عندما يسألك رئيس المؤسسة أو المدير: من فعل هذا الأمر أو من اتخذ هذا القرار؟ وحين تشتمّ من السؤال رائحة الاستنكار، هل أنت من الناس الذين يقولون "أنا من فعل هذا"؟ أو يخيّم على الاجتماع صمت مطبق، لا تعترف فيه بمن ارتكب الخطأ. أو ربما تدّعي أن زميلك فعل ذلك لتخرج من تحمل المسؤولية؟
لماذا يصعب علينا أن نقول: "أنا من فعل هذا"؟ "أنا من ارتكب هذا الخطأ". لماذا من الصعب الاعتراف بالخطأ، وتقبل النقد؟
الاعتراف بالخطأ وتقبل النقد
يخشى الكثير من الناس الظهور بمظهر الشخص غير الكفء أمام الزملاء أو المدراء. لكن ما لا ندركه أحياناً أن الأسوأ من ذلك هو أن يُنظر إلينا على أننا جبناء غير قادرين على الاعتراف بأخطائنا أو تقبل النقد. فبدلاً من قول "سقط الطبق" أو الصحن، حريّ بك أن تقول: "لقد أسقطتُ الطبق"، لا سيما إن كان هذا ما حصل بالفعل. إن أفضل المسؤولين التنفيذيين والمستثمرين الذين "يسقطون الأطباق" في كل وقت دون أن يعترفوا بذلك، سيفتقرون إلى الخبرة وإلى الفهم الصحيح للمخاطر، كما تقول الخبيرة والكاتبة كارين فايرستون، مؤلفة كتاب "تسوية الاحتمالات: المجازفات الحساسة في الأعمال والاستثمارات والحياة" (Even the Odds: Sensible Risk-Taking in Business, Investing, and Life)، في مقالها: "لماذا من الصعب علينا الاعتراف بأخطائنا".
دعونا نتذكر أن الاعتراف بالخطأ يحتاج أولاً ليس إلى الشجاعة بل إلى الثقة بالنفس، فكلما زادت ثقة الإنسان بنفسه، زادت إمكانية اعترافه بالخطأ، والعكس صحيح، كما يقول العالمان ديفيد دنينغ وجاستن كروغر في نظريتهما المعروفة "تأثير دنينغ كروجر"، "يمكنكم الاطلاع عليها هنا".
ووفقاً للباحث بول شوميكر، مدير البحوث في كلية "وارتون" التابعة لجامعة "بنسلفانيا" الأميركية، ومساعد مؤلف لكتاب "الأخطاء الرائعة" (Brilliant Mistakes)، "يميل معظم الأشخاص إلى المبالغة في رد الفعل تجاه الأخطاء التي يرتكبونها، ويتجه معظم الأشخاص إلى احتساب الخسائر الناتجة عن تلك الأخطاء أكثر من الفوائد التي تنجم عنها". وكنتيجة لهذا التفكير يميلون إلى إخفاء أخطائهم، والأسوأ من ذلك، يواصلون على نفس النهج الذي ثبت عدم جدواه وإنتاجيته.
الوضوح والشفافية في التعامل
وينصح كريستوفر جيرجين، مدير "مبادرة القيادة الريادية"، بجامعة "ديوك" الأميركية بولاية كارولاينا الشمالية، ومساعد مؤلف لكتاب "رواد الحياة: الأشخاص العاديون يصنعون حياة غير عادية" (Life Entrepreneurs: Ordinary People Creating Extraordinary Lives)، بأن عليك التقدم إلى الأمام، والتعامل مع الخطأ بسرعة، ومن خلال إثباتك أن أسلوبك تغيّر بسبب الخطأ، فأنت بذلك تبرهن لرؤسائك وزملائك، بأنه يمكن الوثوق بك في القيام بالمهام واتخاذ القرارات ذات الأهمية نفسها التي ارتكبت خلالها خطأك. إذ يقول شوميكر: "إذا ما كان عليك دفع تكلفة للخطأ الذي ارتكبته، فإنّ أفضل شيء هو التعلم منه". (المزيد في هذا المقال): ارتكبت خطأً... ما الذي عليك فعله الآن؟
ويعتبر الكاتب الشهير ماثيو سيد في كتابه "عقلية الصندوق الأسود" (Black Box Thinking)، أن أحد أهم عوامل نجاح قطاع الطيران في أن يصبح أكثر وسائل النقل أماناً في العالم، هو أن هذا القطاع لديه منهج واضح في التحقيق بكل خطأ وبكل كارثة تحصل لاكتشاف أسبابها بكل شفافية ووضوح. ولا مجال في التحقيق بحوادث الطيران للفساد أو الغش أو التلاعب، لأن الهدف هنا هو تحديد الخطأ وسببه والمسؤول عنه بدقة، بهدف تلافي تكرار الخطأ بأقصى سرعة، وإنقاذ آلاف الطائرات الأخرى التي تحلق في الجو وتحمل على متنها مئات آلاف الأرواح خلال فترة وقوع الحادثة. ويعتبر سيد أن القطاع الطبي في مختلف أنحاء العالم ما بزال يتسبب بقتل آلاف الأرواح سنوياً من خلال الأخطاء الطبية، بسبب عدم قدرة هذا القطاع على وضع منهجية واضحة وآمنة للاعتراف بالأخطاء.
والاعتراف بالخطأ، بحسب الكاتب شين سنو، مؤلف كتاب "فرق الأحلام: العمل معاً من دون السقوط" (Dream Teams: Working Together Without Falling Apart)، يبدأ بـ "التواضع الفكري"، ويذكر في مقال نشره في "هارفارد بزنس ريفيو"، أنه في عام 2016، قسّم أساتذة من جامعة "بيبرداين" مفهوم التواضع الفكري إلى 4 عناصر ونشروا تقييماً لقياسها. العناصر الأربعة هي:
1- احترام وجهات نظر الآخرين.
2- عدم الثقة المفرطة بالأفكار الخاصة.
3- فصل "الأنا" عن الأفكار الشخصية.
4- استعداد المرء لإعادة النظر في وجهة نظره.
لقد عُرف بنجامين فرانكلين أنه ذكي، لكنه كان أيضاً ذكياً بما فيه الكفاية ليفهم أنه لا يستطيع أن يكون محقاً في كل شيء. لهذا قال إنه كلما كان على وشك أن يدلي برأيه في نقاش ما، يبدأ بقول شيء على غرار: "قد أكون على خطأ، ولكن ...". إن قول ذلك جعل الناس يشعرون بالراحة وساعدهم على تقبل اختلاف الرأي والاستماع إلى وجهات نظر الآخرين بطريقة أكثر موضوعية ، كما ساعده ذلك نفسياً أيضاً على أن يكون منفتحاً على الأفكار الجديدة وساعده على الاعتراف بالخطأ وتقبل النقد على نحو أفضل.