سيعترف القليل من المدراء بأنهم يتجنبون المحادثات الصعبة مع الزملاء. لكنني لاحظت أنه بينما يتحدث الكثيرون عن أهمية الصراحة لإنجاز الأمور، غالباً ما يتجنب المسؤولون التنفيذيون النزاعات، ويبتعد المدراء عموماً عن المواقف المشحونة عاطفياً أو يتهربون منها عن طريق التظاهر بأنها غير موجودة، أو تأخير يوم تصفية الحساب، أو الاستعانة بأطراف ثالثة متعاطفة.
تجنب المدراء للنزاعات
اضطررت مؤخراً إلى التعامل مع هذه المشكلة في أثناء العمل مع إحدى الشركات الناشئة الصغيرة التي كانت تعمل في مجال صناعة الأغذية وكانت تعاني من نزاعات غير عادية بين أعضاء القيادة العليا بها. في هذا التوقيت، عيَّن مجلس إدارة هذه الشركة رئيساً تنفيذياً جديداً لتسريع عملية تسويق تقنياتها. كانت الأشهر الستة الأولى له ناجحة: إذ أجرى جولة جديدة لجمع الأموال، ونجح في تبسيط عملية التصنيع وتركيز جهود الشركة على بضعة أهداف مهمة، وخاصة الحصول على موافقة السلامة الرئيسية من الجهات التنظيمية الفيدرالية. كما عيّن العديد من كبار المدراء الذين يتمتعون بسنوات من الخبرة في صناعة الأغذية وأقام علاقات قوية مع السلطات التنظيمية.
ومع ذلك، كانت واحدة من أعضاء فريق الإدارة العليا غير راضية عن منصبها كمساعدة له وطلبت بشكل سري من رئيس مجلس إدارة الشركة تعيينها مسؤولة عن الشركة وهددت بالرحيل (واصطحاب مدير آخر معها) إذا رفض مجلس الإدارة. وعلى الرغم من أن رئيس مجلس إدارة الشركة كان سعيداً بما ينجزه الرئيس التنفيذي الجديد، إلا أنه كان يشعر بأن خسارة هؤلاء المسؤولين التنفيذيين سيقوض بشكل كبير الموافقات اللازمة لإطلاق المنتج النهائي ويؤخرها. كانت مخاطرة كبيرة للغاية. لذلك وبعد التشاور مع بقية أعضاء مجلس الإدارة (لكن دون التحدث مع الرئيس التنفيذي)، رضخ رئيس مجلس الإدارة لمطالبها وطلب من الرئيس التنفيذي ترك منصبه.
بالتأكيد يعد هذا الموقف -الذي يشبه الانقلاب- أمراً محزناً لأنه يدل على عدم وجود تواصل صادق من جانب هذه المديرة، التي تصرفت سراً، ومن جانب رئيس مجلس إدارة الشركة، الذي خان الرئيس التنفيذي. إذ لم يتحل أي منهما بالشجاعة الكافية للتحدث مباشرة مع الرئيس التنفيذي.
لكن المثير للاهتمام هو أن كلاً من المديرة ورئيس مجلس الإدارة شعرا بأنهما تصرفا بشكل مناسب ومع مراعاة مصالح الشركة ومستثمريها. فقد شعرت المديرة أنها تملك المهارات والاتصالات اللازمة لنقل الشركة للمستوى التالي، بينما الرئيس التنفيذي (الذي جاء من خارج صناعة الأغذية) لم تكن لديه هذه المهارات. ولأنها كانت لا تعتقد أنه سيتفق معها، رأت أنها ستكون مضيعة للوقت إذا تواصلت معه، وأنه من الأفضل أن تتواصل مع مجلس الإدارة مباشرة. كذلك رأى رئيس مجلس إدارة الشركة أن أفضل طريقة لحماية الشركة وتنميتها هي التحالف مع المديرة -وبمجرد أن اتخذ قراره، لم يعتقد أن إجراء محادثة مع الرئيس التنفيذي سيكون بناءً.
أسباب تجنب المحادثات الصعبة
يُعد هذا النوع من التبرير شائعاً. إذ غالباً ما نتجنب المواقف أو المحادثات الصعبة لأننا نعتقد أنها لن تكون مثمرة، وأننا لن نكون قادرين على إقناع الطرف الآخر بقبول وجهة نظرنا. ولأننا ننظر إلى الأمر من منظور الربح والخسارة (ولا نريد الخسارة)، فإننا نبحث عن أساليب لتجنب المواجهة وغالباً ما ينتهي بنا الأمر إلى التسبب في المزيد من الضرر. في حالتنا، كان كل من رئيس مجلس الإدارة والمديرة يعلمان أن الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله هو التحدث مع الرئيس التنفيذي حول مخاوفهم، لكن لأنهم كانوا يعتقدون أنه سيرفض وسيحدث نزاع بينهم، وكان يبدو لهما أنه من الأفضل تجنب التواصل معه تماماً.
لسوء الحظ، كان هذا التجنب يعكس قصر نظرهما. فقد تسبب تبديل الرئيس التنفيذي في اضطراب العمل وخفض الروح المعنوية داخل الشركة، إذ كان هذا هو التغيير الرابع للرئيس التنفيذي خلال أقل من عامين. وعلى الرغم من أن المديرة كانت لديها بالفعل خبرة في مجال صناعة الأغذية ولديها خبرات تنظيمية متعلقة به، إلا أنها لم تمتلك بعض المهارات الأساسية التي جعلت الرئيس التنفيذي السابق ناجحاً، مثل القدرة على جمع الأموال والتعامل مع المستثمرين وجذب العملاء المحتملين وتحفيز الموظفين. كما أن هذه الخطوة التي نُفِذَت في فترة انتقالية حرجة بالنسبة لفريق القيادة ورئيس مجلس الإدارة ستضعف على الأرجح قدرتهم على التعاون في المستقبل.
ومن الواضح أنه لا توجد ضمانات بأن تؤدي المناقشة الصريحة إلى نتيجة مختلفة. لكن قد تكون هناك ترتيبات أخرى من شأنها أن تمنع الغضب وانعدام الثقة والاضطراب الذي تبع ذلك. على سبيل المثال، كان إنشاء منصب رئيس تنفيذي مشارك أو ترقية الرئيس التنفيذي ليعمل نائباً لرئيس مجلس الإدارة من شأنه أن يحقق الاستفادة من مهارات المديرة والرئيس التنفيذي في الوقت نفسه. وكما قال الرئيس التنفيذي (السابق حالياً) فيما بعد: "لا أعلم ما إذا كان بإمكاننا حل هذه المشكلة أم لا، لكن التحدث حول هذه المشكلات كان من شأنه أن يمنحنا فرصة على الأقل".
كانت هذه بالتأكيد حالة متطرفة وغير معتادة من تجنب المحادثات الصعبة. لكن السيناريو نفسه يحدث بلا شك على نطاق أصغر بكثير (ودون التهديد بالرحيل عن الشركة) في أماكن العمل بشكل منتظم، على سبيل المثال في مراجعات الأداء السلبية أو نزاعات الفريق، أو ببساطة كنتيجة لوجود شخصيات أو أساليب العمل غير متوافقة. الحقيقة هي أن المدراء والموظفين يتجنبون جميع أنواع المواقف الصعبة ويبررون تصرفاتهم على طول الطريق، وينتهي بهم الأمر إلى جعل التوترات أسوأ.
يُعد التهرب من المواقف الصعبة شائعاً لدرجة أنه لا يوجد حل للتغلب عليه. ربما يكون أفضل ما يمكننا فعله هو أن نصبح أكثر وعياً بميلنا إلى تبرير هذا التهرب وأن نتدرب على التعامل مع الموقف الصعبة؛ حتى نشعر بأننا مستعدون أكثر عند حدوثها. على سبيل المثال، قد تسأل زميلاً أو صديقاً موثوقاً به عن رأيه في اللحظات التي يعتقد أو تعتقد فيها أنك "توهم نفسك" بشيء ما. (فقط كن مستعداً لبعض الإجابات التي قد لا تعجبك). يمكنك أيضاً أن تطلب من زميل يضايقك -أي شخص لا تحبه أو يخيفك أو تشعر أنه ينافسك- الخروج لاحتساء القهوة في محاولة لحل مشكلاتكما معاً. يمكن أن يساعدك هذا النوع من "التدريب" منخفض المخاطر على تعلم المهارات وتطوير الذكاء العاطفي اللازم للتعامل مع المحادثات الصعبة ومعرفة متى يجب عليك الخوض فيها أو التراجع عنها.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: معنى الـ (Emotional Intelligence) أو "الذكاء العاطفي".
خلاصة القول عن تجنب المسؤولين التنفيذيين للنزاعات هي أنه لا أحد فينا يحب أن يكون في مواقف صعبة من الناحية العاطفية. ومع ذلك، قد يكون تعلم كيفية التعامل مع هذه المواقف بصراحة وسهولة أكبر هو أحد أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها لتحسين مهاراتك في القيادة وخلق قيمة أكبر لشركتك.
اقرأ أيضاً: القيادة واتخاذ القرار