ملخص: تغيرت أهداف الكثير منا في أعقاب الجائحة. وحان الوقت اليوم لأن نتقبّل تلك الفترة الانتقالية ونُعيد تنظيم حياتنا الشخصية والمهنية على حد سواء. حدد في رحلة التأمل الذاتي هذه مصادر الأهداف الدائمة التي لن تتغير أبداً أولاً، كالزواج أو العمل في مجال الرعاية الصحية. بعد ذلك، ارفض الركود؛ وحدد المجالات التي تشعر أنك ما زلت محاصراً فيها، وابحث عن طرق يمكنك من خلالها تغيير تلك المجالات أو التخلي عنها. أخيراً، تقبّل الآخرين؛ وتواصل مع أولئك الذين يمرون بمرحلة انتقالية وادعموا بعضكم بعضاً خلال هذه المرحلة الجديدة من الحياة واختبروا تلك التحولات في الأهداف معاً.
ماذا حدث لك خلال العامين الماضيين؟ هل خسرت وظيفتك، أم استقلت منها؟ هل غيّرت مكان سكنك واخترت العمل عن بُعد من مكان جديد أم فضّلت السكن بالقرب من عائلتك؟ كيف ستكون الحياة عندما تقضي مزيداً من الوقت (أو وقتاً أقل) مع الأصدقاء والعائلة؟ هل مرضت بشدة أو فقدت أحد أفراد أسرتك؟
الحياة مليئة بالانتقالات، حيث يتخرج الطلاب من المدارس الثانوية أو في الجامعة، ويبدؤون رحلتهم في الحياة، فينخرطون في قوة العمل ويتزوجون ويُنجبون أطفالاً ويتقاعدون في النهاية. وغالباً ما تقودنا أحداث الحياة المحورية تلك إلى التفكير في حياتنا وتغييرها بطرق رئيسية. وجادلت في كتابي الذي يحمل عنوان "دليل هارفارد بزنس ريفيو لصياغة هدفك" (The HBR Guide to Crafting Your Purpose)، أن الهدف ليس كلمة مفردة (بمعنى أنها تضم هدفاً كبيراً واحداً) بل هي جمع، وتعني المصادر العديدة للغايات التي تحيط بنا كل يوم. ونادراً ما تكون أهدافنا ثابتة مدى الحياة، بل تتغير طوال الوقت. وتحصل غالبية تلك التحولات المؤثرة خلال فترات الانتقال الرئيسية، كتلك المذكورة أعلاه، أي عندما نعيد تقييم هيكل حياتنا وأهدافها بشكل جذري.
ومع ذلك، يتمثّل الخبر الفريد لتلك اللحظة الرائعة من التاريخ في أننا مررنا جميعاً وفي الوقت نفسه بتحولات كبيرة في حياتنا خلال جائحة "كوفيد-19". كانت فترة الانتقال تلك كارثية للبعض، ورائعة للبعض الآخر. لكن بشكل عام، شهد كل من على وجه الكرة الأرضية تغييراً كبيراً خلال عامي 2020 و2021. وبالتالي، وربما للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل، أجرى كل الأشخاص في العالم تقريباً تحولات رئيسية على مصادر الأهداف الخاصة بهم في وقت واحد.
وكان ذلك مزعزعاً وصاخباً، ومحركاً أساسياً لحدث الاستقالة الكبرى؛ فقد غيرت تلك التحولات جغرافية الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، كما أنها أسفرت عن عدم الاستقرار السياسي، وعن أزمات جماعية في الصحة العقلية والبدنية، وعن اضطراب ثقافي. وهو ما جعلنا نتساءل عن كيفية قياس حياتنا في المنزل والعمل.
لقد غيرت الجائحة أهدافنا. والسؤال الوحيد اليوم هو ما إذا كنت ترغب في تبني ذلك الانتقال بوعي واستخدامه للتخطيط لمستقبل هادف في أعقابه.
سيكون ذلك صعباً بالتأكيد، إذ ستبدو عملية التفكير والعمل لدى كل شخص مختلفة. لكنني أشجع على اتباع بعض المبادئ الأساسية بينما نخوض فترة الانتقال تلك معاً ونعيد تصور حياتنا الشخصية والمهنية على حد سواء.
حدد أهدافك الثابتة
مع أن العديد من مصادر الأهداف مؤقتة، كالعمل كمتدرب أو العيش خارجاً أو البحث عن شريك، فإن بعضها أساسي لهوياتنا. وتُعتبر مصادر الأهداف الدائمة بمثابة ركائز في الحياة تحافظ على استقرارنا وتساعدنا في التغلب على أصعب العواصف في الحياة. وهي تشمل بالنسبة لي إيماني ودوري كوالد والتزامي تجاه زوجتي وحبي للكتابة. لكن أهدافي قد تكون مختلفة عن أهدافك أيضاً.
إذ يوجد مصادر للهدف في صميمك لن تتغير أبداً وتساعدك في تحديد هويتك. وقد يكون تحديدها وتبنّيها وتعلم كيفية وضع أهداف أخرى إلى جانبها الأساس الذي تبني عليه عملية انتقال مثمرة في الحياة. قد تكون تلك الأهداف مهنية أحياناً كالرغبة العميقة والدائمة في العمل كطبيب أو مدرّس. وقد تؤثر الهويات الأساسية في أحيان أخرى (على سبيل المثال، الأب) على أسلوب عملنا (على سبيل المثال، وقت أكثر مرونة في المنزل).
ارفض الركود
لقد انتهت حياة ما قبل الجائحة، ومن غير المرجح أن تستمر عاداتك في عصر الجائحة دون تغيير. وإذا كانت حياتك متوقفة خلال تلك الفترة، فستعود اليوم (أو قريباً) إلى عالمك من جديد، سواء كان ذلك يعني زيارة المطاعم أو العمل من المكتب. وإذا كنت قد عملت عن بُعد لمدة عامين، فمن المحتمل أنك ستلجأ إلى تغيير عاداتك مرة أخرى وأن تحاول تحقيق توازن بين المجتمع الافتراضي والمادي. وإذا كنت تتشبث بوظيفة تجعلك تشعر أنك محاصر، فقد حان الوقت اليوم لإعادة تصميمها أو البحث عن وظيفة جديدة.
ما هي المجالات التي لم تتغير في حياتك منذ عامين، خاصة فيما يتعلق بعملك؟ ما هي العادات التي مارستها خلال الجائحة والتي ترغب في التخلص منها اليوم؟ لا تنظر إلى ما كنت عليه في عام 2019، لكن لا تتمسك بشدة أيضاً بالشخص الذي كنت عليه خلال الحجر الصحي.
ونادراً ما كنا لنحظى بفرصة عالمية لإعادة تنظيم حياتنا وأهدافنا كالفرصة التي حظينا بها اليوم والتي تتطلب من كل واحد منا رفض الركود. هل كان تنقلك من المنزل إلى المكتب يومياً غير صحي؟ وكيف ستغيّر ذلك في المستقبل؟ هل تعرّضت لحالة من الجمود المهني مع توقف دوراتك التعليمية؟ كيف يمكنك تصميم وظيفتك لتعيد الحياة لها؟
تعلّم أن تتجاوز مشاعرك
يتمثّل جزء ضروري لرفض الركود في تجاوز المشاعر. ربما تعلمت خلال العامين الماضيين أنك لم تعد تحب وظيفتك، لكنك تشبثت بها بدافع الخوف. لكن حان الوقت اليوم لإعادة تصميمها أو تركها. ربما عانيت من حزن كبير تضطر إلى تجاوزه ببط، كفقدان شخص عزيز على قلبك أو شعورك بالعزلة أو الوحدة أو الخوف أو القلق. وربما طورت عادة العزلة أو الحفاظ على مسافة اجتماعية وترغب في التخلص منها لتشعر أنك جزء من المجتمع مرة أخرى. أو تقرر بعد عامين من تغيير مكان سكنك ما إذا كنت ستعاود السكن في الشقة بالمدينة التي أحببتها. ما الذي ترغب في تركه وراءك لتكون أكثر سعادة ونجاحاً في السنوات القادمة؟
إذا كنت تعتقد أن الوقت حان لتبدل وظيفتك (أو حتى مهنتك)، فقد يكون الوقت مناسباً الآن، أي خلال فترة "الاستقالة الكبرى". فكّر ملياً في التغيير الكبير، لكن إذا لاحظت وجود علامات تدل على ضرورة تركك العمل، ففكر في كيفية ترك العمل لتحقيق هدف ما بدلاً من مجرد ترك العمل فقط. وفكر في طبيعة عملك المزدهر في المستقبل. وابدأ مجموعة منظمة من الخطوات التالية لتحقق مبتغاك.
تقبّل الآخرين
يتمثّل أفضل جزء في اختبار تلك التحولات في الحياة والأهداف في أننا لسنا بمفردنا. فبينما تتجاوز أحد أهم التحولات في حياتك، تذكر أنك محاط بالعشرات من الأشخاص الذين خاضوا التغيير ذاته بالضبط،
فاحرص على التواصل معهم، واعرض دعمك لهم في رحلتهم والتمس نصيحتهم في رحلتك. وليس ثمة وقت أفضل لتشكيل مجموعة توجيه الأقران أو نادٍ للكتب أو مجموعة تغيير الوظائف من اليوم (ولو افتراضياً). هل تشعر بالتعاطف تجاه خوض أشخاص آخرين فترة انتقالية؟ تذكّر أنهم يبادلونك المشاعر ذاتها.
لذلك، ادعموا بعضكم بعضاً بينما تجتازون هذه المرحلة الجديدة من الحياة وتختبرون تلك التحولات في الأهداف معاً. وينطبق ذلك بشكل خاص على الانتقال المهني. انضم إلى مجموعة "الانتقالات المهنية" التي يكوّنها الأصدقاء أو المعارف الذين يفكرون في خطوات مماثلة. أو انضم إلى جمعية أو مؤتمر مهني في المجال الذي ترغب في العمل ضمنه. وأحِط نفسك بالآخرين الذين يمكنهم مساعدتك في التفكير خلال عملية الانتقال وإزالة الغموض عنها وجعلها أكثر فائدة.
قد تبدو أي نقطة انعطاف رئيسية في الحياة مرعبة. وقد يصعب العثور على مصادر الأهداف الجديدة. ومثل العديد من التحولات الحياتية الأخرى، لم تكن الجائحة مرحباً بها أو ممتعة. والسؤال الأكبر الذي نواجهه جميعاً اليوم هو: ما الخطوة التالية، وكيف يمكننا التمسك بأهدافنا في مستقبل ما بعد الجائحة.