ثمّة ظاهرة شائعة لدى العديد من المدراء التنفيذيين تتمثل في أنهم يتولون وظائفهم الجديدة وهم لديهم شعور عميق بأنهم أشخاص محتالون. فقد كشفت دراسة بحثية أجريناها حول صفات القائد العظيم، شملت آلاف القادة الذين ارتقوا السلم الوظيفي إلى مراتب أعلى، أن 69% منهم يشعرون بأنهم غير جاهزين للاضطلاع بالدور الذي يتولّونه. كما أن 45% منهم لم يكن لديهم أدنى فكرة عن التحدّيات التي سيواجهونها، بينما قال 70% بأن مؤسساتهم لم تبذل جهداً مفيداً في تهيئتهم وتحضيرهم. وخشية الظهور بمظهر الشخص المحتال، فإن العديد من هؤلاء القادة يحاول تعويض ذلك النقص من خلال بذل محاولات متطرّفة للعمل بطريقة مثالية تنمّ عن الكمال وتخلو من أي عيوب وشوائب.
3 معتقدات شائعة عن صفات القائد العظيم
هناك 3 معتقدات شائعة، لكنها خاطئة، تسود بين صفوف هذا النوع من القادة:
"يجب أن أكون شخصاً مثالياً"
يواجه العديد من المدراء التنفيذين المتحمسين والمندفعين صعوبة في قبول حقيقة أن العيوب والأخطاء هي جزء من الطبيعة البشرية. وعندما تتصرف كأنك شخص كامل ومثالي أو أنك يجب أن تكون مثالياً، فإنك في نهاية المطاف تتوقع من الآخرين أن يكونوا كذلك أيضاً. وعادة ما يتمرد هؤلاء المرؤوسين الذين تقع على كاهلهم هذه المعايير غير المنصفة ويسحبون دعمهم لهؤلاء المدراء. وبما أن هؤلاء المرؤوسين يجدون أنفسهم محرومين من التقدير المستحق لجهودهم، فإنهم ينتظرون للانقضاض على أي تلميح بالنقص أو العجز لديهم، الأمر الذي لا يفسح المجال أمام مديرهم لارتكاب أي خطأ. ونظراً لأن هؤلاء المدراء التنفيذيين يخشون توجيه النقد إليهم أو الظهور بمظهر الضعف، فإنهم يعملون على تأبيد هذا الوهم بالعصمة من الخطأ، وبذلك فإن نزعتهم إلى الكمال تصبح عبارة عن سجن دائم بالنسبة لهم. وقد أشار 67% من المشاركين في دراستنا أيضاً إلى أنهم يعانون من مدرائهم الذين يتدخلون في كل شاردة وواردة في تفاصيل العمل، وهذا أحد الأعراض الشائعة للنزعة نحو الكمال والتي تراها لدى بعض المدراء.
يحتاج المرؤوسون إلى من يطمئنهم بأن قادتهم يعلمون بأنهم هم أنفسهم خطاؤون، وبأنهم هم بدورهم سيبدون تفهماً للهفوات والعثرات التي تبدر من هؤلاء المرؤوسين. ويتعيّن على القادة أن يكونوا صريحين بخصوص ما يمكن للمرؤوسين توقعه حول نقاط القوة والضعف لديهم. وهم يجب أن يرحّبوا بأي آراء تقدّم لهم من هؤلاء المرؤوسين، وأن يشجعوهم على الصراحة عندما تصبح نقاط ضعفهم إشكالية بالنسبة للآخرين، وأن يعتذروا باكراً وغالباً عندما يرتكبون الأخطاء. فأحد أعظم مصادر المصداقية بالنسبة لأي قائد هو، وللمفارقة، ضعفه. فاعتراف المرء بعيوبه يكسبه ثقة الآخرين به، ولكن إخفاؤه لها، لا يعزز ثقة الآخرين به.
"أنا يجب أن أكون مديراً منصفاً 100%"
عندما يتعلق الأمر بتخصيص الموارد – من التعويضات والرواتب والترقيات إلى الأولويات الاستراتيجية – فإن القادة يخضعون لمراقبة وثيقة لمدى "إنصافهم" بأساليب غير منصفة. فالعديد من الموظفين يتوقعون بأن يجري تجاهلهم عندما يتعلق الأمر بتقييمات الأداء والترقيات والرواتب وإمكانية الحصول على الموارد والفرص. ولا تزال حالة الهشاشة في الاقتصاد ووجود فجوة ضخمة بين رواتب المدراء التنفيذيين والعمال مصدراً أساسياً لتأجيج حالة عدم الثقة بين الطرفين. كما أن الشعور بوجود حالة من عدم العدالة لدى المؤسسة هو شعور ذاتي يكون موجوداً في عين المتلقي وقد لا يكون حقيقياً أو موضوعياً. وفي بعض الأحيان من يزعمون أن الأمور تسير بطريقة غير عادلة يعجزون عن دعم مزاعمهم تلك بالوقائع والحقائق. ومن السهل جداً للقادة الذين يعانون من الشعور بعدم ملاءمتهم لمناصبهم القيادية أن يقعوا فريسة لرغبتهم في إرضاء هؤلاء الناس.
صحيح أن "الناس" يريدون أن يُعاملوا بنوع من المساواة، ولكن ليست كل "الوظائف" متساوية؛ وليست كل الإسهامات من نفس القيمة. وبدلاً من محاولة معاملة الجميع على قدم المساواة، كن واضحاً بشأن الحقيقة التالية: الأداء والنتائج غير المتناسبة تعني مكافآت وموارد وفرص غير متناسبة. وعندما يحاول المدراء التنفيذيون تجاهل هذه الفروق من خلال خلق حالة ظاهرية مزيفة بوجود سياسات قائمة على المساواة بين الجميع تزعم "معاملة الجميع على قدم المساواة"، فإنهم بذلك يسهمون في تأجيج نفس المخاوف التي سعوا إلى تهدئتها لأن الناس يعرفون بغريزتهم أن البشر ليسوا متساوين.
فالمرؤوسون يريدون أن يعرفوا القواعد، وهم يعلمون بأن القادة مهتمّين بعدم خرق هذه القواعد. فإذا ما فهم الموظفون المعايير المطبّقة، وكيف ستوزع المكافآت، فإنهم سيصدقون بأن هذه المكافآت لا توزع بناءً على النزوات. وهم يريدون أن يعلموا بأن قادتهم سيدعمونهم على الرغم من حالة عدم العدالة السائدة في المؤسسات. على سبيل المثال، كان أحد المدراء التنفيذيين الذين عملنا معهم قد قال لأحد الموظفين معتقداً أنه يُظهِرُ تعاطفه معه: "أعلم أن نظام العلاوات لدينا مليء بالفوضى، ولكن ليس بوسعي فعل شيء حيال هذا الأمر". وبالتالي عندما جعل نفسه ضحية مثله مثل الموظف العامل تحت أمرته، فإنه قد قلل من مصداقيته وأظهر نفسه بوصفه شخصاً عاجزاً عن المناداة بالتغيير.
"يجب أن أكون حاضراً وأن يستطيع الناس الوصول إليّ على مدار الساعة وعلى مدار أيام الأسبوع"
لا يشعر القادة أبداً بأن لديهم ما يكفي من الوقت لتوفيره لمرؤوسيهم، ولا يشعر المرؤوسون أنهم يحصلون على الوقت الكافي من مدرائهم. ثلثا المشاركين في دراستنا قالوا إنهم لا يمتلكون ما يكفي من الوقت ليقدّموه للأشخاص الذين يعملون تحت إمرتهم. ويتمثل التحدي في كيفية التفاوض مع كل واحد من هؤلاء المرؤوسين بخصوص ما يحتاجه وكيف يمكن تقديمه له. لا تعيّن على بابك حراساً أقوياء يمنعون الناس من الوصول إليك، ولكن لا تفتح الباب على مصراعيه أيضاً، ولا تتحول إلى آلة يلجأ إليها الجميع للحصول على الإجابة عن أي سؤال مهما كان. ضع حدوداً واضحة والتزم بها، وحاول استغلال وقتك بطريقة مثالية من خلال اتباع آليات مبتكرة تساعد أعضاء الفريق بأكمله على الوصول إليك بشكل جماعي، عوضاً عن الاعتماد على النقاشات الكثيرة مع كل واحد منهم على حدة.
يرغب المرؤوسون كثيراً في أن يكون مديرهم من النوع الذي يُعتمَد عليه. فهم يريدون أن يعرفوا أنهم إذا واجهوا أي مشاكل، فإن قادتهم سيساعدونهم في العثور على الحلول. وإذا كان هناك أي شيء يعجزون عن فهمه، فإن قادتهم سيساعدونهم في استيعابه. وإذا لم يكن القسم المجاور متعاوناً معهم، فإن قادتهم سيتدخلون لحل هذه القضية. صحيح أن الوقت المخصص لأداء هذه الأشياء سيتفاوت، ولكن فقط عندما يدرك المرؤوسون بأن قادتهم هم أشخاص "غير موثوقين" تتحول المدة الزمنية التي يحصلون عليها منهم إلى مشكلة.
ليس أداء دور المدير التنفيذي بالعملية السهلة ولا استكشاف صفات القائد العظيم أيضاً، وبالتالي فإن تثبيتك لموقعك ولنفسك على أساس مبادئ شفافة، يمكن أن يساعدك في مواجهة العقبات الناجمة عن التعامل مع من يشعرون بعدم الرضا. لذلك إذا لبّيت الاحتياجات الحقيقية لفريقك، فإنك لن تضطر بعدها إلى إجبار نفسك على التحول إلى الشخص الذي لا تريده.
اقرأ أيضاً: