3 أنواع من التفكير المفرط في العمل وطرق التغلب عليها

5 دقيقة
التفكير المفرط
هنريك سورنسن/غيتي إميدجيز

ملخص: يظن العديد من الناس أن التفكير المفرط صفة واحدة عامة، إلا أن ثمة 3 أنواع مختلفة منه: اجترار الأفكار، والتفكير المفرط في المستقبل، والتحليل المفرط. وتقدم مؤلفة هذا المقال مبادئ توجيهية حول كيفية تحديد الأنواع الثلاثة من التفكير المفرط، وكيفية التعامل معها؛ فتحديد نوع التفكير المفرط الذي تعانيه أنت أو فريقك هو الخطوة الأولى في عملية التحرر من براثنه، لا سيما في ظلّ تزايد الطلب على اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة بعناية.

ثمة العديد من المواقف التي نتعرض لها في بيئة العمل الحالية والتي تجعلنا نفرط في التفكير، مثل القلق حول التداعيات المحتملة لاتجاه جديد في السوق، أو الاهتمام الزائد بلغة رسالة بريد إلكتروني إلى عميل مهم، أو القلق حول رد فعل الموظف تجاه التقييم.

وليس من المستغرب أن يعترف نصف إلى ثلاثة أرباع الأشخاص البالغين بأنهم يفرطون في التفكير، وذلك نظراً لامتلاكهم إمكانية الوصول إلى مزيد من المعلومات وتزايد الضغوط التي يواجهونها. ولاحظت بالفعل نمطاً شائعاً بعد تقديم التدريب المهني للعاملين في أفضل الشركات في العالم لأكثر من عقد؛ إذ ثمة فئة من الأشخاص الناجحين الذين يميلون إلى تعقيد الأمور من خلال إضافة تفاصيل غير ضرورية إلى قراراتهم، ويستغرقون وقتاً أطول للتفكير قبل اتخاذ القرار. وأطلقُ على هذه الفئة اسم "المناضلين الحساسين"، وهم الأشخاص الذين يفكرون بعمق في تفاصيل الأمور وينتقدون أنفسهم بقسوة.

التفكير المفرط مرهق بالفعل، لكنه قد يُسهم في زيادة القلق ويؤدي إلى شعور الفرد بالاحتراق الوظيفي إن تُرك دون رقابة. وثمة عواقب بعيدة المدى على المؤسسات أيضاً. فعندما يُفرط الموظفون، أو الفرق بأكملها، في التفكير، تحدث نقطة اختناق تؤدي إلى تباطؤ عملية اتخاذ القرارات، وضياع الفرص، وخلق ثقافة تجنب المخاطر، ما يقيّد نمو الأعمال.

ومن الواضح بالتالي أن هناك حاجة مُلحة إلى وضع حلول فعالة للتغلب على التفكير المفرط في مكان العمل. ولكي نعالج هذه المشكلة فعلياً، من المهم أن نعترف بوجود 3 أشكال للتفكير المفرط: اجترار الأفكار، والتفكير المفرط في المستقبل، والتحليل المفرط. ويمكن من خلال التسلّح بهذه المعرفة تطوير استراتيجيات موجهة تُسهم في تحقيق تغيير هادف ودائم للعمال والمؤسسات التي توظفهم.

وإليك كيفية تحديد الأنواع الثلاثة من التفكير المفرط وكيفية التعامل معها.

اجترار الأفكار

يوصف اجترار الأفكار بحلقة التكرار العقلية التي تجعل الشخص يفكر في الأحداث السابقة، خاصة السلبية أو المُحزنة منها. ويجد الأشخاص الذين يعانون اجترار الأفكار أنفسهم عالقين في دوامة من الندم والشعور بالذنب والتفكير في سيناريوهات محتملة، مستعرضين ما ارتكبوه من أخطاء، وموجهين اللوم إلى أنفسهم. وأحد جوانب اجترار الأفكار بالفعل هو حصر التركيز على التجارب التي حدثت في الماضي.

العلامات التي يجب الانتباه لها

  • التركيز على الملاحظات السلبية.
  • التحدث عن حالات الفشل أو النكسات أو الأخطاء السابقة في أثناء الحوار مع الآخرين.
  • الحذر المبالغ فيه من خلال التحقق من العمل مرتين أو ثلاث مرات رغبة في تجنب الأخطاء.

العلاج

قد تبدو فكرة تخصيص وقت محدد في اليوم للتنفيس عن مشاعر القلق والتفكير بصورة متعمدة غير بديهية، لكنها مفيدة بالفعل؛ أي بدلاً من السماح لاجترار الأفكار بالسيطرة على يومك بأكمله، حدّد فترة زمنية للتفكير، ويجب أن تكون الفترة قصيرة بما يكفي ليسهل التحكم فيها، أي بين 15 إلى 30 دقيقة. اختر وقتاً معيناً ملائماً في اليوم (لكن ليس قبل موعد النوم) واختر مكاناً محدداً لقضاء هذا الوقت، ككرسي محدد في المنزل، أو غرفة هادئة، أو حتى مكان معين في الحديقة. ثم قسّم مصادر قلقك إلى فئتين: القلق الذي يمكنك التحكم فيه، والقلق الذي لا يمكنك التحكم فيه. بالنسبة للقلق الذي يمكن التحكم فيه، مارس العصف الذهني للتوصل إلى إجراءات أو حلول محتملة. على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالقلق بشأن موعد نهائي، فقد تشمل الإجراءات العملية التي يمكن اتخاذها رفض التزام آخر. أما بالنسبة للقلق الذي لا يمكنك التحكم فيه، فيمكنك اتباع أسلوب التخيّل؛ تخيل وضع مشاعر القلق في بالون وإطلاقه في السماء.

عندما تضع وقتاً محدداً للخلو بالنفس والتعامل مع هذه الأفكار، فلن تكون في صراع مستمر للتخلص منها، بل أنت تؤجلها فقط إلى وقت أكثر ملاءمة. وإذا لاحظت أنك بدأت اجترار الأفكار خارج الوقت المحدد، فذكّر نفسك بلطف أن الوقت ليس مناسباً الآن للتفكير، وأنك ستتعامل مع تلك الأفكار لاحقاً، ما يساعدك على زيادة الوعي بأنماط الفكر السلبية والسيطرة عليها.

التفكير المفرط في المستقبل

يصف هذا المصطلح الأشخاص الذين يشعرون بالقلق حيال المستقبل بدلاً من الماضي. توقّع المستقبل مفيد بالفعل أحياناً، لكن التفكير المفرط فيه يعوق التقدم، كالتفكير في حالة عدم اليقين حيال الأحداث المستقبلية، والاحتمال الكبير للفشل، والخوف من المجهول.

العلامات التي يجب الانتباه لها

  • بذل جهد كبير في التخطيط لكل سيناريو محتمل استعداداً لأي حدث طارئ.
  • صعوبة الاحتفال بالنجاح بسبب التفكير الدائم في المستقبل.
  • الشعور بالتوتر والقلق الدائمين نتيجة التفكير المفرط في المهام غير المُنجزة.

العلاج

استخدم قدرتك على التفكير في المستقبل بصورة بنّاءة. تخيّل نفسك في المستقبل متجاوزاً الأحداث التي تواجهك حالياً.

على سبيل المثال، يعاني مدير التسويق، كمال، توتراً شديداً بسبب إطلاق منتج جديد؛ فالموعد النهائي ضيق جداً، وتوقعات النجاح مرتفعة، وفريقه يواجه ضغطاً كبيراً. كما أنه يشعر بالقلق بشأن استراتيجية الحملة الإعلانية، وعبء العمل المتوقع من الفريق، وردود فعل العملاء المحتملة.

وجد كمال غرفة اجتماع هادئة في أثناء استراحة الغداء، فجلس فيها، وأغلق عينيه، وتخيل نفسه بعد خمس سنوات من الآن متولياً منصباً أعلى ومتأملاً مساره المهني. وأدرك من خلال وجهة النظر المستقبلية هذه أن عملية إطلاق المنتج كانت واحدة من العديد من المشاريع التي تولى إدارتها خلال مسيرته المهنية. وكان قادراً بالتالي على فهم الأمور من منظور أوسع. وعلى الرغم من أهمية هذه العملية، فإنها ليست اللحظة الحاسمة التي تحدد مسار حياته المهنية بأكملها. كما تذكّرَ أيضاً أن بعض الجوانب من العملية لم تسر على النحو المخطط له، لكن الفريق تكيّف مع الصعوبات وتعلّم من التجربة.

تقلل هذه الاستراتيجية المعروفة باسم "التباعد الزمني"، من الشعور بالقلق والتوتر الشديدين، ما يساعدك على التركيز على الحاضر بعقلية هادئة ومتوازنة.

يمكنك أيضاً ممارسة "التجاهل الانتقائي" من خلال تقليل تعرضك للمصادر التي تسبب لك التوتر غير الضروري؛ بمعنى آخر، كن حذراً وانتقائياً بشأن المعلومات التي تختار الاطلاع عليها، خاصة من مصادر الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي. وحدد عوامل التحفيز التي تعزز ميلك إلى التفكير المفرط في المستقبل، كالتحديثات حول التقلبات المستمرة في السوق والتنبؤات بمستقبل القطاع، أو التحقق المستمر من لوحات معلومات مؤشرات الأداء الأساسية أو الحسابات المالية؛ فإذا لم تؤثر تلك التحديثات أو المعلومات المعيّنة على عملك اليومي أو على عملية صناعة القرار، فليس هناك داعٍ للتركيز عليها، بل امنح الأولوية للمعلومات التي يمكنك اتخاذ إجراءات فعلية بناءً عليها.

التحليل المفرط

يرتبط اجترار الأفكار والتفكير المفرط في المستقبل بالزمن، فالأول يركز على الماضي، في حين يركز الآخر على المستقبل؛ من جهة أخرى يتمحور التحليل المفرط حول التفكير بعمق وبإفراط في موضوع أو فكرة أو موقف ما. وعلى الرغم من أن هذا التحليل المفرط يولد رؤى ثاقبة عميقة أحياناً، يدفعك في أحيان أخرى إلى التركيز على تفاصيل دقيقة غير ذات أهمية بالمسألة المطروحة.

العلامات التي يجب الانتباه لها

  • الميل إلى التسويف أو تأجيل اتخاذ الإجراءات لإجراء مزيد من البحوث.
  • الاعتماد المفرط على موافقة الآخرين لتأكيد صحة التحليلات، ما يعكس قلة الثقة في القدرة على اتخاذ القرارات.
  • الصعوبة في التمييز بين المهام ذات الأولوية العالية والمهام ذات الأولوية المنخفضة، ما يؤدي إلى تراكم القرارات.

العلاج

بدلاً من البحث عن الخيار المثالي، اسعَ إلى خيار "مقبول" باتباع نهج يُعرف بالإرضاء؛ أي عندما يفي قرار ما بالمعايير المحددة ويكون مُرضياً بالنسبة لك، فعليك قبوله والعمل به، حتى لو كان هناك احتمال لوجود خيار أفضل. قارن ذلك النهج بنهج المحللين الذين يدرسون كل خيار، ويواصلون في البحث عن بدائل أو عروض أو نتائج أفضل، ولو على حسابهم الشخصي، ويميلون إلى التحليل المفرط، ولا يرضون بنتائج قراراتهم، ويقارنون أنفسهم سلباً مع الآخرين.

تساعدك معايير اتخاذ القرار الرئيسية أو مبادئه أو متطلباته على تحديد المتغيرات المهمة التي تؤثر في اتخاذ القرار. قد تكون معايير اتخاذ القرار التي تلتزم بها مهنية أو شخصية. على سبيل المثال، لنفترض أنك تواجه شللاً تحليلياً بشأن قرار معين، مثل تقديم ميزة جديدة لمنتجك أو خدمتك. قد تشمل معايير اتخاذ القرار: التكلفة والربحية والجهد ومستوى المخاطرة أو الأثر. لنفترض الآن أنك تحاول اتخاذ قرار شخصي، مثل الانتقال إلى وظيفة جديدة، ستنظر حينها في معايير مثل مدى تناسب المنصب مع نقاط قوتك، والراتب المقترح، ومدى توافق المنصب مع تطلعاتك المستقبلية. ضع ثلاثة معايير، شرط أن يتفوق أحدها على المعيارَين الآخرين. وإذا كنت في موقف يتطلب منك اتخاذ قرار جماعي مع الآخرين، فاطلب من الجميع ممارسة العصف الذهني والاتفاق على المعايير معاً.

باختصار، تذكّر أن الهدف ليس التخلص من جميع أنواع التفكير العميق، بل منعه من التحوّل إلى نوع غير منتج. كما أن تحديد نوع التفكير المفرط الذي تعانيه أنت أو فريقك هو الخطوة الأولى في عملية التحرر منه، لا سيما في ظل تزايد الطلب على اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة بعناية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي