ارتكبت خطأً، ما الذي عليك فعله الآن؟

6 دقائق

على الرغم من أنّ معظم الأشخاص يرتكبون الأخطاء ويرون أنه لا يمكن تجنبها، لكن الجميع يحاول دوماً أن لا يكون مسؤولاً عنها. وهنا يجدر بنا القول أنّ كل شخص عمل في شركة ما لأكثر من يوم، فمن المؤكد أنه ارتكب خطأً ما.

ويُعتبر الأمر الجيد أنّ الأخطاء ولو كبيرة، لا يجب عليك أن تدعها تترك أثراً دائماً على عملك. إذ تعمل تلك الأخطاء على صقل وتدريب مساهماتك الشخصية والتنظيمية، وتُعتبر جزءاً أساسياً من الاختبار العملي، بالإضافة إلى أهميتها للابتكار. لذا لا يجب عليك القلق في حال ارتكبت خطأً. ونعيد ونقول، من منا لم يفعل ذلك خلال عمله؟، فيمكنك تصحيحه والتعافي منه، واستخدام خبرتك للتعلم منه وتطوير نفسك بشكل أفضل.

ما يقوله الخبراء

بحسب بول شوميكر (Paul Schoemaker)، مدير البحوث بمركز “ماك للابتكار التكنولوجي” (Mack Center for Technological Innovation) في كلية “وارتون” التابعة لجامعة بنسلفانيا الأميركية، ومساعد مؤلف لكتاب “الأخطاء الرائعة” (Brilliant Mistakes) الذي سيصدر قريباً، يميل معظم الأشخاص إلى المبالغة في ردة الفعل تجاه الأخطاء التي يرتكبونها.

كما يشرح شوميكر ذلك بالقول: “يبالغ معظم الناس في رد فعلهم تجاه الأخطاء التي يرتكبونها، ويتجهون لاحتساب الخسائر الناجمة عنها أكثر من التفكير في فوائدها”. وكنتيجة لهذا التفكير يميلون إلى إخفاء أخطائهم، والأسوأ من ذلك، يواصلون على نفس النهج الذي ثبت عدم جدواه وإنتاجيته، فذلك النهج يمكن أن يكون خطيراً ومكلفاً لهم. لذلك ينصح شوميكر، أنه من الأفضل دوماً تقبّل الأخطاء، والتعلم منها، وتجاوزها، كما يقول عن ذلك: “امض قدماً، وانظر في الأفق، واتخذ القرارات الأساسية بالاعتماد على المستقبل لا الماضي”.

ويتفق كريستوفر جيرجين (Christopher Gergen)، مدير “مبادرة القيادة الريادية” (Entrepreneurial Leadership Initiative)، بجامعة ديوك الأميركية بولاية كارولاينا الشمالية، ومساعد مؤلف لكتاب “رواد الحياة: الأشخاص العاديين يصنعون حياة غير عادية” (Life Entrepreneurs: Ordinary People Creating Extraordinary Lives)، مع شوميكر بالقول: “إنّ أفضل شيء يمكن فعله في حال ارتكاب خطأ ما، القيام بترجمة ذلك الخطأ لحظة قيادية منتجة”.

وهنا نذكر لكم بعض المبادئ الإرشادية لمساعدتك على تحويل الأخطاء إلى فوائد:

أقر واعترف بخطئك

قبل كل شيء. صحيح أنه من المحرج والصعب أن تكون صريحاً وذو شفافية عند الاعتراف بخطئك، لكن لا تحاول مطلقاً إلقاء اللوم على الآخرين عند ارتكابك للخطأ، حتى وإن كان ذلك الخطأ جماعياً ضمن فريق العمل، وعوضاً عن ذلك اعترف بدورك فيه ولا تخفيه. وفي حال تسبب الخطأ الذي ارتكبته في أذية شخص ما، قدم له اعتذاراً رسمياً، لكن لا تحاول الإفراط في الاعتذار أو المدافعة عن خطئك أكثر من اللازم. ويكمن مفتاح ذلك في أن تكون عملي التوجه، من خلال التركيز على المستقبل، مثل كيفية عملك على تعديل الخطأ، وتعاملك في نفس الموقف بشكل مختلف مستقبلاً. وربما يكون مناسباً عند اعترافك بالخطأ، وضعه في إطار مختلف، وهنا لا يعني أنك تختلق ذريعة لما فعلته، ولكن حاول وضع الناس في إطار يمكنهم عبره مشاهدة الخطأ بطريقة مغايرة.

من جانب آخر نعلم أنّ القرارات السيئة والعمليات الخاطئة، تؤدي أحياناً لارتكاب أخطاء، لكن هذا لا يعني أنّ كل نتيجة سيئة تُعتبر خطأً. وهنا يقول جيرجين: “من المهم فهم مخارج ومداخل الخطأ، وما الذي كان تحت سيطرتك وخارجها أثناء ارتكابه”. أخيراً، يمكن لشرح الطريقة التي أدت إلى ارتكاب الخطأ بطريقة غير دفاعية مبالغة فيها أن تساعد الآخرين على فهم كيفية حدوث هذا الخطأ وتجنبه في المستقبل.

غيّر من أسلوبك

تلعب الأخطاء دوراً هاماً في التطوير القيادي، إذ يقول شوميكر عن ذلك: “إنّ أفضل نوع للخطأ، هو ذلك الذي تكون سلبياته منخفضة وفوائده التدريبية والتعليمية مرتفعة”. فإن كان الخطأ نتيجة لقرار سيء اتخذته، اشرح لمديرك أو للأشخاص المتضررين كيف ستتجنب ارتكاب نفس الخطأ أو ما شابهه في المستقبل. ومن الضروري التصرف بسرعة تجاه هذا الأمر، قبل أن يُطلق هؤلاء أحكاماً حول إمكانياتك وخبرتك في العمل.

وفي هذا الصدد يقول جيرجين: “عليك التقدم إلى الأمام، وتتعامل مع الخطأ بأسرع فرصة”، ومن خلال إثباتك بأنّ أسلوبك تغيّر بسبب الخطأ، فأنت بذلك تبرهن لرؤسائك وزملائك ولأصحاب التقارير، بأنه يمكن الوثوق بك في القيام بالمهام واتخاذ القرارات ذات نفس الأهمية التي ارتكبت خلالها خطئك. حيث يقول شوميكر: “إذا ما كان عليك دفع تكلفة للخطأ الذي ارتكبته، فإنّ افضل شيء يكون التعلم منه”.

ربما يبدو الأمر صعباً في بيئة عمل تركز على ثقافة التعلم أكثر من ثقافة التركيز على الأداء، حيث أنّ الأخطاء غالباً ما يُنظر إليها بمزيد من التجهم والشدة. ويقول جيرمن حول هذه النقطة: “بغض النظر عن بيئة العمل في الشركة، عليك معرفة كيف يمكنك ترجمة الخطأ من مسؤولية إلى مكاسب”.

اعتمد على الأشخاص الداعمين لك ضمن العمل

يمكن القول أنّ إنشائك لشبكة قوية من الأشخاص الداعمين تساعدك في العمل وتخطي الأخطاء. وفي هذا السياق يقول جيرجين: “وجد بحثنا أنّ شبكة الداعمين الجيدة في العمل تتضمن ثلاثة عناصر وهي: (علاقات ثقة حقيقية، ومجموعة متنوعة من وجهات النظر، والعلاقات المتبادلة)”. اسأل دوماً زملائك الحاليين أو السابقين أو الاشخاص من خارج مؤسستك، حول وجهات نظرهم عن خطئك، واقتراحاتهم حول ما الذي يمكن أن تفعله لتتجاوزه. ومن المؤكد أنك ستحصل على نصيحة ذات فائدة، تشرح كيف يمكنك وضع الخطأ في إطار مختلف لاستعادة سمعتك.

لا يتم التعامل مع الأخطاء بنفس الطريقة

تختلف الأخطاء بدرجتها ونوعها، فيصعب تجاوز البعض منها. فيقول شوميكر: “أنّ الأخطاء الجماعية ضمن فريق العمل غالباً ما تكون أسهل التغلب عليها، لأن المسؤولية فيها تقع على عاتق الجميع”. من جانب آخر، تُعد الأخطاء التي تتضمن فقدان ثقة شخص ما بك الأصعب إذ تكون لها عواقب دائمة، لكن ومع ذلك يمكن التخلص منها عبر إبداء الندم وطلب الصفح وهذا يُعتبر أمراً هاماً. وعلى سبيل المثال، في حال كان خطئك تسبب في فقدان ثقة شخص ما بك، اذهب إليه وقدم له اعتذاراً صادقاً، واسأله كيف يمكنك استرداد تلك الثقة التي فقدتها، وكن صبوراً، لأن السماح في مثل هذه الحالة يأخذ وقتاً طويلاً.

مبادئ يجب تذكرها

افعل هذه الأمور:

– تقبل المسؤولية ودورك في الخطأ.

– اظهر بأنك تعلمت من الخطأ وأنك ستتصرف بشكل مختلف في المستقبل.

– برهن أنه يمكن الوثوق بك في اتخاذ قرارات أخطأت فيها مستقبلاً.

لا تفعل هذه الأمور:

– لا تلم الآخرين ولا تدافع عن خطأك بشكل مبالغ فيه.

– تجنب القيام بأخطاء تؤدي إلى فقدان الأشخاص ثقتهم بك، لأن التعافي من هذا يعد صعباً.

– لا تتوقف عن القيام بالتجارب والتطور بسبب الخطأ الذي ارتكبته.

دراسة حالة رقم 1: المدير والزملاء الداعمين يسرعون في عملية التعافي من الخطأ

أنشأت كاتي سيلبيرمان (Katie Silberman) المديرة المتعاونة في مؤسسة “شبكة العلوم والصحة البيئية” (Science & Environmental Health Network) غير الربحية، وبحكم واجبها، تقويماً قبل حلول عام 2010 بعدة أشهر، يتضمن تواريخ استحقاق المنح، فضلاً عن المواعيد النهائية التي يجب أن تقدمها للمؤسسات المانحة للحصول على دعم مالي منهم في المستقبل. علماً أنّ إحدى مسؤولياتها في هذا المنصب، كانت إدارة طلبات المنح للمؤسسة في عام 2010.

وبعد إنشاء سيلبيرمان التقويم، أرسلته برسالة إلكترونية إلى مسؤول في إحدى المؤسسات الرئيسية الممولة للمؤسسة بشهر أغسطس/آب، كتأكيد منها على إعادة إرسال طلب المنحة للمؤسسة التي تعمل بها، معتقدة أنها أرسلت الطلب في الوقت المناسب. ليرد عليها المسؤول بأنّ الموعد النهائي للمنح في 2010 انتهى، وهنا شعرت سيلبيرمان بالصدمة.

فبحسب التقويم الذي أنشأته سيلبيرمان كان الموعد النهائي لتقديم طلبات المنح لعام 2010 في مارس/آذار، إلا أنّ التقويم الذي أنشأته كان لتقديم طلبات المنح في 2009، لتكتشف أنها في ورطة كبيرة كون المؤسسة تعتمد على المنحة بشكل رئيسي في القيام بمشاريعها على مدار العام. وتقول سيلبيرمان عن هذا الخطأ: “أن تفقد ممولاً رئيسياً بالنسبة لمؤسسة غير ربحية، ذلك لا يعد أمراً سلبياً فقط بل كارثة”.

وجرت العادة في المؤسسة أن يتم إرسال طلبات المنح من المؤسسات الداعمة في شهر مارس/آذار من كل عام، ليس هذا فحسب بل كان يجري المسؤول عن تقديم تلك الطلبات اتصالاته مع مسؤولي المؤسسات لمناقشة برامج المؤسسة على مدار عام بأكمله. ولم تكن تعلم سيلبيرمان بالأمر الأخير غير الرسمي، ولكن كان من مسؤولياتها معرفة علاقة كل ممول داخل وخارج المؤسسة لضمان أن تكون على رأس كل فرصة تمويل. والتأكيد معهم على ضرورة وضع مؤسستها على رأس المؤسسات التي ستحصل على منح منهم. ومع أنّ سيلبيرمان شعرت أنها ارتكبت خطأً فادحاً، لكنها تداركت الأمر بمساعدة المدراء والزملاء، وإعادة إجراء الاتصالات الرسمية وغير الرسمية وإرسال الرسائل وإجراء المقابلات مع مسؤولي المؤسسات المانحة.

حالة الدراسة رقم 2: لا تضع اللوم على الاقتصاد بل غير من طرقك

أسس كريستوفر جرجين في أواخر تسعينات القرن الماضي موقعاً يدعى “التفكير الذكي دوت كوم” (Smarthinking.com)، لخدمات التعليم لطلاب الثانوية والكليات عبر الإنترنت مع زميل له. وفي ربيع عام 1999 رفع كريستوفر وزميله، تقريراً بمواردهم وأرباحهم المالية للربع الأول. وكان الموقع الذي يمتلكانه ينمو بشكل كبير. وفي بداية عام 2010 كان كريستوفر وزميله يملكان نحو 30 موظفاً، وبصدد إطلاق الموقع كشركة رسمية. لكن المفاجأة كانت أنّ كل هذا النمو حدث بسبب ما يسمى “فقاعة الإنترنت”، وهي فقاعة اقتصادية امتدت ما بين عام 1995 و2000، نمت فيها أسواق البورصة ضمن الدول الصناعية بشكل كبير خاصة في الصناعات المتعلقة بالشبكة العنكبوتية. ليكون كريستوفر وزميله بعد انتهاء هذه الفقاعة وفي غضون أسابيع، ضمن وضع لا يحسدان عليه وفي مواجهة أكبر خطأ ارتكباه في حياتهما، إذ انخفضت موارد الموقع بشكل كبير، لدرجة أنه لم يبقى في حسابهم البنكي من السيولة المالية، سوى ما يكفي لأسابيع من أجل الاستمرار. ومثل الكثيرين لم يستطع كريستوفر وشريكه مواجهة هذه الفقاعة الاقتصادية، إلا أنهما بحثا عن طرق أُخرى لإحياء الشركة من جديد.

واستطاع كريستوفر من خلال الاستفادة من خبرته في التعامل مع الأزمات ضمن المؤسسات التي عمل فيها سابقاً، وعلى الرغم من أنه شاهد كيف كان قادة الشركات يختبئون وراء الأبواب المغلقة في مواجهة تلك الحالات، إلا أنه وشريكه قررا اتباع طريقة أُخرى لإنماء شركتهما من جديد. لذلك استدعوا كل الموظفين وشرحوا لهم بالضبط ما يجب أن يحدث لإنقاذ الشركة، مؤكدين لهم بأنهما لا يستطيعان إنقاذها بمفردهما، ووضحوا ما يجب على كل شخص القيام به من خلال وظيفته.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .