العلم الحديث في بناء فرق عظيمة

18 دقيقة
كيفية بناء فريق عظيم

يُعد مركز الاتصالات المكان المنشود للبدء، إن كنت تبحث عن فرق تدعمك في الوصول إلى النجاح، ذلك لأنه من السهل تحديد المهارات اللازمة للعمل في مراكز الاتصالات والتعاقد على أساسها. لأن المهام الموكلة داخلها واضحة المعالم وسهلة المراقبة. ومن السهل قياس كل جانب من جوانب أداء الفريق، مثل: عدد المشكلات التي تم حلها، ومدى رضا العملاء، ومتوسط وقت المعالجة (AHT وهو المعيار الذهبي لكفاءة مركز اتصالات)، والقائمة تطول. ولهذا إليكم كيفية بناء فريق عظيم بطريقة صحيحة.

ولكن، لماذا إذاً يواجه المدير في مركز اتصالات أحد البنوك صعوبة في معرفة سبب حصول بعض فرقه على نتائج ممتازة، بينما بعضها الآخر، ورغم التشابه، واجهت الصعوبات؟ بالفعل، لم تتطرق أي من المقاييس المتدفقة إلى سبب هذه الثغرات في الأداء. ليعزز هذا اللغز من افتراض المدير أن بناء الفريق كان فنّاً، وليس علماً.

اقرأ أيضاً: الصفتان الرئيسيتان للفرق الأفضل في حل المشاكل

والحقيقة هي عكس ذلك تماماً. فقد حددنا في مختبر الديناميات البشرية في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)" (MIT) الديناميات الجماعية صعبة المنال، والتي تميز الفرق عالية الأداء، أي الذين يتمتعون بالطاقة والإبداع والالتزام المشترك لتجاوز الفرق الأخرى. وتعد هذه الديناميات قابلة للملاحظة والقياس كماً ونوعاً، والأهم من ذلك غالباً، إمكانية تعليم الفرق أساليب تقويتها.

كيفية بناء فريق عظيم

البحث عن "عنصر النجاح"

عندما شرعنا في توثيق سلوك الفرق "الناجحة"، لاحظنا أنه يمكننا سماع بعض الهمس داخل الفريق على الرغم من عدم فهمنا لما يدور من حديث بينهم. يُشير هذا أن جوهر الأداء العالي لا يقبع في فحوى مناقشات الفريق، بل في أسلوب التواصل المتّبع. رغم ذلك لم تركّز سوى قلة من الأبحاث المتعلقة ببناء الفريق على ميزة التواصل. وعند اشتباهنا بحساسية هذه الميزة، قررنا التعمق بفحصها.

لماذا تكتسي أنماط التواصل أهمية كبيرة؟

يبدو من غير المعقول تقريباً أنّ الطريقة التي نتواصل بها يمكن أن تكون أهم بكثير للنجاح من الرسائل التي نوصلها إلى بعضنا.

لكن إذا ألقينا نظرة على تاريخنا التطوري، يمكننا أن نرى أنّ اللغة هي تطور حديث نسبياً، واعتمدت على الأرجح على إشارات أقدم أوحت بالهيمنة والاهتمام والمشاعر بين البشر. وما زالت أنماط التواصل القديمة هذه تشكِّل طريقة اتخاذنا للقرارات وتنسيق العمل فيما بيننا.

تأمّل في الطريقة التي قام بها الإنسان البدائي بحل المشاكل. يمكن للواحد منا أن يتخيل البشر جالسين حول نار متّقدة (كفريق) ويقدمون الاقتراحات ويبدون الملاحظات ويشيرون إلى الاهتمام أو الموافقة بهز الرؤوس أو الإيماءات أو الإشارات الصوتية. وإذا تعذر على بعض الأشخاص المشاركة أو الإشارة إلى مستوى اهتمامهم أو موافقتهم، امتلك أعضاء المجموعة معلومات أقل وحكماً أضعف، وكان مصيرهم على الأرجح هو المعاناة.

لغرض دراساتنا، بحثنا عبر مجموعة متنوعة من الصناعات لإيجاد أماكن عمل تضم فرقاً متشابهة ذات أداء متفاوت. فشمل بحثنا في النهاية فرق الابتكار، وأجنحة ما بعد الجراحة في المستشفيات، وفرق التعامل مع العملاء في البنوك، وفرق عمليات الغرفة الخلفية، وفرق مراكز الاتصالات وغيرها.

زودنا جميع أعضاء هذه الفرق بشارات إلكترونية وظيفتها جمع البيانات المتعلقة بسلوك تواصلهم الفردي، مثل نبرة الصوت ولغة الجسد والأشخاص الذين تحدثوا معهم وغيره. أكدت البيانات، وبتوافق ملفت، أن التواصل يلعب بالفعل دوراً حاسماً في بناء الفرق الناجحة. ووجدنا حقيقةً أن أنماط التواصل هي أهم مؤشرات نجاح الفريق. ليس ذلك فحسب، بل تحظى بالقدر ذاته من أهمية العوامل الأخرى مجتمعةً مثل الذكاء الفردي والشخصية والمهارة وفحوى المناقشات.

أوضحت لنا أنماط التواصل هذه مثلاً، سبب التباين الواسع في الأداء بين الفرق المتشابهة ظاهرياً في مركز اتصالات ذلك البنك. وحيث ارتدت عدة فرق شاراتنا لمدة ستة أسابيع، عمدتُ إلى تحليل البيانات التي جُمعت بالاشتراك مع زملائي تامي كيم ودانيال أولغين وبين ويب في شركة "سوسيومترك سولوشنز" (Sociometric Solutions)، ووجدنا أن أفضل التنبؤات بالإنتاجية ترتبط بطاقة الفريق ومشاركاته خارج الاجتماعات الرسمية. وفسر هذان العاملان معاً ثلث ذلك التباين في إنتاجية الدولار بين المجموعات.

اقرأ أيضاً: بحث: عندما يعمل الموظفون في فرق متعددة يمكن للمدراء الجيدين الحصول على تأثيرات مضاعفة

أوصينا، وبالاعتماد على هذه الرؤية، مدير المركز بإعادة تنظيم جدول استراحة شرب القهوة للموظفين، ليأخذ كل فرد من الفريق الاستراحة في الوقت ذاته. وهذا من شأنه أن يوفر للأشخاص مزيداً من الوقت للاختلاط مع زملائهم في الفريق بعيداً عن محطات عملهم. وعلى الرغم من أن هذا الاقتراح جرى في عكس تيار ممارسات الكفاءة التقليدية، إلا أن المدير كان محتاراً ويائساً لدرجة جعلته يجربه. وقد نجح بالفعل، حيث انخفض متوسط وقت المعالجة إلى أكثر من 20% بين الفرق الأقل أداءً، وانخفض عموماً بمقدار 8% في مركز الاتصالات. فغيّر المدير بعدها جدول الاستراحة في جميع مراكز الاتصالات العشرة التابعة للبنك (والتي توظف ما مجموعه 25,000 شخص)، وتتوقع زيادة إنتاجية قدرها 15 مليون دولار سنوياً. كما أنه التمس رضا الموظفين عن زيادة إنتاجية مراكز الاتصالات والتي وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 10%.

تمتلك أي شركة، مهما كان حجمها، الإمكانية لتحقيق هذا النوع من التحول. لأن الشركات تستطيع الآن الحصول على الأدوات والبيانات اللازمة للتحليل الدقيق وهندسة الأداء العالي. ليصبح بناء الفرق العظيمة هو علم بحد ذاته. وإليك آلية عمله.

تجاوز حدود الملاحظة من أجل معرفة كيفية بناء فريق عظيم

عندما نستشعر وجود الروح الجماعية، فإن ذلك الإدراك الحسي لا يأتي من العدم، بل هو نتيجة لقدرتنا الفطرية على معالجة المئات من إشارات التواصل المعقدة التي نرسلها ونستقبلها باستمرار.

ولكن لم نتمكن من تسجيل هذه الإشارات بشكل موضوعي على شكل بيانات يمكننا التعمق بها لفهم سبب نجاح الفريق سوى مؤخراً. فالملاحظة المجردة لا يمكنها ببساطة التقاط جميع الفوارق الدقيقة في السلوك البشري داخل فريق بأكمله. فلم يكن لدينا حينها سوى مجرد شعور قوي بالأشياء، مثل القيادة الجيدة والتبعية، والالتزام المشترك الملموس، وجلسات استثارة الأفكار الرائعة، والتي جعلت الفريق أعظم من مجموع أجزائه.

رغم ذلك، ساعدتنا التطورات الحديثة في تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية وأجهزة الاستشعار على تجاوز هذه الحدود نحو معرفة كيفية بناء فريق عظيم بطريقة صحيحة، ما سمح لنا بقياس "عنصر النجاح" هذا. الشارات التي طُورت في مختبري في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا هي في نسختها السابعة. إذ تولد أكثر من 100 نقطة بيانات في الدقيقة، وتعمل بشكل خفي بما يكفي لنكون على ثقة أننا نلتقط السلوك الطبيعي. (وثّقنا فترة من التكيف مع الشارات: فحالَ وضعها يبدو أن الأشخاص يشعرون بوجودها ويتصرفون بشكل غير طبيعي، ولكن هذا الأثر يختفي خلال ساعة واحدة عادةً). كما نشرنا هذه الشارات في 21 مؤسسة على مدار السنوات السبع الماضية، لنقيس أنماط التواصل لحوالي 2,500 شخص، لتتجاوز المدة ستة أسابيع أحياناً للمرة الواحدة.

اقرأ أيضاً: بحث: عندما تكون الفرق الصغيرة أفضل من الكبيرة

وباستخدام البيانات التي جمعناها، عملنا على رسم مخطط سلوكيات التواصل لعدد كبير من الأشخاص أثناء ممارستهم لحياتهم الطبيعية من أجل معرفة كيفية بناء فريق عظيم بطريقة مدروسة، وبمستوى لا مثيل له من التفاصيل. لتنتج هذه الشارات ما يسمى "بالمقاييس الاجتماعية" أو قياس كيفية تفاعل الأشخاص مع بعضهم، بدءاً من نبرة الصوت المستخدمة، وما إذا كانوا يقابلون بعضهم، وكمية الإيماءات المستخدمة، وكم من الوقت يتحدثون ويصغون ويقاطعون، وصولاً لمستويات انبساطهم النفسي وتعاطفهم. وبمقارنة البيانات التي جُمعت من أفراد أحد الفرق جميعهم، مع بيانات الأداء، يمكننا تحديد أنماط التواصل التي تشكل العمل الجماعي الناجح.

تختلف هذه الأنماط بشكل طفيف، بصرف النظر عن نوع الفريق وهدفه، سواء أكان فريق مركز اتصالات يكافح للوصول إلى الكفاءة، أو فريق ابتكار في شركة أدوية يبحث عن أفكار منتجات جديدة، أو فريق إدارة عليا يأمل في تحسين أسلوب قيادته. تتمتع الفرق المنتجة ببصمات بيانات معينة، وبثبات في الأداء يمكننا من توقع نجاح الفريق بمجرد الاطلاع على بياناته، ودون مقابلة أعضائه حتى.

بمجرد الاطلاع على بيانات المقاييس الاجتماعية، تمكنا من التنبؤ بالفرق التي ستفوز بمسابقة خطة الأعمال.

استطعنا التنبؤ مثلاً بالفرق التي ستفوز بمسابقة خطط الأعمال بالاعتماد على البيانات فقط، والتي جُمعت من أعضاء الفريق الذين يرتدون الشارات في حفل استقبال. كما توقعنا النتائج المالية التي ستحققها فرق الاستثمار، بالاعتماد على البيانات التي جُمعت أثناء مفاوضاتهم فقط. ويمكننا أن نرى في هذه البيانات متى سيكتب أعضاء الفريق تقريراً أنهم قضوا يوماً "مثمراً" أو "خلاقاً".

تكشف البيانات أيضاً في المستويات الأعلى، أن الفرق الناجحة تتشارك في خصائص عدة محددة:

  1. يتحدث كل فرد في الفريق ويصغي بالقدر ذاته تقريباً، ما يجعل المساهمات قصيرة ولطيفة.
  2. يُقابل الأعضاء بعضهم البعض، ومحادثاتهم وإيماءاتهم مفعمة بالحيوية.
  3. يتواصل الأعضاء مباشرة مع بعضهم، وليس مع قائد الفريق فقط.
  4. يتابع الأعضاء المحادثات الجانبية أو الخلفية داخل الفريق.
  5. ينفصل الأعضاء في أوقات محددة، ويستكشفون خارج فريقهم، ثم يعودون بالمعلومات.

تبرهن البيانات أيضاً حقيقة أخرى مفاجئة، هي أن تفكير الأفراد المنطقي ومواهبهم تساهم بدرجة أقل بكثير في نجاح الفريق مما يتوقعه المرء. فأفضل طريقة لبناء فريق عظيم لا تتمثل في اختيار الأفراد لذكائهم أو إنجازاتهم، بل عبر معرفة أساليب تواصلهم، وبتشكيل الفريق وتوجيهه ليتبع أنماط تواصل ناجحة.

عناصر التواصل الجوهرية

حددنا في بحثنا ثلاثة جوانب من التواصل تؤثر على أداء الفريق. الأول هو الطاقة، والتي نقيسها بعدد التفاعلات المتبادلة بين الأعضاء وطبيعتها. ويمكن تحديد أحد التبادلات من تعليق ما أو من بعض القبول، على سبيل المثال "نعم" أو إيماءة الرأس. وغالباً ما تتكون المحادثات العادية من تبادلات عدة، وقد يجري في إطار الفريق أكثر من تبادل في آن واحد.

اقرأ أيضاً: انضباط الفرق يؤدي إلى الأداء الجيد في العمل

أكثر أوجه التواصل قيمة هي تلك التي تحدث وجهاً لوجه، يليها في الأهمية التواصل عبر الهاتف أو المؤتمرات المصورة، ولكن مع أخذ الحذر من تناقص فعالية هذه التكنولوجيا عند مشاركة المزيد من الأشخاص في المكالمة أو المؤتمر. وأخيراً أقل أشكال الاتصال قيمة هي البريد الإلكتروني والرسائل النصية. (نجمع البيانات المتعلقة بهذا النوع من التواصل دون استخدام الشارات، ومع هذا، عدد التبادلات وجهاً لوجه تزودنا لوحدها بمقياس جيد للطاقة تقريباً). تُقدّر قيمة عدد التبادلات التي أجريت بحسب نوع التواصل، وتمنح كل عضو في الفريق درجة على سلم الطاقة، ويتم حساب المعدل بعد إضافة نتائج أعضاء الفريق الآخرين للحصول على نتيجة للفريق.

لا تعتبر مستويات الطاقة داخل فريق ما ثابتة. على سبيل المثال، في مجموعتي البحثية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تقام في بعض الأحيان اجتماعات أخبر فيها الناس عن الأحداث المقبلة والتغيرات في القوانين وغيرها من التفاصيل الإدارية. ودائما ما تكون هذه الاجتماعات منخفضة الطاقة. ولكن عند إعلان شخص ما عن اكتشاف جديد في المجموعة ذاتها، تشتعل الإثارة والطاقة ويبدأ جميع الأعضاء بالتحدث مع بعضهم دفعة واحدة.

البُعد الثاني الهام من التواصل  في سبيل معرفة كيفية بناء فريق عظيم هو المشاركة، والتي تعكس توزيع الطاقة بين أعضاء الفريق. لأننا نجد في فريق مكون من ثلاثة أشخاص أن المشاركة هي دالة القيمة المتوسطة للطاقة بين (أ) و(ب)، و(أ) و(ج)، و(ب) و(ج). فإذا تمتع أعضاء فريق ما جميعاً بطاقة عالية ومتساوية نسبياً مع جميع الأعضاء الآخرين، تكون المشاركة قوية للغاية. والفرق التي تمتلك تكتلات من الأعضاء الذين ينخرطون في تواصل عالي الطاقة بينما لا يشارك بقية أعضائها، لا تقدم أداءً جيداً كذلك. فمثلاً، عندما راقبنا الفرق التي تتخذ قرارات الاستثمار، كانت قرارات الفرق التي تشارك جزئياً أسوأ (أقل ربحية) من الفرق المشاركة بالكامل. كان هذا الأثر شائعاً بشكل خاص بين الفرق التي تعمل عن بعد والتي تتحدث غالباً عبر الهاتف.

أكثر أوجه التواصل قيمة هو ذلك الذي يحدث وجهاً لوجه. وأقلها هو البريد الإلكتروني والرسائل النصية. 

أما البعد الحاسم الثالث في معرفة كيفية بناء فريق عظيم بطريقة صحيحة، فهو الاستكشاف، ويشمل التواصل الذي يتشارك به الأعضاء خارج نطاق فرقهم. فالاستكشاف في جوهره هو الطاقة ما بين الفريق والفرق الأخرى التي يتفاعل معها. ولذا تسعى الفرق ذات الأداء العالي – كما وجدنا – إلى مزيد من الاتصالات الخارجية. ورأينا أيضاً أن تسجيل نتائج جيدة في الاستكشاف يُعد أمراً غاية في الأهمية بالنسبة للفرق الإبداعية، كتلك المسؤولة عن الابتكار والتي تحتاج إلى وجهات نظر نضرة.

وأما لقياس الاستكشاف، فيتعين علينا نشر الشارات على نطاق أوسع في منظمة ما. وقد فعلنا ذلك في أطر متعددة، بما فيها مختبر المرئيات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وفي قسم التسويق التابع لشركة متعددة الجنسيات، والتي شملت العديد من الفرق الموزعة على وظائف متنوعة.

تُظهر بياناتنا أيضاً أن الاستكشاف والمشاركة، رغم جودتهما، لا يتوافقان معاً بسهولة. وذلك لأنهما يتطلبان استخدام طاقة أعضاء الفريق في مكانين مختلفين. والطاقة تعتبر مورداً محدوداً. فكلما كرس الأشخاص أنفسهم من أجل الفريق (أي المشاركة)، قلّ استخدامهم للطاقة خارج فريقهم (أي الاستكشاف)، والعكس صحيح.

لكن يتحتم عليهم القيام بالأمرين معاً، لأن الفرق الناجحة، خصوصًا تلك المبدعة منها، تتأرجح ما بين الاستكشاف من أجل الاكتشاف والمشاركة من أجل دمج الأفكار التي جمعت من المصادر الخارجية. كان هذا النمط في مختبر المرئيات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، السبب في نصف الاختلافات في الناتج الإبداعي بين المجموعات البحثية تقريباً.

ما وراء الحكمة التقليدية

قد يُجادل أحد المتشككين بأن النقاط المتعلقة بالطاقة والمشاركة والاكتشاف واضحة وضوح الشمس. ولكن البيانات المستخرجة من بحثنا تُدخل التحسينات على الحكمة التقليدية، فهي تضيف مستوى غير مسبوق من الدقة إلى ملاحظاتنا، وتحدد الديناميات الرئيسية، وتجعلها قابلة للقياس لدرجة استثنائية.

فمثلاً، نعلم الآن أن 35% من التبيان في أداء الفريق يُعزى ببساطة إلى عدد التبادلات المباشرة بين أعضاء الفريق. كما نعلم أيضاً أن العدد "الصحيح" من التبادلات في فريق ما يصل إلى العشرات لكل ساعة عمل، وأن تجاوز ذلك العدد المثالي يقلص من الأداء. وبإمكاننا أن نُعلن بثقة أنه داخل فريق نموذجي عالي الأداء يُصغي الأعضاء أو يتحدثون إلى المجموعة بأكملها حوالي نصف الوقت فقط، وعند مخاطبة المجموعة بالكامل، كل عضو في الفريق يتحدث ضمن حصته العادلة من الوقت، باستخدام عبارات مختصرة في صلب الموضوع. يتشارك الأعضاء في النصف الآخر من الوقت، في محادثات فردية، والتي عادة ما تكون قصيرة جداً. قد لا تبدو هذه التبادلات الجانبية كلها تساهم في تحسين الأداء منطقياً، وأنها تتسبب في تشتيت انتباه الفريق، ولكن تثبت البيانات عكس ذلك.

لا تعتمد البيانات التي جمعناها حول أهمية الاختلاط الاجتماعي على الحكمة التقليدية فقط، بل تقلبها رأساً على عقب في بعض الأحيان، وتُبين لنا أن الوقت الاجتماعي بالغ الأهمية لأداء الفريق، وغالباً ما يمثل أكثر من 50% من التغيرات الإيجابية في أنماط التواصل، حتى في بيئة ترتكز على الكفاءة، مثل مركز اتصالات.

ببساطة، ليس هناك من طريقة لفهم الديناميات التي تدفع الفرق الناجحة عند غياب البيانات. فمثلاً، اعتقد مدراء إحدى شركات البرمجيات الناشئة أن بإمكانهم تعزيز تواصل أفضل بين الموظفين باستضافة "اجتماعات المشروبات" وغيرها من المناسبات. ولكن أظهرت بيانات الشارة قلة تأثير هذه المناسبات أو انعدامها. وبالمقابل، كشفت البيانات أن وضع طاولات أطول في غرفة الشركة المخصصة للطعام بحيث يجلس الغرباء جنباً إلى جنب، له تأثير هائل.

كما انبثقت وجهة نظر مكررة بشكل مشابه في البيانات. استخدام وجهات نظر جديدة لتحسين الأداء بالكاد يبدو فكرة مفاجئة، بل تعد عملياً الشريعة المتبعة في الإدارة. ولكن يُظهر بحثنا أن معظم الشركات لا تنفذه بالطريقة الصحيحة، لأن معظم المؤسسات التي درسناها تسعى إلى الاستشارة الخارجية بشكل متكرر ومن المصدر ذاته وفي أوقات معينة فقط (فلنقل مثلاً عند إجراء دراسة جدوى، أو تحليل ما بعد الحدث لمشروع ما). بينما سعت الفرق الأفضل أداءً والأكثر إبداعاً في دراستنا إلى الحصول على وجهات نظر جديدة باستمرار، ومن المجموعات الأخرى في المؤسسة (والبعض من خارجها).

طريقة استخدام البيانات

بالنسبة للمهام الإدارية التي واجهت التحليل الموضوعي لفترة طويلة، مثل كيفية بناء فريق عظيم بطريقة مدروسة، يمكن أن توفر البيانات الآن أساساً يُبنى عليه أداء فردي وأداء فريق أفضل.

الخطوة الأولى: التصور

لا تعني البيانات بشكلها الخام الكثير بالنسبة للفرق التي يُقاس أداؤها. فدرجة 0.5 من الطاقة قد تكون جيدة بالنسبة لفرد مثلاً، ولكن أنواع ديناميات الفريق التي تعتمد على الناتج الإحصائي قد لا تكون سهلة الاستخدام. ومع ذلك، وباستخدام الصيغ التي طورناها لحساب الطاقة، والمشاركة، والاكتشاف، يمكننا رسم الخرائط وتتبع أداء الفريق في نطاق هذه الأبعاد والتصورات التي تنقل البيانات بوضوح ويمكن لأي شخص الوصول إليها مباشرةً. وتبرز هذه الخرائط بوضوح نقاط الضعف التي لم تنتبه إليها الفرق ربما. كما تحدد أعضاء الفريق ذوي الطاقة المنخفضة والمشاركة القليلة، كما لو أنه تم تجاهلهم في عملية التصور. (للمزيد من الأمثلة، راجع فقرة "تخطيط العمل الجماعي").

تخطيط العمل الجماعي

على إثر القلق من الأداء المتفاوت على مستوى فروع أحد المصارف في مدينة براغ التشيكية، قام المصرف بتزويد فِرق التعامل مع الزبائن بأجهزة استشعار إلكترونية على مدى ستة أسابيع. وتعرض أول خريطتين أدناه بيانات جُمعت على مدار أيام مختلفة من فريق يضم تسعة أشخاص، وتوضح الخريطة الثالثة بيانات حول التفاعلات بين الإدارة وكل الفِرق.

ومن خلال النظر إلى البيانات، اكتشفنا فجوة بين الفِرق في فروع "الحقبة السوفيتية" للبنك والفِرق في المرافق الأكثر حداثة. غير أنّ الأمر المثير للاهتمام في فروع الحقبة السوفيتية - حيث ساد ضعف التواصل بين الفِرق - هو أنّ التواصل خارج الفِرق كان أعلى بكثير، ما يشير إلى أنّ هذه الفِرق كانت تحاول جاهدة الوصول إلى حلول لمشاكلها. وأظهرت الفِرق في المرافق الحديثة همّة عالية وحاجة أقل إلى استكشاف الخارج. وبعد رؤية البيانات الأولية، نشرت إدارة البنك عروض لوحات البيانات هذه على جميع فِرقها لتراها، كما أعادت تنظيم الفِرق لتشتمل على تشكيلة من الأعضاء من الفروع القديمة والحديثة. ووفقاً للبنك، فإنّ هذه الإجراءات ساعدت على تحسين ثقافة العمل في أوساط جميع الفِرق.

خطوات بناء فريق عظيم

عندما نكتشف هؤلاء الأشخاص، نتعمق في تفحص بيانات الشارات الفردية الخاصة بهم. هل يحاولون المساهمة ويتم تجاهلهم واستبعادهم؟ هل يستبعدون الآخرين ولا يصغون إليهم، وبالتالي يثبطون عزيمة زملائهم في السعي للحصول على آرائهم؟ هل يتواصلون مع عضو واحد في الفريق فقط؟ هل يُقابلون أشخاصاً آخرين في الاجتماعات أو يميلون إلى التواري جسدياً عن نظر المجموعة؟ هل يتحدثون بصوت مرتفع بما فيه الكفاية؟ ربما يكون قائد الفريق مهيمناً جداً، وقد يكون السبب في أنه يتولى معظم المحادثات في الاجتماعات، وعليه حث الآخرين على المشاركة. ستوضح خرائط الطاقة والمشاركة مشكلات كهذه. وحالما نعلم أصل المشكلة، يمكننا الشروع في إصلاحها.

تكشف خرائط الاستكشاف أنماط التواصل عبر المؤسسات. وبإمكانها أن تكشف مثلاً، ما إذا كانت إدارة القسم تفشل في الانخراط مع جميع فرقها. سيظهر عرض الاستكشاف والمشاركة على فترات زمنية فيما إذا كانت الفرق تتناوب بين هذين النشاطين بفعالية. من الممكن أيضاً وضع مزيد من التفاصيل في عملية التصور. ويمكننا رسم خرائط تكشف أنوعاً مختلفة من التواصل بين أعضاء الفريق، لاكتشاف – على سبيل المثال – ما إذا كانتْ الفرق تقع ضحية أنماط ذات نتيجة عكسية، مثل إرسال بريد إلكتروني في الوقت الذي كان عليهم قضاء وقت أطول وجهاً لوجه. (انظر على سبيل المثال فقرة "تخطيط التواصل عبر الوقت").

تخطيط التواصل عبر الوقت

تصف الخرائط أدناه أنماط التواصل في قسم التسويق بأحد البنوك الألمانية في الأيام التي سبقت إطلاق أحد المنتجات الجديدة المهمة، وفي الأيام التي تلتها مباشرة. كان القسم مكوّناً من فِرق يضم كل واحد منها أربعة أعضاء، يختصون في خدمة الزبائن والمبيعات والدعم والتطوير والإدارة. وإلى جانب جمع البيانات عبر تفاعلات شخصية مع شارات المقاييس الاجتماعية، قمنا بجمع بيانات بريد إلكتروني لتقييم التوازن بين التواصل عالي القيمة الذي يحدث وجهاً لوجه، وبين الرسائل الرقمية منخفضة القيمة.

ولم نقم بتقديم ملاحظات متكررة في هذا المشروع، لكن لو فعلنا ذلك، بحلول نهاية الأسبوع الأول، لأشرنا إلى ثلاثة اتجاهات سلبية كان من الممكن أن تقوم المجموعة بتصحيحها، وهي: عدم رؤية خدمة الزبائن، والاعتماد المفرط على البريد الإلكتروني، وتفاوت التواصل بدرجة كبيرة في أوساط المجموعات. وإذا جرت معالجة هذه المسائل، لظهرت المشاكل الموجودة في المنتج في وقت مبكر، ولربما تحسنت أشكال الاستجابة لها.

أيام التواصل

أنواع التواصل

الخطوة الثانية: التدريب

نستطيع، باستخدام خرائط البيانات الموجودة، مساعدة الفرق على تحسين أدائها، من خلال الملاحظات المرئية المكررة.

يُقدم العمل الذي قمنا به مع فريق تصميم متعدد الثقافات، والمكون من أعضاء يابانيين وأميركيين مثالاً جيداً. (تُعد البيانات المرئية فعالة بشكل خاص في مساعدة المجموعات متعددة الثقافات، وتلك التي تعمل عن بعد، والتي تواجه تحديات معينة في التواصل). أظهرت خرائط الفرق (راجع فقرة تخطيط تحسين التواصل) أن التواصل متفاوت إلى حد كبير. وسلطت الضوء على الأعضاء اليابانيين الذين ترددوا بالتحدث في بادئ الأمر، واضعة الفريق في حالة من الطاقة المنخفضة وقلة المشاركة.

تخطيط تحسين التواصل

تظهر بياناتنا أنّ الفِرق مختلطة اللغات والتي تعمل عن بعد، تجد في أحوال كثيرة صعوبة في الانسجام. وتعتبر المسافة عاملاً مؤثراً في ذلك، حيث لا ينتج التواصل الإلكتروني نفس الطاقة والمشاركة التي ينتجها التواصل وجهاً لوجه. كما أنّ للمعايير الثقافية دور في ذلك أيضاً. ويمكن للملاحظات المرئية حول أنماط التواصل أن تساعد في هذا الجانب.

قمنا على مدى أسبوع بجمع بيانات عن فريق يتألف من يابانيين وأميركيين كانوا يقومون بعصف ذهني حول تصميم جديد معاً في اليابان. وفي كل يوم، عُرض على الفريق خرائط لأنماط التواصل بينهم، وقُدِّمت لهم إرشادات بسيطة حول ما يؤدي إلى التواصل الجيد (مشاركة نشطة لكن متساوية).

اليوم الأول: إثنان من أعضاء  الفريق الياباني (في الأسفل وأدنى اليسار) غير مشاركين، ويبدو أنه قد تشكَّل فريق داخل فريق حول العضو في أعلى اليمين.

التواصل بين أعضاء الفريق

اليوم السابع: لقد تحسن الفريق بصورة ملحوظة. إذ لا يساهم الأعضاء اليابانيون بشكل أكبر في الطاقة والمشاركة فحسب (حيث أصبح أحد الأعضاء في الأسفل عضو فريق عالي الطاقة وعالي المشاركة) بل إنّ بعض "المهيمنين" في اليوم الأول (في أسفل اليمين مثلاً) قد وزّعوا طاقاتهم على نحو أفضل.

شبكة فريق العمل

زودنا أعضاء الفريق يومياً، ولمدة أسبوع كامل، بتصور عن العمل المنجز في ذلك اليوم، وأرفقناه بتفسير بسيط لما رأينا. (خذ في الاعتبار أننا لم نعلم جوهر عملهم، علمنا فقط كيفية تفاعلهم مع بعضهم). وأخبرناهم أيضاً أن التصور المثالي سوف يُظهر أن الأعضاء يساهمون بشكل متساو وبصورة شاملة أكثر. وبحلول اليوم السابع، أظهرت الخرائط أن طاقة الفريق ومشاركته تحسنت بشكل كبير، خصوصاً بالنسبة للعضوين اليابانيين، والذي أصبح أحدهما قوة محركة للمشروع.

لا ينبغي أن يندهش أحد من قدرة مفهوم الملاحظات المرئية على معرفة كيفية بناء فريق عظيم ومساعدة الأشخاص سريعاً، وخصوصاً مَن حلل مقطع فيديو لأرجحة مضرب غولف أو شاهد نفسه يلقي خطاباً. والآن أصبح لدينا الأدوات البصرية لتحسين العمل الجماعي من خلال التحليل الموضوعي.

الخطوة الثالثة: صقل الأداء

رأينا كيف يمكن للفرق أن تُحسن أنماط تواصلها سريعاً باستخدام التصور كأداة للتدريب. ولكن هل يُترجم ذلك إلى تحسن في الأداء؟ نعم. الخطوة الثالثة والأخيرة في استخدام بيانات الشارة هي رسم خريطة الطاقة والمشاركة مقابل مقاييس الأداء. في حالة الفريق الياباني على سبيل المثال، رسمنا أنماط التواصل المحسّنة مقارنة بإنتاجية الفريق اليومية المسجلة، وكلما اقتربتْ هذه الأنماط من ذلك الأداء العالي والمثالي، ارتفعت الإنتاجية.

استطعنا تكرار هذه النتيجة عدة مرات باستخدام حلقات تغذية مرجعية متماثلة مع الفرق التي تنشد إبداعاً أكثر، ومع الفرق التي تبحث عن مزيد من التماسك الجماعي. وفي كل حالة كان الإبلاغ الذاتي يرسم مخططه نحو أنماط محسنة من التواصل.

ونحقق بهذه الخرائط اكتشافات مهمة في كثير من الأحيان، ويتجلى أفضل الأمثلة في مركز الاتصالات التابع للبنك، حيث رسمنا خريطة الطاقة والمشاركة لكل فريق هناك مقابل متوسط وقت المعالجة، والذي أشرنا إليه بالألوان. (انظر الشكل "رسم خريطة التواصل مقابل الأداء"). حيث يُظهر المخطط بوضوح أن العمل الأكثر كفاءة أنجز بطاقة عالية ومشاركة كبيرة من الفرق. والمفاجأة هنا أنه يُظهر أيضاً أن فرق الطاقة المنخفضة والمشاركة القليلة قد يتفوقون على الفرق غير المتوازنة، أي الفرق التي تتمتع بطاقة عالية ومشاركة قليلة، أو الفرق التي تتمتع بطاقة قليلة ومشاركة عالية. كما كشفتْ المخططات أنه يتوجب على المدير المحافظة على الطاقة والمشاركة بشكل متوازن أثناء محاولته لتعزيزهما.

خريطة التواصل مقابل الأداء

يمكن استخدام تصورات من أجل مقارنة الطاقة والنشاط مع مقاييس الأداء الموجودة. وتحدد الخريطة أدناه مستويات الطاقة والمشاركة لفِرق متعددة في مركز اتصالات أحد البنوك في مقابل مقياس الكفاءة لذلك المركز، وهو متوسط وقت المعالجة (AHT).

وتعتمد كفاءة الفريق المتوقعة على تحليل إحصائي لنتائج متوسط وقت المعالجة الفعلي لدى الفريق على مدار ستة أسابيع. يشير اللون الأزرق إلى كفاءة عالية، واللون الأحمر إلى كفاءة متدنية. وتعتبر الفِرق عالية الطاقة وعالية المشاركة هي الأكثر كفاءة، حسبما يظهر في الخريطة. لكنها تظهر أيضاً أنّ الفِرق منخفضة الطاقة ومنخفضة المشاركة تتفوق على الفِرق غير المتوازنة، أو عالية الطاقة ومنخفضة المشاركة، أو منخفضة الطاقة وعالية المشاركة.

وهذا يعني أنّ باستطاعة مدير مركز الاتصالات الاستفادة من أكثر من أداة تأثير واحدة لتحسين الأداء ومن أجل معرفة كيفية بناء فريق عظيم بطريقة صحيحة. وتعتبر النقطتان "أ" و"ب" بكفاءة متساوية، مثلاً، لكنهما تعبران عن مجموعات مختلفة من الطاقة والمشاركة. أراد المدير رفع الطاقة والمشاركة بنفس الوتيرة. واقترحنا إيجاد استراحة قصيرة مشتركة لكل فريق في مركز الاتصالات. وزاد ذلك من عدد التفاعلات، وخصوصاً التفاعلات غير الرسمية، ورفع مستويات الطاقة لدى الفريق. ونظراً لأنّ جميع أعضاء الفريق أخذوا الاستراحة في الوقت ذاته، كانت التفاعلات متوزعة بشكل متساوٍ، ما زاد مستوى المشاركة. وعندما قمنا فيما بعد برسم خريطة الطاقة والمشاركة مقابل متوسط وقت المعالجة، كانت النتائج واضحة: ارتفعت الكفاءة في المركز بنسبة 8%، بالمتوسط، وبمقدار 20% بالنسبة للفِرق ذات الأداء الأسوأ.

متوسط الأداء

إذا لم يتوفر مقياس ثابت مثل مقياس متوسط وقت المعالجة، يمكننا تخطيط الأنماط مقابل مقاييس ذاتية. فقد طلبنا من الفرق تقييم أيام عملهم على مقياس يتراوح بين "الإبداع" أو "الإحباط" مثلاً، لنرى بعدها أي الأنماط ترتبط بالأيام الإبداعية وأيها بالأيام المحبطة. غالباً ما تصف الفرق هذه الملاحظات بأنها "إلهام".

التكتيكات الناجحة

السؤال الواضح لهذه المرحلة هو: حالما أُدرك ضرورة تحسين الطاقة والمشاركة بالنسبة لي، كيف أشرع بتنفيذها؟ وما هي أفضل التقنيات لتحريك تلك المقاييس؟

تُعتبر بعض المفاهيم البسيطة كإعادة تنظيم مكان العمل ومكان الجلوس فعالة جداً. إضافة إلى محاولة أن تكون مثالاً يحتذى، أي عندما يشجع المدير شخصياً على المشاركة العادلة، ويُجري المزيد من التواصل المباشر. كما يُمكن للتغيرات في السياسة المتبعة أن تحسّن من الفرق أيضاً. إذ يُعد كتاب قواعد النظام للكاتب إيشوينغ روبيرت مثلاً، طريقة رائعة للتشجيع على التغيير. وفي بعض الحالات، قد يكون تبديل أعضاء الفريق وجلب عناصر جديدة أفضل طريقة في تحسين الطاقة والمشاركة في الفريق، فمعظم الأشخاص، بناءً على قياس الأثر، يمكنهم تعلم التقليل من مقاطعة الحديث أو لِنَقُل، أن يتعلموا مقابلة أشخاص آخرين، أو الإصغاء بفعالية أكبر. على القادة استخدام البيانات لفرض التغييرات داخل فرقهم.

عضو الفريق المثالي

يمكننا أيضاً قياس الأفراد بالنسبة إلى المثالية. فقد اكتشفنا في كل من الفرق التي ترتكز على الإنتاجية، والفرق التي ترتكز على الإبداعية، بصمة البيانات لما نعتبره أفضل نوع لعضو الفريق. قد يطلق البعض على هؤلاء الأفراد اسم "القادة بالفطرة"، ونحن نطلق عليهم "الروابط الجاذبة". وتظهر بيانات الشارة أن هؤلاء الأشخاص يتنقلون بحيوية، ويختلطون بمحادثات قصيرة ومفعمة بالحيوية مع الآخرين. ويستخدمون وقتهم بديمقراطية، أي يتواصلون مع الجميع على قدم المساواة ليضمنوا حصول أفراد الفريق جميعهم على فرصة المساهمة. وليسوا بالضرورة منفتحين على الآخرين، على الرغم من أنهم يشعرون بالراحة في الاقتراب منهم. ويصغون بقدر ما يتكلمون، أو أكثر، وعادة ما ينخرطون جداً مع أياً كان الشخص الذي يستمعون إليه. وهذا ما نطلق عليه "ناشط، لكن يُصغي بتركيز".

كما يعمل أفضل الأعضاء في الفريق على تعزيز تواصل زملائهم ببعضهم، ونشر الأفكار من حولهم. وهم استكشافيون بالقدر المناسب، ينشدون الأفكار من خارج المجموعة، ولكن ليس على حساب المشاركة في المجموعة. وجدنا أثناء دراسة حول المدراء التنفيذيين الذين حضروا دورة تعليمية تنفيذية مكثفة استمرت لأسبوع واحد لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أنه كلما كانت هناك روابط جاذبة أكثر في الفريق، كان نجاحه أكبر. بناء الفريق هو علم حقاً، لكنه لا يزال حديث العهد ويتطور. والآن، وبعد أن رسخنا أنماط التواصل على أنها الأكثر أهمية في قياس فاعلية المجموعة، يمكننا البدء في صقل البيانات والعمليات لإنشاء قياسات أكثر تطوراً، والتعمق بشكل أكبر في التحليل، وتطوير أدوات جديدة تزيد من شحذ رؤيتنا لأنواع أعضاء الفريق وأنواع الفرق.

كما أن أجهزة الاستشعار التي سمحت لنا بهذا العلم تتطور أيضاً. لأنه وبدخولها في جيلها السابع، بدأت تصبح صغيرة وغير بارزة تماماً مثل شارات الهوية التقليدية، في الوقت الذي تزداد فيه كمية المعلومات التي تجمعها ونوعيتها. كما بدأنا بتجريب التطبيقات البرمجية التي تُقدم للفرق وقادتها ملاحظات فورية حول اتصالات المجموعة. كما تتوسع التطبيقات البرمجية للمستشعرات إلى ما هو أبعد من الفرق لتشمل مجموعة واسعة جداً من المواقف.

تتمثل رؤيتنا حول كيفية بناء فريق عظيم في طاقم كامل لموظفي شركة يرتدون هذه الشارات لمدة زمنية طويلة، لتنتج "بيانات كبيرة" يمكن لنا أن نجد فيها الأنماط جميعها، بدءاً من بناء الفريق والقيادة والمفاوضات، وصولاً إلى مراجعات الأداء. كما نتصور تغيير طبيعة المساحة التي نعمل بها، وربما الأدوات التي نستخدمها للتواصل أيضاً بالاعتماد على هذه البيانات. ونؤمن أننا قادرون على تحسين العمل عن بعد، وتحسين الفرق متعددة الثقافات، والتي تُعد بالغة الأهمية في الاقتصاد العالمي، وذلك بتعلم أنماطهم وتعديلها. كما أننا نبدأ فيما أُطلق عليه "منظور العين الإلهية" للمؤسسة. وبقدر ما يبدو ذلك روحياً، إلا أن هذا المنظور متجذر في الأدلة والبيانات، فهو منظور مدهش قادر على تغيير طريقة عمل المنظمات.

اقرأ أيضاً: الكيمياء الجديدة لفرق العمل: الرواد والمحركون والمعززون والحراس

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي