لطالما كان التحول المؤسسي الناجح هو أعظم إنجاز في عالم الشركات، ومن المؤشرات التي تدل على أن الشركة تسير على درب التحول المؤسسي الصحيح هو مدى اندماج موظفيها مع أهداف الشركة ومشاركتهم في صناعة القرارات.
وتُعد طريقة القرار التشاركي من العوامل الرئيسة للنجاح في عملية التحول المؤسسي، فإذا كان قادة الشركات واعين بمدى شغف القوى العاملة الموجودة في الشركة، فإنهم بذلك يسبقون الشركات المنافسة بخطوة إلى الأمام.
وقد كشفت البحوث أن الشركات التي نجحت في تحولاتها كان لديها تركيز مشترك على المبادرات التي أعطت الأولوية للموظفين، مثل برامج التنوع والمساواة والشمول، وتقديم أجور تنافسية وتوفير إمكانية الحصول على الرعاية الصحية، بالإضافة إلى اتباع نهج "القرار التشاركي" أو القيادة التشاركية.
يمكن تعريف نهج القرار التشاركي بأنه السماح للموظفين اقتراح الأفكار لحل المشاكل المحتملة، ما يعزز العمل الجماعي التعاوني بدلاً من التنافس لاحتكار القرارات. وقد نجحت شركة "مايكروسوفت" في تطبيق هذا لتصبح بذلك من أشهر الأمثلة عن التحول المؤسسي الناجح في السنوات الأخيرة. ففي عام 2014، عندما بدأت شركة "مايكروسوفت" مبادرة التحول، شرعت في صياغة رسالة ورؤية جديدتين بحيث تعكسان مُثُل التعاطف والإنسانية وفهم الاختلافات الثقافية ومكانة "مايكروسوفت" في العالم، وكانت النتيجة هي تحول الرسالة من التركيز على المنتج إلى التركيز الأكثر شمولاً على الموظفين، بهدف "تمكين كل شخص ومؤسسة على هذا الكوكب من تحقيق المزيد".
ثلاث خطوات لتنفيذ نهج القيادة التشاركية
إليك أهم ثلاث خطوات في تنفيذ نهج القرار التشاركي بين الإدارة والموظفين لتحقيق التحول المؤسسي الناجح.
أولاً، التواصل الداخلي:
لا يساعد التواصل الداخلي على فهم التحول المؤسسي وأثره فقط، بل يساعد أيضاً في إبقاء جهود التغيير على المسار الصحيح. ووفقاً لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة "روبرت هاف" (Robert Half)، أكدّ 65% من المدراء أن التواصل والشفافية بينهم وبين فرقهم كان من أهم جوانب القيادة خلال فترات التحول المؤسسي. ويمكن تحقيق التواصل الفعال عن طريق الاجتماعات الدورية بين قادة الشركات ومدراء الأقسام، أو عبر التواصل الإلكتروني عن طريق الإيميل يومياً، أو عبر عقد ورش دورية أو اجتماعات نقاش العصف الذهني التي تساعد على توليد الأفكار وحل المشاكل.
يقول بول بالتس مدير قسم الاتصال والتواصل في مؤسسة "نيبراسكا ميديسن" (Nebraska Medicine): "لا تغفل عن قيمة التواصل، فالتواصل ليس مهماً بل إنه ضرورة لا بد منها لتحقيق الاستفادة للمؤسسة".
ثانياً، تطوير الكوادر البشرية:
إن تطوير الكوادر البشرية داخل المؤسسة ينبغي أن يكون على رأس أولويات خطة أي تحول يُراد له الاستدامة. لذلك من المهم تنفيذ برامج ومبادرات لتأهيل الكوادر داخلياً لمواكبة التطور.
لكن لا يجب الاكتفاء بالبرامج والمبادرات الداخلية لتطوير الكوادر البشرية، فمن المهم استقطاب كفاءات خارجية لتعزيز فرق العمل. ويعتبر نشاط شركة "فولفو" حالة فريدة من نوعها في كيفية الاستعانة بكفاءات من خارج الشركة لتجهيز القوى العاملة لخوض مبادرة التغيير، حيث اتبعت شركة فولفو "استراتيجية ضم المهارات واكتسابها" وهو ما مكنها من تطوير نظام فعال لدمج المواهب الجديدة.
ثالثاً، تحقيق التنوع والمساواة والشمول:
لا يمكن للشركات النجاح في التحول المؤسسي من دون تحقيق استراتيجية التنوع والشمول. ويُعد دوماً توظيف قوة عمل متنوعة وشاملة هو التصرف الصائب، كما أن آثاره الإيجابية على أداء الشركات موثّقة جيداً. ووضع استراتيجية ملائمة للتنوع والمساواة والشمول يمكن أن يساعد الشركات على جذب الكوادر البشرية لأن هذه الاستراتيجية أصبحت عاملاً مهماً في عملية صنع المرشحين للقرار. في استطلاع أجرته شركة "بيقوم" (Beqom)، شمل 1,000 موظف، قال 48% إنهم سيفكرون في الانتقال إلى شركة أخرى إذا كان لديها استراتيجية متطورة للتنوع والمساواة والشمول.
إن خلق ثقافة النمو معاً والحرص على الابتعاد عن فكرة تطور المؤسسة على حساب الموظفين هو ما يُبعد المؤسسات عن "مرحلة الشيخوخة" التي أشار إليها راسل قاسم على أنها بداية نهاية المؤسسات في مقاله على هارفارد بزنس ريفيو بعنوان: "كيف نتفادى شيخوخة المؤسسة؟". لذلك يجب على الشركات التي تسعى إلى الاستمرار تنفيذ استراتيجية القرار التشاركي بين الإدارة والموظفين من خلال كل الإجراءات المتاحة لها لتحقيق التحول المؤسسي الناجح.