المنتجات حتى لا نخسر الخصومات المحتملة، على الرغم من عدم احتياجنا الفعلي لها في الوقت الحالي.
استخدم نقل الخسارة
لنفترض أنك تبحث عن عامل لطلاء منزلك، ووجدت إعلاناً على الإنترنت يقدم لك خدمة الطلاء بأقل الأسعار أو يتيح لك خيار استعادة أموالك.
تمثل فكرة إعادة أموال إلى المستهلكين وسيلة لتجنب الخسارة؛ أي أنهم لن يضطروا إلى دفع مبالغ إضافية إذا كانت الخدمة غير مُرضية، وهذا ما يجعلهم أكثر ميلاً إلى اختيار هذه الخدمة تحديداً بدلاً من غيرها.
من ناحية أخرى، فإن تقديم خدمة طلاء المنزل بأقل الأسعار يمثل "خسارة" للعامل لأنه يتخلى عن جزء من أرباحه، وهذا يجعل المستهلكين يشعرون بأن الأمر يستحق دفع الكثير بالنظر إلى ما سيحصلون عليه في المقابل.
ملاحظات حول النفور من الخسارة
قبل تسخير النفور من الخسارة في استراتيجية التسويق الخاصة بك، عليك الانتباه لأمرين:
- تحيزات المستخدمين في اختبارات قابلية الاستخدام
عند إجراء اختبارات قابلية الاستخدام (Usability Testing) مع عملاء سابقين للمنتج، قد يكون هناك ميل من العملاء إلى النسخة القديمة لأنها مألوفة بالنسبة لهم وقد لا يرغبون في خسارتها، وبالتالي تحتاج النسخة جديدة إلى وقت وجهد في تعلّمها، خصوصاً إذا كانت التغييرات في التصميم الجديد جذرية وكثيرة.
- تكلفة انتقال المستخدمين
عند تكرار استخدام المنتج، يتولد لدى العميل ارتباط أكبر به لأنه اعتاده واستثمر وقته وجهده في تعلّمه وتنظيمه بما يناسبه، لذا إذا رغبت في جذب مستخدمين من منافسيك، تجب مراعاة تكلفة الانتقال لمنتجك والتعوّد عليه، واحرص على أن يكون المنتج الذي تقدمه استثنائياً، وأن يكون الانتقال إليه سهلاً لتشجع العميل على اتخاذ القرار.
الآن، بعد فهم تأثير النفور من الخسارة ابدأ بمراجعة استراتيجياتك التسويقية الحالية. هل هناك مجالات يمكنك من خلالها خلق شعور بالخسارة المحتملة لتحفيز القرار؟ هل يمكنك تقديم عروض لفترة محدودة، أو عروض حصرية، أو إشارات ندرة لتحفيز النفور من الخسارة؟