تعرف على استراتيجية الدول الكبرى من خلال هذا المقال.
استراتيجية الدول الكبرى
لطالما شكّل الاقتصاد الهندي وجهة استثمار جذابة للشركات متعددة الجنسيات، إذ تعتبر السوق الهندية سوقاً كبيرة بالفعل. وتشير "فرونتير استراتيجي غروب" (Frontier Strategy Group) إلى أن متوسط معدلات النمو في البلاد سيتراوح بين 7.4% و7.6% على مدار السنوات الثلاث المقبلة.
ومع ذلك، لا يزال يصعب على الشركات متعددة الجنسيات دخول السوق الهندية، إذ غالباً ما يذكر المسؤولون التنفيذيون من الشركات الغربية متعددة الجنسيات، في محادثاتي معهم، التكلفة العالية وصعوبة ممارسة الأعمال التجارية في الهند على أنهما من أكبر العوامل المثبطة للاستثمار في البلاد.
وكأحد الأمثلة على تلك الصعوبات، ضع في اعتبارك أن الهند تحتل المرتبة 100 من أصل 190 دولة في تصنيف البنك الدولي لسهولة ممارسة أنشطة الأعمال، متأخرة 22 مرتبة عن الصين، و39 مرتبة عن إندونيسيا، ومتقدمةً 9 مراتب فقط عن بابوا غينيا الجديدة. كما أن ترتيب الهند أيضاً سيئ جداً فيما يتعلق بالتعامل مع تصاريح البناء (المرتبة 181) وإنفاذ العقود (المرتبة 164).
ويعود السبب الرئيس لضعف الأداء إلى المشهد التنظيمي المعقد وغير المتوقع هناك، إذ يعدُّ عدم اتساق السياسات والتفسيرات الذاتية للتشريع عملياً من العقبات الرئيسة أمام ممارسة الأعمال. علاوة على ذلك، يمكن أن تتغير القوانين ما بين ولاية وأخرى لدرجة تشبه الاختلاف بين دولة وأخرى حول العالم.
اقرأ أيضاً: التوازن الدقيق في إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية المتكاملة
وإذا كانت الشركات متعددة الجنسيات تريد النجاح في الهند، فعليها فهم الاختلاف بين الولايات وبيئات أعمالها بتفصيل أكثر، إذ تتعامل معظم الشركات، بما فيها تلك المذكورة أعلاه، مع الهند كسوق واحدة في الوقت الذي عليها فيه التعامل مع كل ولاية من هذه الولايات كسوق مختلفة تماماً عن الولاية الأخرى. ففي نهاية المطاف، ما نجح في ولاية غوجارات لن ينجح بالضرورة في ولاية البنغال الغربية.
إن الهند سوق كبيرة ومجزَّأة وغير متجانسة، فضلاً عن وجود اختلافات إقليمية كبيرة داخل البلاد غالباً ما يتم التقليل من أهميتها، على غرار اللغة والثقافة والمواهب والبنية التحتية والثروة، وهو ما يتسبب في اختلافات واسعة في مشهد ممارسة الأعمال التقليدي.
وغالباً ما يُنظر إلى الولايات الهندية على أنها أشبه بدول مستقلة. فعلى سبيل المثال، تعتبر ولاية أوتار براديش الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الهند بعدد من السكان يساوي عدد سكان البرازيل، بينما تتمتع ولاية ماهاراشترا الأكثر ازدهاراً في الهند باقتصاد يكاد يبلغ نفس اقتصاد العراق.
كما أن الاختلافات الثقافية مهمة، وبغض الطرف عن الاختلافات الموثقة جيداً في اللغة والتنمية، فإن الفروق الديموغرافية مهمة أيضاً. فعلى سبيل المثال، يعتبر جنوب الهند الجزء الأقدم وفيه إمكانات إنفاق أعلى وعدد أكبر من السكان المَهَرة، في حين يعتبر شمال الهند أحدث وأكثر فقراً نسبياً. ويفضل سكان شمال الهند التحدث باللغة الهندية، بينما يفضل سكان الجنوب التواصل باللغة الإنجليزية أو لغة الولاية الخاصة بهم. ولهذه الاختلافات الثقافية تأثير كبير على المواهب متعددة الجنسيات والقرارات التنظيمية للشركات.
كما تعطي الحكومة الاتحادية الهندية الولايات صلاحية اتخاذ بعض القرارات السياسية الرئيسة، حيث تقع صلاحية تحديد السياسات المتعلقة بتطوير البنية التحتية والأراضي والعمل والرعاية الصحية والنقل على عاتق الولايات، وأيضاً منح معظم التراخيص والتصاريح.
ونتج عن عملية وضع السياسات اللامركزية هذه اختلافات واسعة في المشهد التجاري عبر الولايات الهندية نظراً لاختلاف الأولويات بين حكومة كل ولاية وأخرى، من التنمية الريفية إلى تحسين البنية التحتية إلى جذب الاستثمار.
اقرأ أيضاً: الأنشطة الجانبية الاستراتيجية
فعلى سبيل المثال، تشير دراسة استقصائية حديثة شملت أكثر من 3,000 شركة هندية، أجرتها مؤسسة الأبحاث الحكومية "نيتي آيونغ" (NITI Aayog)، إلى أن الشركات بحاجة إلى 156 يوماً في المتوسط للحصول على أرض من الحكومة في الهند. ومع ذلك، ذكرت الشركات الناشطة في ولاية هيماشال براديش أن الأمر يستغرق منها 28 يوماً، بينما تستغرق تلك الموجودة في تشهاتيسجاره 213 يوماً. وبالمثل، يختلف الوقت المستغرق للحصول على الكهرباء. إذ يشير تقرير يتحدث عن كامل الهند إلى أن الشركات تستغرق في المتوسط 52 يوماً للحصول على الكهرباء، لكن إذا نظرت إلى كل ولاية على حدة، فسترى أنها تستغرق 31 يوماً في ولاية كارناتاكا و32 يوماً في ولاية غوجارات و95 يوماً في أوديشا.
ونتوقع أن تصبح سياسة الولاية أكثر وضوحاً في تحديد الإمكانات الاستثمارية الشاملة للبلاد. فالتنافسية الاتحادية، وهي آلية تستخدمها الحكومة المركزية لتشجيع الولايات على التنافس على الاستثمارات القائمة عبر تطوير السياسة الاقتصادية وتسهيل الإجراءات، تكتسب زخماً سريعاً. وتقوم الحكومة المركزية بنقل السلطة لحكومات الولايات، وتشجعها على وضع سياساتها الاقتصادية الخاصة.
خطوات مساعدة الشركات على ترتيب الأسواق
وبصرف النظر عن مدى اختلاف الولايات في الهند، يجب على الشركات أيضاً وضع خطة مدروسة لتخصيص الموارد تختلف بين ولاية وأخرى، إذ تجد معظم الشركات صعوبة في مقارنة أسواق تلك الولايات بكفاءة وفي تطوير عملية منظمة لترتيب أولويات العمل هناك. واستناداً إلى خبرتنا في العمل مع العديد من الشركات العاملة في الهند عبر صناعات مختلفة، نجد أن في إمكان إطار عمل بسيط مكون من أربع خطوات مساعدة الشركات على ترتيب الأسواق في البلاد بكفاءة:
الخطوة 1: قياس الفرصة المعدلة حسب المخاطر
نوصي الشركات أولاً بقياس الفرص المعدلة حسب المخاطر في كل ولاية على حدة من خلال تحليل المؤشرات الرئيسة لحجم السوق والنمو والتجمعات الصناعية والاستقرار. (تقيس مقاييس التجمعات الصناعية حجم مجموعة العملاء المحتملين للشركات التي تتوجه بأعمالها للشركات وتلك التي تتوجه بأعمالها للعملاء، بينما تقيس مقاييس استقرار السوق الاستقرار المؤسسي والتجاري والاجتماعي). وتتضمن قائمة الأمثلة على المؤشرات الحجم (السكان، على سبيل المثال، أو الناتج المحلي الإجمالي للدولة)، النمو المتوقع، ومجموعات الصناعة، واستقرار السوق (بما في ذلك العوامل من معدلات الإصابة في مكان العمل إلى الجريمة).
وتتيح هذه الخطوة الأولى للشركات قياس إمكانات السوق من ناحية (الحجم والنمو وتجمعات الصناعة) وأيضاً المخاطر المرتبطة (استقرار السوق)، وهو ما يعتبر مهماً للحصول على تقييم للإمكانات الواقعية للولاية.
الخطوة 2: قياس بيئة التشغيل لاتباع استراتيجية الدول الكبرى
كما يجب على الشركات قياس بيئة التشغيل في كل ولاية، من خلال تحليل المؤشرات المتعلقة بالبنية التحتية والمواهب والتمويل وبيئة الأعمال والضرائب. وهي بيانات متاحة للجمهور على موقع كل ولاية. وتشمل المؤشرات مثلاً البنية الأساسية (مثل عدد المنافذ الحدودية الرئيسة)، والوصول إلى المواهب (عدد الأشخاص الذي تلقوا التعليم العالي)، والوصول إلى التمويل، وبيئة الأعمال والضرائب وسهولة ممارسة الأعمال التجارية.
وتختلف بيئة الأعمال والتشغيل اختلافاً ملحوظاً بين الولايات. والتركيز على من يتمتعون ببيئة تشغيل قوية - على سبيل المثال، سهولة ممارسة الأعمال بدرجة عالية (أندرا براديش) أو بنية تحتية متطورة (غوجارات) - يمكن أن يساعد الشركات متعددة الجنسيات على خفض تكلفة ممارسة الأعمال التجارية في البلاد.
الخطوة 3: تقييم النتائج
ومع قيامك بتخطيط الفرصة مع تعديل المخاطر وبيئة التشغيل للولايات المختلفة على مخطط بياني، يمكنك أن ترى بوضوح الحالات التي تقدم أعلى عائد على الاستثمار وتمثل أكبر فرصة لممارسة الأعمال. وتمثل الولايات في الزاوية العليا اليمنى في المخطط البياني الفرصة الأكبر وبيئة التشغيل الأقوى، في حين تمثل تلك الموجودة في الزاوية اليسرى السفلي الفرصة الأصغر وبيئة التشغيل الأضعف. ويجب على الشركات التركيز على الولايات الموجودة في الزاوية العليا اليمنى، التي توفر أكبر فرصة وأقوى بيئة تشغيل، مما يزيد من العائد على الاستثمارات الخاصة بتلك الشركات.
اقرأ أيضاً: 5 استراتيجيات لإيجاد مكان عمل يحتضن الجميع
وفيما يلي مثال على كيفية ظهور هذا الرسم البياني، بناءً على التحليل الذي أجرته شركتنا باستخدام التدابير المذكورة سلفاً لتحديد فرص التشغيل وظروفه لكل ولاية هندية. على الرغم من أن هذا قد يختلف وفقاً لما تهتم به الشركات الفردية في القياس، فإننا قمنا بتصنيف الولايات على النحو الذي قد تتوصل إليه معظم الشركات.
الخطوة 4: ترتيب الولايات بحسب الأولوية لاتباع استراتيجية الدول الكبرى
تحتاج الشركات متعددة الجنسيات إلى مواءمة تركيزها واستراتيجيتها في الهند مع النتيجة التي تريدها، حيث يمكن للشركات القيام بذلك عن طريق تصنيف الولايات إلى أربع مجموعات مرتبة بحسب الأولوية.
المجموعة الأولى من الولايات– تلك التي تتمتع بفرصة كبيرة وبيئة تشغيل قوية – هي ولايات الفئة 1 التي يجب فيها على الشركات متعددة الجنسيات التركيز على تحسين الأداء. ولدى معظم الشركات متعددة الجنسيات بالفعل وجود في هذه الولايات، وينبغي على التنفيذيين اتباع نهج استراتيجي لتحسين العمليات واغتنام الفرص في هذه الولايات عالية الأداء. وبالنسبة إلى العديد من الشركات، تضم قائمة الولايات الموجودة في الفئة 1 كلاً من ماهاراشترا وغوجارات ودلهي وتاميل نادو وكارناتاكا. ونوصي بفحص مناطق التوسع الجغرافي داخل الولايات وإجراء مراجعات داخلية لتحديد مجالات القصور التشغيلي.
الفئة الثانية من الولايات – تلك التي تتمتع بفرصة معتدلة وبيئة تنظيمية جيدة – هي الولايات التي يجب على الشركات أن تفكر في توسيع وجودها فيها. وثمّة فوائد في التوسع داخل الولايات القريبة جغرافياً من ولايات الفئة 1، لذلك نقترح استراتيجية "التفرّع" للتمدد، أي يجب على المسؤولين التنفيذيين إعطاء الأولوية للتوسّع في ولايات الفئة 2 القريبة نسبياً من الولايات عالية الأداء للاستفادة من أوجه التشابه الثقافي فيما بين تلك الولايات ونيل وفورات الحجم.
الفئة الثالثة من الولايات – تلك الولايات ذات الفرص المعتدلة لكن البيئة التنظيمية فيها ضعيفة – هي تلك التي ينبغي على المسؤولين التنفيذيين فيها مراقبة معدلات النمو فيها واستكشاف إمكاناتها مع استمرار حكومات الولايات في تحسين البيئة التنظيمية من خلال تطبيق الإصلاحات. وتعتبر دراسة تفاصيل مختلف مبادرات السياسات الرامية إلى جذب الاستثمار أمراً بالغ الأهمية للشركات لتحديد الوقت المناسب لدخول هذه الأسواق. وتقع العديد من الولايات الوسطى والشرقية في هذه الفئة.
وأخيراً، من المحتمل أن تكون الفئة الرابعة – تلك التي لديها فرصة صغيرة معدلة وفق المخاطر وبيئة التشغيل الضعيفة – وجهات استثمار مكلفة للشركات متعددة الجنسيات ذات العوائد المنخفضة. وينبغي على المسؤولين التنفيذيين وضع أولوية منخفضة لهذه الولايات.
وتعتبر الهند في كثير من الأحيان دولة مؤلفة من بلدان، ويمكن أن تكون سوقاً صعبة للشركات متعددة الجنسيات لكنها مجزية في الوقت نفسه. ويمكن للشركات التي لديها نهج منظَّم لتحديد الأولويات فيما يتعلق بالولايات الهندية دخول تلك السوق المعقدة بكفاءة واتخاذ قرارات تتبع استراتيجية الدول الكبرى مدعومة برؤى ذات طابع كمي. ويساعد هذا النهج أيضاً المسؤولين التنفيذيين في إعطاء الأولوية لتلك الولايات الصديقة للأعمال، مما يؤدي إلى خفض تكاليف التشغيل ومساعدتها في الحصول على أعلى عائد على استثماراتها. إن تبني مقاربة حكيمة لكل ولاية هو أمر أساسي لتحقيق ذلك في الهند.
ملاحظة المحررين: تعتبر جميع الترتيبات والمؤشرات مجرد وسيلة واحدة من وسائل التحليل والمقارنة بين الشركات أو الأماكن بناء على منهجية محددة ومجموعة من البيانات. ونحن في "هارفارد بزنس ريفيو"، نرى أن المؤشر المصمم جيداً يمكنه تقديم إيضاحات مفيدة، غير أنه، بحكم طبيعته، يعتبر لمحة موجزة من صورة أكبر. لذلك نحث القارئ دائماً على قراءة المنهجية بعناية.
اقرأ أيضاً: 5 خرافات حول الاستراتيجية