ملخص: تظهر البحوث أن القادة الذين يعطون الأولوية للعلاقات مع موظفيهم وينتهجون الإيجابية واللطف في أسلوب قيادتهم يكون أداؤهم أفضل، فلثقافة الشركة تأثير كبير على رفاهة الموظفين مقارنة بالرواتب والمزايا. وعندما يتعلق الأمر بتعزيز السعادة في العمل، فالحل يكمن في "العلاقات الصحية في العمل". وحدد المؤلفون 5 مبادئ أساسية تجعل جميع العلاقات تنمو وتزدهر، سواء كانت شخصية أم مهنية، وذلك استناداً إلى بحث في مجال علم النفس الاجتماعي، وهي 1) الشفافية والمصداقية، 2) الإلهام، 3) الذكاء العاطفي، 4) الرعاية الذاتية، 5) والقيم.
كان كوشال تشوكسي أحد المحللين الكميين الناجحين في وول ستريت، وكان قد دخل للتو أبواب برج التجارة العالمي الثاني في الحادي عشر من سبتمبر عندما اصطدمت الطائرة فيه. ويصف تشوكسي في كتابه الأكثر مبيعاً الذي يحمل عنوان "على جناح ودعاء" (On a Wing and a Prayer)، أن صراعه مع الموت كان بمثابة دعوة للاستيقاظ. فبعد أن صبّ جل تركيزه على اكتساب الثروة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بدأ التساؤل عن نهجه في العمل.
وقادته وجهة نظره الجديدة إلى توطيد علاقات مختلفة تماماً مع موظفيه. وعلى الرغم من أن أسلوبه في القيادة كان يعتمد على المعاملات في المقام الأول، بدأ التعامل مع موظفيه بصفتهم أفراداً يمتلكون مجموعات فريدة من نقاط القوة والاحتياجات. وبدأ بعد ذلك انتهاج التعاطف واللطف والمصداقية في أسلوبه في القيادة بدلاً من التركيز على الكفاءة فقط، وهو ما أتاح له تعزيز حضوره وتقبّل هويته. لكنه ترك مجال العمل في الشركات ليبدأ العمل على مشاريعه الخاصة، وحققت أعماله التجارية نجاحاً كبيراً. وبصفته رائد أعمال لسلسلة من المشاريع وله العديد من المساعي الناجحة، باع تشوكسي مشروعه الأول، هابل (Hubbl)، وهي منصة اكتشاف المحتوى، مقابل 15 مليون دولار. ويُعتبر مشروعه الأخير، إيليمنتس تروفلز (Elements Truffles)، شركة الشوكولاتة المصنعة يدوياً، مؤسسة اجتماعية ناجحة تتبرع بـ 25% من أرباحها لتعليم الأطفال في الهند.
تُعتبر قصة تشوكسي ملهمة، لكنها ليست مفاجئة على الإطلاق عند التفكير فيها في سياق البحث الذي يدور حول الأسلوب الذي يتبعه القادة الفاعلون لتحفيز الموظفين.
وتُظهر البيانات المستمدة من مجال علم النفس الاجتماعي أن القادة الذين يعطون الأولوية للعلاقات مع موظفيهم وينتهجون الإيجابية واللطف في أسلوب قيادتهم يكون أداؤهم أفضل. ويكون القادة الأكثر فاعلية (بحسب التقييمات حول معدلات نجاحهم ونجاح مؤسساتهم) موجهين بالقيم ويتسمون بالشفافية والتعاطف والإنسانية ويتعاملون مع الموظفين بصفتهم أفراداً متميزين. ويكون أداء موظفيهم أفضل نتيجة لذلك؛ فتجدهم أكثر تفاعلاً، وأقل احتمالاً للاستقالة، وأكثر ولاءً وإنتاجية. وتتمتع الشركات التي يديرها هذا النوع من القادة برضا عملاء أعلى، وصافي أرباح أفضل، وعوائد معززة للمساهمين.
وكما كشفت دراسة أجرتها شركة غلاس دور، من المنطقي أن يكون أداء الموظفين أفضل عندما يشعرون بالاحترام والاهتمام، فلثقافة الشركة تأثير كبير على رفاهة الموظفين مقارنة بالرواتب والمزايا. وأظهرت دراسة بحثية أجرتها جوليا بوم وسونيا ليبومرسكي عند دراسة أدلة من 3 أنواع من الدراسات، طولية وعرضية وتجريبية، أن السعادة تنبئ بالنجاح في مكان العمل. وعندما نتعمق في استكشاف ما تعنيه "السعادة" في مكان العمل بالنسبة للموظفين، سنجد أنها مرتبطة ببناء علاقات إيجابية.
وتؤكد البحوث أن رغبتنا في الشعور بالملاحظة والعثور على من يصغي إلينا ويقدر قيمتنا هي مشاعر إنسانية. فقد جُبلنا كبشر على إعطاء قيمة هائلة لأدوارنا وعلاقاتنا بأعضاء المجموعة الآخرين. وقد يُثير شعورك أن إسهاماتك لا تحظى بأي تقدير أو أن الآخرين في مجموعتك لا يدركون قيمتك مشاعر الإجهاد الناجم عن الضغوط داخلك، وهو ما يبدو كأنه تهديد. فشعورك بالرفض من قبل مجموعتك سيعرضك لخطر النبذ، وهو ما يشبه التعرض لخطر الموت في الحياة البرية. وذلك هو السبب الذي يجعل الرفض ينشّط مناطق مماثلة في الدماغ، مثل الألم الجسدي، وقد يكون الألم شديداً حقاً.
ومع ذلك، لا يؤثر شعورنا بالارتباط بالآخرين على صحتنا العقلية فقط، بل إنه يؤثر على دوافعنا بشكل مباشر أيضاً. على سبيل المثال، توضح البحوث حول نظرية العزيمة أن دافعنا في العمل يتأثر بكيفية ارتباطنا بالآخرين، إضافة إلى تأثره بإحساسنا بالاستقلالية والحرية. فنحن نشعر بالإلهام عندما نتذكر أننا لسنا وحدنا في مساعينا وأن تجاربنا التي نخوضها ليست تجاربنا وحدنا. ويتمثّل أحد الأسباب التي تجعل الاحتراق الوظيفي ضاراً في ارتباطه المتأصل بالوحدة.
وذلك يعني أن مساعدة الموظفين على الشعور بالتحفيز والمشاركة تتطلب أكثر من مجرد عملية إعادة هيكلة لطبيعة وظائفهم وتصميمها. يمكن للإجازات، وممارسات التأمل، ودور الرعاية النهارية وصالات اللياقة البدنية في أماكن العمل أن تخفف حدة التوتر بالطبع، لكن تلك الممارسات تبرز التعاسة باعتبارها حالة فردية، في حين أنها في الواقع مشكلة علائقية تحتاج إلى حلول علائقية.
وفيما يلي 5 مبادئ لتحسين علاقات العمل، وهي مقتبسة من الأدبيات الأكاديمية حول القيادة ومن أبحاث علم النفس الاجتماعي حول العلاقات الشخصية. وتزدهر جميع العلاقات عندما تأخذ في الاعتبار المبادئ الأساسية الخمسة التالية، سواء كان السياق مهنياً أو شخصياً:
1. الشفافية والأصالة
تتطلب علاقات العمل الصحية تواصلاً مفتوحاً واضحاً ومتسقاً وصادقاً، فهو عنصر أساسي في الثقة في حد ذاته، وقد تفشل دونه جميع العلاقات. ويظهر بحث راسخ أن المصداقية والشفافية أمران حاسمان للقيادة الفعالة. وقد يشعر الموظفون دون تلك الصفات بالتجاهل والذل. علاوة على ذلك، يُظهر البحث الذي أجراه جيمس غروس وروبرت ليفنسون أيضاً أن انعدام المصداقية يمثّل تهديداً لنا. حيث يرتفع معدل ضربات قلوبنا عندما نتحدث مع شخص يدّعي قدرته على أداء ما لا يستطيع فعله. لكن المصداقية تجعل الناس يشعرون بالراحة، حتى عندما تعني إبراز نقاط ضعفهم. ولإبراز نقاط الضعف فوائد عديدة في الواقع. لذلك، تعلم أن تتواصل بصدق وتعاطف، واحرص على الإصغاء والرد حتى يشعر الآخرون بأن هناك من يستمع إليهم ويلاحظ وجودهم ويقدرهم.
2. الإلهام
يعزز الموظفون بعضهم البعض في العلاقات الصحية من خلال إلهام بعضهم البعض ليكونوا أشخاصاً أفضل. ويتمثّل أحد أهم العوامل التي تنبئ بالرضا عن العلاقة في قدرة الموظفين على الحفاظ على تصورات إيجابية عن بعضهم البعض. فعندما يدرك شخص ما قيمتنا، فذلك يحفزنا ويلهمنا لنصبح أشخاصاً أفضل. وينطبق الشيء نفسه على العلاقات بين الموظف والمشرف، إذ تظهر البحوث أيضاً أنه عندما نشعر بالإلهام من نظرة شخص ما عنا، أي عندما يدرك قيمتنا، فذلك يلهمنا لتحقيق مزيد من النجاح. نحن نشعر بالتقدير عندما يعترف الآخرون بمواطن قوتنا ويقدرونها. وذلك النوع من التفاعل محفز بشدة، كما أنه يزيد الإنتاجية. فكل شخص يريد أن يشعر بالاحترام والتقدير لتفرده. وقد تساعد تمارين انعكاس الذات الأفضل (وتساعدك) على إلهام الآخرين بنجاح.
3. الذكاء العاطفي
إن أسلوب تعاملك مع المشاعر (خاصة المشاعر الكبيرة والسيئة والسلبية) هو أمر بالغ الأهمية لقدرتك على التغلب على النزاعات التي لا مفر منها. هل أنت شخص واع؟ هل تعرف كيف تتعامل مع المشاعر السلبية بنجاح؟ يُظهر بحثنا أن التنفس هو أحد أسرع الطرق وأكثرها فعالية لتنظيم العواطف.
وعندما تتواصل مع الآخرين، هل يمكنك قراءة الإشارات غير اللفظية؟ هل تعرف كيف تتصرف بمهارة وتعاطف تجاه الآخرين؟ تغذي تلك المهارات والقدرات أيضاً سمة مهمة أخرى: ألا وهي القدرة على ممارسة ضبط النفس. وتظهر البحوث أن علاقاتنا، سواء في المنزل أو في العمل، تكون أفضل عندما لا نكترث بتفاهات الأمور. وتظهر أيضاً أن علاقاتنا تزدهر عندما نكون قادرين على وضع احتياجات العلاقة قبل احتياجاتنا.
4. العناية بالذات
يتطلب الحفاظ على تواصل مع الآخرين الحفاظ على توازنك ورجاحة عقلك أيضاً. حدّد الحالات العقلية التي تسرّع شعورك بالاحتراق الوظيفي. ومارس العناية بالذات عن طريق أخذ إجازاتك وتحقيق الاستفادة القصوى من الاستراحات الصغيرة. وتعلم تقنيات التعافي وعزز قدرتك على تحمل التوتر من خلال ممارسة التأمل والتجول في الطبيعة. وشجع موظفيك على أن يفعلوا الشيء ذاته (وتأكد من ألا تكون ممارساتهم مجرد تشدق بالكلام). وخصص وقتاً للتركيز على تغذية طاقتك فقط. وتذكر أنه من المستحيل أن تعزز توازنك العقلي وصحة الآخرين وتقدرها ما لم تهتم بنفسك أولاً.
5. القيم
يقدم القادة المتواضعون الذين يتسمون بالتعاطف والكرم والتسامح ويتبنون الممارسات الأخلاقية أداءً أفضل. فهم ينتهجون اللطف والحفاظ على رفاهة موظفيهم في أسلوبهم في القيادة. كما أنهم يخلقون أماكن عمل إيجابية تحقق أداءً مالياً متميزاً، وتعزز رضا العملاء والإنتاجية واندماج الموظفين. ويظهر بحث راسخ آخر أنه عندما تتمتع الفرق بنفس النماذج العقلية، أي عندما تتعامل مع المشاريع بنفس مجموعات التوقعات والأولويات، يكون أداؤها أفضل. شارك الأهداف مع الموظفين بوضوح واحترم الاختلافات في أسلوب العمل. فالشعور بالتواصل مع الآخرين يتطلب أن يتبع الجميع طريقة التفكير نفسها عاطفياً وفكرياً.
تحقق علاقات العمل الصحية الفائدة للجميع وتتيح لهم اختبار لحظات من السعادة الحقيقية والاستمتاع بها. وتزدهر الشركات في ظل هذه القيادة بالفعل. قال كوشال شوكسي في إحدى المقابلات: "لن يقدر أحد على تقديم أداء مثالي والاندماج في العمل مثل القادة الذين يحققون التوازن بين العقل والعواطف. فتحقيق ذلك التوازن يجلب الطاقة الإيجابية ويعزز المشاركة الوجدانية في أسلوب الإدارة. وعندما يشعر فريقك بالإلهام والعناية، سيقدمون أداء أفضل في العمل".