اليابان تعوّل على نشاط المساهمين في تحسين اقتصادها

4 دقائق

يُعد نشاط المساهمين أمراً مرتبطاً من الناحية التقليدية بالأسلوب الأميركي في الاستثمار؛ ففي الولايات المتحدة، يعيش الرؤساء التنفيذيون في خوف دائم من صناديق التحوط الخاصة بالمساهمين النشطين، ويخشى السياسيون أثرها على العمال. وأفضل مثال على المساهمين النشطين موجود في اليابان، حيث تميل كفة قطاع الشركات هيكلياً لصالح الموظفين، وذلك على حساب حملة الأسهم والاقتصاد. ففي اليابان، تساهم مجموعة من العوامل في عزل المدراء عن التأثيرات الخارجية، ومن بينها، المساهمات المتقاطعة، أي عندما تملك الشركة أسهماً في مؤسسة شريكة، ومجالس الإدارة المطواعة، والتي تتكون معظمها من المدراء التنفيذيين في الشركة، ونظام المحاكم المنحاز تاريخياً ضد صناديق الاستثمار. لقد أصبح القلق في اليابان مؤخراً ناتجاً عن قلة نشاط المساهمين، وليس زيادته. ومن المثير للاهتمام، أن رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، قد تبنى نشاط المساهمين، وذلك في محاولة منه لتشجيع تبني إصلاحات حوكمة الشركات التي أطلقها، وذلك كجزء أساسي من برنامجه للسياسة الاقتصادية.

ويعود السبب في الجمود الذي يشهده الاقتصاد منذ الثمانينيات لمواطن الضعف في الحوكمة الموجودة في قطاع الشركات الياباني. وتسعى إصلاحات حوكمة الشركات التي تقوم بها إدارة "آبي" إلى معالجة هذا الجمود بعدة طرق؛ فمن جهة، شجعت بشكل مباشر الحوكمة التي تصب في صالح حملة الأسهم من قبل الشركات، وزيادة المشاركة من قبل هيئات الاستثمار. كما دعمت بشكل ضمني نشاط المساهمين كقوة محركة. فكان الإصلاح هو الجزرة، والمساهمين النشطاء هم العصا.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: شرح مبادئ الاقتصاد الجزئي

من المرجح أن تكون عملية إقناع هيئات الاستثمار للضغط على الشركات لتنفيذ تغييرات تعاكس عقوداً من التفاهم، هي عملية بطيئة على أفضل تقدير. وقد أوجدت إدارة "آبي" في اليابان الظروف المواتية لمصادر تمويل أصغر حجماً، وأسهل حركة، وهي مستقلة بالعادة عن المؤسسات اليابانية الضخمة، وذلك من أجل تمرير أجندتها الخاصة بالشركات، واحدة تلو الأخرى. ويبدو أن الإدارة غير معنية، وهو أمر غير معهود، بأن العديد من مصادر التمويل هذه أجنبية. ففي الواقع، استثمر صندوق استثمار التقاعد الحكومي والذي تديره الحكومة في صندوق "تايو باسيفيك" (Taiyo Pacific)، وهو صندوق تمويل أميركي للنشطاء يستهدف الشركات اليابانية. حتى أن "آبي" قابل واحداً من أبرز النشطاء الأميركيين، دانيال لوب، في مقابلة خاصة ولكنها حازت على تغطية إعلامية، والذي أشار فيها إلى القيمة التي تضيفها المشاركة الأجنبية في الأسواق اليابانية.

وقد أحدث تغيير النظرة إلى النشطاء في اليابان إلى نظرة إيجابية تغييراً هائلاً؛ ففي العقد الأول من هذا القرن، اجتاحت موجة من النشطاء الشركات المدرجة اليابانية، متبنية أسلوب المواجهة الشبيه بذلك الشائع في الولايات المتحدة. إلا أنها فشلت بشكل كبير. وسواء كانت مصادر التمويل غربية، مثل، "ستيل بارتنرز" (Steel Partners)، و"تي سي آي" (TCI)، أو مصادر تمويل يابانية، مثل، ، فقد وجد هؤلاء النشطاء أن النظام بأكمله متآمر لدعم الشركات التي يواجهونها، بغض النظر عن ضعف الحوكمة في هذه الشركات.

ظهرت منذ بدء الأزمة الاقتصادية العالمية موجة جديدة من النشطاء "البنّائين" أو "الودودين" (ويشار إليهم عادة بصناديق المشاركة)، الذين تطرقوا لقضايا الحوكمة ذاتها، ولكن بأسلوب أقل حدة؛ فبدلاً من انتقاد الإدارة بشكل علني، قامت هذه الصناديق بإجراء محادثات معهم بشكل خاص. وقد حازوا على ثقة الإدارة من خلال إظهار الصبر، وتجنب طلب الحق في مقاعد في مجالس الإدارة، أو تحديهم في نزاعات الوكالة. وسعت إلى كسب الإدارة إلى صفهم من خلال تقديم التحاليل المبنية على البحوث، وربطها مع الشركاء المحتملين. وتشمل الصناديق الرائدة في تطبيق هذا الأسلوب "أسوكا فاليو-أب" (Asuka Value-up)، و"تايو باسيفيك" (Taiyo Pacific)، و"سمبلكس لإدارة الأصول" (Simplex Asset Management). (إفصاح كامل: أنا مشارك في هذه الاستراتيجية كجزء من شركة "كورنوول كابيتال" (Cornwall Capital). وحتى النشطاء ممن يتبعون أسلوب المواجهة التقليدي مثل "ثيرد بوينت" (Third Point) قاموا بتحويل استراتيجيتهم في اليابان بهدف تبني أسلوب بنّاء بشكل أكبر).

منذ إطلاق برنامج "آبي" لحوكمة الشركات وقواعد الإدارة، زاد عدد النشطاء البنّائين في اليابان بشكل كبير. وحيث كان النشطاء يُعاملون تاريخياً مع في اليابان بازدراء لمحاولة انتزاع القيمة من النظام، يمكنهم الآن الإشارة إلى أن أفعالهم منسجمة مع أهداف سياسة الحكومة.   

لم يصدر الحكم بعد على فعالية إصلاحات حوكمة الشركات التي أطلقها آبي. فيشير المعارضون لهذه الإصلاحات إلى انخفاض معدلات تبني قواعد الإدارة من قبل خطط التقاعد الخاصة بالشركات، والمشاركة المحدودة للشركات المدرجة التي تتبع قواعد حوكمة الشركات بشكل نظري فقط، واستمرار مقاومة عدد كبير من الشركات المدرجة للتأثير الخارجي. وتبقى المساهمات المتقاطعة هي النقطة الشائكة، وهي توفر خط دفاع ضد التأثيرات الخارجية، لأنها تمنع احتمالية الاستحواذ. ويشير المتفائلون إلى أوجه التقدم القابلة للقياس، بما فيها نسبة الشركات المدرجة في سوق طوكيو للأسهم من المستوى الأول، والتي تمتلك عضويّ مجلس إدارة مستقلين على الأقل، والتي ارتفعت من 17% في عام 2012 إلى 88% في عام 2016.

هل سيساعد نشاط المساهمين ذو الطابع الياباني في إنجاح إصلاحات حوكمة الشركات؟ تشير الأدلة القولية إلى وجود نجاحات فردية: فعلى سبيل المثال، أجهضت ثيرد بوينت خطة إحلال تتسم بالمحاباة في "سيفين آند آي" (Seven & I)، وقامت "ميساكي كابيتال" (Misaki Capital) بتوجيه موزع مواد التصميم الداخلي "سانغيتسو" (Sangetsu) نحو تحسين علاقات المستثمرين وكفاءة رأس المال. ولكن، تجري الكثير من أعمال التدخل بشكل سري كما تجرى الكثير من أعمال الشركات على الأرجح من قبل الإدارة لمنع تدخل الصناديق. وقامت الشركات المدرجة بإعادة مستويات قياسية من الأموال للمساهمين من خلال الأرباح وإعادة شراء الأسهم (وهو تغيير في تخصيص رأس المال يعتبر أقل عرضة للانتقاد حول قصر الأمد مما عليه الحال في الولايات المتحدة، نظراً لأن الشركات اليابانية تعتبر حالات شاذة بالنسبة للعالم من حيث فائض النقد، وانخفاض العائد على حقوق المساهمين، وإمكانيات النمو المحلي المحدودة).

والأهم من ذلك، بدأت المزيد والمزيد من الشركات في اتباع قواعد حوكمة الشركات. وبحسب خبرتي، انتقلت الكثير من الشركات من وضعية الجهل بالأمر تماماً، إلى الاهتمام بوجهة نظر المستثمرين حول مجموعة القواعد. كما أصبحت مجموعة جزئية من الشركات أقل تشككاً بصناديق المشاركة. ويتوقع المتفائلون حدوث تأثير متزايد لهذا الأمر. و ينبغي على الدول الأخرى، التي يتصف قطاع الشركات لديها بالسكون، وفرط الحماية، بالتعلّم من تجربة اليابان في توظيف نشاط المساهمين كأداة للسياسات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي