أفضل القادة يتمتعون بطاقة إيجابية معدية

6 دقائق
الطاقة الإيجابية
shutterstock.com/Vyacheslavikus
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تسببت الجائحة بخسائر فادحة لكثير منا على صعيد الرفاهة والطاقة، وأصبحت أهمية القادة الذين يمدون الآخرين بـ “الطاقة الإيجابية” أكبر من أي وقت مضى. الطاقة الإيجابية في العلاقات هي الطاقة المتبادلة بين الأفراد التي تساعد على النهوض بهم وزيادة حماسهم وتجديد عقلياتهم. ولكنها ليست تظاهراً بالإيجابية الزائفة، مثل محاولة التفكير بأفكار متفائلة أو التغاضي عن الضغط الحقيقي الذي يعانيه الموظفون المثقلون بأعباء الحياة والعمل، بل هي إثبات القيم الفعلي. تبين دراسات عديدة أن المحفزين الإيجابيين يحققون معدلات اندماج أعلى بكثير ومعدلات دوران وظيفي أدنى ويعززون الشعور بالرفاهة بين الموظفين، أما فيما يتعلق بالمؤسسات فهم يحققون العائدات لكبار المساهمين، وفي بعض الدراسات تبين أن النتائج تفوقت على وسطي القطاع في توليد الأرباح والإنتاجية بمعدل 4 أضعاف أو أكثر. فيما يلي ما يجب أن يعرفه القادة عن الطاقة الإيجابية في العلاقات، إذ لاحظت المؤلفتان أنها المؤشر الأقل استخداماً ولكنه الأقوى على نجاح القيادة والمؤسسة.

 

يسعى القادة والباحثون منذ قرون لاكتشاف سرّ القيادة الناجحة، وتعِد عشرات الكتب بتقديم الجواب كل عام. لذا قررنا أن نتمعن في هذه المسألة بواسطة التجربة، فتوصلنا إلى أن أهم مؤشر على نجاح القائد لا يتمثل في الكاريزما التي يتمتع بها أو قدرته على التأثير أو نفوذه، ولا في شخصيته أو جاذبيته أو عبقريته الابتكارية. تمثل العامل الذي تفوق على جميع هذه العوامل في الطاقة الإيجابية في العلاقات؛ الطاقة التي يتم تبادلها بين الأشخاص وتساعد في النهوض بهم وتحفيزهم وتجديد عقلياتهم.

إليك ما يجب أن يعرفه القادة عن الطاقة الإيجابية في العلاقات، إذ لاحظنا أنها المؤشر الأقل استخداماً ولكنه الأقوى على نجاح القيادة والمؤسسة.

أهمية الطاقة الإيجابية في العلاقات

تضمّن عملنا مقابلات شخصية مع آلاف القادة والموظفين وتأليف كتاب سيصدر قريباً وأبحاثاً أجريناها على مدى عقدين تدور كلها حول القيادة الإيجابية، وتمعنا فيها في الموظفين من حيث شبكات العلاقات التي تربطهم بالآخرين؛ مجتمعاتهم ومؤسساتهم وأسرهم. لاحظنا أن ثمة علاقات معينة ضمن هذه الشبكات لها تأثير هائل في تحسين حياتهم والنهوض بهم، والنتيجة هي أداء استثنائي. على وجه التحديد، ثمة شخص واحد في مركز هذه الشبكات مسؤول عن غالبية حركة جميع الآخرين التقدمية، بالإضافة إلى رفاهتهم. نسمي هذا الشخص المحفز الإيجابي.

يكمن أهم أسرار نجاح المحفز الإيجابي في أنه يعمل على النهوض بالآخرين بقيادة صادقة قائمة على القيم، وبالتالي ينهض بنفسه وبمؤسسته أيضاً. يبدي المحفز الإيجابي السلوكيات الفاضلة ويغرسها في المؤسسة، ومنها العفو والتعاطف والتواضع والإحسان والثقة والنزاهة والصدق والكرم والامتنان والتقدير. وبالنتيجة ينجح الجميع.

تسببت الجائحة بخسائر فادحة لكثير منا على صعيد الرفاهة والطاقة، وأصبحت أهمية القادة الذين يمدون الآخرين بطاقة إيجابية أكبر من أي وقت مضى. ولكن الطاقة الإيجابية ليست تظاهراً بالإيجابية الزائفة، مثل محاولة التفكير في أفكار متفائلة أو التغاضي عن الضغط الحقيقي الذي يعانيه الموظفون المثقلون بأعباء الحياة والعمل، بل هو إثبات القيم الفعلي.

لا بد أنك التقيت بأشخاص من هذا النوع من قبل، إنهم مثل الشمس يدخلون إلى الغرفة فتشرق، ويشعر الجميع بالنشاط والحماس والإلهام والترابط. إن هؤلاء الأشخاص المتّقدين هم المحفزون الإيجابيون. ثمة أفراد آخرون من هذه الشبكات يستنزفون الطاقة، إنهم من يتركون شعوراً لدى الآخرين بانعدام الطاقة والإحباط والنقص وفقدان الإلهام، ستعرفهم على الفور فهم يمتصون طاقتك في كل مرة. أطلقنا على هذا النوع من الأشخاص اسم “المثبطين“.

عند تحليل الأشخاص المحفزين والمثبطين في بيئة العمل، صببنا اهتمامنا على دراسة آثار القادة في بث الطاقة والتحفيز، لأن القادة هم العامل الأهم الوحيد في تفسير أداء المؤسسة. منحتنا هذه الدراسات معلومات مهمة عن أسرار كل قائد ناجح.

تبين دراسات عديدة أجراها فريقنا وزملاؤنا أن المحفزين الإيجابيين يحققون معدلات اندماج أعلى بكثير ومعدلات دوران وظيفي أدنى ويعززون الشعور بالرفاهة بين الموظفين. يعود جزء من السبب في ذلك إلى أنه على مستوى نشاط خلايا الدماغ يتم تعزيز سماكة قشرة الدماغ بالتعرض للطاقة التي تولدها العلاقات ويزداد إفراز هرمونات مثل الأوكسيوسين والدوبامين، وعلى مستوى خلايا الجسم تنقص الالتهابات ويتم تعزيز المناعة ضد الأمراض. أما في المؤسسات فتتحقق العائدات لكبار المساهمين، وفي بعض دراساتنا لاحظنا أن النتائج تفوقت على المعدل الوسطي للقطاع في توليد الأرباح والإنتاجية بمعدل 4 أضعاف أو أكثر.

إليك ما يميز الطاقة الإيجابية في العلاقات. الطاقة الجسدية تتناقص مع الاستخدام؛ فالجري في ماراثون يرهقنا ونحتاج إلى وقت للتعافي. ينطبق الأمر ذاته على استخدام الطاقة الذهنية والعاطفية، إذ نصاب بالإرهاق ونحتاج إلى التعافي. ولكن النوع الوحيد من الطاقة الذي لا يتناقص بل يزداد لدينا هو الطاقة الإيجابية في العلاقات؛ نادراً ما نصاب بالإرهاق من مرافقة أشخاص تربطنا بهم علاقات حب وثقة ودعم. الطاقة الإيجابية في العلاقات ذاتية التعزيز. وقدرة القادة على توليد الطاقة في العلاقات قوية جداً في الواقع لدرجة أنها تمنحهم بوصفهم محفزين ميزة استثنائية؛ إذ يستطيعون تحويل المؤسسات المتعثرة ومعالجة المواقف التي تبدو محكومة بالفشل وتجديد نشاط الموظفين المنفصلين والمصابين بالاحتراق الوظيفي.

تقييم الطاقة في العلاقات

إليك الطريقة التي اتبعناها لتمييز المحفزين: طرحنا على الأفراد في مئات المؤسسات، التي تتراوح بين الشركات الناشئة الصغيرة والشركات المتعددة الجنسيات، السؤال التالي: “عندما أتعامل مع [فلان] في مؤسستي، ماذا يحدث لطاقتي؟” بعبارة أخرى، طلبنا من كل شخص تقييم طاقته على مقياس من “أشعر بطاقة إيجابية كبيرة” إلى “أشعر بفقدان الطاقة بدرجة كبيرة” عند تفاعله مع شخص آخر في شركته، مثلاً، قيّم كل عضو من فريق قيادي رفيع المستوى تفاعله مع كل واحد من الأعضاء الآخرين.

أذهلتنا نتائج هذا البحث؛ تؤدي الطاقة الإيجابية في العلاقات التي يبديها القائد إلى منح الأداء قوة دافعة ترتقي به إلى مستوى جديد، ولاحظنا تحديداً أن المحفزين الإيجابيين أنفسهم:

  • يتميزون بأداء أعلى بكثير مقارنة بالآخرين.
  • يؤثرون على نحو إيجابي في أداء الآخرين، وبالتالي ينجح الآخرون بحضورهم.
  • تزداد أعدادهم في المؤسسات ذات الأداء العالي أكثر مقارنة بالمؤسسات ذات الأداء المتوسط.

عندما يكون القائد محفزاً إيجابياً، تتمتع المؤسسة بمستويات أعلى فيما يلي:

  • الابتكار (أفضل المساهمات التي يبحث عنها الرؤساء التنفيذيون في القطاعات والدول)
  • العمل الجماعي
  • الأداء المالي، وهو يشمل الإنتاجية والجودة
  • التلاحم في مكان العمل

وعندما يكون القائد محفزاً إيجابياً يتمتع الموظفون بدرجات أعلى مما يلي:

  • الرضا الوظيفي
  • الرفاهة
  • الاندماج
  • الأداء
  • العلاقات الأسرية

ما الذي يسبب النجاح الكبير للقائد المحفز الإيجابي؟

ثمة مصطلح في علم النبات يصف هذه النتائج، وهو تأثير الانتحاء الضوئي؛ أي ظاهرة ميل النباتات بصورة طبيعية نحو النور ونموها في الأماكن المعرضة له. في الطبيعة، النور هو القوة التي تمنح الحياة، ولا تتم عملية التركيب الضوئي إلا به، والبشر لديهم نفس الانجذاب الفطري باتجاه الطاقة التي تمنح الحياة وتدعمها. هذا النوع من الطاقة هو ما تتلقاه وتمنحه في العلاقات مع الآخرين. تبين أبحاث استمرت على مدى عقود أن هذه الطاقة الإيجابية في العلاقات تغذينا وتحيينا. مثلاً، يبين بحث أجرته الأستاذة في كلية “كاليفورنيا” بمدينة إرفاين، سارة بريسمان، أن حاجتنا إلى الشبكات الاجتماعية الإيجابية كبيرة جداً لدرجة أن الافتقار إليها يسبب ضرراً على الصحة أكبر من ضرر التدخين أو البدانة أو ضغط الدم المرتفع ويقلل طول العمر. وفي المقابل، نرى أن العلاقات الاجتماعية الإيجابية تطيل أعمارنا وتقوّي جهازنا المناعي وتخفض مستويات التوتر والاكتئاب.

في المؤسسات نرى أن القائد يؤدي إلى تضخيم هذه الآثار، فطاقته الإيجابية في العلاقات تعود بآثار هائلة على الموظفين أكثر من أي علاقة أخرى في العمل تقريباً.

خذ مثلاً آشلي برناردي، المؤسِسة والرئيسة التنفيذية في شركة العلاقات الإعلامية “ناردي ميديا” (Nardi Media)، إذ شهدت شركتها تضاعفاً في إيراداتها في غضون عامين، من رقم من 6 خانات إلى رقم من 7 خانات، على الرغم من الاضطراب الاقتصادي الناجم عن الجائحة. غيرت برناردي أمراً واحداً في نفسها نسبة لأسلوبها القيادي، ويمكن لأي شخص تعلم فعل ذلك أيضاً.

أدت أزمة صحية تعرضت لها في عام 2016 إلى تغيير الاتجاه الذي كانت تقود شركتها وفريقها فيه؛ إذ مرت بلحظة واجهت فيها الحقيقة بعد معاناتها داء لايم المضني الذي ترافق مع اكتئاب ما بعد الولادة وبقيت على إثرهما طريحة الفراش بعد إنجاب طفلها الثالث. أدى مرضها إلى تعاطفها مع الآخرين وفهمها لهم بدرجة أكبر، وأدركت أن الجميع يحضرون إلى العمل مع التحديات التي تواجههم في حياتهم الشخصية. ومع تعافيها وتحولها إلى قائدة متعاطفة أكثر بدأت شركتها بالازدهار؛ فقد خصصت بعض الوقت لإنشاء القيم الأساسية لشركتها، وهي تشمل العائلة والإحسان، وحرصت على أن تكون قدوة في ذلك لفريقها المتنامي ومجموعة عملائها. وللمرة الأولى في حياتها، بدأت تعتني بدرجة كبيرة بصحتها الجسدية والعاطفية؛ فانتظمت في ممارسة التأمل وتمارين التنفس واليوغا، وبدأت بممارسة الجري ومنح الأولوية لنيل قسط كافٍ من النوم وبدأت تأخذ استراحات وتنام في وقت القيلولة أيضاً، وانضمت إلى الدورة التعليمية التي أقامتها جامعة “ييل” على منصة “كورسيرا” حول علم الرفاهة.

أعتقد أنك ترى الآن أن برناردي هي قائدة محفزة إيجابية. تقول عن قصتها: “عندما تعلمت أن أهتم بنفسي أولاً، رأيت التحول في حياتي بأقوى الطرق؛ لقد تمكنت من جذب أفراد يشبهونني في التفكير إلى الفريق ينهض بعضهم ببعض ويتفقون مع قيمي الأساسية التي تتمثل إحداها في الإحسان. فازدهرت شركتنا”.

كيف يستطيع المحفزون الإيجابيون فعل ذلك؟

يتعدى الأمر حاجة الموظفين إلى الشعور بأنهم يحظون بالقيمة والاحترام وأنهم قادرون على الاندماج في العمل، فنحن نعلم أن هذه الأمور مهمة بالفعل، وعندما يحصلون على التقدير والدعم والتشجيع تنخفض معدلات التغيب عن العمل وترتفع معدلات الإنتاجية والربحية وتتحسن مستويات الجودة والأمان الوظيفيين، ولكن المحفزين الإيجابيين يحفزون كل ذلك وأكثر.

تصبح الطاقة الإيجابية في العلاقات تبادلية، فالتعامل مع الآخرين على نحو محفز هو آلية لتعزيز الطاقة على نحو مستمر، وبالتالي فهو يولّد طاقة وفيرة في الشبكة بأكملها. يتكاثر المحفزون تلقائياً إذ يبنون شبكات من المحفزين الإيجابيين حولهم، ويتوسع تأثير الانتحاء الضوئي ليجذب المزيد منهم. نقتبس عن القائدة التي يشهد لها بكفاءتها، دولي بارتون: “إن استطعت بسلوكك مد الآخرين بالإلهام ليحلموا أكثر ويتعلموا المزيد ويبذلوا جهداً أكبر ويوسّعوا آفاقهم فأنت قائد محفّز إيجابي”. تثبت عدة دراسات حول القيادة الإيجابية أن القادة الذين يركزون على المساهمة في نجاح الآخرين فعّالون أكثر بكثير من القادة الذين يركزون على إنجازاتهم ونجاحاتهم الشخصية، وتتفوق شركاتهم ويتميز موظفوهم.

هل يمكن أن تزدهر الشركات بقادة يستنزفون طاقة الموظفين بدلاً من مدهم بها؟ بالطبع، ولكن على المدى المنظور فحسب. بيد أن الأدلة التجريبية توضح أن الطاقة الإيجابية تتمتع بفعالية أكبر بكثير على المدى الطويل، فمع مرور الوقت سينفر الموظفون من القادة المثبطين الذين يستنزفون طاقتهم، ولا يمكن لأي قائد المجازفة بذلك في فترة نشهد فيها موجة الاستقالة الكبرى (ولا في فترات الازدهار الاقتصادي أيضاً برأينا). ستجدد طاقة الانتحاء الضوئي تلك نفسها مرة تلو المرة، وستبث فيك القدرة على التركيز على أهدافك والثقة بها والاستثمار الصادق فيها، وعندئذ ستكون الشمس التي يميل موظفوك نحوها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .